التفكك الاجتماعي... الداء والدواء



سعيد السواح


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن التفكك الذي نرى عليه المجتمع، وهذا الانحطاط الخُلُقي الذي أصيب به الأفراد، وبالتالي المجتمع، حتى ما يكاد أحدهم يعرف ما المعروف أو يعرف ما المنكر! فضلًا عن إنكاره للمنكر أو أمره بالمعروف، وما ذلك إلا لضياع القيم التي يترابط بها المجتمع ويترابط بها أفراد المجتمع.

ولا شك أن غياب الهدف في حس أفراد المجتمع أدى إلى انتشار الرذائل وانتشار الأمراض التي يعاني منها المجتمع مِن سلبية، ومِن خلطة واختلاط ومِن بطالة، وانتشار الزنا والربا والمهلكات، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصيته للمهاجرين: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

ولا سبيل لعلاج هذه الأمراض إلا مِن خلال اعتماد المنهج الذي أمرنا الله باتباعه (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) (النساء:115)، ولقد بيَّن الله -تعالى- أنه لا سبيل لهذا التغير إلا بإصلاح النفوس والأفراد التي يتكون منها هذا المجتمع (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).

وهذا التغير لا يتم إلا بتصحيح العقيدة باعتبارها المنطلق لبناء الشخصية المسلمة وتصحيح السلوك؛ وهذا يتطلب تحديد الهدف ووضوحه حيث إن تحديد الهدف ووضوح الهدف لهو الدافع لتصحيح السلوكيات، ولقد اتبع القرآن في توجيهاته أسلوب ربط السلوك السوي الذي لابد أن يكون عليه المرء المسلم بالهدف الذي لابد أن يسعى إلى تحقيقه، وهذا نراه في مواضع كثيرة في كتاب الله مِن خلال المقومات الأساسية للمسلم، والأسس التي يُربَّى عليها (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) (الإسراء:19)، ففي الآية تحديد الهدف، وبيان الوسائل المحققة للهدف، وبيان أن الانطلاق للهدف لا يتم إلا مِن خلال العقيدة.


وختامًا نقول: إن غياب الهدف عند كثيرٍ مِن أفراد المجتمع جعلهم يسيرون في تيه وظلمات وتخبط، لا يدرون أين يذهبون، فقد ضاع الطريق مِن تحت أقدامهم، (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ . وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ . حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ . وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) (الزخرف:36-39).