السعادة في السّنّة النّبويّة
- ضبط النفس من أسباب السعادة التي دعت إليها السنة النبوية


د. سندس عادل العبيد



ما زال حديثنا مستمرا عن السعادة في السنة النبوية، واليوم نتحدث عن ضبط النفس، ودفعها نحو الإيجابية والتفاؤل بوصفهما أحد أهم أسباب السعادة التي حثت عليها السنة النبوية، والسّنّة النبوية مليئة بالنماذج التي تدعو إلى ضبط النفس، ودفعها نحو الإيجابية والتفاؤل، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»، فالشدة والقوة لا تقاس باندفاع الانفعالات وشدة الغضب، وإنما تقاس بقدرة الإنسان على ضبط نفسه والتحكم بإدارة سلوكه نحو الصواب.

وسائل ضبط النفس

والحصول على السعادة إنما يتعلق بقدرة الإنسان على ضبط النفس وتطويرها، فمتى امتلك الإرادة استطاع قيادة نفسه إلى طريق السواء والإيجابية، ونذكر من ذلك ما يلي:

الشخص الإيجابي شخص سعيد، حيث إنه يتصف بالرؤية المشرقة، والمقدرة على إدارة الأزمات بمشاعر إيجابية متفائلة، وهو يتسم -فضلا عما يميزه من سلوك التفاؤل والرضا والازدهار- بتعدد استراتيجيات المواجهة الإيجابية والضبط الشخصي للمشاعر والأفكار السلبية، عند مواجهة مختلف التوترات وضغوط الحياة.

عشر خصال سلوكية

وهناك عشر خصال سلوكية يتصف بها الشخص ذو التفكير الإيجابي، وهي: (التفاؤل، والإيمان، والترابط، والشجاعة، والثقة، والتصميم، والصبر، والصدق، والهدوء، والتركيز)، وهذه الخصال هي نقطة القوة التي تواجه المواقف والتحديات، وتساعدك في تحقيق أغراضك وأهدافك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، في الحديث مدح للمؤمن الإيجابي المتفائل الذي ينتفع من الخير أينما وجده ويحرص عليه، وهو دائما في إقبال واستعانة بالله -تعالى- في كل أمور الحياة، وقد مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - النظرة الإيجابية التي يختص بها المؤمن لإيمانه القوي: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ»، ومن هذه الأحاديث يمكن استنباط أسس التفكير الإيجابي في السّنّة النبوية:



(1) الاعتقاد بأفكار إيجابية ( الإيمان )

إن الإيمان هو أصل السعادة في الدارين، وفي التصديق الجازم بأركانه مع التطبيق العملي يجد العبد إيجابية في أفكاره واعتقاداته، ويشعر بتفاؤل ورغبة في الإنجاز والنجاح، وفي الالتزام بتعاليم الإسلام كل الإيجابية، ففي قراءة القرآن الكريم يكسب العبد انفعالات إيجابية وتأثيرات وجدانية إيجابية، ويشعر بسكينة ووقار وسعادة كبيرة تفوق الوصف، وعند ترديد الأذكار الإسلامية والأدعية في كل يوم بكلمات طيبات وتسبيح وذكر لله -تعالى- واستغفار وتوكل واستعانة وغيرها من الأمور التي تشبع روح الإنسان بالتفكير الإيجابي والمرونة الحياتية.



منهج تربوي


ففي ترديد المؤمن لهذا الدعاء النبوي مثلا: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر»، يشعر المؤمن بسكينة وإيجابية وخير في هذه الحياة، وتمتلئ نظرته للحياة بتفاؤل وأمل لحسن ظنه بالله -سبحانه وتعالى-، والسّنّة النبوية مليئة بالأدعية والأذكار والإيجابية. والتفكير الإيجابي -غالبا- يتضمن محاولة أن تعتقد في مجموعة من العبارات المبهجة، وقد «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَفَاءَلُ، وَيُعْجِبُهُ الِاسْمُ الْحَسَنُ»، وقال - صلى الله عليه وسلم - في ذم السلبية والتشاؤم «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ»، فالتفاؤل والتفكير بنظرة إيجابية منهج نبوي، وهو أحد سمات الشخصية السعيدة في السّنّة النبوية.

والتفكير الإيجابي من أهم عناصر السعادة، فإذا أردنا أن نغير أسلوبنا فيجب أن يكون ذلك من خلال عقلنا الباطن، وهذا يعني أنه يجب أن نختار أفكارًا إيجابية جديدة، ونغذيه مرارا وتكرارا؛ لأن الأفكار المتكررة ترسخ في العقل اللاواعي، والمعتقدات هي المسؤولة عن أفكارنا وهي من يشكل مشاعرنا التي بدورها تشكل سلوكنا.

