والمشهورُ في رواية البيت ضبطُ كلمة (السّفن) بضمّ السّين والفاء:(بما تَشتهي السُّفُن[1])،جمع سفينة،وهو الصّحيحُ الصّوابُ،وبه استفاضَ النّقلُ في رواية دواوين المتنبِّيّّ وشروحها،ودرجَ عليه العلماءُ في تَواليهم في مختلف حقول المعرفة في التّراث العربيّ من شعر ولغة وأدب وتاريخ وتفسير و ...
ورُويت – زعموا[2] - بفتح السّين والفاء (السَّفَن) على وزان (فَعَل)،على أنّه جمع سَفَّان،وهو – عندهم - رُبّانُ السّفينة،وقائِد ُها ؟!.
وبعضُهم يقول:إنّ الضّبطَ الصّحيحَ هو:(بما لا يشتهي السَّفِنُ) بفتح الياء[3] مِن (يَشتهي)،وفتح السّين المهملة وكسر الفاء من (السَّفِن) على وزان (فَعِل).كذا!.
ولا يُعرَفُ - فيما أعلم – لهذا الضّبطِ (السَّفَِن) بفتح السّين وكسر الفاء،أو فتحها أصلٌ يُعتمَدُ عليه؛لأنّه.
1- غيرُ موجودٍ في المعجمات العربيّةوقواميس ها المعروفة.
2- على فرضِ وجودِه في القواميس المعاصِرة،فس يكونُ من الألفاظِ الّتي استُحدِثتْ للتَّعريب.
3- لا يُعلَم رسمُه بهذا الضّبطِ فيما بين أيدينا من دواوين المتنبِّيّ وشروحِها[4].
4- خلَتْ منه كتبُ التُّراث العربيّ الّتي أوردتِ البيتَ استشهادا أو تَمثيلا.
ولعلّ أقدم مَن تكلّم في تصويب روايةِ البيت،وتصحيحِ لفظِه:
1- كمالُ الدّين محمّد بن موسى الدَّمِيرِيّ (ت:808هـ) في المقصد الأتمّ في شرح لاميةِ العَجَم (ص118 -119)،فقد جاء فيه قولُه:
(قلت:وصوابُ هذا البيتِ الثاني أنْ تُقرَأ:تجري الرّياحُ بما لا يَشتهي،بالياء المثنّاة في أوَّلِِه،والسَّ فِنُ بكسر الفاء،أي:صاحبُ السّفينة،ويخلص بذلك عن المجاز).
كذا علّله:ويخلص بذلك عن المجاز ؟!.وسيأتي بيانُ فسادِه.
2- زينُ الدّين عبدُ الباسط بنُ خليلٍ الظّاهريّ الحنفيّ المؤرِّخ (ت:920هـ).فقد حَكى عنه د.عمرُ عبدُ السّلام تدمريّ في تحقيقه لكتابه:نيل الأمل في ذيل الدّول (1/ 47 المقدّمة) أنّه:
(تناقشَ مرّة مع شخص حول البيت:
ما كلُّ ما يتمنّى المرءُ يُدرِكُه … تَجري الرّياحُ بما لا تَشتهي السُّفُنُ
فقال:إنّ الصّحيحَ:«بما لا يَشتهي السَّفِنُ»٢،بفت ح السّين المهملة وكسر الفاء).
وأحال في الهامش2 إلى:(الرّوض الباسِم في حوادث العمر والتّراجم لعبد الباسط الظّاهريّ " مخطوط مُصوَّر بمكتبتنا:1/ورقة20،و21 ").
قلت:ولم تَطُله يدي بعدُ !.
[1] - ومِن عَجَبٍ اعتبارُ رواية (السُّفُن) مِن الخطأ الشّائع دون مُستنَد غير الاستحسان !.
[2] - ولو اُعتُبِر هذا الزّعمُ لَسقطتِ اللّغةُ كلُّها؛إذ لا نهوضَ لها ولا حياةَ فيها بغير المجاز.وهل بقي في البيت من الشِّعريَّة شيءٌ حين تقول:إنّ الرّياح تجري بما لا يشتهي السَّفِنُ (البحَّارة) ؟!؛كذا!،حتّى يستقيم لهم المعنى!– زعموا -.وإنَّما المزيَّة في أَنْسَنَة السُّفُن، وجعلها ذاتَ اشتهاء،وهي في صراع مع الرّياح.هنا الخيال وهنا الصّورة.
[3] - قال أحمد مصطفى المراغيّ في: علوم البلاغة: البيان،المعاني، البديع (1/ 105 الهامش1):(وفي رواية يشتهي بالياء، والسَّفِن بفتح فكسر،أي:رُبّان السّفينة).كذا !.من غير إحالة إلى مصدر أو مرجع ؟!!!.وبه ضُبط في مجلّة الرّسالة (العدد 291/ 11 المتنبِّيّ وسِرُّ عَظمتِه).وعلّل بعضُهم هذا الاختيارَ:إنّ السَّفَنِ جمعُ سَفّان وهو مَن يقودُ السّفينةَ،وهو الّذي يريد أن تجريَ الرّياحُ بما لا تشتهي لكونِها جماداً [؟!].
[4] - قال في وفيات الأعيان (1/ 121):(واعتنى العلماءُ بديوانه فشرحوه،وقال لي أحدُ المشايخ الّذين أخذتُ عنهم:وقفتُ له على أكثر من أربعين شرحا ما بين مطوّلات ومختصرات،ولم يُفعل هذا بديوانٍ غيره).
وفي البداية والنّهاية (11/ 256):(وَقَدْ شَرَحَ دِيوَانَهُ الْعُلَمَاءُ بِالشِّعْرِ وَاللُّغَةِ نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ شرحا وجيزا وبسيطا).
وفي كشف الظّنون (1/ 809 - 812) أسماء نحو اثنين وعشرين شرحا.
ومن الدّراسات الّتي حاولَ أصحابُها أن يستقصوا كلّ ما كُتِب عن المتنبِّيّ استقصاءً دقيقا كتاب:أبو الطَّيِّب المتنبِّيّ دراسة في التّاريخ الأدبيّ للمستشرق ريجيس بلاشير.ذكر فيه أكثر من خمسين شرحا.وكتاب رائد الدّراسة عن المتنبِّيّ للأخوين كوركيس ومخائيل عوّاد ذكرا فيه ثلاثة وستّين شرحا لم يُعرَف أصحابُها – بواسطة:شروح ديوان المتنبِّيّ دراسة موازنة في المناهج والتّطبيق-.