تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2021
    المشاركات
    17

    افتراضي ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    السلام عليكم
    قرات الامتناع عن الانقياد كفر والترك المجرد لا يكون كفر وبحثت في المسألة عن الفرق بينهما وضوابط ذلك، ولكن لم اجد ما ينفعني.
    ارجوا منكم توضيح المسألة لمن لديه علم في ذلك. وبارك الله فيكم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن حاج زيد مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    قرات الامتناع عن الانقياد كفر والترك المجرد لا يكون كفر وبحثت في المسألة عن الفرق بينهما وضوابط ذلك، ولكن لم اجد ما ينفعني.
    ارجوا منكم توضيح المسألة لمن لديه علم في ذلك. وبارك الله فيكم.
    وعليكم السلام ورحمة الله
    قرات الامتناع عن الانقياد كفر
    هذه بعض الفوائد لفك رموز بعض المصطلحات الواردة
    قال الشيخ عبد العزيز الراجحى
    الامتناع:
    أي يمتنع عما أمر الله به؛ وهذا فيه تفصيل فإذا امتنع عن شيء يكون تركه كفرًا يكون كفرا وإن امتنع عن شيء لا يصل لحد الكفر يكون معصية، ومن كفر الامتناع امتناع إبليس عن السجود لآدم قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} فإبليس إباؤه كفر
    الانقياد

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الصارم المسلول
    وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد والاستسلام، وهو عمل في القلب جماعه الخضوع والانقياد للأمر وإن لم يفعل المأمور به، فإذا قوبل الخبر بالتصديق والأمر بالانقياد فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار، فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد....

    فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته وكلام الله ورسالته يتضمن إخباره وأوامره، فيصدق القلب إخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنا إلا بمجموع الأمرين، فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا فصار من الكافرين وإن كان مصدقا، لأن الكفر أعم من التكذيب يكون تكذيبا وجهلا و يكون استكبارا وظلما، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالا وهو الجهل ألا ترى أن نفرا من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء فأخبرهم فقالوا: نشهد أنك نبي ولم يتبعوه وكذلك هرقل وغيره فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق؟
    ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله وقد تضمنت خبرا وأمرا فإنه يحتاج إلى مقام ثان وهو تصديقه خبر الله وانقياده لأمر الله فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره و أشهد أن محمدا رسول الله تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله فبمجموع هاتين الشهادتين يتم الإقرار، فلما كان التصديق لابد منه في كلتا الشهادتين، وهو الذي يتلقى الرسالة بالقبول ظن من ظن أنه أصل لجميع الإيمان، وغفل عن أن الأصل الآخر لابد منه وهو الانقياد، وإلا فقد يصدق الرسول ظاهرا وباطنا ثم يمتنع من الانقياد للأمر إذ غايته في تصديق الرسول أن يكون بمنزلة من سمع الرسالة من الله سبحانه وتعالى كإبليس... فمن لم ينقد لأمره فهو إما مكذب له أو ممتنع عن الانقياد لربه، وكلاهما كفر صريح....اهـ.
    **********
    الترك
    من شروط لا اله الا الله الانقياد المنافي للترك
    فينقاد لما دلت عليه، ويعبد الله وحده، ويعمل بشريعته، ويؤمن بها ويعتقد أنها الحق، ولعل الفرق بينه وبين القبول: أن الانقياد هو الاتباع بالأفعال والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول ويلزم منهما جميعاً الاتباع ولكن الانقياد هو الاستسلام والإذعان وعدم الترك لشيء من شروط لا إله إلا الله.
    قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} ، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} ، {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى الله عَاقِبَةُ الأُمُور} ، وهذا معنى حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به))
    ***************
    يقول الشيخ صالح ال الشيخ
    الرد هو عدم الالتزام؛ بمعنى أن يرد الحكم، أو يرد ما دلت عليه الشهادة من التوحيد، يرد هذا الحكم، يقول: هذا ليس معناها. هذا رد لها، ردّ دلالة الشهادة على التوحيد، وأمّا الترك فقد يكون مع الإقرار بالمعنى لكن يترك ما دلت عليه، كحال بعض العلماء المفتونين الذين يعلمون معناها، ولكن يتركون ما دلت عليه؛ إما كِبرا، وإما إباءً، وإما خشية من قيل وقال في أقوامهم.

    ويقول الشيخ صالح ايضا

    ضابط الانقياد هو ما ذكرتُ لك في أن يكون ملتزما، وبهذا يكون هناك فرق عظيم ما بين الجحد والامتناع، وما بين القبول والالتزام، فالجحد في الحكم على الطوائف يقابله القبول، والامتناع يقابله الالتزام، فالامتناع والالتزام لفظان لدخول المخاطََب في الأحكام الشرعية، والقَبول والجحد لفظان لإقرار المخاطب بالحكم له ولغيره.
    فمن أقرَّ بأن هذا الحكم شامل له ولغيره هذا واجب عليه وعلى غيري فهذا يُعتبر قابلا.
    وإذا قال: هذا الحكم ليس لي ولا لغيري ليس واجبا فهذا يعدّ جاحدا.
    وإذا قال: نعم هذا الحكم واجب أداء الصلوات واجب فرضه الله جل وعلا لكن إنما وجب على طائفة من الناس، وطائفة أخرى لا يجب عليها كحال الذين سقطت عنهم التكاليف وارتفعت أحوالهم حتى لا تؤثِّر فيهم الطاعات في زيادة يقين، فهذا كحال غلاة الصوفية فهذا يكون ممتنعا غير ملتزم.
    وهذا قررَّه العلماء في مواطن عدة، وبحثه شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث جيِّد في الفرق ما بين الالتزام والقبول والامتناع والجحد

    *****
    *قال عبد الله بن صلفيق:
    " الشرط الثاني: القبول، بعد أن تعلم معناها تقبلها وتقبل ما تدعو إليه ولا تردها، فإذا علمت معناها ولم تقبلها لا يتحقق لك ذلك، ولا تنتفع بالعلم بمعناها... الشرط الخامس: الانقياد لما دلت عليه: لا إله إلا الله لها حقوق، ومن حقوقها العبادة والطاعة والصلاح وسائر الأوامر التي فرضها الله على العباد في كتابه أو على لسان نبيه، فإن الانقياد لتلك الأوامر، تحقيق للا إله إلا الله، فإذا وجدت العبد لا ينقاد لأمر الله ورسوله، فإن لا إله إلا الله لا تنفعه النفع الكامل، ولابد أيضا من الانقياد لحقوق لا إله إلا الله، بالعمل بما فرضه الله وترك ما حرمه الله والتزام ذلك،.....و تنفيذ ما فرضه الله عزَّ وجل،.. أن يكون لك انقياد لها بفعل الأوامر وترك النواهي..".
    **************
    قال الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب -:
    الشرط السادس : الانقياد بحقوقها :
    وهى الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته والدليل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما),

    قال الشيخ صالح الفوزان :
    " القبول لمدلولها، و
    القبول هو: أن يقبل الإنسان ما جاء عن الله ورسوله، ولا يمتنع مما جاء في الكتاب أو السنة عن الله ورسوله، يقبل هذا ولا يرد شيء مما صح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه عبد! والعبد يقبل ما أمره الله به أو أمره به رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الذي لا يقبل إلا الشيء الذي يوافق هواه! ، والشيء الذي يخالف هواه يرده، هذا ليس بعد لله ولا متبع للرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الانقياد أن ينقاد العبد ويستسلم، الانسان قد يقبل الشيء ولكن لا ينقاد، بمعنى أنه يكون في نفسه شيء من التردد، وقد ينقاد الإنسان ظاهرا، قد يقبل ظاهرا لكنه لا ينقاد بقلبه، يكون في قلبه شيء من الحرج، أو شيء من الشكوك والأوهام، المسلم أبدا، يكون نقيا من الشكوك ويكون عنده انقياد تام كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء]، الانقياد معناه: الاستسلام، والقبول معناه: أن الإنسان ما يتوقف، في أي شيء صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء وافق هواه أو خالف هواه، هذا الانقياد، نعم.

