تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سماحة الإسلام مع غير المسلمين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,530

    افتراضي سماحة الإسلام مع غير المسلمين

    سماحة الإسلام مع غير المسلمين (1)

    الشيخ: صلاح نجيب الدق




    إن الإسلام هو دين العدل والتسامح مع غير المسلمين، وقد أوصى الله -تعالى- في كتابه العزيز، وكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - في سُّنته بالمسالمين لنا مِن غير المسلمين خيراَ.من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِّرَ نفسي وإخواني الكرام بسماحة الإسلام مع غير المسلمين في المجتمع المسلم.

    معنى أهل الذمة

    الذَّمَّةُ: العَهْدُ والأَمانُ والضَّمانُ والحُرْمَةُ والحقُ، وسُمِّيَ أَهل الذِّمَّةِ بذلك لدخولهم في عهْدِ المسلمين وأمانهم. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ2صـ 168)، روى النسائيُّ عن عَلِيٍّ بنِ أبي طالبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ،لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ. (حديث صحيح)(صحيح سنن النسائي للألباني جـ 3صـ281)، قال ابنُ الأثير -رحمه الله-: إذا أعْطَى أحدُ الجَيْشِ العَدُوَّ أمَاناً جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يُخْفِرُوه ولا أن يَنْقُضوا عليه عَهْده. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ2صـ 168).

    حرية عقيدة غير المسلمين

    يقول الله -تعالى- {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:2 56)، قال الإمام ابن كثير-رحمه الله-: يَقُولُ -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) أَيْ: لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ دَلَائِلُهُ وَبَرَاهِينُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ، بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَشَرَحَ صَدْرَهُ وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ دَخَلَ فِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَمَنْ أَعْمَى اللَّهُ قَلَبَهُ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّينِ مُكْرَهًا مَقْسُورًا. (تفسير ابن كثير جـ2صـ 444)، قال أَسْلَمُ (مولى عمر): سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِعَجُوزٍ نَصْرَانِيَّةٍ: أَسْلِمِي أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ تَسْلَمِي، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ. قَالَتْ: أَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَالْمَوْتُ إِلَيَّ قَرِيبٌ! فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، وَتَلَا (لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ). (تفسير القرطبي جـ3صـ 278)

    عدم ظلم غير المسلمين

    قال -سُبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الم ائدة:8)، قال ابنُ جرير الطبري -رحمه الله-: يَعْنِي بِذَلِكَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ, لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقِكُمْ وَصِفَاتِكُمُ الْقِيَامُ لِلَّهِ, شُهَدَاءَ بِالْعَدْلِ فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ , وَلَا تَجُورُوا فِي أَحْكَامِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ , فَتُجَاوِزُوا مَا حَدَّدْتُ لَكُمْ فِي أَعْدَائِكُمْ لِعَدَاوَتِهِمْ لَكُمْ, وَلَا تَقْصُرُوا فِيمَا حَدَّدْتُ لَكُمْ مِنْ أَحْكَامِي وَحُدُودِي فِي أَوْلِيَائِكُمْ لِوَلَايَتِهِمْ لَكُم، وَلَكِنِ انْتَهُوا فِي جَمِيعِهِمْ إِلَى حَدِّي, وَاعْمَلُوا فِيهِ بِأَمْرِي. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 95)، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا) فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا فِي حُكْمِكُمْ فِيهِمْ وَسِيرَتِكُمْ بَيْنَهُمْ, فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 95)، وأما قوله (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، فقال ابنُ جرير الطبري: يَعْنِي -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ: اعْدِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلِيًّا لَكُمْ كَانَ أَوْ عَدُوًّا, فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي, وَلَا تَجُورُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ10صـ 96)، وروى أبو داودَ عن صَفْوَان بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً (متصلي النسب) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ (خصمه) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2626).

    الإحسان إلى غير المسلمين

    يقول اللهُ -تعالى-: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة:8)، قال ابنُ جرير الطبري: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ جَمِيعَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ، فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ25صـ 611)، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُنْصِفِينَ الَّذِينَ يُنْصِفُونَ النَّاسَ، وَيُعْطُونَهُمُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ،فَ يَبَرُّونَ مَنْ بَرَّهُمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ25صـ 612).

