{هل من شركائكم}






د. أمير الحداد



- لا شك أن أعظم ما يمكن أن يحققه العبد هو أن يوحد الله -عز وجل-، ولا يشرك به شيئا، فهو حق الله على العباد، ولتحقيق هذه الغاية، أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، ووعد الموحدين بالنجاة، وتوعد المشركين بالهلاك، فالمرء لا زال يرجو النجاة ما دام لم يقع في الشرك.
- أراك دائما تشدد على ضرورة التوحيد، والتحذير من الشرك.
- بالطبع ببساطة من حقق التوحيد كما يريد ربنا ويرضى، نجا يوم القيامة ومن وقع في الشرك، هلك يوم القيامة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء:48).
ولذلك جاءت آيات التوحيد محكمة واضحة بينة، لا لبس فيها، تناقش المشركين أحيانا، وتتحداهم أحيانا أخرى، من هذه الآيات قوله -تعالى:
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس: 31-36).
حوار فيه خطاب للعقول المنصفة والفطر السليمة، لا يملك العاقل الذي يريد الحق، وتجرد عن الكبر والعناد والجحود، إلا أن يقول: «لا إله إلا الله» موحدا، وهكذا فعل مشركو مكة، على مدى سنوات بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى آخر حياته فيهم - صلى الله عليه وسلم .
- صاحبي ينتقد شدتي في موضوع العقيدة، يراني أنكر كل ما يخالف العقيدة، في المقبرة في الأسواق، في رحلاتنا الخارجية، عند الأضرحة والمزارات، وعند مشاهدة ما يفعله العوام في الأماكن التي سموها بغير حق، «الحرم»، وما هي إلا أضرحة يشركون بالله عندها!
- في هذه الآيات يتحدى الله -عز وجل- كل مشرك، في أن يثبت أن أحدا غير الله يرزقه، أو أن أحدا غير الله يحيي ويميت ثم يبعث الموتى، أو أن أحدا -سواء كان صنما أم رسولا أم صالحا متوفى- يملك الضر والنفع، وبالطبع نهاية هذا التحدي عجز المشركون والجاحدون، عند الإجابة، فلا يكون إصرارهم على الكفر إلا نتيجة عناد وجحود، يستحقون عليه العذاب في الدنيا والآخرة، وتعال نقرأ تفسير هذه الآيات لنزداد علما وهداية.
قوله -تعالى-: {قل من يرزقكم من السماء والأرض}، أي : من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، {أمن يملك السمع والأبصار} أي: من إعطائكم السمع والأبصار، {ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي، {ومن يدبر الأمر} أي: يقضي الأمر، {فسيقولون الله} هو الذي يفعل هذه الأشياء، {فقل أفلا تتقون} أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار؟
قوله: {قل هل من شركائكم} أوثانكم، {من يبدأ الخلق} ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال، {ثم يعيده} ثم يحييه من بعد الموت كهيئته، فإن أجابوك وإلا فـ{قل} أنت: {الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون} أي: تصرفون عن قصد السبيل.
{قل هل من شركائكم من يهدي} يرشد، {إلى الحق} فإذا قالوا: لا- ولابد لهم من ذلك - {قل الله يهدي للحق} أي إلى الحق.
{أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي} معنى الآية: الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى؟
فإن قيل: كيف قال: «إلا أن يهدى»، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى؟
قيل: معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال، أي: أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل، يتبين به عجز الأصنام.
وجواب آخر وهو: أن ذكر الهداية على وجه المجاز، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر عمن يعلم ويعقل، ووصفت بصفة من يعقل.
{فما لكم كيف تحكمون} كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا؟
وإنما أخبر الله عنهم بأنهم سيعترفون بأن الرازق والخالق والمدبر هو الله؛ لأنهم لم يكونوا يعتقدون غير ذلك كما تكرر الإخبار بذلك عنهم في آيات كثيرة من القرآن، وفيه تحد لهم فإنهم لو استطاعوا لأنكروا أن يكون ما نسب إليهم صحيحا، ولكن خوفهم عار الكذب صرفهم عن ذلك فلذلك قامت عليهم الحجة بقوله: فقل أفلا تتقون.
المراد بمساق هذا الكلام الرد على المشركين وتقرير الحجة عليهم، فمن اعترف منهم فالحجة ظاهرة عليهم، ومن لم يعترف فإنما هو مكابر جاحد معاند يستحق العذاب.