بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
بَراءةُ النِّسْبَةِ
(حولَ خبرِ وَأْدِ عمرَ بن الخطّاب رضي اللّهُ عنه لِابنتِه في الجاهليَّة،وظاه رةِ الوَأْدِ عندَ العربِ)
* استطراد :
1- الوَأْدُ الخَفِيّ:هو العَزْلُ كما صحّ به الحديثُ[1]،(وفي حديثٍ آخَر:تلك الموءودةُ الصُّغرى؛ جَعَلَ العَزْلَ عَنِ المرأَة بِمَنْزِلَةِ الوأْدِ ‏إِلاّ أَنّه خَفِيٌّ؛لأَنَّ مَنْ يَعْزِلُ عَنِ امرأَتِه إِنّما يَعْزِلُ هرَباً مِنَ الْوَلَدِ،وَلِذ َلِكَ سَمَّاهَا الموءُودةَ الصُّغْرَى؛لأَن ّ وأْدَ البناتِ ‏الأَحياء الموءُودةُ الْكُبْرَى)[2].
قال حمّاد الأنصاريّ[3]:(وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّ هُنَا تَنْبِيهَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ إِيرَادِهِمَا. الْأَوَّلُ منهما:مَا يُشْبِهُ الْوَأْدَ فِي هَذِهِ الْآوِنَةِ الْحَدِيثَةِ،وَ هُوَ التَّعَرُّضُ لِمَنْعِ الْحَمْلِ بِأَيِّ ‏وَسِيلَةٍ كَانَت‎، وَقَدْ بحثت هَذِهِ الْمَسْأَلَة قَدِيمًا وَحَدِيثًا. أَمَّا قَدِيمًا فَفِي عَمَلِيَّةِ الْعَزْلِ،وَجَا ءَ فِيهِ حَدِيثُ ‏جَابِرٍ:" كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.‎زَادَ إِسْحَاقُ قَالَ سُفْيَانُ:لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ. وَجَاءَ فِيهِ: فَبَلَغَ ‏ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا.‎كَمَ ا جاءَ التَّحْذِيرُ الشَّدِيدُ فِي حَدِيثِ جُدامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَاشَةَ،قَالَ تْ:حَضَرْتُ ‏رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُنَاسٍ،قَالَ:" لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيْلَةِ،‏ فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا "سَأَلُوهُ عَنِ ‏الْعَزْلِ، فَقَالَ:" ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ "[4].زَادَ عَبْدُ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْمُقْرِى زِيَادَةً وَهِيَ:" وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ").‏
2- قال الطّاهرُ بنُ عاشور:(وَمِنْ آثَارِ هَذَا الشُّعُورِ[5] حِرْمَانُ الْبَنَاتِ مِنْ أَمْوَالِ آبَائِهِنَّ بِأَنْوَاعٍ مِنَ ‏الْحِيَلِ مِثْلَ وَقْفِ ‏أَمْوَالِهِمْ عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ،وَقَ دْ قَالَ مَالِكٌ:إِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ ‏الجَاهِليّة، وَرَأَى ‏ذَلِكَ الْحُبْسَ بَاطِلًا،وَكَان َ كَثِيرٌ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ يُلْجِئُونَ بَنَاتهُ إِلَى إِسْقَاطِ ‏حَقِّهِنَّ فِي ‏مِيرَاث أيِّهنّ لِإِخْوَتِهِنَّ فِي فَوْرِ الأَسَفِ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِنَّ فَلَا يَمْتَنِعْنَ مِن ذَلِكَ ويَرَيْنَ ‏‏الِامْتِناعَ مِن ذَلِكَ عارًا عَلَيْهِنَّ، ‏فَإنْ لَمْ يَفْعَلْنَ قَطَعَهُنَّ أَقْرِباؤُهُنَّ .‏‎وتُعْرَفُ هَذِهِ المَسْألَةُ فِي الفِقْهِ بِهِبَةِ بَناتِ القَبائِلِ. وبَعْضُهُمْ يَعُدُّها مِنَ الإكْراه)[6].‏