    ***************
    والترك المجرد لا يكون كفر
    قال ابنُ عثيمين رحمه الله : (لو قائِلٌ قال: إذا ترك الإنسانُ واحِدًا من هذه الأركانِ هل يَكفُرُ أم لا؟
    فالجوابُ: أن نقولَ: إذا لم يشهَدْ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ فهو كافِرٌ بالإجماعِ، ولا خِلافَ في هذا. وأمَّا إذا ترك الصَّلاةَ والزكاةَ والصِّيامَ والحَجَّ أو واحِدًا منها، ففي ذلك خِلافٌ؛ فعن الإمامِ أحمدَ رحمه الله روايةٌ: أنَّ من ترك واحِدًا منها فهو كافِرٌ، يعني: من لم يُصَلِّ فهو كافرٌ، ومن لم يُزَكِّ فهو كافِرٌ، ومن لم يَصُمْ فهو كافِرٌ، ومن لم يحُجَّ فهو كافرٌ. لكِنْ هذه الروايةُ من حيثُ الدَّليلُ ضعيفةٌ. والصَّوابُ: أنَّ هذه الأربعةَ لا يَكفُرُ تاركُها إلَّا الصَّلاةَ؛ لقولِ عبدِ اللهِ بنِ شقيقٍ رحمه الله: كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَرَون شيئًا من الأعمالِ تَرْكُه كُفرٌ إلَّا الصَّلاةَ؛ ولذلك أدِلَّةٌ معروفةٌ. وكذا لو أنكَرَ وجوبَها وهو يفعَلُها فإنَّه يَكفُرُ؛ لأنَّ وُجوبَها أمرٌ معلومٌ بالضَّرورةِ من دينِ الإسلامِ


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    مزيد فائدة
    الاعتقاد عند السلف يتضمن ركنين قلبيين لا يغني أحدهما عن الآخر، ويلزم تحقيقهما مجتمعين في القلب ليدخل صاحبه في مسمى الإيمان:
    الركن الأول: المعرفة والعلم والتصديق. ويطلق عليه (قول القلب).
    الركن الثاني: الالتزام والانقياد والتسليم. ويطلق عليه (عمل القلب).
    أما عن الركن الأول وهو قول القلب، أو معرفة القلب للحق وتصديقه به، فلا نحسب أن أحداً من العقلاء يدفعه أو يجادل فيه فيقول مثلاً: إن الإيمان لا يحتاج إلى المعرفة والتصديق.
    يقول الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: (من جحد المعرفة والتصديق فقد قال قولاً عظيماً، فإن فساد هذا القول معلوم من دين الإسلام) اهـ () .
    وقد أورد صاحب (معارج القبول) سبعة شروط لمن ينطق بكلمة التوحيد قيد بها انتفاعه بالشهادتين في الدنيا والآخرة من الدخول في الإسلام والفوز بالجنة والنجاة من النار، فوضع بداهة على رأس هذه الشروط شرط المعرفة لحقيقة معناها فقال:
    (العلم بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً، المنافي للجهل بذلك، قال الله – عز وجل -: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19]. وقال تعالى: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ [الزخرف: 86] أي: بلا إله إلا الله وَهُمْ يَعْلَمُونَ بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم) اهـ .
    ويقول البيضاوي في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة: 21] في سورة البقرة: (فالمطلوب من الكفار هو الشروع فيها – أي العبادة – بعد الإتيان بما يجب تقديمه من المعرفة والإقرار بالصانع، فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به) اهـ
    وأما عن الركن الآخر، وهو الالتزام والانقياد والتسليم والخضوع ولوازم ذلك كله من عمل القلب كالمحبة والتعظيم والتوكل والخشية والرجاء، فإن سلف الأمة وأئمتها متفقون على أنه للركن الأول وملازم له ولا يكون العبد مؤمناً إلا بهما.
    وإلا فإن مجرد التصديق بالله ورسوله دون المحبة والتعظيم والانقياد لهما ليس إيماناً باتفاق هؤلاء الأئمة، بل هذا ظاهر ثابت بدلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل ذلك معلوم بالاضطرار من دين الإسلام (4) . والتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيماناً ألبتة، بل هو كتصديق فرعون واليهود وإبليس (5) .
    يقول شيخ الاسلام بن تيمية: (فإن الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولا بد فيه من شيئين:
    - تصديق بالقلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا قول القلب. قال الجنيد بن محمد: التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب، فلا بد فيه من قول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله.
    ولا بد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله، وخشية الله، وحب ما يحبه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من الإيمان) اهـ (6) .
    ويشرح الإمام محمد بن نصر المروزي في كتابه (الصلاة) حديث جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان فيقول: (أما قوله: الإيمان أن تؤمن بالله:
    فأن توحده وتصدق به بالقلب واللسان.
    وتخضع له ولأمره بإعطاء العزم للأداء لما أمر، مجانباً للاستنكاف والاستكبار والمعاندة، فإذا فعلت ذلك لزمت محآبه صلى الله عليه وسلم، واجتنبت مساخطه) اهـ )
    .
    ويعلق الإمام ابن القيم على قصة وفد نجران فيقول في الفقه المستفاد من هذه القصة: (ومن تأمل ما في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأنه صادق فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام، علم أن الإسلام أمر وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل: المعرفة، والإقرار، والانقياد، والتزام طاعته ودينه ظاهراً وباطناً) اهـ () .
    إن معرفة القلب وتصديقه بالحق إذا صادفت قلباً سليماً خالياً من الحسد والكبر والانشغال بالشهوات والأهواء وما إلى ذلك، فإن هذا القلب سيخضع للحق حتماً وينقاد له، لأن القلوب مفطورة على حب الحق وإرادته، ولا شيء أحب إلى هذه القلوب السليمة من الله عز وجل () .
    ولكن قد يعرض للقلوب ما يفسدها، إما من الشبهات التي تصدها عن التصديق بالحق، وإما من الشهوات التي تصدها عن أتباعه. فالنصارى مثلاً رغم عبادتهم لا علم لهم، واليهود رغم أنهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، لا يتبعونه لما فيهم من الكبر والحسد الذي يوجب بغض الحق ومعاداته. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون)) () ؛ لأن هؤلاء لهم معرفة بلا قصد صحيح، وهؤلاء لهم قصد في الخير بلا معرفة له، فلا يبقى في الحقيقة معرفة نافعة ولا قصد نافع () .
    إن أهم عناصر الإيمان التي يجب بحثها وعرضها وتركيز انتباه الناس إليها هو عنصر عمل القلب، فهو صلب قضية الإيمان في كل وقت وحين، وحجر زاوية الدين الذي بعث الله به الأنبياء والمرسلين.
    إن قضية الرسل مع أقوامهم كانت دائماً قضية الخضوع والانقياد والتسليم لله ورسله, ولم تكن أبداً قضية المعرفة والتصديق، مهما حاولوا طمس هذه الحقيقة والتشويش عليها تحت زعم تكذيب الأنبياء والرسل، وصدق الله حيث يقول: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33].
    ويقول سبحانه وتعالى: بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [المؤمنون: 70].
    ويقول عز وجل: لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف: 78].

