من أخطر صور الفساد (فساد النفوس )


محمد سيد حسين عبد الواحد


ورد فى الصحيحين « أن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ يوما فزعا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ قام وَهُوَ يَقُولُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ ، وَمَأْجُوجَ مثل هذه وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها قَالَتْ أم المؤمني زَيْنَبُ أنَهْلَكُ يَا رَسُولَ اللهِ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» ..
أيها الاخوة الكرام إن حاجتنا الى بناء انفسنا علي تقوى من الله تعالى ورضوان حاجة ماسة وحاجتنا الى بناء ما تداعى وهدم من أخلاقنا وسلوكياتنا وفق ما يرضى الله تعالى وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ذو اهمية بالغة..
ذلك أن الناس قد اختلفوا فى بناء أنفسهم وقيمهم وأخلاقهم اختلافا بينا، فمنهم من أسس بنيان نفسه على تقوى من الله ورضوان وهذا هو الصنف العالى من الناس تساق ببركتهم الخيرات لتصب على العباد والبلاد صبا يعيشون الحياة دروع حماية وحصون وقاية للناس من عذاب الله تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «(إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم)»
ومن الناس من أسس بنيان نفسه على شفا جرف هار فانهار به، يعبد الله على حرف إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين
وجود هؤلاء بين الناس نذير شؤم تكوى بناره العباد والبلاد
يذوب أحدهم أمام المحنة لا يتماسك، يلعب بعواطفه الخبر البسيط فلا يثبت، الهه هواه، يعيش مشتتا بين همِّ حياة حاضر وبين مفاجآت تنتظر، لا تطمئن لقوله، ولا تثق في تصرفاته، بصره زائغ، عقله فارغ، أفكاره تائهة حاله كحال الذى استهوته الشياطين فى الأرض حيران له أصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل ان هدى الله هو الهدى..
شأن الواحد منهم شأن الشجرة الخبيثة ضعيفة الجذور عديمة النفع عديمة الثمر تتلاعب بها العواصف فى كل اتجاه
مغلوب على أمره، لا ينفع في ريادة ولا يُعتمَد عليه في ساقة كذاب غشاش جبان مفتون فرَّار غرَّار اذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون..
يعيشون بين الناس وكأنهم جراثيم ينشرون الوباء والشر والفساد أينما وجدوا سوس ينخر فى كيان الأمم والشعوب حتى يجعلوا عاليها سافلها..
المخلصون يواصلون الليل والنهار يبدعون ويصلحون ويجتهدون فيما يرفع من شأنهم وشأن بلادهم وربما يموتون ويأتى هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم وخربت ذممهم ليفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ما بلية الامم والشعوب إلا من هؤلاء..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن مضت فى أسلافهم الذين مضوا ولا ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان فى أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»
مهما ارتفع البناء وكثر العمل إذا بقيت النفوس والاخلاق على فسادها فلن يقر للبناء قرار ..
وفى القران حديث طويل عن حضارات قامت وصروح بنيت على حال من القوة والجمال وصفها الله تعالى بأنها لم يخلق مثلها فى البلاد ورغم هذا زلزلت أركانها وذهبت فى عشية أو ضحاها أذهبها فساد نفوس بنى ادم قصور ديار وبحار وأنهار وخيرات بغير حساب أتى عليها فساد النفوس:-
{(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ فِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ) } ذنوبهم وفساد نفوسهم وخراب ذممهم دمرتهم تدميرا حتى أنها أفسدت فى ديارهمِ الماء والهواء الأرض ..
فى العام العاشر من هجرة النبى صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله ومعه المسلمون للقاء الروم فبينما هو فى الطريق مر على الحِجْر من ديار ثمود وما أدراكم ما تلك الديار؟!
ديارٌ غضب الله على أهلها، فتلك بيوتهم خاوية، وآبارهم معطَّلة، وأشجارهم مقطَّعة، فلما دنا منها رسول الله تقنع، واستحث الراحلة أن تسرع، وقال لأصحابه ( إذا مررتم بديار الذين ظلموا فأسرعوا؛ خشية أن يصيبكم ما أصابهم )
ثم يدخلها صلى الله عليه وسلم وقد غطَّى وجهه وهو يبكي، ويقول لأصحابه « لا تدخلوها إلا باكين أو مُتباكين لئلا يصيبكم ما أصابهم »
وبينما المسلمون فى تلك الديار إذ اشتد عطشهم فجعلوا يستسقون من بئر في ديار ثَمُود فيأتيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول { لا تشربوا من مائها، ولا تتوضأوا منه للصلاة، وما عَجَنتم من عجين بمائها فاعْلِفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئاً }
كل ذلك من شؤم معاصيهم وفساد نفوسهم الذى أفسد فى ديارهم الماء والهواء والأرض ..
وهاهو أحد الساقطين الذين بنوا أنفسهم على الغَشَشِ بنوها على شفا جرف هار فانهار بهم ..
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية، في حوادث سنة ثماني وسبعين ومائتين ما يلي بتصرف قال رحمه الله وفيها توفي ابن عبد الرحيم قبَّحه الله هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرًا في بلاد الروم فلمَّا كان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن ما غضَّ بصره والله يقول {(قُل للْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)}
أتْبَع النَّظْرة النظرة كان كمن أدخل في جحر يدا فأخطأ الأفعى ولاقى الأسْوَدَ..
كم من نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل والآلام والحسرات سهم مسموم من سهام إبليس كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ..
نظر إليها فهَوِيَهَا، ثم راسلها، فقال هل إليك من سبيل؟ فقالت لا سبيل الىَّ إلا أن تتنصر وتتبرأ من الإسلام ومن محمد صلى الله وسلم على نبينا محمد..
فأجابها، وقال ونعوذ بالله مما قال قال هو بريء من الإسلام، ومن محمد، وتنصَّرَ وصعد إليها. نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى، نعوذ بالله أن نردَّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله عصى الله تعالى بنظرة وكم من معصية جرَّت أختها وأختها وأختها، حتى كانت النهاية أن سُلب إيمان العبد، وابن عبد الرحيم مَثَلٌ من الأمثلة..
ما راع المسلمين إلا وهو عندها فاغتمَّ المسلمون لذلك غمًّا شديدًا، وشق عليهم ذلك مشقة عظيمة
صَدْرٌ وَعَى القرآن يعود ليعبد الصُّلبان؟؟!!!
لما كان بعد فترة مر عليه المسلمون وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن عليه ذلّ الكفر وغبرته وقترته، فنادوه وقالوا يا ابن عبد الرحيم ما فعل علمك؟ ما فعلت صلاتك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعل القرآن؟
فقال في حمأة ذل الكفر أُنْسِيتُه ما معي منه سوى آيتين لكأنه المَعْنِيُ بهما {(رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)}
ولقد صار لي فيهم مال وولد؛ يعني صار منهم سقط عند أول امتحان؛ لأن بناء نفسه لم يؤسَّس على تقوى من الله ورضوان وإنما أُسس بنيان نفسه على شفا جُرُفٍ هارٍ فانهار به فى نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين
{(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) }
الخطبة الثانية
أما بعد فيأيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورد فى حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قال مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قدمٍ استهموا على سفينة ٍ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً »
فى هذا الحديث رسم لنا رسول الله سبيل النجاة فى زمن الفتن والنكبات وكثرة الأفاقين والمفسدين لابد وأن نتعرف عليهم نسمع لما فى قلوبهم ونناقش ما فى أفكارهم ونضع أيديهم على ما فيه خيرهم وخير بلادهم
ولئن يهدى الله على يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ..
مر أبو الدرداء بجماعة تجمهروا على رجل يضربونه ويشتمونه، فقال لهم: ما الخبر؟ قالوا: وقع في ذنب كبير، قال: أرأيتم لو وقع في بئر أفلم تكونوا تستخرجونه منه؟ قالوا: بلى.
قال فلا تسبوه ولا تضربوه لكن عِظُوه وبصِّروه واحمدوا الله الذي عافاكم من الوقوع في مثل ذنبه.
قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض فعله، فإذا تركه فهو أخي..
إن سفينة البلاد تتقاذفها الأمواج يمْنَة ويسرة، ويخرق فيها المفسدون كل يوم خرقًا؛ فإن لم تجد من يصلح تلك الخروق، فلربما تتحطم السفينة، وتغرق، ولاشك وسيغرق كل من على ظهرها من صالحين وطالحين ..

نحن بحاجة إلى أن نكون على قدر كبير من الوعي والبناء واليقظة لما يراد بنا فبإصلاح نفوسنا وأخلاقنا تصلح أحوالنا ونسلم من كل ما يحاك لنا..
{(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) }