تاريخ التشيع في المغرب الإسلامي.. بين الأمس واليوم
مولاي المصطفى البرجاوي
2- الاحتفال بالمولد النبوي: وبالرجوع إلى أغلب المصادر التاريخية، نتبين أن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، عقيدة شيعية، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح رضوان الله عليهم هذا العمل. يقول المقريزي[17] في كتابه الخطط (1/ ص 490 وما بعدها): "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم"، قال: "وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي مواسم (رأس السنة)، ومواسم (أول العام)، (ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم)، (ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن والحسين عليهما السلام)، (ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام)، (ومولد الخليفة الحاضر)، (وليلة أول رجب)، (ليلة نصفه)، (وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان)، (وسماط رمضان)، (وليلة الختم)، (وموسم عيد الفطر)، (وموسم عيد النحر، وعيد الغدير)، (وكسوة الشتاء)، (وكسوة الصيف)، (وموسم فتح الخليج)، (ويوم النوروز)، (ويوم الغطاس)، (ويوم الميلاد)، (وخميس العدس)، (وأيام الركوبات)" أ.هـ.
وقال أيضًا في اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا (2/48) سنة (394): "وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بمصر".
وقال في موضع آخر (3/99) سنة (517): "وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة".وانظر (3/105).
أما في المغرب، فكان أحمد العزفي مؤسس إمارة سبتة المغربية المحتلة أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد العزفي المولود سنة 557هـ/1161م أول من أحدث ودعا إلى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في المغرب العربي. وقد ألف كتابًا في هذا الموضوع بعنوان "الدر المنظم في مولد النبوي المعظم"، ولكنه توفي سنة 636هـ/1238م، قبل أن يكمله[18].
يذكر الأستاذ جمال بدوي في كتابه (الفاطمية دولة التفاريح والتباريح): ارتبط اسم الفاطميين في مصر بالاحتفالات والأعياد، فإليهم ترجع ظاهرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي، والإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وعلى حد تعبير المؤلف: فإن الفاطميين جعلوا من هذه المناسبات "فرصة للتفاريح" و"خرجوا بها من المسجد إلى الشارع، واصطنعوا لكل مناسبة نوعًا خاصًّا من الحلوى....
* الأسرة الصديقية الطنجية-المغربية وصِلَتها بالتشيع الرافضي: كانت طريقة صوفية لها مشايخها ومريدوها، وتسمى بالطريقة الصديقية، ولها زاوية معروفة في طنجة، أنشأها محمد بن الصديق أبو الأسرة ومؤسس الطريقة، وترأسها بعد وفاته ابنه الأكبر أحمد بن الصديق الغماري، وكان للزاوية الصديقية أثر كبير في نشر التشيع والتصوف بالمغرب، والطريقة الصديقية فرع على الطريقة الدرقاوية، والطريقة الدرقاوية فرع على الطريقة الشاذلية.. ولم تنحصر عقيدتها فقط في التصوف وما ينطوي تحته من شركيات وخرافات، بل أضافت إلى ذلك: الرفض، والغلو في التشيع، وسب الصحابة رضي الله عنهم، والطعن في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
كما ذهب عدد من الباحثين المغاربة المتخصصين في العقيدة الشيعية في المغرب؛ إلى أن الطريقة الصديقية هي المسؤولة بشكل كبير عن تسهيل التغلغل الشيعي بالمغرب، وتعود أصل الحكاية إلى زيارة شيخ الطريقة، مولاي أحمد بن الصديق، للمشرق، في عز تصاعد المد المعتزلي، متأثرًا بكتابات محمد بن عقيل (من الشيعة الإمامية) مؤلف كتاب "العتب الجميل لأهل الجرح والتعديل" حيث الهجوم على أهل الحديث والأئمة. وهو شيخ أشعري تأثر بمشايخ من حضرموت باليمن.
بعد عودة ابن الصديق من مصر، قام بنشر هذا الفكر، وخلفه عبد العزيز بن الصديق، الذي كان يميل إلى آل البيت، وهناك حاليًّا في طنجة مكتبة العلامة عبد العزيز بن الصديق، تساعد بطريقة أو بأخرى في نشر الفكر الشيعي حسب ما يشير إليه أحد المحققين المغاربة.