    القضية إذن هي: محبة الحق وابتغاؤه والخضوع له، أو كراهيته والصد عنه والإباء والاستكبار والاستنكاف عن التسليم له والانقياد لحكمه.
    إن الكبر والحسد والتطلع إلى الزعامة والرياسة وحب الشهوات والاستغراق فيها وأمثال ذلك من المكاسب الدنيوية العاجلة، هي التي تصد القلوب ابتداء عن التسليم للحق وإرادته والخضوع له وتعظيمه، بل وربما ران الهوى على القلب تماماً فطمس بصيرته وأعماه، حتى إن القلب ليتعلق تماماً بما دون الله من الأغيار فيستغرقه حبها وإرادتها والاعتقاد بها تماماً، بل وقد يدخله الشك والريبة، بل والتكذيب للحق نفسه.
    إن الحق دائماً واضح أبلج لكل ذي عينين – إلا من شذ ممن أعمى الله بصيرته قبل بصره –
    ولم تكن قضية المعرفة إلا مقدمة يبدأ بها الرسول لتذكير قومه بالحق، ثم لا يلبث أن يعرض عليهم صلب رسالته وجوهر دعوته: اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] أي أطيعوه، وابتغوا محبته، وعظموه، وانقادوا لشرعه، واستسلموا لرسله، إلى آخر لوازم ذلك كله.
    إن اختلاط هذه القضية في أذهان كثير من المنتسبين لدين الله، وعدم وضوحها يؤدي إلى عدة أمور كلها خطير:
    الأمر الأول: هو إسقاط قيمة عمل القلب - بدرجات متفاوتة - باعتباره ركناً أصلياً لا يتم إلا به، وذلك على المستوى الذهني أو النظري للشخص، مما يبعد به عن إدراك حقيقة دين الله، ويسقط به في دركات متفاوتة من البدع، بعيداً عن منهج السلف، وذلك بقدر ما تبهت في ذهنه قيمة هذا الركن الأصلي للإيمان.
    الأمر الثاني: هو اختلال الموازين التي يزن بها المرء واقعه هو تجاه ربه ودينه ورسوله، مما يؤدي به إلى الإخلال الفعلي بهذا الركن الإيماني من قلبه، فتحت زعم أنه يصدق بالله ورسوله، وطالما أن الإيمان عنده هو مجرد التصديق فقط، يفقد المرء تدريجياً دون أن يدري – وتحت ضغط الشهوات – المحبة الواجبة لله ورسوله، والتعظيم الواجب لهما، والانقياد الواجب لحكمهما، ويمتلئ قلبه بحب الأغيار وتعظيمها والانقياد لها، وينمو النفاق في قلبه ويترعرع حتى يكون في الحال التي قال الله تعالى فيها: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ [عمران: 167]، وقد يفقد إيمانه تماماً – والعياذ بالله – دون أن يشعر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2].
    الأمر الثالث: هو اختلال الموازين التي يزن بها المرء واقع الآخرين من حوله، والتي يجب أن تتفق مع منهاج الله وأحكامه، فيخطئ المرء نتيجة لذلك في التعامل مع هذا الواقع وفق منهاج الله ولا يطبق أحكام الله على مناطها الصحيح. فطالما أن هذا الواقع المحيط لم يعلن تكذيبه لله والرسول (بصريح اللفظ)، وطالما أن الإيمان عنده هو التصديق فقط، فإن هذا الواقع عنده واقع مؤمن بالله ورسوله، حتى وإن سب الله ورسوله!. وهذا الواقع عنده مؤمن بالله ورسوله، حتى وإن فسق عن حكم الله ورسوله!. وهذا الواقع عنده مؤمن بالله ورسوله، حتى وإن هزأ بدين الله وسخر من سنة رسوله! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    وقبل أن ننتقل من الكلام في عنصر الاعتقاد القلبي نورد ثلاث ملاحظات هامة:
    الملاحظة الأولى: أن التصديق المقصود هنا هو التصديق الخبري أو العلمي، بمعنى أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر ذاته، مجرداً عما سوى هذا من جنس عمل القلب من الانقياد والطاعة والمحبة وأمثالها، وإلا فمن أطلق لفظ (التصديق) على التصديق الخبري العلمي وعلى لوازمه وتوابعه من عمل القلب، وقال إن الاعتقاد المطلوب هو التصديق، فإن الخلاف معه خلاف لفظي فقط.
    وقد استخدم كثير من السلف والأئمة لفظ التصديق بهذا المعنى الأخير، ولذلك يقول صاحب (معارج القبول): (ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو: التصديق على ظاهر اللغة، أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهراً وباطناً بلا شك، لم يعنوا مجرد التصديق) اهـ () .) .
    يقول الإمام ابن القيم في مجال شرح عمل القلب: (ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له،... فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده)
    ويقول ابن القيم: (فإن الإيمان ليس مجرد التصديق – كما تقدم بيانه – وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد) اهـ
    الملاحظة الثانية: أن (التصديق) بمعناه الخبري - وهو مجرد أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر من غير إذعان وقبول - يساوي تماماً عند السلف والأئمة معنى (العلم) أو (المعرفة): إذ لم يتصور هؤلاء الأئمة بل وجمهور العقلاء فرقاً واحداً معقولاً بين العلم والمعرفة، وبين التصديق.
    يقول شيخ الاسلام بن تيمية: (فإن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد الذي يجعل قول القلب، أمراً دقيقاً، وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما، وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون إن ما قاله ابن كلاب والأشعري من الفرق كلام باطل لا حقيقة له، وكثير من أصحابه اعترف بعدم الفرق... والمقصود هنا أن الإنسان إذا رجع إلى نفسه عسر عليه التفريق بين علمه بأن الرسول صادق، وبين تصديق قلبه تصديقاً مجرداً عن انقياد وغيره من أعمال القلب بأنه صادق) اهـ () .
    والملاحظة الثالثة: أن (المعرفة) أو قول القلب التي اشترطها السلف كركن أصلى للإيمان - غير (المعرفة) التي اشترطها المعتزلة وغيرهم من المتكلمين، - فالمعرفة التي اشترطها السلف هي تحقق العلم المنافي للجهل، أي: أن يعرف المرء حقيقة ما يؤمن به، سواء تحققت هذه المعرفة عن طريق التقليد أو عن طريق النظر والاستدلال.
    وأما المعرفة التي اشترطها المعتزلة وأمثالهم - فهي أن يعرف المرء أصول دينه عن طريق النظر والدليل العقلي وحده، لا عن طريق التقليد أو السماع.
    يقول البدر العيني: (قال أهل السنة: من اعتقد أركان الدين من التوحيد والنبوة والصلاة والزكاة والصوم والحج، تقليداً، فإن اعتقد مع ذلك جواز ورود شبهة عليها وقال: لا آمن ورود شبهة تفسدها، فهو كافر. وإن لم يعتقد جواز ذلك بل جزم على ذلك الاعتقاد، فقد اختلفوا فيه...
    وقال عامة المعتزلة: إنه ليس بمؤمن ولا كافر. وقال أبو هاشم: إنه كافر. فعندهم إنما يحكم بإيمانه إذا عرف ما يجب الإيمان به من أصول الدين، بالدليل العقلي على وجه يمكنه مجادلة الخصوم وحل جميع ما يورد عليه من الشبه، حتى إذا عجز عن شيء من ذلك لم يحكم بإسلامه)[حقيقة الايمان عند اهل السنة والجماعة]

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2021
    المشاركات
    17

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    السلام عليكم.
    جزاك الله خيرا اخي محمد ونفع بك.
    لمزيد الفهم ارجو شرح مراد اهل العلم بان من امتناع عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة كافر. وكذلك سيرة الصحابة في مانعى الزكاة حيث ذهب بعض اهل العلم الى ان كفرهم من باب الإمتناع وذهب بعضهم الى ان كفرهم من باب الجحود. كيف نفرق بين الإمتناع والجحود في مثل هذه الوقائع؟

