لقد قرر العلماء الغربيون عدم الخوض في موضوع نشأة اللغة، لأن اللغة قديمة جدًا ومن المؤكد أنها تغيرت؛ فالكلمة يعتريها التغيير في ترتيب الحروف وفي الحروف نفسها مع طول الزمن، ولأسباب أخرى مثل الحروب والاختلاط بين الأمم المختلفة لغويًا. ولكن هذا لم يمنعهم من البحث في تأصيل اللغة والمقارنة بين اللغات.
وإذا تأملنا في الكتب التي تكلمت عن الثنائية وهي اعتمدت على التشابه في المعنى سنجد مشكلة وهي: من قال إن جهر من الجيم وهر، لماذا لم يقل إنها من جها والراء؟ لأن المعنى متشابه أيضًا. ومثلها كثير، وإذا كانت اللغة قديمة جدًا تكلم بها الناس قبل نشأة الكتابة بزمن طويل، فلابد أن يكون قد اعتراها قلب وإبدال كثير، لذلك لايعلم الأصول البعيدة إلا الله تعالى، ووجدت أن أسلم طريقة وأسلم معيار هو حذف الحروف المقطعة من الكلمات التي وردت في السور التي بدأت بها، بمعنى أن الكلمات التي تحتوي على حروف الألف أو اللام أو الميم تحذف من الكلمات التي في سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة، وتحذف الر من الكلمات الموجودة في السور التي تبدأ ب ألر، وهكذا ثم نقوم بعمل قاموس لحصر المعاني ودراستها وتحليلها، يعني مثلًا: كلمة بص وبصر، خلا وخلص، وخلل وخلق، وخصى وخصم، وجب وجبل، لايوجد أي مشكلة في هذه الكلمات ومثيلاتها، لأن التشابه واضح في المعنى.
أما التي تحتاج إلى دراسة فهي الكلمات المقلوبة والغريبة، مثل كلمة فرعون بعد حذف الراء منها في السور التي ذكرت فيها وبدأت بـ ألر، يتبقى فعون، أو فعن، وبحذف النون نجد جذرها نفس جذر كلمة رفع التي حذف منها حرف الراء في السورة التي بدأت بـ ألر، إذن )رفع وفرعون( من جذر واحد،وهو فع ربما كان يفع أو وفع أو فوع، المهم هو مكون من الفاء والعين، وكلمة فرع كما ورد في اللسان: فَرْعُ كلّ شيء: أَعْلاه، وقيل: تَفَرَّعَ فلانٌ القومَ عَلاهم؛ والفَرْعةُ: رأْسُ الجبل وأَعْلاه خاصّة.
إذن فكلمة فرعون تعني الأعلى وفي الصعيد يقولون عن كبير القوم الكبير، فهي تشبه وصف المصريين لكبرائهم. لقد اعتمدت أولًا على القرآن الكريم ثم بحثت في المعاني المتشابهة فوجدت التشابه واضحًا، لأن فرع ورفع ويفع في لسان العرب بينها تشابه في المعنى واضح وهو الارتفاع والعلو. وبذلك فكلمة فرعون تعني الأعلى، وحرف الراء وسط الكلمة، قد تكون قلبت هذه الكلمة لطول الزمان.
والله تعالى أعلم