* أثر بعض الحركات الإسلامية في نشر التشيع: وقد أنجز العلامة الدكتور فريد الأنصاري –عجل الله شفاءه- دراسة نقدية[19] لجماعة العدل والإحسان –التي خرج زعيمها عبد السلام ياسين من جبة "الطريقة البوتشيشية" الصوفية، بعد رفض أهلها منحه للمشيخة كما تذكر بعض المصادر- إلى درجة تأثر عبد السلام ياسين الكبير بالثورة الإيرانية الشيعية، بل تبنيه لمنهجها العام ومضمونها الفكري. يقول -هدانا الله وإياه لما يحب ويرضى -: "نرى أن مستقبل الإسلام رهين باستيعابنا لدرس إيران"[20]. كما يبدي تعاطفه الكبير –ربما ذلك مرتبط بما هو نفسي- مع البكاء الحزين للشيعة الروافض عبر التاريخ، ونقمته الظاهرة على بني أمية الذين كانوا أول من حاد عن مفهوم (الخلافة على منهاج النبوة)، الذي يشكل العمود والأساس للرؤية السياسية لدى ياسين الزعيم الروحي للجماعة. ومن هنا إدانته الواضحة للفكر السياسي السني عبر التاريخ! قال متسائلا تساؤل إنكار: (كيف انحدرت من أجيال أهل السنة تقاليد الرضوخ للحاكم أيا كان؟ منذ الانكسار التاريخي، وكيف انحدرت في أجيال الشيعة تقاليد رفض الرضوخ للحاكم... والسنة خضعوا والشيعة ثاروا...) هذا كلام زعيمهم!
ورد عليه العلامة الدكتور الأنصاري بأنها: "إدانة صريحة واضحة من ياسين لأهل السنة والجماعة على الإجمال فيما ذهبوا إليه من حكم شرعي، كان أقرب إلى الإجماع منه إلى رأي مذهبي مجرد"[21].
كما يدعي زعيم جماعة العدل والإحسان العصمة للأولياء بقوله[22]: "إن إسلاس القياد لولي مرشد يدلك على الطريق شرطٌ في السلوك، وما كان لولي أن يأمر إلا بالحق".
وللرد على هذا الاعتقاد يقول العلامة الشوكاني رحمه الله: "واعلم أن أولياء الله غير الأنبياء ليسوا بمعصومين، بل يجوز عليهم ما يجوز على سائر عباد الله المؤمنين، ولكنهم قد صاروا في رتبة رفيعة عليّة، فقلّ منهم من يخالف الصواب وينافي الحق، فإذا وقع ذلك فلا يخرجهم عن كونهم أولياء لله "[23].
كما تأثر - كما قال الصحفي منتصر حمادة - بالإضافة إلى جماعة العدل والإحسان؛ "الحركة من أجل الأمة" ومعها جمعية "البديل الحضاري" بشكل كبير بتبعات الثورة الإيرانية، ويتضح ذلك مثلا في دلالات الاسم الذي أطلق على أدبيات الحركة: مشروع البصيرة (البصيرة مصطلح عرفاني شيعي صرف، و"البصائر" هو عنوان إحدى المنابر الفكرية ذات النزوع الشيعي المتشدد، ثم إن مجرد الحديث عن "الحركة من أجل الأمة" يحيل على "ولاية الأمة"، الذي يحيل أيضًا على "ولاية الفقيه"...
ألم يقرأ الشيخ/ عبد السلام ياسين والمريدون والمنبهرون بالروافض؛ تاريخَ الشيعة في القديم والحديث؟ ألم يطلعوا بأم أعينهم على أثرهم في غزو أفغانستان والعراق وما يفعلون بأهل السنة في العراق من تهجير وتقتيل وتشريد؟ ألم يقل نائب الرئيس أحمدي نجاد: أن نساهم في العراق بمليار (في إثارة الفتنة ودعم المليشيات..) في العام أفضل من أن نخسر مليارًا في اليوم في حربنا مع الولايات المتحدة؟ ثم كيف نفسر العلاقات والاجتماعات المكثفة والمعلنة إعلاميًّا بين إيران والولايات المتحدة حول العراق؟ ما هذا النفاق؟
* أثر الإعلام والمطبوعات في نشر ثقافة التشيع: نظرًا لضعف معرفة بعض المغاربة بالعقيدة الرافضية، بل في بعض الأحيان الجهل بعقيدة الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، وهو مذهب إيران والدولة الصفوية قبلها، وابنها المدلل حزب الله اللبناني، وأثرهم في توظيف إعلامهم وفضائحياتهم: العالم، والمنار، والأنوار، والكوثر، والفرات.. التي تنشر التشيع خلسة.. ثم ما لعبته قناة الجزيرة الذائعة الصيت في الوطن العربي من تضخيم قيمة الشيعة خلال الحرب اللبنانية –الصهيونية الأخيرة، في مخيلة العربي المسلم الذي عانى، ردحًا طويلا من الزمن، الضعفَ والهوان والاستكانة.. في ظل الانتصار السياسي والعسكري لحزب الله اللبناني الذي ضخمته وسائلُ الإعلام، وعن "الموقف الأسطوري" لجمهورية إيران. انبهر عدد لا يستهان به بهؤلاء دون فهم خططهم الماكرة والحاقدة للسنة!