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن حاج زيد مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم.
    جزاك الله خيرا اخي محمد ونفع بك.
    لمزيد الفهم ارجو شرح مراد اهل العلم بان من امتناع عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة كافر. وكذلك سيرة الصحابة في مانعى الزكاة حيث ذهب بعض اهل العلم الى ان كفرهم من باب الإمتناع
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية
    "والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؟ هذا لم يعهد من الصحابة بحال، بل قال الصديق لعمر – رضي الله عنها -: والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها. فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد وجوبها، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار وسموه جميعاً أهل الردة ... ")
    **********
    قال سليمان بن سحمان رحمه الله في بيان تكفير الصحابة لمانعي الزكاة لمجرد المنع لا جحد الوجوب :
    ( ما نقله هذا المعترض عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ثابت عنه
    لكنه أسقط من كلام الشيخ قوله في مانعي الزكاة
    فَكُفرُ هؤلاء وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة
    وهذا يهدم أصله فلذلك حذفه.
    وما نقله الشيخ عن شيخ الإسلام بن تيمية قدَّس اللهُ روحه ونوَّر ضريحه معروف مشهور عنه
    لا يستريب فيه عارف
    وهو الحق الصواب الذي ندين الله به كما هو معروف في السير والتواريخ وغيرها،
    ولا عبرة بقول هذا المعترض
    وتشكيكه في هذا النقل فيما لا شك فيه
    فإن عدم معرفته بإجماع العلماء على قتل المختار بن أبي عبيد
    وكذلك دعواه أن الإجماع لم ينعقد على قتل الجعد بن درهم
    وقد ذكر ذلك ابن قيم الجوزية في ”الكافية الشافية“ عن كلام أهل السنة وأنهم شكروه على هذا الصنيع
    ثم لم يكتف بتلك الخرافات حتى عمد إلى ما هو معلوم مشهور في السير والتواريخ وغيرها من كتب أهل العلم من إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تكفير أهل الردة وقتلهم وسبي ذراريهم ونسائهم وإحراق بعضهم بالنار والشهادة على قتلاهم بالنار،
    وأنهم لم يفرقوا بين الجاحد والمقر بل سموهم كلهم أهل الردة
    لأجل أن القاضي عياض ومن بعده ممن خالف الصحابة وحكم بمفهومه ورأيه مما يعلم أهل العلم من المحققين الذين لهم قدمَ صدقٍ في العالمين أن هذا تحكم بالرأي،
    فإن من أمعن النظر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى علم وتبين صحة ما قاله،
    وموافقته لصريح كلام الصحابة وإجماعهم،
    فإن الشهادة على قتلاهم بالنار واستباحة أموالهم وسبي ذراريهم من أوضح الواضحات على ارتدادهم مع ما ثبت من تسميتهم أهل الردة جميعًا،
    ولم يسيروا مع مانعي الزكاة بخلاف سيرتهم مع بني حنيفة وطليحة الأسدي وغيره من أهل الردة، ولم يفرقوا بينهم
    ومن نقل غير ذلك عنهم فقد كذب عليهم وافترى ،
    ودعوى أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منع الزكاة وأنهم بمنعهم إياها لم يرتدوا عن الإسلام دعوي مجردة،
    فأين الحكم بالشهادة على أن قتلاهم في النار هل ذلك إلا لأجل ارتدادهم عن الإسلام بمنع الزكاة،
    ولو كان الصحابة رضي الله عنهم لا يرون أن ذلك ردة وكفرًا بعد الإسلام
    لما سَبَوْا ذراريهم وغنموا أموالهم،
    ولساروا فيهم بحكم البغاة الذين لا تسبي ذراريهم وأموالهم ولم يجهزوا على جريحهم،
    وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أخشي لله وأتقى من أن يصنعوا
    هذا الصنيع بمسلم ممن لا يحل سبي ذراريهم وأخذ أموالهم،
    وهل هذا إلا غاية الطعن على الصحابة وتسفيه رأيهم وما أجمعوا عليه،
    وتعليله بأنه لو كان يرى أنهم كفَّار لم يطالبهم بالزكاة بل يطالبهم بالإيمان والرجوع تعليل لا دليل عليه
    فإنهم لم يكفروا ويرتدوا بترك الإيمان بالله ورسوله وسائر أركان الإسلام وشرائعه فيطالبهم بالرجوع إلى ذلك،
    وإنما كان ارتدادهم بمنع الزكاة وأدائها والقتال على ذلك،
    فيطالبهم بأداء ما منعوه وأركان الإسلام،
    فلما لم ينقادوا لذلك وقاتلوا كان هذا سبب ردتهم،
    وعمر أجل قدرًا ومعرفةً وعلمًا من أن يعارض أبا بكر أو يقره على خلاف الحق،
    فإنه لما ناظره أبو بكر وأخبره أن الزكاة حق المال
    قال عمر: فما هو إلا أن رأيت اللهَ قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. وأما دعواه أن أبا بكر دعاهم إلى الرجوع فلما أصرُّوا قاتلهم ولم يكفِّرَهم، فدعوي مجردة وتحكم بلا علم.
    فأين إدخالهم في أهل الردة وسبي نسائهم وذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار
    لولا كفرهم وارتدادهم،
    فإنهم لو كانوا مسلمين عندهم لما ساروا فيهم سيرة أهل الردة بل كان يمكنهم أن يسيروا فيهم سيرتهم في أهل البغي والخروج عن الطاعة.
    وأما اختلافهم بعد ذلك ودعواهم أن الصحابة اختلفوا فيهم بعد الغلبة عليهم هل تقسم أموالهم وتسبي ذراريهم كالكفار أو لا تقسم أموالهم ولا تسبي ذراريهم كالبغاة،
    فذهب أبو بكررضي الله عنه إلى الأول،
    وذهب عمر رضي الله عنه إلى الثاني.
    فلو كان هذا ثابتًا صحيحًا عن الصحابة رضي الله عنهم لما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الإجماع على قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وأنهم سمُّوهم أهل الردة ..
    وشيخ الإسلام رحمه اللهُ من أعلم الناس بأحوال الصحابة وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره وإليه المنتهى في ذلك، وبعد أن يذكر ما قاله الذهبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية في معجم شيوخه وما قاله عنه ابن الوردي في تاريخه وهو أقل ما يقال في حق الإمام ابن تيمية
    يقول: «وإذا كانت هذه حاله عند أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل.
    وأنه كان إليه المنتهى في هذه الحقائق علمًا وعملاً ومعرفةً وإتقانًا وحفظًا،
    وقد جزم بإجماع الصحابة فيما نقله عنهم في أهل الردة، تبيّن لك أنه لم يكن بين الصحابة خلاف قبل موت أبي بكر رضي الله عنه ، ولم يعرف له مخالف منهم بعد أن ناظرهم ورجعوا إلى قوله،
    ولو ثبت خلافهم قبل موت أبي بكر وبعد الغلبة على أهل الردة كما زعم ذلك من زعم لذكر ذلك شيخ الإسلام، ولم يجزم بإجماعهم على كفر مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وقد اختلفوا، هذا ما لا يكون أبدًا.
    وسيأتي كلامه في ”المنهاج“ قريبًا إن شاء الله تعالى. وإنما أرجع عمر إلى من كان سباهم أبو بكر أموالهم وذراريهم بعد أن أسلموا ورجعوا إلى ما خرجوا عنه تطييبًا لقلوبهم ورأيًا رآه ولم يكن ذلك إبطالاً لما أجمع عليه الصحابة قبل ذلك، كما أرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوازن ذراريهم لما أسلموا تطييبًا لقلوبهم.
    والمقصود أن ما ذكره هذا المعترض من عدم الإجماع لا يصح
    وأن ذلك إن كان صدر من عمر رضى الله عنه فهو رأي رآه بعد أن دخلوا في الإسلام ..
    أما قول ابن حجر «أن تسمية هؤلاء أهل الردة تغليبًا مع الصنفين الأولين وإلا فليسوا بكفار
    فهذا تأويل منه،
    وليس بأبشع ولا أشنع مما تأولوه في الصفاتفكيف لا يتأولون ما صدر عن الصحابة مما يخالف آراءهم وتخيله عقولهم، وقد بيَّنا ما في ذلك من الوهن والغلط على الصحابة لمجرد ما فهموه ورأوا أنه الحق،
    وإذا ثبت الإجماع عن الصحابة بنقل الثقاة
    فلا عبرة بمن خالفهم وادعي الإجماع على ما فهمه وليس ما نقله عنهم بلفظ صريح، ولم يخالف الشيخ محمد رحمه الله ما في البخاري
    وإنما ذكر ذلك
    عياض من عند نفسه لمجرد مفهومه من الحديث،
    والمخالف له ينازعه في هذا الفهم،
    وما نقله الشيخ محمد عن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن مخالفًا لما في الصحيحين،
    بل كان موافقًا لهما،
    وقد ثبت إجماع الصحابة كما ذكر ذلك العلماء في السير والتواريخ ...
    ثم يقول رحمه الله : ( ونذكر هنا أيضًا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس اللهُ روحه في منهاج السنة على قول الرافضي”الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة“ قاتلهم أبو بكر واجتهد عمر أيام خلافته فردَّ السبايا والأموال إليهم وأطلق المحبوسين. فهذا من الكذب الذي لا يخفي على من عرف أحوال المسلمين، فإن مانعي الزكاة اتفق أبو بكر وعمر على قتالهم بعد أن راجعه عمر في ذلك كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن عمر قال لأبي بكر: يا خليفةَ رسولِ الله كيف تقاتل الناس وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «أمرتُ أن أقاتِلَ النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول اللهُ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فقال أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها وحسابهم على الله؟ فإن الزكاة من حقها، واللهِ لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فواللهِ ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وفي الصحيحين تصديق فهم أبي بكر عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنِّي رسولُ اللهِ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة وكذلك سائر الصحابة. إلى أن يقول: ولكن من الناس من يقول سبي أبو بكر نساءهم وذراريهم وعمر أعاد ذلك عليهم. وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما فإنه قد يكون عمر كان موافقًا على جواز سبيهم لكن رد إليهم سبيهم، كما ردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين فمن طابت نفسه بالرد وإلا عوضه من عنده لما أتي أهلهم مسلمين فطلبوا رد ذلك إليهم. وأهل الردة قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح، بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يُرِى الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم، فلما تبين لعمر حسن إسلامهم رد ذلك إليهم لأنه جائز. انتهى.
    فتبين بما ذكره شيخ الإسلام أن الصحابة أجمعوا على قتالهم وأنهم سمُّوهم كلهم أهل الردة، وأنه لم يكن بين عمر وبين أبي بكر خلاف بعد رجوع عمر إلى موافقة أبي بكر مع سائر الصحابة، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يخالف ما في الصحيحين كما زعم هذا المعترض الجاهل واللهُ أعلم ). إهـ رسالة تبرئة الشيخين ( صـ172) للشيخ ابن سحمان .
    https://majles.alukah.net/t170387/

