معنى ضمان التبعات عمن حظي بفضل الوقوف بعرفات:
يقول العلماء: حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة والعفو إذا تاب الإنسان من تضييعها، وأما حقوق العباد، فمبنية على المطالبة والمُشاحَّة، ولا تسقط ولا تبرأ الذمة إلا بأدائها، ومما ورد في فضل الوقوف بعرفة والإفاضة إلى المشعر الحرام أن الله يضمن التبعاتعمن وقف بها، فما معنى ذلك؟
جاء في الترغيب والترهيب للمنذري: 1792 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم عرفة أيها الناس إن الله عز و جل تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم ووهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى لمحسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله فلما كان بجمع قال إن الله عز و جل قد غفر لصالحيكم وشفع صالحيكم في طالحيكم تنزل الرحمة فتعمهم ثم تفرق المغفرة في الأرض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم فإذا نزلت الرحمة دعا إبليس وجنوده بالويل والثبور رواه الطبراني في الكبير ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن فيهم رجلا لم يسم
1793

- ورواه أبو يعلى من حديث أنس ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله تطول على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله تعالى فيقول يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني وكفلت عنهم التبعات التي بينهم 1794 - وعن عباس بن مرداس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا لامته عشية عرفة فأجيب أني قد غفرت لهم ما خلا المظالم فإني آخذ للمظلوم منه قال أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد فأجيب إلى ما سأل قال فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قال تبسم فقال له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذي أضحكك أضحك الله سنك قال إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لامتي أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكني ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه
1795
- ورواه البيهقي ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عشية عرفة لامته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه أني فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها فقال يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله أني قد غفرت لهم قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له بعض أصحابه يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم قال تبسمت من عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه رواه البيهقي من حديث ابن كنانة بن العباس بن مرداس السلمي ولم يسمه عن أبيه عن جده عباس ثم قال وهذا الحديث له شواهد كثيرة وقد ذكرناها في كتاب البعث فإن صح بشواهده ففيه الحجة وإن لم يصح فقد قال الله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 84 وظلم بعضهم بعضا دون الشرك انتهى

1796 - وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال وقف النبي صلى الله عليه و سلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال يا بلال أنصت لي الناس فقام بلال فقال أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأنصت الناس فقال معشر الناس أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال إن الله عز و جل غفر لاهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله هذا لنا خاصة قال هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثر خير الله وطاب

قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم, 1624 - " إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا ، فوهب مسيئكم لمحسنكم ، و أعطى محسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله " . قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 163 : أخرجه ابن ماجة ( 3024 ) عن أبي سلمة الحمصي عن بلال بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع : " يا بلال أسكت الناس ، أو أنصت الناس " . ثم قال : فذكره . قال البوصيري في " الزوائد " ( 207 / 2 - مصورة المكتب ) : " هذا إسناد ضعيف ، أبو سلمة هذا لا يعرف اسمه ، و هو مجهول " . قلت : لكن الحديث صحيح عندي ، فإن له شواهد من حديث أنس بن مالك و عبادة بن الصامت و عباس بن مرداس . أما حديث أنس فيرويه صالح المري عن يزيد الرقاشي عنه مرفوعا به أتم منه . أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 3 / 1015 ) . و صالح المري و يزيد الرقاشي ضعيفان ، و اقتصر الهيثمي في " المجمع " ( 3 / 257 ) على إعلاله بالمري فقط ! لكن رواه ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك به نحوه . هكذا ساق إسناده في " الترغيب " ( 2 / 128 ) ، و هو إسناد صحيح لا علة فيه ، و قد أشار إلى ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه " الأحكام " ( رقم 71 - بتحقيقي ) بسكوته عليه ، و فيه : " إن الله غفر لأهل عرفات و أهل المشعر . .. " . و انظر " صحيح الترغيب " ( 1143 ) . و الحديثان الآخران مخرجان في " الترغيب " ، و إسنادهما و إن كان ضعيفا ، فلا بأس به في الشواهد . و للحديث شاهد آخر رواه البغوي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده . ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 143 / 2 ) .

وجاؤ في الضعفاء للعقيلي في الكلام عن شبويه المروذي: 802 - حدثنا محمد بن خالد البردعي قال : حدثنا علي بن موفق قال : حدثنا شبويه المروزي قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس قال : وقف رسول الله a بعرفة يوم عرفة ، وكادت الشمس أن تغرب ، فقال : « يا بلال ، أنصت لي الناس » فقام بلال فقال : يا معشر الناس ، أنصتوا ، فقال : « أتاني جبريل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال : إن الله قد غفر لأهل عرفات ما خلا التبعات ، أفيضوا بسم الله » قد روي في ، هذا المعنى بخلاف هذا اللفظ حديث العباس بن مرداس ، وحديث عن ابن عمر وغيره ، وأسانيدها لينة ، وفيه عن عائشة وجابر إسنادان صالحان.
فهذا حديث عظيم قال عنه البيهقي إن صح فبمجموع طرقه، وذكر العقيلي أن له إسنادان صالحان، فأما إسناد عبد الله بن المبارك فلم يذكر له في المنقولات أعلاه مصدر، ولو ثبت من غير إسناد العقيلي لكفى بهذا الطريق في إثبات صحة الحديث، وإسناد العقيلي فيه شبويه المروذي.
وقد ذكر السيوطي في تفسيره للآية {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}، طريق ابن المبارك للحديث بصيغة {وروى ابن المبارك} بدون ذكر من رواه عنه ولا الكتاب الوارد فيه, فلعله قلد المنذري في الترغيب والترهيب، كما أن شواهد الحديث المذكورة فيها من نص أهل العلم على أنه لا بأس به في الرقائق، وهذا الحديث منها.
ومعنى التبعات ما يكون بين العباد بعضهم مع بعض يضمنها الله عز وجل لمن وقف بعرفة، فاللهم نسألك من فضلك.