الزينة بين الزوجين

أم عبد الرحمن محمد يوسف
الزينة والجمال صفة جميلة متصلة بالمؤمن، يحبها الله سبحانه ويحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبها الرجل من زوجته وتحبها الزوجة من زوجها بل ويحبها كل إنسان في الوجود فهي فطرة فطر الله عليها الإنسان، لا تبديل لخلق الله.

قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) [رواه مسلم]، وقال أيضًا: (الطهور شطر الإيمان) [رواه مسلم]، وما دامت صفة الجمال من صفات المؤمنين فحري بالزوجين أن يتصفا بها لأنها مفتاح لزيادة الحب بينهما.

وأكبر دليل على ذلك أن الزوجان في بداية زواجهما يتزين كل واحد منهما للآخر سواءً بزينة المظهر أو بزينة الأخلاق والمخبر.

فنجد الزوجة تحرص على أن تلبس أجمل الثياب وتتعطر بأزكى العطور وتتجمل بأفضل أنواع المكياج وتتفنن في التسريحات وغيرها من أساليب التزيين المتنوعة.

ونجد الرجل أيضًا يحرص على هندامه وعطره وتصفيف شعر رأسه ولحيته، كما يتجمل لزوجته بأطايب الكلمات والهدايا والعطايا.

كما أن الرجل يبحث عن صفة الجمال في زوجته قبل الزواج، لذلك جعل الإسلام الزينة والجمال من الصفات والمعايير الهامة التي يختار لأجلها الرجل زوجته، فقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) [متفق عليه].

ولما خطب المغيرة بن شعبة امرأة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما (أي: تدوم بينكما المودة والعشرة) [صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، (1865)].

فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن صفات الجمال في زوجته التي ترضي نفسه وتقر عينه، ليكون ذلك سببًا في دوام المودة والعشرة الطيبة بينهما، وصحيح أن المبالغة في البحث عن أوصاف الجمال منبوذ، ولكن طلبه والحرص عليه أمر محمود أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم.

وتزين الزوجة لزوجها من أهم الأسباب العملية التي تذهب الشقاق والبغض والخلاف بينها وبين زوجها وتجعله يلين لها كما يلين الجليد بالماء الساخن.

لذلك أوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته فقال: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق وإياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء وعليك الكحل فإنه أزين وأطيب الطيب الماء.

أوصت امرأة حكيمة ابنتها عند زواجها بنصائح ذهبية ومما قالته لها: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

إن الزوجة الذكية هي التي تهتم دومًا بمظهرها وملابسها أمام زوجها وتبدلها باستمرار كل ليلة كأنها عروس جديدة في عين زوجها، وتجعله لا ينسى أنوثتها بالرغم من أعباء المنزل والأطفال.

هكذا وصفها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير النساء قال: التي تطيع إذا أمر وتسر إذا نظر وتحفظه في نفسها وماله [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، (1838)].

إن الزينة بين الزوجين قيمة مهمة لابد أن تستمر معهما طوال الحياة وألا تقتصـر على فترة البداية، لأن التواصل العاطفي يحتاج إلى استكمال معاني الجمال والنظافة والطهارة والزينة، وأن يبدو كل طرف في عين الطرف الآخر في أجمل شكل وأبهى منظر فعلى الرجل أن يكون متزينًا متجملًا لزوجته وعلى الزوجة أن تكون جميلة في بيتها متزينة.

دراسة علمية: أثر الجمال والتزين على السعادة:

أظهرت دراسة أمريكية جديدة أن الجميلين هم على العموم أكثر سعادة من غيرهم، وذلك نتيجة المنافع الاقتصادية غير المباشرة لمظهرهم الحسن.

وأشارت الدراسة التي أعدها الباحثون في جامعة تكساس أن المنافع الاقتصادية غير المباشرة للجمال مثل الرواتب العالية والمنافع الاقتصادية الأخرى وتزوجهم أشخاصًا ناجحين، مسئولة عن أكثر من نصف السعادة الإضافية لدى من يتمتعون بمظهر حسن، وأن الجمال يؤثر على سعادة النساء بشكل مباشر أكثر من الرجال.