يخطئ من يعتقد أن حجب القنوات هي الوسيلة المثلى لمحو أثر التشيع، كلا! بل الخطة الصحيحة هي تعريف الناس دينهم الصحيح البعيد عن الشبهات والأهواء!.
ولا ننسى في هذا الباب، أيضًا؛ ضعف الرقابة المادية والمعنوية على بعض الكتب والمجلات الشيعية الخطيرة على عقيدة المسلم السني، فإنه يباع في الأسواق المغربية "المنطلق الجديد"، "قضايا إسلامية معاصرة"، "المنهاج"، "البصائر"، "الكلمة"، "الحياة الطيبة"، "فقه آل البيت" وجريدة جديدة للشيعة المغاربة تسمى "رؤى معاصرة"... تمول من قبل معاهد ومراكز بحث شيعية المذهب أو موالية للشيعة، لكن ما يزيد من روغانها استقطاب ثلة من كتاب المسلمين السنة للكتابة فيها، أمثال: أحمد كمال أبو المجد، أبو يعرب المرزوقي، خالص جلبي، أحمد صدقي الدجاني.. ولا ننسى في هذا الباب كتاب "ثم اهتديت" للمغرر به التجاني التونسي، وكان يدعو إلى اعتناق العقيدة الشيعية؛ وقد رد عيه الأستاذ خالد العسقلاني ردًّا علميا من خلال كتابه الماتع "بل ضللت!".
* إدريس هاني زعيم الشيعة في المغرب: فهو يتبع منهج التقية في تمرير أفكاره الشيعية في المغرب؛ فتارة يقول بأنه مفكر إسلامي، يهتم بشؤون الإسلام في عموميته، وتارة أخرى يقول إن المغرب "بلد شيعي من حيث ثقافته وهويته؛ لأن تاريخه يدل على ذلك، رغم أنه يبدو الآن بلدًا سنيًّا بالمعنى المصطلح عليه". لكن بعد إطلالة إلى بعض أفكاره في الصحابة رضوان الله عليهم وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، تتبين عقيدته الرافضية وما يصبو إليه لزعزعة معتقدات المغرب السنية..
وإليك أخي القارئ من هذه البغضاء التي بدت من فم هذا الرجل، وما يخفي صدره أعمق.. يقول عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: "محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وزوجته مذنبة، وهذا ليس عيبًا، بل حقيقة وقعت، وإذا هي لم تنافِ مقام النبوة فلأن لها نظيرًا في تاريخ النبوة -يقصد امرأة نوح وامرأة لوط-.. ولكي نعرف عائشة ونضعها في الميزان.يجب أن نتوخى الحقيقة، ونكسر في أذهاننا صنم عائشة من أجل الحقيقة الغالية فقط"[24].
قال ابن كثير عند تفسيره قوله تعالى: {
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23]: وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى قاطبةً على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن.
ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد، لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: {
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (النور: 26)، فإن كانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - خبيثة، فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه.
* على مستوى بعض القرآنيين: محمد عابد الجابري نموذجًا: الكلام في هذا الباب يطول، لكن لا بأس من إشارة مقتضبة؛ فكثير من علماء الشيعة الإمامية يصرح تصريحًا بأن القرآن لحقه التحريفُ من قبل الصحابة الذين تآمروا على علي و(أهل بيته) فمحوا فضائلهم التي وردت بنص التنزيل. بل إن بعض هؤلاء العلماء تجرأوا فأفردوا لإثبات ذلك مصنفات كاملة في هذا الموضوع!! مثل المخذول الميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه: (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب). وهو من كبار علماء ومحدثي الطائفة، وموثق لديهم بالإجماع[25]..