وكل التطورات التي تحدث في حياتك تبدأ بتطوير تصورك لشخصيتك في البداية، وتؤثر صورك الداخلية على انفعالاتك وسلوكياتك ومواقفك النفسية، بل حتى على الطريقة التي يستجيب بها لك الآخرين. إن تكوين تصور إيجابي للذات يعد جانبًا لا غنى عنه لتغيير تفكيرك وتغيير حياتك.



الإستجابة للأحداث والأشخاص

وتعد أغلب أفكارك واستجاباتك للأحداث والأشخاص في حياتك محددة وفقا لمسلماتك الأساسية، وهي تلك الأفكار والمفاهيم والآراء والاستنتاجات التي توصلت إليها بوصفها محصلة لمدركاتك وتجاربك، وهي لا تقتصر على صورتك الذاتية فحسب، بل أيضا على فلسفتك في الحياة، وكلما كنت أكثر صلابة واقتناعا بما تفعله بشأن مسلماتك الأساسية تحكمت وتوقعت هذه المسلمات بما تفعله، وتقوله، وتشعر به.



الهوية الإسلامية


فللهوية الإسلامية الإيجابية الأثر الكبير في الوصول إلى السعادة الحقيقية، وقد جاءت الأحاديث النبوية لترسخ الهوية الإيجابية، وربطت كثيرا من أعمال الإنسان بها، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:» الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

(2) التعامل بإيجابية مع الماضي والحاضر والمستقبل


(الرضا والتوكل وحسن الظن بالله -تعالى)

الإسلام جعل التفاؤل مرتبطا بالثقة في الله والرضا بقضائه، فلن يصيب الإنسان إلا ما كتبه الله؛ فلا يستبطئ الرزق، ولا يستعجل النجاح، ولا يقلق على المستقبل، وقد علّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس -رضي الله عنهما- كلمات مباركات هي منهج حياة، وهي سعادة وبركة للعبد، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْء، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، فكلّما كان العبد من الله أقرب، كان أسعد وأكثر بركة، وأكثر إيجابية، والإيمان بالقدر يجعل الإنسان قادرًا على التحكم في انفعالاته، في حالتي الفرح والاكتئاب بطريقة إيجابية.
الإنفعالات الإيجابية

وعندما تسيطر على الإنسان الانفعالات الإيجابية يظهر مستوى مرتفع من الإبداع، وعلى المدى البعيد يمكن أن تتطور المرونة النفسية العامة لدى هذا الإنسان؛ مما يمكنه من التعامل الإيجابي والمواجهة الإيجابية لأي ضغوط أو منغصات حياتية، وتتضمن دراسة الانفعالات الإيجابية الوعي بالحالة الداخلية للفرد، وكيف يمكن ترجمة حالة الوعي هذه إلى ردود أفعال وسلوكيات إيجابية، وتشمل النظرة الإيجابية لحياة الإنسان بأبعادها الماضي والحاضر والمستقبل ما يلي:

- الانفعالات الإيجابية حول الماضي هي: الرضا والقناعة والإنجاز والفخر والإخلاص والصفاء، والصفح والنسيان.

- الانفعالات الإيجابية حول المستقبل: تتضمن التفاؤل والأمل والإيمان والثقة.

- أما الانفعالات الإيجابية حول الحاضر: فتتضمن البهجة والسكينة واللذة والانفعال الأكثر أهمية وهو التدفق وهي الانفعالات التي يعنيها معظم الناس عندما يتحدثون عادة عن السعادة، وإن كانت السعادة في حقيقتها أكبر من ذلك، وهي تشمل الملذات الحسية والمسرات.

وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، تدريب نفسي على التفكير الإيجابي، وتكوين مناعة نفسية قوية لدى المؤمن.

قوة الشخصية


فالنبي - صلى الله عليه وسلم - امتدح قوة الشخصية، ودعا إلى التقبل والرضا للأمور كلها، «وفي كل خير»، والتفاؤل والتوكل على الله -تعالى- «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»، فيحرص المؤمن على ما ينفعه من ماضيه وحاضره ومستقبله، ويستعين بالله مقدما على العمل والحياة، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم -: «فلا تقل لو أني فعلت» فقه كبير وإشارة نفسية دقيقة، فلا ينبغي للإنسان التحسر على ما مضى وفات، بل يطوي صفحة الماضي إلا ما كان فيها من نفع وخير، فإن( لو) من مداخل الشيطان، وهي من مداخل العناء النفسي والقلق والحزن والهم، وينبغي على المتفائل أن يقترب من مشكلاته بأسلوب (كيف) وليس بأسلوب (لو).