بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
بَراءةُ النِّسْبَةِ
(حولَ خبرِ وَأْدِ عمرَ بن الخطّاب رضي اللّهُ عنه لِابنتِه في الجاهليَّة
وظاهرةِ الوَأْدِ عندَ العربِ)
* مِن عاداتِ الجاهليّة في صُنعِ أَصنامِهم:
(إنّ أهلَ ‏الجاهليّةِ كانُوا يعملون الأصنامَ مِن كلِّ شيءٍ حتّى أنّ بعضَهم عمِلَ صَنَمَهُ مِن عَجْوَةٍ[1]،‏ثمّ جاعَ فأَكَلهُ)[2].‏
ومِن الرّواياتِ[3] الّتي يذكرُها الأخباريّون في هذا المعنى أنّه كانَ لِبني حَنيفةَ[4] ‏َصَنَمٌ مِن تَمرٍ،وفي روايةٍ مِن حَيْسٍ[5] اِتَّخَذُوه إِلهًا فعبدوه زَماناً،فلمّا حلَّتْ بهم مَجاعَةٌ أَكلُوه،فَعَيّر تهُم العربُ بذلكَ؛فقال شاعِرُهم [مجزوء الكامل][6]:‏‎‏‏
أَكَلَتْ حَنِيفَةُ رَبَّها *** زَمَنَ التَّقَحُّمِ والمَجاعَهْ
‎لَم يَحذَرُوا مِن رَبِّهم *** سُوءَ العَواقِبِ والتِّباعَهْ
أَحُنَيْفُ هَلاَّ إذْ جَهلْتِ *** صَنَعْتِ ما صَنَعتْ خُزاعَهْ
نَصَبُوهُ مِن حَجَرٍ أَصَمَّ *** وكَلَّفُوا العَرَبَ اِتِّباعَهْ
وقال رجلٌ مِن بني تميمٍ[7][الخفيف]:‏
أَكَلَتْ ربَّها حَنيفَةُ مِن جُو *** عٍ قَديمٍ[8] بها ومِنْ إِعْوازِ
ورُوِي[9] أنّ العربَ كانت تُعَيِّرُ باهِلَةَ بذلك،يقولون:بنو باهِلَة[10] أَكَلُوا آلِهَتَهم،وفيهم قال الشّاعِر:
‏ولا ينفعُ الأصلُ مِن هاشِمٍ *** إذا كانتِ النّفسُ مِن باهِلَة
فمِن دَناءتِهم أنّهم كان لهم صَنَمٌ مِن عَجْوة،فوقعَ الغَلاءُ فيهم فأَكَلُوه.‏
ورُوي عن أحدِهم قولُه:(مَا نَفَعَ أَحَدًا صَنَمُهُ مِثْلَ مَا نَفَعَنِي. قَالُوا:كَيْفَ هَذَا ؟.قَالَ:صَنَعْتُ هُ مِنَ الحَيْسِ،فَجَاء َ ‏الْقَحْطُ، فَكُنْتُ آكُلُهُ يَوْمًا فَيَوْمًا)[11]. ‏
ورُوِيَ[12] أيضا أنّ النّاسَ لمّا تَثاقَلُوا؛قامَ أبو بكر - رضي اللّه عنه - خَطيباً يَحضُّهُم على الجهادِ‏‏،ثمّ قامَ عمرُ – رضي اللّه عنه - فقالَ:( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيبًا وَسفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ ‏)‏‏[التّوبة/42]؛فقامَ خالدُ [بنُ الوليد]،‏ويقالُ:بل كان خالدَ بنَ سعيد بن العاص،وهو ‏أَشبهُ،فقالَ:أ َلَنا ‏تضرِبُ أمثالَ المنافقينَ يا ‏عمر ؟!.واللهِ لقد أَسلَمتُ وإنّ لِبني عَدِيٍّ ‏صَنَماً مِن تَمْرٍ إذا ‏جاعُوا أَكَلُوه،وإذا شَبعُوا ‏اِسْتَأنَفُوه. وكانَ خالدُ بنُ سعيدٍ قديمَ ‏الإسلامِ والصُّحبَة.‏
الهوامش:

[1] - بفتح العين المهملة،وسكون الجيم.قال في النّهاية (3/ 188 عجا):(وهو نوعٌ مِنْ [أجود] تَمْرِ المَدِينةِ أكبرُ مِنَ الصَّيْحَانِيّ يَضْرِبُ إِلَى السَّواد مِنْ ‏غَرْس النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم).قال الدِّهْلويّ في لَمَعات التّنقيح (7/ 245):(يقال:إنّه من غرس النّبيّ ﷺ … وقد ثبتَ غرسُه في قضيّة إسلامِ سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنه كما في "شمائل التّرمذيّ").
[2] - نقله في فتح الباري (11/ 583) عن القرطبيّ.،ونحوه في عمدة القاري (12/ 57).
[3] - منها في:الحور العين (ص186)‏.
[4] - قال في:النّصرانيّة وآدابها بين عرب الجاهليّة (القسم الأوّل ص72):(‏وعندنا أنّ هذه الشّكوى باطِلَة وأنّ الّذين نسبُوا إلى بني حَنيفة أكلَ صَنَمٍ مِن عَجينٍ ‏‏إنّما خُدِعُوا بما رأوه مِن تقرُّبهم مِن القُربان الأَقْدس؛فإنّ الأصنامَ لا تُتّخذُ مِن ‏العَجين ‏ولا تسُدُّ جوعَ كثيرين في أيّام القَحْط فضلاً عن كونِ الأَقِطِ اليابسِ العَتيقِ لا ‏يصلحُ ‏لِأكلٍ).‏ويُنظ ر أيضا:(القسم الأوّل 129)و(القسم الثاني ص210).
[5] - هو تمرٌ يُخلَطُ بسَمْنٍ وأَقِط.المعارف (ص621)،الحور العين (ص186)،‏وفي النّصرانيّة وآدابها بين عرب الجاهليّة (القسم الأوّل:ص129): (صَنَماً مِن عَجين).
[6] - الصّحاح ‏(ص130 تبع)،الحور العين (ص134)،شمس العلوم (6/ 3643)،المعارف (ص621).
[7] - المعارف (ص621)،الحور العين (ص186)،البصائر والذخائر (5/ 44).
[8] - في رواية:(قديمًا).
[9] - عمدة القاري (12/ 57 كتاب البيوع/باب104)،البناية في شرح ‏الهداية (4/ 624)‏.
[10] - ولحمد الجاسر كتاب:(باهِلَة القبيلةُ المُفتَرى عليها)،صدرَ في طبعتِه الأولى عن مركز حمد الجاسر الثقافيّ،دار اليمامة للبحث والتّرجمة والنّشر سنة 1990م.
[11] - مرقاة المفاتيح (9/ 04 - 05 رقم 4747)،تحفة الأحوذيّ (8/ 142 رقم 3008 باب ما جاء في إنشاد الشّعر).
[12] - نثر الدُّرّ (2/ 80) للآبيّ (ت:421هـ).،عين العبرة في غَبن العِترة (ص111) للسيّد أحمد بن طاووس (ت:673هـ).‏
يتبع ...