3- ومِن أخبارِ الوِأْدِ المَرويّةِ بغيرِ إسنادٍ ما حكاه أبو ‏اللَّيث السَّمرقنديُّ[7]،‏والقُرطبيُّ[8] في تفسيرَيْهما،وال لّفظُ للقرطبيّ :(‏ورُوِيَ أنّ رجلاً مِن أصحابِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم كانَ لا يزالُ مُغتَمًّا بين يدي رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقالَ له رسولُ اللّه صلّى الله عليه وسلّم:مالكَ تكونُ محزونا ؟.فقالَ:يارسولَ الله،إِنّي أذنبتُ ذنبًا في الجاهليّةِ، فأَخافُ ألاّ يغفِرَه اللهُ لي،وإنْ أسلمتُ!.فقالَ له:"أَخبرني عن ذنبِكَ".فقالَ:يا رسولَ الله،إِنّي كنتُ مِن الّذينَ يقتلون بناتِهم،فوُلِدت ْ لي بنتٌ فتشفَّعَتْ إليَّ امرأتي بأنْ أترُكَها،فتركتُ ها حتّى كبِرتْ وأدركتْ،وصارتْ مِن أجملِ النّساءِ،فخَطَب وها؛ فدَخلَتْني الحَمِيَّةُ،ولم يحتمِلْ قلبي أنْ أُزوِّجَها أو أتركَها في البيتِ بغير زوجٍ،فقلتُ للمرأة:إنّي أريدُ أنْ أذهبَ إلى قبيلةِ كذا وكذا في زيارةِ أقربائي،فابعَثِ يها معي،فسُرَّتْ بذلكَ،وزيَّنَته ا بالثّياب والحُلِيّ،وأخذت ْ عليَّ المواثيقَ بألاّ أخُونَها، فذهبتُ بها إلى رأسِ بئرٍ فنظرتُ في البئرِ ففَطِنتِ الجاريةُ أنّي أريدُ أنْ أُلقيَها في البئر؛فالتَزَمت ني وجعلتْ تَبكي،وتقولُ: ياأبتِ!.أيْشِ تريد[9] أن تفعلَ بي!.فرحمتُها،ثمّ نظرتُ في البئر فدخلتْ عليَّ الحَمِيَّةُ،ثمّ اِلتَزَمتني وجعلَتْ تقولُ:يا أبتِ لا تُضيِّعْ أمانةَ أُمّي؛فجعلتُ مرّةً أنظرُ في البئرِ ومرّةً أنظرُ إليها فأرحمُها،حتّى غَلَبني الشّيطانُ،فأخذت ُها وألقيتُها في البئر منكوسةً،وهي تُنادي في البئر:يا أبتِ، قَتَلتني.فمكثتُ هناك حتّى انقطعَ صوتُها،فرجعتُ. فبكى رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابُه وقال:"لو أُمِرتُ أن أُعاقِبَ أحدًا بما فعلَ في الجاهليّة؛لَعاق بتُكَ).
4- ومِن صور الوَأْدِ الشّنيعِ في العصرِ الحاضِرِ الإجهاضُ،وذلك مِن خِلال إِسْقاط الحامِلِ لِحَمْلِها،يفعَ لْنَ ذلك لغير ضرورةٍ،وبمحْضِ إرادتهنّ،وتارةً بالتّواطُؤ مع الرّجال؛إمّا للتّستُّرِ على ارتكابِ الفاحِشَة فِرارًا من الفَضيحة،وإمّا لعدمِ الرّغبة في الولد،وما يَستتبعُه مِن تحمُّلِ أعباءِ تَربيّتِه،والإن فاقِ عليه،وإمّا ...
5- وممّا يُروَى بلا خِطام ولا زِمام ما حكاه محمّد بن عليّ الإثيوبيّ‏ في البحر المحيط الثّجّاج[10]،والسّنوسيّ في إكمال إكمال المعلم[11]،و‏أبو العبّاس القرطبيّ في المُفهِم[12]:(روى أئِمّتُنا في كتبِهم [وفي كتبِ شيوخِنا]:أنّ رجلًا وأدَ ابنتَه،ثمّ أسلمَ،فجاءَ [فأَتى] النّبيَّ ﷺ،[و]فسألَه أن يدعوَ اللهَ في أنْ يُحييَها له،فانطلقَ معه إلى قبرِها، فدَعا،[و]فناداها،فَأَحيا ها اللهُ [سبحانه]،فتكلَّمَتْ معهما [فسلَّمَتْ عليهِما]،فقالَ لها رسولُ الله ﷺ:«أَتريدينَ أنْ تَنطلِقي معَ أَبيكِ ؟،أو تَرجعي إلى ما كنتِ فيهِ ؟»؛فاختارَتِ الرُّجوعََ إلى قبرِها).
اهـ
وكتب محمّد تبركان أبو عبد اللّه الجزائريّ[13]
والحمد للّه تعالى في البدء والخِتام
الهوامش :

[1] - صحيح مسلم (5/ 10/ 17 نوويّ).
[2] - النّهاية (5/ 143 وأد)،‏لسان العرب (3/ 443 وأد)،تاج في العروس (9/ 246 وأد).‏
[3] - تتمَّة أضواء البيان (9/ 64).‏
[4] - النّهاية (5/ 143 وأد).
[5] - كراهية البنات،وعدم الرّغبة فيهنّ.
[6] - التّحرير والتّنوير (30/ 145 - 146 سورة التّكوير).
[7] - بحر العلوم (1/ 517)‏.
[8] - (9/ 49 سورة الأنعام/140)‏.
[9] - في تفسير السّمرقنديّ (1/ 517):(أيَّ شيءٍ تريدُ).
[10] - في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجّاج ‎‏(36/ 502 رقم 5828/ 2236)‏.
[11] - ‏(7/ 347 – 348 كتاب السّلام/باب 37 رقم 139).‏
[12] - لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 537).
[13] - أفاد العسكريّ في الأوائل (ص438) أنّ أوّلَ مَن كتبَ في آخِر الكتاب:(وكتبَ فلان بن فلان) أُبيُّ بن كعب رضي اللّه عنه.