    قال الإمامُ القرطبي-رحمه الله-: دَخَلَ ذِمِّيٌّ (رجل من غير المسلمين) عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فَأَكْرَمَهُ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَيْهِمْ. (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) (تفسير القرطبي جـ:18 صـ 59:58)

    الإحسان إلى الوالدين الكافرين

    إن شريعتنا الغرَّاء لا تهمل الإحسان إلى الوالدين ولو كانا كافرين فضلاً عن الوالدين العاصيين. ولقد حثنا القرآن العظيم بأسلوب رائع بليغ على بر الوالدين وإن كانا مشركين, عسى أن تكون هذه المعاملة الطيبة سبباً في هدايتهما، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان:15)، قال ابن كثير -رحمه الله-: إِنْ حَرَصَا عَلَيْكَ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ تُتَابِعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا، فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمَا ذَلِكَ، وَلَا يمنعنَّك ذَلِكَ مِنْ أَنْ تُصَاحِبَهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، أَيْ: مُحْسِنًا إِلَيْهِمَا. (تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ11 صـ54)، قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى صِلَةِ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِمَا أَمْكَنَ مِنَ الْمَالِ إِنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ، وَإِلَانَةِ الْقَوْلِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِرِفْقٍ. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ14 صـ66).

    وروى الشيخانِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ. (البخاري حديث 2620 / مسلم حديث 1003)، قال ابن حجر العسقلاني: (وَهِيَ رَاغِبَةٌ) أي طَالِبَةً فِي بِرِّ اِبْنَتِهَا لَهَا خَائِفَة مِنْ رَدِّهَا إِيَّاهَا خَائِبَة. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ277).

    الإحسان إلى الجيران غير المسلمين

    كان جيرانُ ُنبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وما حولها أصحاب ديانات مختلفة، فكان منهم اليهود والنصارى والمشركون, الذين يعبدون الأصنام، وعلى الرغم من ذلك كان يدعوهم إلى الله -تعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يُجبرهم على الدخول في الإسلام, ولم يَعْتَد على حُرماتهم وأموالهم، وترك لهم حرية العبادة، مع أن المسلمين كانوا أصحاب الكلمة العليا في المدينة، ولم يسفك دمَ أحدٍ منهم بغير حق، وكذلك فعل أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع جيرانهم من غير المسلمين.

    روى البخاريُّ (في الأدب المفرد) عَنْ مُجَاهِدِ بنِ جَبْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -وَغُلَامُهُ يَسْلُخُ شَاةً- فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: الْيَهُودِيُّ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِي بِالْجَارِ، حَتَّى خَشِينَا أَوْ رُئِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ. (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 95).

    هكذا كانت معاملة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجيرانهم غير المسلمين في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعد موته في البلاد الجديدة التي فتحوها، فعاش غير المسلمين في دولة الإسلام في أمان شريعة الله -تعالى-، وشهد لهذه المنقبة العظيمة كُلُّ مُؤَرِخٍ مُنصفٍ مِن غير المسلمين.

    سهل بن عبد الله التستري

    كان لسهل بن عبد الله التستري -رحمه الله- جارٌ ذميٌ، وكان قد انبثق من كنيفه (مرحاضه) إلى بيت سهل ثقب فكان سهل يضع كل يوم الجفنة (الوعاء) تحت ذلك البثق، فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي ويطرحه بالليل؛ حيث لا يراه أحد، فمكث -رحمه الله- على هذه الحال زماناً طويلاً، إلى أن حضرت سهلاً الوفاة، فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه، فدخل فرأى ذلك الثقب والقذر يسقط منه في الجفنة. فقال: ما هذا الذي أرى! قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت وأنا أتلقاه بالنهار وأُلقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف ألا تتسع أخلاق غيري لذلك، وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى. فقال المجوسي: أيها الشيخ أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم مات سهل -رحمه الله. (الكبائر للذهبي صـ252).

    حرمة دماء غير المسلمين وأموالهم

    روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». (البخاري حديث 3166)، قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا» الْمُرَادُ بِالمُعَاهَدِ: هُوَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ271)، وروى النسائيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا. (حديث صحيح)( صحيح سنن النسائي للألباني جـ 2صـ284)، وروى النَّسَائيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ آمَنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» (حديث صحيح)(صحيح الجامع للألباني حديث:6103).
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,530

    افتراضي رد: سماحة الإسلام مع غير المسلمين

    سماحة الإسلام مع غير المسلمين (2)

