عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح "
ماصحة هذا الأثر؟
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " بالورع عما حرَّم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح "
ماصحة هذا الأثر؟
قلتُ: ذكره ابن رجب في جامع العلوم ولعله مذكور بالمعنى.
فقد ذكر ابن رجب في موضع ءاخر في جامع العلوم (1/70)، فقال:
وروى [ابن أبي الدنيا] فيه [الإخلاص والنية] بإسنادٍ منقطعٍ عن عُمَر - رضي الله عنه -، قال:
"أفضلُ الأعمال أداءُ ما افترضَ الله - عز وجل -، والورعُ عمّا حرَّم الله - عز وجل -، وصِدْقُ النِيَّة فيما عندَ اللهِ - عز وجل -". اهـ.
قلتُك لم أقف على ذلك في هذا الكتاب، إنما وقفت عليه بأتم ذلك فيما خرجه ابن أبي الدنيا في الورع [18]، فقال:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ،
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: " أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ " قَالُوا: الْمُصَلُّونَ، قَالَ: " إِنَّ الْمُصَلِّيَ يَكُونُ بَرًّا وَفَاجِرًا ".
قَالُوا: الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: " إِنَّ الْمُجَاهِدَ يَكُونُ بَرًّا وَفَاجِرًا "، قَالُوا: الصَّائِمُونَ، قَالَ: " إِنَّ الصَّائِمَ يَكُونُ بَرًّا وَفَاجِرًا "،
قَالَ عُمَرُ: " لَكِنَّ الْوَرَعَ فِي دِينِ اللَّهِ يَسْتَكْمِلُ طَاعَةَ اللَّهِ ". اهـ.
وهذا معضل، وله شاهد فيما خرجه ابن أبي الدنيا أيضا في الورع [174]، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ مَنْ، حَدَّثَهُ، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِجُلَسَائِهِ: " مَا الَّذِي نُقِيمُ بِهِ وُجُوهَنَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ "،
فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: الصَّلاةُ. فَقَالَ عُمَرُ: " قَدْ يُصَلِّي الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ "،
قَالُوا: الصِّيَامُ، قَالَ عُمَرُ: " قَدْ يَصُومُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ "،
قَالُوا: الصَّدَقَةُ، قَالَ عُمَرُ: " قَدْ يَتَصَدَّقُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ "،
قَالُوا: الْحَجُّ. قَالَ عُمَرُ: " قَدْ يَحُجُّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ "،
قَالَ عُمَرُ: " الَّذِي نُقِيمُ بِهِ وُجُوهَنَا عِنْدَ اللَّهِ أَدَاءُ مَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا، وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَحُسْنُ النِّيَّةِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ ". اهـ.
قلتُ: وهذا إسناد ضعيف، فيه حسين بن علي العجلي " صدوق يخطىء كثيرا"، كذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب.
وفيه أيضا يزيد بن سنان "ضعيف"، كذا قال الحافظ، ومن فوقه مبهم.
وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب (2/478) بصيغة التمريض، فقال:
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال والذي نقيم به وجوهنا عن الله عزّوجلّ هو الورع"، فقال له أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صدقت". اهـ.
يتلمس ذلك في بعض خطبه رضي الله عنهفيما خرجه ابن الجوزي في المنتظم [4 : 225] مرسلا من طريث الصَّائِغِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: هَذِهِ خُطْبَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ يَوْمَ الْجَابِيَةِ، فَقَالَ:
"أما بعد، ... وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَكُمْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَنَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ نُقِيمَ فِيكُمْ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل فِي قَرِيبِ النَّاسِ وَبَعِيدِهِمْ، ثُمَّ وَلا نُبَالِي عَلَى مَنْ مَالَ الْحَقُّ،
وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَتَمَنَّوْنَ فِي دِينِهِمْ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ، وَنُجَاهِدُ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ ، وَنَنْتَحِلُ الْهِجْرَةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ أَقْوَامٌ لا يَحْمِلُونَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي،
وَإِنَّ لِلصَّلاةِ وَقْتًا اشْتَرَطَهُ اللَّهُ فَلا مُصْلِحَ إِلا بِهِ، فَوَقْتُ صَلاةِ الْفَجْرِ حِينَ يُزَايِلُ الْمَرْءَ لَيْلُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَذكر أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ،
قَالَ: وَيَقُولُ الرَّجُلُ: قَدْ هَاجَرْتُ وَلَمْ يُهَاجِرْ، وَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا السَّيِّئَاتِ،
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ: جَاهَدْنَا، وَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُجَاهَدَةُ الْعَدُوِّ وَاجْتِنَابُ الْحَرَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُقَاتِلُ بِطَبِيعَتِهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ فَيَحْمِي، فَافْهَمُوا مَا تُوعَظُونَ بِهِ ... إلخ". اهـ.
وخرجه أبو يوسف في الخراج [1 : 13] مرسلا، فقَالَ:
وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْكِلاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: فذكر نحوه.
ويتلمس ذلك في قول ابنه رضي الله عنه فيما خرجه الفاكهي في أخبار مكة [291]، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا هِلالُ بْنُ فَيَّاضٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ:
" أَهْدَى أَمِيرٌ مِنَ الأُمَرَاءِ إِلَى الْكَعْبَةِ مِائَةَ وَسْقٍ مَا بَيْنَ كِسْوَةٍ وَطِيبٍ، وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَعَبِيدٍ خَدَمًا لِلْكَعْبَةِ،
فَقُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ هَدِيَّةً أَفْخَرَ وَلا أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْهَدِيَّةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
" لَطَوَافُ رَجُلٍ أُسْبُوعًا بِهَذَا الْبَيْتِ بِحُسْنِ عَقْلٍ، وَصِدْقِ نِيَّةٍ، أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ أَضْعَافًا مِمَّا رَأَيْتَ،
وَلأَنْ أَرَى حَبَشِيًّا مُسَلْسَلا عَاقِلا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَرَاهَ قَلِيلَ الْعَقْلِ، قَلِيلَ الْوَرَعِ، يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَمَانِيَّ ". اهـ.
وخرج ابن الجوزي في ذم الهوى (148) من طريق: أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائَدَةَ، قَالَ:
قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: "مَا رَأَيْتُ مِثْلَ فِتْيَانِ هَذَا الْمَسْجِدِ أَفْضَلَ عِبَادَةً إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَخْرُجُ بِالْهَجِيرِ فَلا يَزَالُ قَائِمًا يُصَلِّي حَتَّى الْعَصْرِ"،
قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: "مَا كُنَّا نَعُدُّ هَذَا عِبَادَةً قُلْنَا لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَمَا الْعِبَادَةُ قَالَ التَّفْكِيرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْوَرَعُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". اهـ.
والله أعلم.
جزاكم الله خيرا.