"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (59)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "ص": (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)
القول الراجح في المراد بقوله: (ذِكْرَى الدَّارِ) ذكراهم الآخرة وعملهم الدائب لها, وإنما همهم ذلك لا غير.

قوله: (أخلصناهم) أي: جعلناهم خالصين, بمعنى طهرناهم من درن النفوس فصارت نفوسهم نقية.
وقوله: (بِخَالِصَةٍ) الباء للسببية أي: أخلصناهم بسبب خصلة خالصة صافية لا شوب فيها، وهذه الخصلة الخالصة هي (ذكرى الدار).
(هذا قول الزمخشري*, والرازي*, وابن عاشور*)

وقيل: (أخلصناهم) خصصناهم واصفيناهم (هذا قول ابن جرير*, والبغوي*)
والقول الأول أقرب والله أعلم.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (ذكرى الدار) على ثلاثة أقوال:

القول الأول:
أن المراد (بذكرى الدار) ذكراهم الآخرة وعملهم الدائب لها, وإنما همهم ذلك لا غير, فهي مطمح أنظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون ويذرون. (رجحه ابن جرير*) (وذكره البغوي*, والرازي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)

وهذا القول هو الراجح والأوجه, وهو المتبادر, وهو الذي يحمل معنى عظيماً وهو الدعوة إلى التأسي بأولئك الصفوة في استحضار الحياة الحقيقة الأبدية السرمدية واستشعارها أثناء قطع طريق الحياة القصير, حتى يكون القلب متعلقاً بها وبقدسيتها وأنوارها وكمالها المطلق, فيزهد تلقائياً بهذه الحياة القصيرة الصغيرة الموحشة المؤقتة.

القول الثاني:
أن المراد تذكير الناس الدار الآخرة وتذكيرهم العمل لها. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, وابن كثير*)

القول الثالث:
أن المراد بالدار الدار الدنيا, فيكون المراد ذكر الثناء الجميل من الناس والحمد والتعظيم, ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم.
فهي كقوله تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين}
(اقتصر عليه الماتريدي*) (وذكره الرازي*, وابن عاشور*)
(وذكر الأقوال الثلاثة الزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*)
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/