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لما سئل "هل قتال مانعي الزكاة ردة؟"، فقال: (الصحيح أنه ردة، لأن الصديق رضي الله عنه لم يفرق بينهم، ولا الصحابة ولا من بعدهم)
    قال الامام سعود بن عبد العزيز في (رسالته):
    وقد كفّر الصحابة رضي الله عنهم : مانعي الزكاة، وقاتلوهم، وغنموا أموالهم، وسبوا نساءهم، مع إقرارهم بسائر شرائع الإسلام ؛ وذلك : لأن أركان الإسلام، من حقوق لا إلَه إلا ّ الله ؛ كما استدل به أبو بكر الصديق رضي الله عنه، على عمر، حين أشكل عليه قتال مانعي الزكاة، حين قال له : كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلَه إلا ّ الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " .
    فقال أبو بكر : الزكاة من حقها، والله لو منعوني عقالاً، كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله، قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق ؛ أخرجاه في الصحيحين، وغيرهما من كتب الإسلام ؛ فكيف بمن كفر بمعنى لا إلَه إلا ّ الله ؟ وصار الشرك وعبادة غير الله هو دينه، وهو المشهور في بلده ؛ ومن أنكر ذلك عليهم، كفروه، وبدعوه، وقاتلوه ؛ فكيف يكون من هذا فعله، مسلماً من أهل السنة والجماعة ؟! مع منابذته لدين الإسلام، الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، من توحيد الله ، وعبادته وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ؛ إلى غير ذلك : من المجاهرة بالكفر، والمعاصي، واستحلال محارم الله ظاهراً .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    الطائفة الممتنعة
    سؤال وجواب

    سؤال: ما هي الطائفة الممتنعة؟
    الجواب: هي كل من يترك شريعة من شرائع الإسلام المعلوم ثبوتها، ممن له شوكة وقوة، ولا يُقدر على إلزامه بالشريعة التي تركها إلا بالقتال.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الطائفة الممتنعة كالتي لا يقدر عليها إلا بقتال". [مجموع الفتاوى 28/349]

    مثل الذين منعوا الزكاة على عهد الصديق رضي الله عنه مع إظهارهم لباقي شرائع الإسلام، ومثل التتار الذين أظهروا بعض شرائع الإسلام وامتنعوا عن بعضها

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    سؤال: ما حكم الطائفة الممتنعة؟

    الجواب:
    قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: "يجب بإجماع المسلمين قتال...كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة, مثل الطائفة الممتنعة عن الصلوات الخمس أو عن أداء الزكاة المفروضة إلى الأصناف الثمانية التي سماها الله تعالى في كتابه, وعن صيام شهر رمضان، أو الذين لا يمتنعون عن سفك دماء المسلمين وأخذ أموالهم, أو لا يتحاكمون بينهم بالشرع الذي بعث الله به رسوله, كما قال أبو بكر الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم في مانع الزكاة, وكما قاتل علي بن أبي طالب وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج الذين قال فيهم النبي: ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم , يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية , أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة ) وذلك بقوله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله }. وبقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين, فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله }. والربا آخر ما حرمه الله ورسوله، فكيف بما هو أعظم تحريما؟! ويدعون قبل القتال إلى التزام شرائع الإسلام, فإن التزموها استوثق منهم, ولم يكتف منهم بمجرد الكلام كما فعل أبو بكر بمن قاتلهم بعد أن أذلهم, وقال اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية. وقال: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية؟ قال: تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار وننزع منكم الكراع -يعني الخيل والسلاح- حتى يرى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أمرا بعد. فهكذا الواجب في مثل هؤلاء إذا أظهروا الطاعة يرسل إليهم من يعلمهم شرائع الإسلام ويقيم بهم الصلوات وما ينتفعون به من شرائع الإسلام. وإما أن يستخدم بعض المطيعين منهم في جند المسلمين ويجعلهم في جماعة المسلمين. وإما بأن ينزع منهم السلاح الذي يقاتلون به ويمنعون من ركوب الخيل. وإما أنهم يضعوه حتى يستقيموا؛ وإما أن يقتل الممتنع منهم من التزام الشريعة. وإن لم يستجيبوا لله ولرسوله وجب قتالهم حتى يلتزموا شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة وهذا متفق عليه بين علماء المسلمين". [الفتاوى الكبرى 3/473]

    وقال رحمه الله:
    "وأجمع العلماء على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله". [الاختيارات الفقهية 1/600]


    وقال رحمه الله:
    "فإن التتار يتكلمون بالشهادتين، ومع هذا فقتالهم واجب بإجماع المسلمين. وكذلك كل طائفة ممتنعة عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة، أو الباطنة المعلومة، فإنه يجب قتالها، فلو قالوا: نشهد ولا نصلي قوتلوا حتى يصلوا، ولو قالوا: نصلي ولا نزكي قوتلوا حتى يزكوا، ولو قالوا: نزكي ولا نصوم ولا نحج، قوتلوا حتى يصوموا رمضان ويحجوا البيت. ولو قالوا: نفعل هذا لكن لا ندع الربا، ولا شرب الخمر، ولا الفواحش، ولا نجاهد في سبيل الله، ولا نضرب الجزية على اليهود والنصارى، ونحو ذلك، قوتلوا حتى يفعلوا ذلك. كما قال تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله }. وقد قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله }. والربا آخر ما حرم الله، وكان أهل الطائف قد أسلموا وصلوا وجاهدوا، فبين الله أنهم إذا لم ينتهوا عن الربا، كانوا ممن حارب الله ورسوله. وفي الصحيحين أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ). فقال أبو بكر: ألم يقل: إلا بحقها، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال: ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة ). فإذا كان الذين يقومون الليل، ويصومون النهار، ويقرؤون القرآن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأنهم فارقوا السنة والجماعة، فكيف بالطوائف الذين لا يلتزمون شرائع الإسلام، وإنما يعملون بباساق ملوكهم –وهو قانون وضعي- وأمثال ذلك". [الفتاوى الكبرى 2/32]



    وقال شيخ الإسلام:
    "إن كانوا طائفة ممتنعة ذات شوكة؛ فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا أداء الواجبات الظاهرة والمتواترة: كالصلاة، والصيام، والزكاة، وترك المحرمات. كالزنا، والربا، وقطع الطريق، ونحو ذلك". [الفتاوى الكبرى 3/467]


