"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (41)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرعد": (لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)
القول الأقرب والله أعلم أن المراد بالمعقبات الملائكة التي تحفظ الإنسان من الشرور والآفات والحادثات والمهلكات, وهي من أمر الله وتدبيره.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد بالمعقبات الملائكة الحفظة يحفظون عليه أعماله, وهذه المعقبات من أمر الله وجنده وتدبيره وغيبه. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*)

القول الثاني: أن المراد بالمعقبات الحرس والمواكب بين يدي الأمراء وخلفهم يتعاقبون على حراستهم فيحفظونهم من أمر الله وقدره ونوازله بزعمه وظنه وتوهمه وتقديره (قال الزمخشري: أو على التهكم به). (رجح هذا القول ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
وهذا قول بعيد.

ولما ذكر ابن كثير ما روي في ذلك عن ابن عباس وعكرمة والضحاك قال: "والظاهر والله أعلم أن مراد ابن عباس وعكرمة والضحاك بهذا أن حرس الملائكة للعبيد يشبه حرس هؤلاء لملوكهم وأمرائهم".
قلت: ما استظهره ابن كثير بعيد, فإن الروايات عنهم واضحة والله أعلم, ولكنه قول بعيد على أي حال.
قال القرطبي: الصحيح أن المعقبات الملائكة.

القول الثالث: أن المراد أن الملائكة يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب، بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب وينيب، كقوله: (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) (انفرد بذكره الزمخشري*)

القول الرابع: أن المراد بالمعقبات الملائكة التي تحفظ الإنسان من الشرور والآفات والحادثات والمهلكات, وهي من أمر الله وتدبيره وغيبه. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (ورجحه الشنقيطي عند قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ)
وقال عند تفسير قوله تعالى من سورة "الأنعام": (ويرسل عليكم حفظة) ذكر في موضع آخر أن مما يحفظونه بدن الإنسان، بقوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله).

(وأما ابن كثير* فيبدو أنه يرى أن المعقبات هم الملائكة الحرس للعبد وكذلك الملائكة لحفظ للأعمال).
فإنه فسر المعقبات بأنواع الملائكة الذين يتعاقبون.
ولكنه عند قوله: (يحفظونه من أمر الله) اقتصر على حفظ الملائكة للعبد من الشرور والحادثات.

وهذا القول الرابع هو الأقرب في معنى الآية, والله أعلم.
ولولا هذه المعقبات التي سخرها الله لحفظ الناس وهي من أمر الله وتدبيره لما قدر البشر أن يعيشوا بسلام لكثرة الآفات وأسباب العطب التي تحيط بالعباد من كل اتجاه.

أما القول بأنهم الحفظة الذي يحفظون عليه أعماله فهذا فيه بعد والله أعلم, لأنه قال: (يحفظونه) فظاهر الآية الحفظ له وليس الحفظ عليه.
ثم إن الله ذكر أن الحفظة على العبد عن اليمين وعن الشمال قعيد, أما هنا فذكر أنهم من بين يديه ومن خلفه, وهذا هو المناسب لحفظ العبد من الشرور.

قال الزمخشري: "قوله: (يحفظونه) (من أمر الله) هما صفتان جميعاً، وليس من أمر الله بصلة للحفظ".

فقوله: (من أمر الله) كقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}
فالمعنى: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه.
ومن قال: المراد بقوله: (من أمر الله) أي: من عذاب الله وبلاياه فهو قول بعيد.

وقوله: (معقبات) قيل: إن أصلها معتقبات فأدغمت التاء في القاف أي: جماعات يعقب بعضها بعضاً, مثل: (المعذرون) أي: المعتذرون.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/