أسرار الماء الجوفي في آيات القرآن


د. حسني حمدان الدسوقي حمامة



الله يُسكِن الماء في الأرض بقدر، والبشر يخزُنون الماء خلف السدود، والفرقُ شاسع بين فعل الله وفعل البشر، فالله يخزُن قطرات المطر منذ آلاف أو ملايين السنين حتى يشربه سكان الأرض اليوم، والماءُ المخزَّن في جوف الأرض قد يغور ولا يستطيع البشر أن يأتوا به، ومخروط الماء الجوفي الكبير في شمال الليونيز شاهدٌ على ضعف البشر حينما يغور الماء.
وهنا نلقي الضوء على إعجاز القرآن المتعلِّق بإسكان الماء الجوفي وتخزينه غور الماء، ونبدأ بقول الحق تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18]، حيث تتجلَّى نعمة الله على عباده في كمية الماء الوفيرة المختزنة تحت سطح الأرض، والتي تبلغ ستين ضعفًا من الماء العذب في الأنهار والبحيرات.
وقد تكوَّنت خزائن الماء الجوفي منذ آلاف السنين ومئات الملايين من السنين، وتُعَدُّ خزائن الماء الجوفي آيةً من آيات الله؛ من حيث وفرة الماء فيها وعذوبته، أو القدرة التخزينية الهائلة لها؛ نظرًا لبطء حركة الماء الجوفي، أو لانتشار خزائن الماء الجوفي في تكوينات أرضية مختلفة التركيب والأعمار، ويظهر الماء الجوفيُّ في كثير من الأحوال على سطح الأرض، أو يختفي بالقرب من سطحها.
1- إسكان أو حفظ الماء الجوفي:
من أوجبِ شروط خزائن المياه الجوفية خاصيةُ المسامية، وخاصية النفاذية.والمسامية ((Porosity هي النسبة المئوية لحجم الفراغات الموجودة في الصخر نسبة إلى الحجم الكلي للصخر.وتوجد بعض التراجم للمصطلح الأجنبي على أنه قساوة الصخر؛ أي: درجة مسامية ونفاذية الصخر، وتلك الترجمة قد استلهَمَتْ لغة القرآن الكريم التي تحدَّثت عن قساوة قلوب بني إسرائيل مقارنةً بقساوة الحجارة.﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].
وتوصف كثير من الصخور بأنها عالية المسامية؛ مثل الحجر الرملي، والرصيص، والحجر الجيري، وتختزل مسامية الصخر بواسطة التضاغط أو اللحام وغيرها من الظواهر، فالرمال يمكن أن تصل مساميتها إلى 30% حتى 50%، وقد تهبط إلى 10 20%، وكذا الحال بالنسبة للطين حيث مساميته عند الترسيب تبلغ 90%.والنفاذية (Permeability): هي مقياس سعة الصخر لمرور السوائل خلال الفراغات والشقوق.وبناء على ما تقدَّم فإن الصخر المسامي Porous هو الصخر الذي يسكن فيه الماء الكثير، والصخر المنفذ permeable هو الذي يسمح بمرور السوائل فيه بيسر وسهولة، والصخر غير الممر Impermeable هو الصخر الذي لا يسمح بمرور الماء خلاله؛ مثل الجرانيت عديم الشقوق والطفلة.وليس كل صخر مسامي منفذًا، بينما كل صخر منفذ؛ يقول تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ﴾ [عبس: 24 - 26].
2- خزائن أو مكامن الماء الجوفي:
حينما ينزل المطر على الأرض، فإن جزءًا منه يتحرك لأسفل لكي يسكن تحت الثري، فيمر أولًا بحزام التربة فيتشبع بالماء Soil Moisture Belt، ثم يتركه مخترقًا نطاق الصخر المشقق المسمى بنطاق التهوية Zone of Areatoin، وهو نطاق غير مشبع بالماء، ثم يتحرك بعد ذلك ليسكن نطاق التشبع Zone of Saturation، الذي يكون خزائن الماء الجوفي Aquifers "شكل 28".
وخزانات المياه هي أجسام صخرية أو رواسب مشبعة بالماء يتحرك خلالها الماء الجوفيُّ بيسر، وتعطي كميات اقتصادية من الماء، ويشبه الخزان قطعة الإسفَنج المبللة بالماء.
وبناء على ذلك، فإن خزائن الماء الجوفي يجب أن تكون مسامية ومنفذة معًا.
وتشمل الخزائن الجيدة الحجر الرملي، والرصيص، والحجر الجيري ذات الفواصل، والرمل الحصي، والصخور النارية ذات الشقوق، ومن أمثلة الخزائن الأخيرة بئر زمزم.
3- غَوْر الماء:
كما ذكر من قبل أن الماء الجوفيَّ يسكن نطاق التشبع، حيث تمثل قمته مستوى سطح الماء الجوفي Water Table، ويتم الحصول على الماء حينما تخترق آبار المياه هذا المستوى، أو حيثما يتكشف هذا المستوى على سطح الأرض في صورة عيون.
وبالتأكيد تزيد صعوبة الحصول على الماء في حالات الماء الغَوْر، ويغور الماء نتيجة السحب الجائر للمياه الجوفية بمعدل يفوق معدل تغذية الخزان الجوفي.
بمعنى آخر: حينما يكون السحب على المكشوف، فمن يعوض الرصيد؟ ومن يأتي بالماء بعد أن أصبح غورًا؟
الجواب الذي لا جواب سواه: "الله".﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30].
وتذكُر كتب تفسير القرآن: ﴿ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ﴾؛ أي: غائرًا ذاهبًا في الأرض إلى أسفل، لا تناله الدِّلاءُ، ويقال: غار الماء غورًا؛ أي: نضب، ﴿ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾‎؛ أي: نابع سائح تراه العيون، وقيل: كثير، وعن ابن عباس أيضًا: أن المعنى فمن يأتيكم بماء عذبٍ؟ والله أعلم.وسوف نعطي مثال على غور الماء، يوضح انخفاض مستوى الماء الجوفي إلى حد خطير:
مخروط الماء الجوفي الكبير the Great Depression in Ground water:
غار الماء غورًا في شمال الليونيز ilionis بأمريكا، ففي منطقة مترو شيكاغو، حيث انخفض مستوى الماء الجوفي من 250م فوق مستوى سطح البحر إلى 30م تحت مستوى سطح البحر، وتكوَّن مخروط سحب عملاق، وفي السنوات العشر الأخيرة فقط انخفض المستوى 30م، ويعدُّ هذا الانخفاض في مستوى الماء الجوفي شيئًا مدهشًا؛ لأنه يحدث في منطقة رطبة.

شكل(27): خزن الماء في الأرض آية من آيات الله.

شكل(28): خزن الماء في الفراغات بين حبيبات.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/147181/#ixzz6wN60jqji