قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
من أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين
كما قال تعالى: { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُو ا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } سورة الأنعام الآيات (112 - 115 )
ذلك أن الحقَّ إذا جُحِدَ وعُورِضَ بالشبهات أقام الله تعالى له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات البينات ؛بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة .
والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل ورام أن يقيم عوده المائل أقام الله تبارك وتعالى من يقدف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مارق وظهر فيه من القبح والفساد والحلول والاتحاد والتناقض والإلحاد والكفر والضلال والجهل والمحال ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من أضل الضلال حتى يظهر فيه من الفساد ما لم يكن يعرفه أكثر العباد ويتنبه بذلك من سنة الرقاد من كان لا يميز الغي من الرشاد ويحيى بالعلم والإيمان من كان ميت القلب لا يعرف معروف الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين". اهـ.
قال العلامة السعدي في عند قوله تعالى:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}: إن من جملة إحقاقه تعالى الحق، أن يُقَيِّضَ له الباطل ليقاومه، فإذا قاومه، صال عليه الحقّ ببراهينه وبيناته، فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع، ويتبين بطلانه لكل أحد، ويظهر الحق كل الظهور لكل أحد".
أن الله إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه من أهل الباطل، فإذا انتفش أولئك المبطلون وبثوا شبهاتهم وما ينصرون به باطلهم أظهر الله من ينصر الحق بسبب ذلك. وقال: شيخ الاسلام
"ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه؛ فيحق الحق بكلماته ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق". الفتاوى (57/28)
و قال رحمه الله: (وكان من أسباب نصر الدين وظهوره ، أن كتابا ورد من قبرص فيه الاحتجاج لدين النصارى) لماذا جعله كذلك؟ قال: (فاقتضى ذلك أن نذكر من الجواب ما يحصل به فصل الخطاب، وبيان الخطإ من الصواب؛ لينتفع بذلك أولو الألباب ، ويظهر ما بعث الله به رسله من الميزان والكتاب)الجواب الصحيح (98/1)
ويقول أيضاً (وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول، ويموهون في ذلك بما يلفّقونه من منقول ومعقول- كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان) "الجواب الصحيح 87/1.