    وسئل رحمه الله عن أجناد يمتنعون عن قتال التتار، ويقولون: إن فيهم من يخرج مكرها معهم مع العلم أن التتار انتسبوا إلى الإسلام لكنهم ممتنعون عن بعض شرائعه،
    فأجاب رحمه الله:
    "قتال التتار الذين قدموا إلى بلاد الشام واجب بالكتاب والسنة،
    فإن الله يقول في القرآن { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } والدين هو الطاعة، فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله، ولهذا قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله }. وهذه الآية نزلت في أهل الطائف لما دخلوا في الإسلام والتزموا الصلاة والصيام، لكن امتنعوا من ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا، والربا هو آخر ما حرمه الله، وهو مال يؤخذ برضا صاحبه، فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم، فكيف بمن يترك كثيرا من شرائع الإسلام أو أكثرها كالتتار. وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين، وامتنعوا عن الصلاة، والزكاة، أو صيام شهر رمضان، أو حج البيت العتيق، أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة، أو عن تحريم الفواحش، أو الخمر، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق، أو الربا، أو الميسر، أو الجهاد للكفار، أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب، ونحو ذلك من شرائع الإسلام، فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله. وقد ثبت في الصحيحين: أن عمر لما ناظر أبا بكر في مانعي الزكاة قال له أبو بكر: كيف لا أقاتل من ترك الحقوق التي أوجبها الله ورسوله، وإن كان قد أسلم، كالزكاة. وقال له: فإن الزكاة من حقها والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر، فما هو إلا أن رأيت قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. وقد ثبت في الصحيح من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج وقال فيهم : ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ). وقد اتفق السلف والأئمة على قتال هؤلاء، وأول من قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما زال المسلمون يقاتلون في صدر خلافة بني أمية وبني العباس مع الأمراء وإن كانوا ظلمة، وكان الحجاج ونوابه ممن يقاتلونهم، فكل أئمة المسلمين يأمرون بقتالهم والتتار وأشباههم أعظم خروجا عن شريعة الإسلام من مانعي الزكاة والخوارج من أهل الطائف الذين امتنعوا عن ترك الربا، فمن شك في قتالهم فهو أجهل الناس بدين الإسلام، وحيث وجب قتالهم قوتلوا وإن كان فيهم المكره باتفاق المسلمين، كما قال العباس لما أسر يوم بدر: يا رسول الله، إني خرجت مكرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله ). وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم، وإن لم يخف على المسلمين ففي جواز القتال المفضي إلى قتل هؤلاء المسلمين قولان مشهوران للعلماء، وهؤلاء المسلمون إذا قتلوا كانوا شهداء ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدا، فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار فمن قتل من المسلمين يكون شهيدا، ومن قتل وهو في الباطن لا يستحق القتل لأجل مصلحة الإسلام كان شهيدا. وقد ثبت في الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم. فقيل: يا رسول الله، وفيهم المكره فقال : يبعثون على نياتهم ). فإذا كان العذاب الذي ينزله الله بالجيش الذي يغزو المسلمين ينزله بالمكره، فكيف بالعذاب الذي يعذبهم الله به أو بأيدي المؤمنين كما قال تعالى { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا }. ونحن لا نعلم المكره ولا نقدر على التمييز فإذا قتلناهم بأمر الله كنا في ذلك مأجورين ومعذورين وكانوا هم على نياتهم، فمن كان مكرها لا يستطيع الامتناع فإنه يحشر على نيته يوم القيامة، فإذا قتل لأجل قيام الدين لم يكن ذلك بأعظم من قتل من يقتل من عسكر المسلمين. وأما إذا هرب أحدهم فإن من الناس من يجعل قتالهم بمنزلة قتال البغاة المتأولين، وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة فهل يجوز اتباع مدبرهم وقتل أسيرهم والإجهاز على جريحهم، على قولين للعلماء مشهورين، فقيل : لا يفعل ذلك ؛ لأن منادي علي بن أبي طالب نادى يوم الجمل: لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل أسير، وقيل: بل يفعل ذلك لأنه يوم الجمل لم يكن لهم طائفة ممتنعة وكان المقصود من القتال دفعهم، فلما اندفعوا لم يكن إلى ذلك حاجة بمنزلة دفع الصائل. وقد روي أنه يوم الجمل وصفين كان أمرهم بخلاف ذلك، فمن جعلهم بمنزلة البغاة المتأولين جعل فيهم هذين القولين. والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاة المتأولين، فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلا، وإنما هم من جنس الخوارج المارقين، ومانعي الزكاة، وأهل الطائف، والخرمية، ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام، وهذا موضع اشتبه على كثير من الناس من الفقهاء المصنفين في قتال أهل البغي جعلوا قتال مانعي الزكاة، وقتال الخوارج، وقتال علي لأهل البصرة، وقتاله لمعاوية وأتباعه من قتال أهل البغي وذلك كله مأمور به، وفرعوا مسائل ذلك تفريع من يرى ذلك بين الناس، وقد غلطوا بل الصواب ما عليه أئمة الحديث، والسنة، وأهل المدينة النبوية، كالأوزاعي، والثوري، ومالك، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، أنه يفرق بين هذا وهذا، فقتال علي للخوارج ثابت بالنصوص الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين. وأما القتال يوم صفين ونحوه فلم يتفق عليه الصحابة، بل صد عنه أكابر الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، وغيرهم. ولم يكن بعد علي بن أبي طالب في العسكرين مثل سعد بن أبي وقاص، والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي أنه كان يجب الإصلاح بين تينك الطائفتين، لا الاقتتال بينهما. كما ثبت عنه في صحيح البخاري: أنه خطب الناس والجيش معه فقال : ( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين فأصلح الله بالحسن بين أهل العراق وأهل الشام ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الإصلاح به من فضائل الحسن، مع أن الحسن نزل عن الأمر وسلم الأمر إلى معاوية، فلو كان القتال هو المأمور به دون ترك الخلافة ومصالحة معاوية لم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم على ترك ما أمر به، وفعل ما لم يؤمر به ولا مدحه على ترك الأولى وفعل الأدنى، فعلم أن الذي فعله الحسن هو الذي كان يحبه الله ورسوله لا القتال. وقد ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضعه وأسامة على فخذيه ويقول: ( اللهم إني أحبهم فأحبهما وأحب من يحبهما ). وقد ظهر أثر محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بكراهتهما القتال في الفتنة، فإن أسامة امتنع عن القتال مع واحدة من الطائفتين، وكذلك الحسن كان دائما يشير على علي بأنه لا يقاتل ولما صار الأمر إليه فعل ما كان يشير به على أبيه رضي الله عنهم أجمعين. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: ( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ). فهذه المارقة هم الخوارج، وقاتلهم علي بن أبي طالب، وهذا يصدقه بقية الأحاديث التي فيها الأمر بقتال الخوارج، وتبين أن قتلهم مما يحبه الله ورسوله. وأن الذين قاتلوهم مع علي أولى بالحق من معاوية وأصحابه، مع كونهم أولى بالحق، فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال لواحدة من الطائفتين كما أمر بقتال الخوارج، بل مدح الإصلاح بينهما. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهة القتال في الفتن والتحذير منها من الأحاديث الصحيحة ما ليس هذا موضعه كقوله: ( ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي ) وقال: ( يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن ). فالفتن مثل الحروب التي تكون بين ملوك المسلمين وطوائف المسلمين، مع أن كل واحدة من الطائفتين ملتزمة لشرائع الإسلام مثل ما كان أهل الجمل وصفين وإنما اقتتلوا لشبه وأمور عرضت. وأما قتال الخوارج ومانعي الزكاة وأهل الطائف الذين لم يكونوا يحرمون الربا فهؤلاء يقاتلون حتى يدخلوا في الشرائع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة فلا ريب أنه يجوز قتل أسيرهم واتباع مدبرهم والإجهاز على جريحهم، فإن هؤلاء إذا كانوا مقيمين ببلادهم على ما هم عليه فإنه يجب على المسلمين أن يقصدوهم في بلادهم لقتالهم حتى يكون الدين كله لله". [الفتاوى الكبرى 3/556-561]


    وقال رحمه الله:
    "وقد أوجبَ الله تعالى على أهلِ دينه جهادَ مَن خَرَجَ عن شيءٍ حتى يكونَ الدينُ كلُّه لله،
    كما قال تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ }.
    فمن خَرَجَ عن بعضِ الدين إن كانَ مقدورًا عليه أُمِرَ بالكلام
    ، فإن قَبِلَ وإلاّ ضرِبَ وحُبسَ حتى يؤديَ الواجبَ ويَتركَ المحرَّم،
    فإن امتنعَ عن الإقرارِ بما جَاء به الرسولُ أو شيءٍ منه ضُرِبَتْ عُنُقُه.
    وإن كان في طائفةٍ ممتنعةٍ قُوتِلُوا، كما قاتلَ أبو بكر رضي الله عنه وسائرُ الصحابة مانعي الزكاةِ، مع أنهم كانوا مُقِرِّينَ بالإسلام بَاذِلينَ للصلواتِ الخمسِ، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: واللهِ لو مَنَعُوني عَنَاقًا كانوا يُؤدُّونَها إلى رسولِ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتُهم على مَنْعِها. وكما قاتلَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومَن معه من الصحابة الخوارجَ، الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَحْقِرُ أحدُكم صلاتَه مع صلاتِهم وصيامَه مع صيامِهم وقراءتَه مع قراءتِهم، يقرأون القرآن لا يُجاوِزُ حَناجرَهم، يَمْرُقون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّة، أينَما لَقَيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قَتْلِهم أجرًا عند الله لمن قَتَلَهم يومَ القيامةِ )". [جامع المسائل 5/214]


    وقال رحمه الله:
    "أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعه من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله". [مجموع الفتاوى 28/468]


    وقال رحمه الله: "كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة..
    .فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة رضى الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة. وكذلك ثبت عن النبي من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ) فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب. فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء...
    وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته كأهل الشام مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه
    فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين أو خارجون عليه لإزالة ولايته،
    وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة". [مجموع الفتاوى 28/502-504]


    وقال رحمه الله:
    "كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة
    فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة وكذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنى أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة
    وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة وأتباع سلف الأمة وأئمتها مثل أن يظهروا الألحاد في أسماء الله وآياته أو التكذيب بأسماء الله وصفاته أو التكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا في طاعتهم التي توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور. قال الله تعالى: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله". [مجموع الفتاوى 28/510-511]



  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    سؤال: هل يختلف حكم التارك لشريعة واجبة وهو مقدور عليه عن أحكام الطائفة التاركة لشريعة من شرائع الإسلام أو أكثر وهي ذات منعة؟
    الجواب: نعم تختلف أحكام الطوائف التاركة لشريعة من شرائع الإسلام أو أكثر عن أحكام التارك المقدور عليه.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فيجب الفرق بين المقدور عليه وبين قتال الطائفة الممتنعة التي تحتاج إلى قتال". [مجموع الفتاوى المصرية 1/475]
    وقال: والعقوبات التى جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ
    نَوْعَانِ:

    أَحَدُهُمَا:
    عُقُوبَةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ كَمَا تَقَدَّمَ.
    وَالثَّانِي:
    عقاب الطائفة الممتنعة كَاَلَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا إلَّا بِقِتَالِ.
    فَأَصْلُ هَذَا هُوَ جِهَادُ الْكُفَّارِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
    ". [مجموع الفتاوى 28/349]
    وقال:
    "والفقهاء وإن تنازعوا في قتل الواحد المقدور عليه من هؤلاء
    فلم يتنازعوا في وجوب قتلهم إذا كانوا ممتنعين"
    . [مجموع الفتاوى 28/467]
    لذلك،
    فالمقدور عليه إما أن يترك شريعة داخلة في أصل الدين، أو لازمة لصحة الإيمان والإسلام، كالحكم بما أنزل الله، والصلاة، أو يتركَ عمل الجوارح بالكلية،
    فإنه يقتل ردة ولو كان مقرا بوجوبها عليه، ومدعيا التزامه ذلك الوجوب.

    وأما إن ترك المقدور عليه شريعة من الشرائع التي ليس تركها كفرًا،
    فإنه يلزم بها بالحدود الشرعية إن وجدت أو بالعقوبات التعزيرية،
    ولا يكفر إلا بالجحود أو الاستحلال أو الرد (عدم الالتزام) أو السخرية والاستهزاء أو الاستخفاف والتنقص.

    أما الطائفة الممتنعة بشوكة،
    فلا يطلب منها سوى الرجوع لما خرجت عنه من الشريعة،
    فإن أبت قوتلت بغير استتابة قتال الكفار، وإن لم تكن تلك الشريعة لازمة لصحة الإيمان والإسلام، بل قد تكون مستحبة في حق الفرد، لكن تقاتل عليها الطائفة الممتنعة التاركة لها قتال الكفار.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الممتنع لا يستتاب وإنما يستتاب المقدور عليه". [الصارم المسلول ص: 333]

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    سؤال: من يدخل في حكم الطائفة الممتنعة؟.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم". [مجموع الفتاوى 28/312]
    وقال: "ولأن هؤلاء الطائفة الممتنعة ينصر بعضهم بعضا فهم كالشخص الواحد". [مجموع الفتاوى المصرية 1/480]
    وقال: "فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ قَتْلُهُمْ حَتْمًا مَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَى مَا خَرَجُوا عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَلَا هُدْنَةٌ وَلَا أَمَانٌ وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُفَادَى بِمَالِ وَلَا رِجَالٍ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلَا يسترقون؛ مَعَ بَقَائِهِمْ عَلَى الرِّدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَيُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ؛كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ،وَكَذَا نِسَاؤُهُمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ". [مجموع الفتاوى 28-414]
    وقال: "إذا عاد أحد مقاتلا ممتنعا من الطائفة المفسدة الذين خرجوا عن الطاعة وفرقوا الجماعة وعدوا على المسلمين في دمائهم وأموالهم بغير حق وقد طلبوا القيام ليقام فيهم أمر الله ورسوله فالذي عاد منهم مقاتلا ممتنعا يجوز قتاله ولا شيء على من قتله بل المحاربون يستوي فيهم المعاون والمباشر عند جمهور الأئمة أحمد ومالك وأبي حنيفة فمن عاونهم كان حكمه حكمهم ويجوز بل يجب بإجماع المسلمين قتال كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة مثل الطائفة الممتنعة عن إقامة الصلوات الخمس أو عن أداء الزكاة وعن الصيام المفروض ومثل من لا يمتنع عن سفك دماء المسلمين وأخذ أموالهم بالباطل ومثل ذوي الشوكة المقيمين بأرض لا يصلون بها ولا يتحاكمون بينهم بالشرع الذي بعث الله به رسوله". [مختصر الفتاوى المصرية 1 /432-433]
    وقال: "الطَّوَائِفَ الْمُمْتَنِعَةَ الَّتِي يُعِينُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ يَكُونُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَالْأَخْذَ وَالْإِتْلَافَ وَعَلَى الرَّدْءِ الَّذِي يُعِينُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَلِهَذَا كَانَ فِي مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ مِنْهُمْ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ. وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ رَبِيئَةَ الْمُحَارِبِينَ وَهُوَ النَّاظِرُ الَّذِي يَنْظُرُ لَهُمْ الطَّرِيقَ. فالمتعاونون عَلَى الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَةُ بِالضَّمَانِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إنَّ الطَّائِفَتَيْن ِ الْمُقْتَتِلَتَ يْن عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَرِيَاسَةٍ تَضْمَنُ كُلُّ طَائِفَةٍ مَا أَتْلَفَتْ لِلْأُخْرَى مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ. فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَيْنُ الْمُتْلِفِ. وَإِنْ كَانَ قَدْرُ الْمَنْهُوبِ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ مَا نَهَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا قَدْرُ مَا نَهَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى التَّسَاوِي". [مجموع الفتاوى 30/327]

