"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (36)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ)
قوله: (وجوه) الوجوه كناية عن أصحابها، فالمراد أناس خاشعة عاملة ناصبة أي: متعبة.
والقول الصحيح أن المراد أن أهل النار وجوهم خاشعة أي: ذليلة عاملة متعبة في النار, تعمل من الأعمال ما فيه مشقة وتعب، كجر السلاسل والأغلال, والخوض في النار, وسحبهم على وجوههم, والانتقال من عذاب إلى عذاب .

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنهم أهل النار وجوهم خاشعة أي: ذليلة عاملة متعبة في النار, تعمل من الأعمال ما به مشقة وتعب، كجر السلاسل والأغلال, والخوض في النار, وسحبهم على وجوههم, والانتقال من عذاب إلى عذاب . (اقتصر على هذا القول ابن جرير*, وابن عاشور*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (ورجحه مكمل أضواء البيان*)

وهذا القول هو الصحيح, لسياق الآية الواضح, فإنه قال: (وجوه يومئذ) أي: يوم القيامة ثم قال: (خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ) فهذه الأحوال كلها يوم القيامة.

ولابن تيمية كلام ثمين بين فيه أن هذا هو القول الصواب من وجوه عديدة كما في "مجموع الفتاوى".
وقال: المعنى أنها يوم القيامة تخشع أي: تذل وتعمل وتنصب وهذا هو الحق لوجوه.
ثم ذكر سبعة وجوه تدل على صواب هذا القول.

القول الثاني: أن المراد خاشعة عاملة ناصبة في الدنيا بالعمل على غير الطريق الصحيح، كعبدة الأوثان, والرهبان, وغيرهم, والمعنى أنها خشعت لله وعملت ونصبت في أعمالها لكن لأنها غير ما شرع الله فهي لأجل ذلك تصلى ناراً حامية يوم القيامة. (ذكره الزمخشري*, والرازي*, وابن كثير*)

القول الثالث: أنها خاشعة في الآخرة، عاملة ناصبة في الدنيا على غير الطريق الصحيح. (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, ومكمل أضواء البيان*)

(والفرق بين هذا القول والذي قبله أنه على القول السابق الخشوع في الدنيا وعلى هذا القول الخشوع في الآخرة)

قال الرازي: "ولا يمتنع وصفهم ببعض أوصاف الآخرة ثم يذكر بعض أوصاف الدنيا ثم يعاد ذكر الآخرة إذا كان المعنى في ذلك مفهوماً, فكأنه تعالى قال: وجوه يوم القيامة خاشعة لأنها كانت في الدنيا عاملة ناصبة في غير طاعة الله فهي إذن تصلى ناراً حامية في الآخرة".

وفي الآية أيضاً ثلاثة أقوال بعيدة:
فقيل: خاشعة عاملة في الدنيا بالعبادة، ناصبة تصلى ناراً حامية في الآخرة (انفرد بذكره الرازي*)

وقيل: عاملة في الدنيا بالمعاصي، ناصبة في الآخرة في النار (ذكره الماتريدي*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*)

وقيل: خاشعة ذليلة في الآخرة, عاملة في الدنيا لغير الله، وناصبة في غير سبيله. بل لنفسها وأولادها ودنياها وأطماعها.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/