خطبة الحرم المكي
- شريعة الإسلام حـفــظــت الأرواح والأنفس والأموال والعقول والأعراض



جاءت خطبة الحرم المكي بتاريخ 8 من ذي القعدة 1442هـ - الموافق 18 / 6 /2021م للشيخ: أسامة خياط، مبينة محاسن شريعة الإسلام، وأنها حفظت الأرواح والأنفس والأموال والعقول والأعراض، كما بينت الخطبة النهج الراشد والمسلك القويم للمُخلَصين من أولي الألباب، ليبعث على دوام التذكر لنعمة الله عليهم، وإكرامه لهم؛ إذ أحيا قلوبهم بنور الإيمان وثلج اليقين، وهداهم إلى الحق الذي جاءت به رسل الله، فغمرتهم أنوار الهداية، فأبصروا ضلالات الضالّين، وجهالاتهم التي أُرْكِسوا فيها، فلا منجى لهم منها، ولا مَخْلَص لهم من ظُلمتها، ولا نجاة لهم من سوء العاقبة فيها. {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.



استجيبوا لله وللرسول

ثم أكدت الخطبة أن الاستجابة لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم -، واتباع شريعته، والحذر من اتباع أهواء الذين لا يعلمون، أمر متعين ولازم، كما أمر -سبحانه- بذلك أشرف الخلق -صلوات الله وسلامه عليه- في قوله -عز اسمه-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. ليدُلّ بذلك على كمال هذا الدين وشرف هذه الملة الحنيفية، والشريعة المحمدية التي كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «التي لا تنال العبارة كمالها، ولا يُدرك الوصف حسنها، ولا تقترح عقول العقلاء ولو اجتمعت على عقل أكمل رجل منهم فوقها».

أكمَل الشرائع وأفضلها

ثم أكد الشيخ الخياط أن شريعة الإسلام هي أكمل الشرائع وأحسنها، فحسب العقول الكاملة الفاضلة أن أدركت حسنها وشهدت بفضلها، وأنه ما طرق العالم شريعة أكمل ولا أجلّ ولا أعظم منها، فهي الشاهد والمشهود له، والحُجة والمُحتج له، والدعوى والبرهان، ولو لم يأت المُرسل ببرهان عليها لكفى بها برهانا وآية، وشاهدًا على أنها من عند الله، وكلها شاهدة له بكمال العلم، وكمال الحكمة، وسعة الرحمة، والبر والإحسان، والإحاطة بالغيب والشهادة، والعلم بالمبادئ والعواقب، وأنها من أعظم نعمه التي أنعم بها على عباده، فما أنعم الله على عباده بنعمة أجلّ من أن هداهم إلى هذه الشريعة وجعلهم من أهلها، وممن ارتضاها لهم وارتضاهم لها.

كمال الدين وتمام النعمة

فلهذا امتن على عباده بأن هداهم لها قال -تعالى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. وقال معرفا لعباده ومذكرا لهم عظيم نعمته عليهم بشريعته مستدعيا منهم شكرهم على أن جعلهم من أهلها: {لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فوصف الدين الذي اختاره لعباده بالكمال، ووصف النعمة التي أسبغها عليهم بالتمام، إيذانا بأن الدين لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل، ولا شيء يخرج عن الحكمة بوجه، بل هو الكامل في حسنه وجلالته. ووصف النعمة بالتمام إيذانا بدوامها واتصالها، وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهم إياها، بل يتمها لهم بالدوام في هذه الدار، وفي دار القرار.

دين ارتضاه الله -تعالى- لخلقه

فهل ثَمة أغلى من دين ارتضاه الله الحكيم العليم لخلقه وجعله السبيل الموصل إليه، والطريق إلى رضوانه وغفرانه ونزول رفيع جنانه؟ كما جعله سببا لرفعة هذه الأمة المحمدية، والتمتين في البلاد، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بإسناد صحيح عن أُبَي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بشّر هذه الأمة بالسناء والتمتين في البلاد، والنصر والرفعة بالدين، ومن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة نصيب».

أصحاب البصائر

إنّ أصحاب البصائر لا يملكون وهم يسمعون نداء الله يُتلى عليهم في كتابه إلا أن يُصيخوا ويستجيبوا لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هي دعوة تحيا بالاستجابة لها القلوب. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.

محاسن الشريعة

ثم بين الشيخ الخياط أن محاسن هذه الشريعة المحمدية والملة الحنيفية تربو على العَد وتَجِلّ عن الحصر، وكفى بها شرفا أن الله -تعالى- حفظ بها الأرواح والأنفس والأموال والعقول والأعراض؛ إذ حرّم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وحرّم انتهاك الأعراض بتلويث الفُرش بالزنا، وحين حظر تعاطي كل ما يهدد أو ينتقص سلامة العقول من المسكرات والمخدرات والمفترات، ومنع أكل أموال الناس بالباطل في كل صوره وألوانه. وأرسى الله بهذه الشريعة قواعد العدالة بين الخلق كافة، مسلمهم وكافرهم، وعربيهم وعجميهم، وأسودهم وأبيضهم، وذكرهم وأنثاهم، وصغيرهم وكبيرهم، فجعل تقوى الله قاعدة التفاضل بينهم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

تشريع رباني حكيم

ثم أكد الشيخ الخياط أن هذ التشريع الرباني حفظ لكل إنسان حقه، وأوضح له واجبه في تشريع رباني حكيم، سبق ما سواه من تشريعات بشرية لحفظ حقوق الإنسان، وسَلِمَ من ضعفها وقصورها. فرفع للإنسان قدره، وصان كرامته، ولذا فإن المؤمن حقا تعتريه حيرة، ولا يخالجه شك في أن شرع ربه ودينه وطريقه هو سبيل النجاة، وطريق السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة.


عاقبة الإعراض
ثم بين الشيخ الخياط عاقبة الإعراض عن أحكام الله -تعالى- وأوامره فقال: من أعرض عن ذكر ربه فخالف أمره، وحاد عن سبيله، والتمس الهدى والسعادة في غيره، فقد بيّن الله عاقبة أمره بقوله -سبحانه-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}. وضنك المعيشة ليس بقلة ذات اليد ونقص العَرَض، بل هو كما قال ابن كثير -رحمه الله-: بألا يجد طمأنينة ولا انشراحا لصدره، بل صدره ضيّق حرج، وإن تَنَعّم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه في قلق وحيرة وشك فلا يزال في غيبه يتردد.
منقول