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    -ويقول رحمه الله--وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة، فهل يجوز اتباع مدبرهم، وقتل أسيرهم، والإجهاز على جريحهم ؟ --والصواب أن هؤلاء ليسوا من البغاة المتأولين؛ فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلا، وإنما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعى الزكاة وأهل الطائف . والخرمية ونحوهم ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام .وهؤلاء إذا كان لهم طائفة ممتنعة، فلا ريب أنه يجوز قتل أسيرهم واتباع مدبرهم، والإجهاز على جريحهم؛ فإن هؤلاء إذا كانوا مقيمين ببلادهم على ما هم عليه، فإنه يجب على المسلمين أن يقصدوهم فى بلادهم لقتالهم، حتى يكون الدين كله لله- وقد أمر الله المسلمين أن يقاتلوا أعداءه الكفار، ويوالوا عباده المؤمنين . فيجب على المسلمين من جند الشام ومصر واليمن والمغرب جميعهم، أن يكونوا متعاونين على قتال الكفار،--ويقول ايضا- كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يغزو جيش هذا البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خُسِفَ بهم " ، فقيل : يا رسول الله، وفيهم المُكْرَه، قال : " يبعثون على نياتهم " . وهذا في ظاهر الأمر، وإن قتل وحكم عليه بما يحكم على الكفار فالله يبعثه على نيته، كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام ويبعثون على نياتهم .والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر؛ ولهذا روي أن العباس قال : يا رسول الله، كنت مكرهًا . قال : [ أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله ] .ويقول رحمه الله--وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه من لا يعلم المسلمون حاله، إذا قاتلوا الكفار، فيقتلونه ولا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن مع المشركين، وهو في الآخرة من المؤمنين أهل الجنة، كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، فحكم الدار الآخرة غيراحكام الدار الدنيا.[درئ تعارض العقل والنقل]----- ويقول رحمه الله--
    (،فقد أخبر سبحانه انه حاق بآل فرعون سوء العذاب، وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم إيمانه، وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره، فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس والظاهر، وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب، وكذلك امرأة فرعون ليست من آل فرعون هؤلاء، قال الله تعالى ?وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ? (التحريم:11)، وامرأة الرجل من آله بدليل قوله ?إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ? (الحجر:59_60)، وهكذا أهل الكتاب فيهم من هو في الظاهر منهم، وهو في الباطن يؤمن بالله ورسوله محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يعمل بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه علمًا وعملًا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وهو عاجز عن الهجرة إلى دار الإسلام كعجز النجاشي، وكما أن الذين يظهرون الإسلام فيهم من هم في الظاهر مسلمون وفيهم من هو منافق كافر في الباطن إما يهودي وإما نصراني وإما مشرك وإما مُعَطِّل، كذلك في أهل الكتاب والمشركين من هو في الظاهر منهم ومن هو في الباطن من أهل الإيمان بمحمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ا هـ[دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية]https://majles.alukah.net/t19140/

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الطائفة الممتنعة كالتي لا يقدر عليها إلا بقتال". [مجموع الفتاوى 28/349]

    مثل الذين منعوا الزكاة على عهد الصديق رضي الله عنه مع إظهارهم لباقي شرائع الإسلام، ومثل التتار الذين أظهروا بعض شرائع الإسلام وامتنعوا عن بعضها
    قال شيخ الاسلام (ولأن المرتد لو امتنع بأن يلحق بدار الحرب، أو بأن يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام فإنه يُقتل قبل الاستتابة بلا تردد).

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية
    "والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؟ هذا لم يعهد من الصحابة بحال، بل قال الصديق لعمر – رضي الله عنها -: والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها. فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد وجوبها، وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار وسموه جميعاً أهل الردة ... ")
    **********

    نعم
    منهج علماء الدعوة النجدية فى هذه المسألة
    قال الإمام المجدد شيخ الاسلام والمسلمين الامام محمد ابن عبد الوهاب كما في الدرر السنية (9/418) :" وقال أبو العباس أيضا - في الكلام على كفر مانعي الزكاة -: والصحابة لم يقولوا: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، هذا لم يعهد عن الخلفاء والصحابة، بل قد قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: "والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها " فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد الوجوب. وقد روى: أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعهم أهل الردة; وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه عندهم: أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله، وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم، انتهى.
    فتأمل كلامه في تكفير المعين، والشهادة عليه إذا قتل بالنار، وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين، عدم تكفير المعين"
    وقال عبد الله ابن الإمام المجدد محمد ابن عبد الوهاب رحمهما الله كما فى الدرر ( 10/179) :
    " فتأمل كلامه وتصريحه _ يعني ابن تيمية_ : بأن الطائفة الممتنعة عن أداء الزكاة إلى الإمام، أنهم يقاتلون ويحكم عليهم بالكفر والردة عن الإسلام، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم، وإن أقروا بوجوب الزكاة، وصلوا الصلوات الخمس، وفعلوا جميع شرائع الإسلام غير أداء الزكاة، وأن ذلك ليس بمسقط للقتال لهم، والحكم عليهم بالكفر والردة، وأن ذلك قد ثبت بالكتاب والسنة، واتفاق الصحابة رضي الله عنهم، والله أعلم"

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما الفرق بين الامتناع والترك المجرد

    هنا مسألة مهمة وهى هل قتال الطوائف الممتنعة فى مرحلة الضعف وعدم التمكين ؟
    هذا هو الخطأ الجوهرى والمنهجى عند كثير من الطوائف المعاصرة
    فالخليفة الراشد ابو بكر رضى الله عنه لم يقاتل الطوائف الممتنعة الا تحت راية دولة الاسلام
    وكذلك شيخ الاسلام لم يقاتل التتار الا تحت راية دولة الاسلام وتحقيق التوحيد
    وكذلك الامام المجدد محمد ابن عبد الوهاب لم يقاتل الطوائف الممتنعة الا بعد تحقيق التوحيد وتحت راية دولة الاسلام بقيادة الامام محمد ابن سعود
    فالخطأ عند كثير من الطوائف المعاصرة خطأ منهجى عقدى فهؤلاء يستبقون المراحل
    انظر الى دعوة الامام المجدد محمد ابن عبد الوهاب ومراحل الدعوة واقامة الدولة وقتال المرتدين يتبين لك خطأ الطوائف المعاصرة فى منهجيتهم فى قتال الممتنعين والمرتدين فى عدم تحقق المناط-بغض النظر طبعا عن استباق مراحل الدعوة والتمكين
    قال شيخ الإسلام :
    حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم وقال بعض الشعراء:
    يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر ...
    أو قال
    عوذوا بقبر أبي عمر ... ينجيكم من الضرر ...
    فقلت لهم هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ولحكمة الله عز و جل في ذلك
    ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله ولما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة لمن عرف هذا وهذا وإن كثيرا من القائلين الذين اعتقدوا هذا قتالا شرعيا أجروا على نياتهم فلما كان بعد ذلك جعلنا نأمر الناس بإخلاص الدين لله عز و جل والاستغاثة به وأنهم لا يستغيثون إلا إياه لا يستغيثون بملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال تعالى يوم بدر إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم
    وروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوم بدر يقول يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث
    وفي لفظ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك
    فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصرا عزيزا ولم تهزم التتار مثل هذه الهزيمة قبل ذلك أصلا لما صح من تحقيق توحيد الله تعالى وطاعة رسوله ما لم يكن قبل ذلك فإن الله تعالى ينصر رسوله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
    ***********
    قال الامام ابن باز
    لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن قال له: ادعهم إلى: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم فلم يأمرهم بالصلاة والزكاة إلا بعد التوحيد والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا فعل الكافر ذلك صار له حكم المسلمين، ثم يطالب بالصلاة وبقية أمور الدين

    قال شيخ الإسلام: الواجب أن يعتبرَ في أمور الجهاد برأي أهل الدِّين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون أهل الدّنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهرِ الدينِ, فلا يُؤخذ برأيهم, ولا برأي أهل الدِّين الذين لا خبرة لهم في الدنيا). (الاختيارات العلمية).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •