بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فهذا بحث متواضع كنت قد قمت به قبل ثلاث سنوات من الآن يتعلق بالجمع بين الصلاتين في الحضر.
وقد صدرته بمقدمة نافعة في بيان أن الأصل تأدية كل صلاة في وقتها ، وذكرت تعريفا مختصرا للجمع لغة واصطلاحا.
ثم أردفت المقدمة بذكر أنواع من الجمع : كالجمع بعرفة ومزدلفة والجمع بعذر السفر والجمع بعذر المرض والجمع بعذر المطر والثلج والجمع بعذر الطين والظلمة والجمع بعذر الريح الشديدة الباردة مدعما ذلك كله بنقل أقوال العلماء مع ذكر الترجيح إن لزم ذلك.
وقد ختمت هذا البحث بذكر بعض شروط الجمع بين الصلاتين في الحضر وبعض المسائل المهمة.
وقد أسميت هذا البحث على بركة الله : نيل الوطر في فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر.
بيان السبب الذي دفعني للقيام بهذا البحث :
أما عن السبب الذي حملني على القيام بهذا البحث فهو أني جمعت للناس في يوم مطير بين المغرب والعشاء بحكمي إماما في المسجد ، فاعترض معترض علي وادعى أن مثل هذا الجمع لا يجوز !!
فآليت على نفسي أن أقوم بهذا البحث لأقنعه وامثاله بجواز الجمع بين الصلاتين في الحضر لعذر المطر وغيره ، ثم قمت بإلقائه على جمهور المصلين في درس عام بين المغرب والعشاء وكان الحضور كبيرا ولله الحمد والمنة.
وتعمدت أن أنقل عن أئمة المالكية أقوالهم في جواز مثل هذا الجمع لأن المذهب السائد في بلادنا هو المذهب المالكي.
وهكذا تم بفضل الله عز وجل اقتناع الجميع بجواز هذا الجمع ورجع المعترض إلي وأظهر اقتناعه بما ذكرت، ولله الحمد أولا وآخرا.
وحتى لا أثقل عليكم سأقسم هذا البحث إلى أجزاء وأنقل لكم في كل يوم جزءا سائلا المولى تبارك وتعالى أن يجعل ما قلناه وما كتبناه زادا لحسن المصير إليه وعتادا ليمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مقدمة : في بيان أن الأصل تأدية كل صلاة في وقتها
الأصل أداء كل صلاة في وقتها، لقوله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
قال العلامة الألوسي في تفسيره : كتابا : أي كتابا مفروضا، وموقوتا : أي محدد الأوقات، لا يجوز إخراجها عن وقتها في شيء من الأحوال.اهـ
قال العلامة صديق حسن خان : أي فرضا محدودا معينا، والكتاب هنا بمعنى المكتوب، يعني مؤقتة في أوقات محدودة، فلا يجوز إخراجها عن وقتها على أي حال كان من خوف أو أمن.اهـ
وقال تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا.
الدلوك : هو زوال الشمس، والغسق : هو الظلمة.
قال الامام السعدي : ففي هذه الآية ذكر الأوقات الخمسة للصلوات المكتوبات...وفيه أن الوقت شرط لصحة الصلاة وأنه سبب لوجوبها؛ لأن الله أمر بإقامتها لهذه الأوقات.
وفيها أن الظهر والعصر يجمعان، والمغرب والعشاء كذلك للعذر؛ لأن الله جمع وقتهما جميعا.اهـ
وأما من السنة ففيها حديثان : حديث إمامة جبريل وحديث عبد الله بن عمرو.
1. روى البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل، فقال :قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر، فقال : قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب، فقال : قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء، فقال : قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر، فقال : قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر أو قال : سطع الفجر، ثم جاء من الغد للظهر، فقال : قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل أو قال : ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاءه حين اسفر جدا، فقال له : قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال : ما بين هذين وقت.
2. وروى الامام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقت الظهر إذا زالت الشمس و كان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس.
تعريف الجمع لغة واصطلاحا.
لغة : الجمع خلاف التفريق، تقول : جمعت الشيء أجمعه جمعا إذا ضممت بعضه إلى بعض.
اصطلاحا : هو ان يجمع المصلي بين الظهر والعصر تقديما في وقت الظهر، بأن يصلي العصر مع الظهر قبل حلول وقت العصر أو يجمع بينهما تأخيرا، بأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقته ويصليه مع العصر في وقت العصر، ومثل الظهر والعصر : المغرب والعشاء، فيجمع بينهما تقديما وتأخيرا.
ومن هذا التعريف يتبين لنا أن الجمع نوعان : جمع تقديم وجمع تأخير.
نكتفي اليوم بهذا القدر على أن يكون لنا لقاء غدا بحول الله تبارك وتعالى لتتمة هذا البحث وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم به إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.