وأكد الباحث دانييل هامرمش المسئول عن الدراسة أن الجمال الشخصـي يزيد السعادة وإن غالبية تأثير الجمال على السعادة يعمل من خلال تأثيره على النتائج الاقتصادية.

ووجدت الدراسة التي شملت أكثر من 25 ألف شخص في الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا أن الأشخاص الذين اعتبروا الأجمل وبلغت نسبتهم 15% كانوا أكثر سعادة بنسبة 10% من الأشخاص الذين اعتبروا الأقل جمالًا وبلغت نسبتهم 10%.

مشاعر نبوية: الزينة والجمال في بيت النبوة:

كان الجمال والتزين من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان ذا لحية كثيفة، وكان يمشطها ويعتني بمظهرها، كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم كثرة الطيب، والحرص على الرائحة العطرة، بل كان ريح عرقه صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك، وهو أحد أمرين حببا إليه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا، إذ يخبرك هو بذلك فيقول: (حبب إلي النساء والطيب) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3940)].

وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب، ويقول: (من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3940)].

حتى كاد يوجب مس الطيب فيقول: (إن لله حقًّا على كل مسلم، أن يغتسل في كل سبعة أيام، وإن كان له طيب أن يمس منه).

أما عن حسن الهندام والمظهر فقد كانت عادة جميلة من هدي خير البرية صلى الله عليه وسلم، يصفه ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل) [قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، (4037): حسن الإسناد]، ويقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، وعليه بردان أخضران) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (281)].

زوج وزوجة: تزوج من عمياء صماء بكماء:

يمر ثابت بن إبراهيم وهو أحد الصالحين على بستان من البساتين، وكان قد جاع حتى أعياه الجوع، فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف، ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه، فدخل البستان فوجد رجلًا جالسًا فقال: أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر، فقال الرجل: أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له.

فقال: أين هو؟ قال: بينك وبينه مسيرة يوم وليلة.

فقال: لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيدًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به) [صححه الألباني في صحيح الجامع، (4519)].

حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص قال صاحب البستان:

والله لا أسامحك إلا بشرط واحد فقال ثابت: خذ لنفسك ما رضيت من الشروط.

فقال: تتزوج ابنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة.

فقال ثابت: قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج، فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة، فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها.

فعلم أنها ليست كما قال الأب فسألها فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا: عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله، صماء من كل ما لا يرضي الله، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله، مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله.

ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام، ودخل بها وأنجب منها مولودًا ملأ طباق الأرض علمًا إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان.

استراحة زوجين: من بدائع الجمال لغة العيون:

(تحدثت الكثير من الدراسات عن لغة العيون وأنها تنمي المحبة وتشيع الحياة والدفء في البيت من جديد..

يقول أحد الباحثين: إن النظرات المتصلة لثوان قليلة يمكن أن تحدث رغم الصمت ما تعجز عنه مجلدات كثيرة حيث يمكن للزوجة أن تقرأ في تلك النظرات الكثير من كلمات الحب والحنان والعطف يمكن أن تقرأ في تلك النظرات أنت جميلة وأنا معجب بك أتكامل معك وبك.. دائمًا مفتون بما تقولين ويمكن للزوج أن يسمع نظراتها تقول: أنا متيمة بك وكم أحب أن أستمتع بحبك الحنون يغمرني، كما أن هناك ما هو أكثر من تلك المشاعر والأحاسيس فالعيون الدافئة تحقق انفجارات وثورات من براكين الحب والحنان لا يمكن لأي حواس أخرى أن تحققها.

وتؤكد دراسات علمية متعددة أن المحبين عادة ينظرون إلى عيون بعضهم أثناء الحديث ولا ينظرون إلى أنوفهم أو شفاههم أو ألسنتهم) [أنا وزوجي، صباح السعيد، ص (26)].

وأخيرًا:

قال البرقوقي: (جمال المرأة وتجملها طريق ميل الرجل وافتتانه بها....) [صورة البيت المسلم، عصام بن محمد الشريف، ص(131)].

أم عبد الرحمن محمد يوسف

المصادر:

· صورة البيت المسلم، عصام بن محمد الشريف.
· أنا وزوجي، صباح السعيد.