    الشيخ: صلاح نجيب الدق


    ما زال الحديث مستمرا عن سماحة الإسلام؛ حيث ذكرنا أن الإسلام هو دين العدل والتسامح مع غير المسلمين، وقد أوصى الله -تعالى- في كتابه العزيز، وكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - في سُّنته بالمسالمين لنا مِن غير المسلمين خيراَ؛ من أجل ذلك جاءت تلك السلسلة للتذكير بسماحة الإسلام مع غير المسلمين في المجتمع المسلم، واليوم نتكلم عن هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - في معاملة غير المسلمين.
    إن اللهَ -تعالى- قد أرسلَ نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق والرسالة الإسلامية الخاتمة؛ فكان رحمة للعالمين، ولقد كانت الدولة الإسلامية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة وأماناً للناس جميعاً، فعاش اليهود والنصارى تحت حكم المسلمين آمنين على أنفسهم وأموالهم وأماكن عبادتهم، وكان الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يعرضُ عليهم الدخول في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبر أحداً منهم على الدخول في الإسلام, وهؤلاء الذين بقوا على دينهم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث المسلمين على حُسْنِ معاملتهم وعدم التعرض لهم بالأذى، ولم يسفك النبي - صلى الله عليه وسلم - دم أحد منهم بغير حق، روى البخاريُّ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ.(البخار ي حديث:1356)، وهكذا كانت حُسْن معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجاره اليهودي سبباً في إسلام ولده، فليحرص كل منا على أن يسلك منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حُسْنِ معاملته لجيرانه غير المسلمين.
    (1) عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الطائف
    روى الشيخانِ عن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- (زَوْجَ النَّبِيِّ) - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ؛ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا، عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ (أي كما سمعت من جبريل) إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.(البخاري حديث 3231 / مسلم حديث 1795).
    (2) عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن مشرك أراد قتله
    روى البخاريُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ نَجْدٍ فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ (أي الظهيرة) وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ (الشجر الملتف الكثيف) فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا، وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ؛ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ.فَشامه (أي: ردَّ الرجلُ السيفَ في غِمده) ثُمَّ قَعَدَ فَهُوَ هَذَا. قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم . (البخاري حديث 4139)، وفي رواية الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحَارِبَ بْنَ خَصَفَةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، حَتَّى قَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالسَّيْفِ فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ اللَّهُ -عز وجل-. فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: لَا وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَلَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ. (حديث صحيح)(مسند أحمد جـ23صـ193 حديث 14929)
    (3) عفو الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثُمامة بن أُثال
    روى البخاريُّ عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ (أي تركت دين الآباء) قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم . (البخاري حديث 4372).
    (4) عفو الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة اليهودية
    روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا. (قال أنس) فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (البخاري حديث 2617).
    (5) عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهل مكة
    لما فتحَ نبينا - صلى الله عليه وسلم - مكة، اجتمع له أهلها عند الكعبة، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُم؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ. (سيرة ابن هشام جـ4 صـ412).
    (6) نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوصي بأهل مصر خيراً
    روى مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا.(مسلم حديث:2543)، قال الإمامُ النووي -رحمه الله-: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ أَهْلُ مِصْرَ يُكْثِرُونَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ، وَأَمَّا الذِّمَّةُ فَهِيَ الْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ، وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى الذِّمَامُ، وَأَمَّا الرَّحِمُ فَلِكَوْنِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الصِّهْرُ فَلِكَوْنِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ، وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْهَا إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ تَكُونُ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ بَعْدَهُ؛ بِحَيْثُ يَقْهَرُونَ الْعَجَمَ وَالْجَبَابِرَة َ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَفْتَحُونَ مِصْرَ. (مسلم بشرح النووي جـ8صـ338)، وروى الحاكمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَالرَّحِمُ أَنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ. (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث 1374).
    (7) حماية أم هانئ لرجلين من المشركين
    قَالَتْ أُمّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ: لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَكّةَ، فَرّ إلَيّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي (أقارب زوجها)، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخِي، فَقَالَ: وَاَللّهِ لَأَقْتُلَنهُمَ ا، فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ، فَوَجَدْته يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشّحَ بِهِ ثُمّ صَلّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ مِنْ الضّحَى، ثُمّ انْصَرَفَ إلَيّ فَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمّ هَانِئٍ مَا جَاءَ بِك؟ «فَأَخْبَرْته خَبَرَ الرّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت، وَأَمّنّا مَنْ أَمّنْت، فَلَا يَقْتُلْهُمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. (سيرة ابن هشام جـ 4صـ411).
    (8) عبد الله بن رواحة واليهود
    روى أحمدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ أَفَاءَ اللَّهُ -عز وجل- خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ؛ قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ -عز وجل-، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ (أظلمكم)، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا. (إسناده قوي)(مسند أحمد جـ 23صـ210).

    ابن تيمية يطلق الأسرى النصارى
    قال الإمامُ ابن تيمية -رحمه الله-: خَاطَبْت غازان (ملك التتار) فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى، فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الأسرى الْمُسْلِمِينَ، ثم قال غازان: مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلِقُونَ. فَقُلْت لَهُ: بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا ؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا، لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ. فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ. وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ؛ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: «الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» قَالَ اللَّهُ -تعالى- فِي كِتَابِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ28صـ:618:617).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •