بمناسبة الوباء الذي يمر به العالم، وبمناسبة رابع جمعة تغلق فيها المساجد إليكم هذه المحاولة الشعرية بعنوان:


(إن الهوى فيها)


1 عزَّ الوصالُ، عسى يا رب تُدنيها
العذر عذرٌ، ولكنَّ الهوى فيها *

2 . نفسي تمورُ هَجير الشوق يلفحها
قد إُثقلت بركام الهم يُضنيها *

3 . تأتي على العبد آلامٌ يكابدها
وينْفذُ الله ما في اللوح يجلوها *

4 . فكم لطائفه قد أسعدت مهجا
في لجة الغمِّ كان الحزن يُشقيها *

5 . أرى حنينك هذا اليوم مرتجفا
مستعبرا هدَّه التبريح تأويها*

6 . وكيف لا يا فؤادي، والهوى لغة
الوصل أحرفها، يُثري مغانيها *

7 . واليوم ذي أحرفي في البين ساجيةٌ
تهيمُ حائرةً، غابت معانيها *

8 . رباه، ذي جمع نادى مؤذنها
صلوا ببيت لكم، فارتعتُ مشدوها *

9 . وقلت: {فاسعوا}، فما بال الخطى وجمت
عن الجواب؟ أليس الشوق يحدوها؟! *

10 . اليوم لا جمع للنفس تؤنسها
اليوم لا خطب للخير تهديها *

11 . كانت تجلِّلُ ذرات الهواء هدى
حروفها راحة للروح تُهديها *

12 . والخمس يا رب كم كانت تجمِّعنا
كانت نفائس عقد في تواليها *

13 . كانت تلملم في جمع لنا شَعَثاً
واليوم صارت سهام السهوِ ترميها *

14 . أمست بيوتك يا منان خاويةً
قد غاب عنها على عذرٍ محِبُّوها *

15 . الدور من حولها بالأهل عامرةٌ
وذي المساجدُ دَوحٌ، أين أهلوها؟! *

16 . كم كان فيها سرور الروح، كم سكنت
فيها مواجعنا، إن الهوى فيها *

17 . هذي بيوتك يا رحمن موصدة
خوفَ الوباء نأى عنها مصلوها *

18 . مهجورة في بقاع الأرض، واكَبِدي!
كم أغبط الطير تشدو في نواحيها *

19 . تسبح الله، لا عدوى تُؤرِّقها
تبيت آمنةً، والله يحميها *

20 . والعبد ثاوٍ بعقر الدار منكسرٌ
مناه ثكلى، جناح الذل يطويها *

21 . هذي محاريبها لا إلْفَ يؤنسها
سوى الهواء، فهل تالٍ يواسيها *

22 . صمت مريرٌ رهيبٌ بات يعمرها
هذي الصفوف سلوها، إين محيوها؟!*

23 . لا سبحةٌ لا فروضٌ، لو ترى عجبا
مرارةٌ مهج العمار تشكوها *

24 . أين الوجوه التي تنساب نيرةً
بالِبشر مقبلة كيما أُحييها *

25 . في ظلمة الليل تأتي وهي راجيةٌ
ذا وعده، بتمام النور يحبوها *

26 . أين الجباه التي خرت منعمةً
بالذُّلِّ، تسجد للرحمن تأليها؟ *

27 . أين الجنوب التي جافت مضاجعها
في البرد والحر؟ لا التسويف يُلهيها *

28 . أين القلوب التي ذاقت مُرابِطةً
حلاوة الأُنس، حب الله حادِيها *

29 . يا ستةً في حديث الظل قد وُعِدوا
نفوسُ سابعكم حُمَّت فعودوها *

30 . يا ستةً في حديث الظل قد وُعِدوا
أرواح سابعكم ثكلى فواسوها *

31 . قالوا: الوباء، فكن بالعذر معترفا
سينجلي، وبإذن الله آتوها *

32 . قلت: الوباء, وباء الروح يخنقها
جلَّالمصاب، عسى ربي يداويها *

33 . أما أنا، فحنيني ليس يعذرني
العذر عذرٌ، ولكن الهوى فيها *

34 . أما أنا، فسكوني لا يطاوعني
كانت حياتي حياةً حين آتيها *

35 . صرت الغريبَ بأرضٍ جِدُّ أعرفها
وغربة الروح تُعيي من يداريها *

36 . في كل يوم لها ذكرى تعاودني
يا لهف نفسي إذا نادى مناديها! *

37 . قد أوصدت في ربوع الأرض أكثرها
يا ليتني كنت نِسياً حين قالوها *

38 . فكيف كانت حياة الغُفلِ يهجرها
والقلب منه سليمٌ؟، كيف يسلوها؟! *

39 . قالوا: جزِعْت، أما تكفيك حكمته؟!
حل القضاء، كفى زورا وتمويها *

40 . فأين منك الرضى، غالَيْتَ في شططٍ
حظوظ نفسك دعنا من تجنِّيها *

41 . فاسمع أيا لائمي مني المقال وخذ
إجابتي، وتفكر في معانيها *

42 . بين الفُضَيْلِ وبين المصطفى عِبَرٌ
إذا تأملت يجلو عنك خافيها *

43 . لفقد سِبْطٍ مآقي المصطفى دمعت
مستسلما لقضاء الله يُبديها *

44 . وما بكاه على سبط له جَزَعاً
لكنها رحمة في القلب داعيها *

45 . أما الفُضَيْلُ فأبدى للردى فرحا
كأن عين الرضى لا حزن يعروها *

46 . وهكذا قصة الزهراء حين بكت
على النبِيِّ الأب الحاني مآقيها *

47 . إذ عاتبت أنسا، فاسمع مقالته
"أنكرت قلبي"، فهل غاب الرضى فيها *

48 . لا ينقضُ الحزن عذرا أو يبدده
وليس تمحو رضى نفس مآسيها *

49 . إن يُبْتَلَ العبد في أشياء يكرهها
تَرَ الرضى منه سهلا وهو يسلوها *

50 . وفي البلاء بمحبوب ترى جزعا
إذ ينجلي من حظوظ النفس خافيها *

51 . وليس ينجو سليما من تسخطه
إلا الذي زاده التوحيد تأليها *

52 . تسمو الحظوظ, حظوظ النفس تابعة
في الشرع تربتها، بالخير يسقيها *

53 . يا عاذلي كُفَّ، إن الله أرأف بي
يا ربُّ طال النوى، إن الهوى فيها *

54 . يا عاذلي لا تلمني، إنني شَرِقٌ
العذر عذرٌ، ولكن الهوى فيها *

55 . ما بي غلوٌّ، ولا التهييج من نَهَجي
البَيْنُ مرٌّ، وما خالفت توجيها *

56 . وليس كل هوىً في النفس مشتملا
على الهوان، ألا إن الهوى فيها *

57 . يا نعمة فُقِدَتْ في القلب موطنها
الروح ترجو، عسى يا رب تُدْنيها *

58 . وليس يعدلها أهل ولا ولد
هُمُ الأحبة، لكن الهوى فيها *

59 . إن لم تجدني بها يا من ستسمعني
قل ناصحٌ ضَلَّ، واعكف في نواحيها *

60 . وإِنْ بدا العذر لي فاسبق بلا كسلٍ
فليس شيءٌ من الدنيا يدانيها *

61 . خير البقاع بيوت الله، آيتها
في سورة النور، خير الناس يتلوها *

62 . يا راحة فقدت، حادي الرجا عَجِلٌ
يا رب فيك الرجا، إن الهوى فيها *

63 . كم كان فيها سكون النفس، كم جمعت
من إخوة، لرضى الرحمن جاءوها *

64 . يبكي الْمُصَلَّى بها إن مات عامِرُهُ
وهو الجماد، فما لي لست أبكيها *

65 . كم كان فيها ضياء القلب، كم ذهبت
عنا الهموم، ألا إن الهوى فيها *

66 . العبد ضيف على مولاه يكرمه
في بيته بعطايا لست أحصيها *

67 . ما قيمة العمْر، ما الدنيا وزهرتها
من دونها، فمتى يا رب نأتيها؟ *

68 . يا رب جَلِّ الوبا عنا، فقد سقمت
أرواحنا، من فراق بات يكويها *