لمّا كانت نصوص القرآن لا ذكر فيها لإمامة الاثنى عشر، كما أنها تثني على الصحابة وتعلي من شأنهم، أسقط في أيديهم وتحيّروا، فقالوا لإقناع أتباعهم: إن آيات الإمامة وسب الصحابة قد أسقطت من القرآن، ولكنّ هذا القول كشف القناع عن كفرهم، فراحوا ينكرونه، ويزعمون أنهم لم يقولوا به، ولكنّ رواياته قد فشت في كتبهم، وآخر فضائحهم في ذلك كتاب كتبه أحد كبار شيوخهم سمّاه: فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب..، حيث أثبت تواتر هذا الكفر الصريح، والكذب المكشوف في كتب الروافض، واعترف بأنّ شيوخهم يؤمنون بهذا الكفر، فكان هذا الكتاب فضيحةً كبرى لهم وعارًا عليهم أبد الدهر. فما كان من الأستاذ الجامعي المغربي الدكتور محمد عابد الجابري، إلا أن تصيد من هذه الأفكار العفنة لتطوير فكرته المشككة في بعض آيات القرآن، إذ أطلق صيحته الممجوجة في جريدة "الاتحاد" الإماراتية التي قال فيها: إن القرآن الكريم محرف وناقص! ومن أهم أقواله بعجالة: كانت سورة براءة قدر سورة البقرة ولكنهم أسقطوها، وسقوط سورتي الوتر والخلع، وكانت سورة الأحزاب مائتي آية وهى الآن 72-73 آية. وحذف آية الرجم، وكان جمع القرآن أثقل من الجبال؛ لأنه كان مفرقًا في العُسُب واللخاف والرقاع وقطع الأديم والعظام وعلى جريد النخل.. كما أوغل في كتابه الجديد "مدخل إلى القرآن الكريم"[26] في ترهاته وأباطيله، من ذلك اعتماده على بعض الأحاديث المدسوسة من الشيعة الروافض والأحاديث الضعيفة. مثلا أن عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- قالت: ((كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- مائتي آية، فلما كُتب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي عليه الآن))[27] – أي 73 آية -. فهل هذه الرواية صحيحة؟.
أما المفكر وسام فؤاد في مقالته "الفكر الإسلامي بين ضغوط بنيدكت والجابري" المنشورة بموقع الشهاب، فقد ساوى بين أقوال بابا الفاتيكان وأستاذ الفلسفة، واسمًا الجابري بالجهل بعلم الحديث والناسخ والمنسوخ.. لكن ما يظهر لدارس العقيدة الرافضية؛ أن الجابري تأثر بكتابات الشيعة خاصة، ليس من أهل الحديث والعقيدة بل من أهل الفلسفة الإغريقية البالية!.
* العلمانيون.. وتطاولهم على الصحابة رضوان الله عليهم: وجريا على نهج عقيدة الرافضة في سب الصحابة، ظهر على سطح المجتمع المغربي ثلة من الأساتذة الجامعيين المغرر بهم يسلكون مسالكهم الفجّة، والغريب في الأمر أن مدرسًا في شعبة الدراسات الإسلامية لمادة تاريخ الأديان تطاول على الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه بجهل غير مسبوق!..
ما بالُ دينك ترضى أن تدنسَه وثوبُك الدهرَ مغسولٌ من الدنسِ
ترجو النجاةَ ولم تسلك مسالكَها إن السفينةَ لا تجري على اليبسِ
كل ذلك يجعلنا نذكر هذا الصنف من المفكرين بما نص عليه كتابُ الله عزّ وجلّ بالثناء عليهم في مواضع كثيرة من القرآن؛ قال تعالى: {
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29]، ومن سبهم بعد هذه الآيات فهو مكذب بالقرآن وبأقوال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، لعل الله يبصر أعينًا عميًا ويهدي قلوبًا غلفًا. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله من سب أصحابي"[28]. وفي صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثلَ أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" (مخرج في الصحيحين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" [السلسلة الصحيحة 2340].
وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى: (ليغيظ بهم الكفار) قال: (ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم؛ قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك [تفسير ابن كثير: 4/219].
ولله در الناظم إذ يقول:
وقل إن خير الناس بعد محمد وزيراه قدمًا ثم عثمانُ الاَرجحُ
ورابعُهم خيرُ البرية بعدهم عليٌّ حليفُ الخير بالخير منجح
وإنهمُ لَلرَّهْطُ لا ريب فيهمُ على نجب الفردوس بالخلد تسرح
صراحة! يستغرب كل غيور على دينه وأمته، لماذا يتم التطاول على دين الإسلام النقي الصافي من قبل هؤلاء العلمانيين؛ ويقولون: ليس لأحد الحق في الاستئثار بفهم وتفسير كتاب الله وسنته، بل الإسلام في شموليته؛ وكأن العلمانية إحدى مدارس التفسير! ورحم الله الشاعر إذ يقول:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم!