تلخيص سيرة الإمام الشافعي رحمه الله وجمع أقواله
ريم الحربى
بسم الله الرحمن الرحيم
لذكر الأئمة ومآثرهم وأقوالهم وما ذُكر عن همتهم في الطلب والصبر , والإخلاص , فائدة عظيمة لطالب العلم, لذلك جُمعت هذه المادة العلمية بتوجيه من الشيخ عبدالعزيز الداخل - حفظه الله, عن علم وإمام من أئمة المسلمين "الإمام الشافعي رحمه الله"
قال شيخنا في شرحه للأصول الثلاثة في الدرس الثاني بعد أن ذكر اسم الإمام الشافعي ومولده قال: ( والكلام في سيرته وماتضمنته من الدروس والأعاجيب والعبر يطول، وهو ذو شجون؛ فقد كان آية في الصبر على طلب العلم والتفقه في الدين، ولقد ابتلي بقلة الرزق فصبر ، ومن شعره:
لو كان بالحيل الغنى لوجدتـــنـي ... بنجوم أقطار السمـاء تعلقـي
لكن من رزق الحجى حرم الغنى ... ضــــــدان مفترقـان أي تفـرق
وأحــــق خلـــق بالله بالهــــــــــم امـرؤ ... ذو همــــة يبلـى بـرزق ضيـق
ولربما عرضت لنفسي فكـــــرة ... فأود منهـا أننـي لـم أخـــلـق
لكن من رزق اليسار ولم ينـل ... أجـــراً ولا حمـداً لغيـر موفـق
وله أشعار حسنة، وأقوال جليلة متينة ، ذكر النووي في مقدمة المجموع والذهبي في سير أعلام النبلاء طائفة حسنة من أقواله ينبغي لطالب العلم أن يتأملها، فإنها صادرة عن حكيم من حكماء الأمة، ولو جمع أحد أقواله ورقمها ورتبها وعزاها إلى مصادرها ونشرها لرجوت له في ذلك خيراً كثيراً.
من أقواله النيرة ما قاله في مقدمة كتابه الرسالة: (فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدلالة على سبيل الهدى فيها).
وقال: (ضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له).
وقال: (إذا خفت على عملك العُجب، فاذكر رضى من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب؛ فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله).
إلى غير ذلك من حكمه العجيبة.
وكان وافر العقل حاد الذكاء سريع الحفظ جليل القدر صاحب فراسة وكياسة ، وكان جميل الخلقة حتى قال المزني: لم أر أحسن وجهاً من الشافعي).
وقد أخذ الأخوان (محمد بدر الدين سيفي , وأبو عمار الأثري) بتوجيه الشيخ, وجمعا أقوال وحكم الإمام الشافعي, وقمت بتلخيص سيرته رحمه الله لإتمام الفائد.
أولا: تلخيص لسيرته, ويليها ماجمعه الإخوة من أقواله رحمه الله.
اسمه ونسبه:
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي أبو عبد الله الشافعي المكي نزيل مصر, نسيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وابن عمه ، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب .[تهذيب التهذيب], [سير أعلام النبلاء: 5 ]
مولده :
قال الذهبي: (اتفق على مولده بغزة) [سير أعلام النبلاء: 6]
قال بن أبي حاتم ثنا أبي سمعت عمرو بن سواد يقول :(قال لي الشافعي ولدت بعسقلان).[تهذيب التهذيب],[سير أعلام النبلاء:10 ]
قال ابن عبد الحكم : قال لي الشافعي : (ولدت بغزة سنة خمسين ومائة ) [سير أعلام النبلاء:10 ]
نشأته وطلبه للعلم:
مات أبوه إدريس شابا ، فنشأ محمد يتيما في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة ، وأقبل على الرمي ، حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم . ثم حبب إليه الفقه ، فساد أهل زمانه .
وأخذ العلم ببلده عن عدد من الأئمة, وارتحل - وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة - إلى المدينة
وصنف التصانيف ، ودون العلم ، ورد على الأئمة متبعا الأثر ، وصنف في أصول الفقه وفروعه ، وبعد صيته ، وتكاثر عليه الطلبة . [سير أعلام النبلاء: 6 - 7 ], [تهذيب التهذيب]
قال الحميدي : (سمعت الشافعي يقول : كنت يتيما في حجر أمي ، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم ، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب ، وأخفف عنه) .
وعن الشافعي قال : (كنت أكتب في الأكتاف والعظام ، وكنت أذهب إلى الديوان ، فأستوهب الظهور ، فأكتب فيها) .
قال عمرو بن سواد : قال لي الشافعي : (كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم ، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة ، وسكت عن العلم ، فقلت : أنت والله في العلم أكبر منك في الرمي ).
قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع : (حدثنا المزني ، سمع الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين ، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر) .
قال الذهبي : (الأقطع مجهول) .
وعن الشافعي قال : ( أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة - كذا قال ، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة - قال : فأتيت ابن عم لي والي المدينة ، فكلم مالكا ، فقال : اطلب من يقرأ لك . قلت : أنا أقرأ ، فقرأت عليه ، فكان ربما قال لي لشيء قد مر : أعده ، فأعيده حفظا ، فكأنه أعجبه ، ثم سألته عن مسألة ، فأجابني ، ثم أخرى ، فقال : أنت تحب أن تكون قاضيا) .
ويروى عن الشافعي : (أقمت في بطون العرب عشرين سنة ، آخذ أشعارها ولغاتها ، وحفظت القرآن ، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ، ما خلا حرفين ، أحدهما : دساها ).
قال الذهبي : (إسنادها فيه مجهول) .
الأصم وابن أبي حاتم : حدثنا الربيع : (سمعت الشافعي يقول : قدمت على مالك ، وقد حفظت " الموطأ " ظاهرا ، فقلت : أريد سماعه ، قال : اطلب من يقرأ لك . فقلت : لا عليك أن تسمع قراءتي ، فإن سهل عليك قرأت لنفسي) .
أحمد بن الحسن الحماني : حدثنا أبو عبيد ، قال : (رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن ، وقد دفع إليه خمسين دينارا ، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما ، وقال : إن اشتهيت العلم ، فالزم . قال أبو عبيد : فسمعت الشافعي يقول : كتبت عن محمد وقر بعير ، ولما أعطاه محمد ، قال له : لا تحتشم . قال : لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت برك) .
ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان : (سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي) .
قال أحمد بن أبي سريج : سمعت الشافعي يقول : (قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا ، ثم تدبرتها ، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا - يعني : رد عليه) .
قال هارون بن سعيد : قال لي الشافعي : (أخذت اللبان سنة للحفظ ، فأعقبني صب الدم سنة) .[سير أعلام النبلاء: 11 - 15 ], [تهذيب التهذيب]
شيوخه:
مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وعمه محمد بن علي بن شافع ، فهو ابن عم العباس جد الشافعي ، وسفيان بن عيينة ، وفضيل بن عياض ، ومالك بن أنس وإبراهيم بن سعد , والداروردي وعبد الوهاب الثقفي وابن عليه, وأبي ضمرة وحاتم بن إسماعيل وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن خالد الجندي وجماعة. [سير أعلام النبلاء:6 ], [تهذيب التهذيب]
تلاميذه:
أبو عبيد القاسم بن سلام ، وأحمد بن حنبل ، وسليمان بن داود الهاشمي ، وأبو يعقوب يوسف البويطي ، وحرملة بن يحيى ،وأحمد بن سعيد الهمداني ، وإسحاق بن راهويه ،
وعلي بن سلمة اللبقي ، وعمرو بن سواد ، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني ، ويونس بن عبد الأعلى ، والربيع بن سليمان المرادي ، والربيع بن سليمان الجيزي ، وأبو إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزني , وأبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار وآخرون . [سير أعلام النبلاء: 7 - 8 ], [تهذيب التهذيب]
ثناء الأئمة عليه:
حدثنا الربيع ، سمعت الحميدي ، سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي : (أفت يا أبا عبد الله ، فقد والله آن لك أن تفتي - وهو ابن خمس عشرة سنة . وقد رواها محمد بن بشر الزنبري ، وأبو نعيم الإسترآباذي ، عن الربيع ، عن الحميدي قال : قال الزنجي . وهذا أشبه ، فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم ، وما رأينا له في " مسنده " عنه رواية).[سير أعلام النبلاء: 15 - 16 ],[تهذيب التهذيب]
قال أبو سعيد الفريابي: (قال أحمد بن حنبل أن الله يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى آله عليه وسلم الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائه عمر بن عبد العزيز وفي رأس المئتين الشافعي). [تهذيب التهذيب], [سير أعلام النبلاء:47 ]
وقال الفضل بن زياد (سمعت أحمد بن حنبل يقول هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي وما بت منذ ثلاثين سنة الا وأنا أدعو الله للشافعي واستغفر له). [تهذيب التهذيب], [سير أعلام النبلاء:44 ]
قال دعلج بن أحمد سمعت جعفر بن أحمد الشاماتي يقول سمعت جعفر بن أخي أبي ثور سمعت عمي يقول (كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ومجمع قبول الأخبار فيه وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ فوضع له كتاب الرسالة فكان عبد الرحمن يقول ما أصلي صلاة الا وإني أدعو للشافعي فيها). [تهذيب التهذيب], [سير أعلام النبلاء:44 ]
وقال الزبير بن عبد الواحد ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو ثور قال: (من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته وثباته وتمكنه ومعرفته فقد كذب كان منقطع القرين في حياته فلما مضى لسبيله لم يعتض منه). [تهذيب التهذيب]
وقال زكريا الساجي :(سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول ما رأيت أحدا الا وكتبه أكثر من مشاهدته الا الشافعي فإن لسانه كان أكثر من كتابه). [تهذيب التهذيب]
وقال أحمد بن علي الجرجاني: ( كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي قال حدثنا سيد الفقهاء الإمام الشافعي) .[تهذيب التهذيب]
عن أبو ثور الكلبي : (ما رأيت مثل الشافعي ، ولا رأى هو مثل نفسه) . [سير أعلام النبلاء: 46 ]
وقال أيوب بن سويد : (ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي) . [سير أعلام النبلاء: 46 ], [تهذيب التهذيب]
قال المبرد : (كان الشافعي من أشعر الناس وأعلمهم بالقراءات) . [تهذيب التهذيب]
وقال الحسين الكرابيسي: ( ما كنا ندري ما الكتاب والسنة نحن والاولون حتى سمعنا من الشافعي). [تهذيب التهذيب]
وقال سئل أبو موسى الضرير عن كتب الشافعي كيف سارت في الناس: ( فقال أرد الله بعلمه فرفعه الله) . [تهذيب التهذيب]
قال وسئل إسحاق بن راهويه: ( كيف وضع الشافعي هذه الكتب وكان عمره يسيرا فقال جمع الله تعالى له عقله لقلة عمره) . [تهذيب التهذيب]
وقال الجاحظ : (نظرت في كتب الشافعي فإذا هو در منظوم لم أر أحسن تأليفا منه) . [تهذيب التهذيب]
وقال هلال بن العلاء: ( لقد من الله على الناس بأربع بالشافعي فقه الناس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) . [تهذيب التهذيب]
وقال أحمد بن سيار المروزي: ( لولا الشافعي لدرس الإسلام) . [تهذيب التهذيب]
وقال على بن المديني لابنه: ( لا تدع للشافعي حرفا الا كتبته فإن فيه معرفة) . [تهذيب التهذيب]
وعن يحيى بن سعيد القطان قال : (ما رأيت أعقل ولا أفقه من الشافعي وأنا أدعو الله له أخصه به وحده في كل صلاة) . [تهذيب التهذيب], [سير أعلام النبلاء: 20 ]
عن الحسن بن سفيان : (حدثنا أبو ثور ، سمعت الشافعي - وكان من معادن الفقه ، ونقاد المعاني ، وجهابذة الألفاظ) . [سير أعلام النبلاء:52]
قال معمر بن شبيب : سمعت المأمون يقول : (قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء ، فوجدته كاملا) . [سير أعلام النبلاء: 17 ]
قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي : سمعت أبي وعمي يقولان : (كان سفيان ابن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا ، التفت إلى الشافعي ، فيقول : سلوا هذا) . [سير أعلام النبلاء: 17 ]
وقال تميم بن عبد الله : سمعت سويد بن سعيد يقول : (كنت عند سفيان ، فجاء الشافعي ، فسلم ، وجلس ، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا ، فغشي على الشافعي ، فقيل : يا أبا محمد ، مات محمد بن إدريس فقال ابن عيينة : إن كان مات ، فقد مات أفضل أهل زمانه) . [سير أعلام النبلاء: 17 – 18 ]
عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت محمد بن داود يقول : (لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء ، ولا نسب إليه ، ولا عرف به ، مع بغضه لأهل الكلام والبدع) . [سير أعلام النبلاء: 26 ]
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، قال : (كان الشافعي ، إذا ثبت عنده الخبر ، قلده ، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام ، إنما همته الفقه) . [سير أعلام النبلاء: 26 ]
الفضل بن زياد : سمعت أحمد يقول : (ما أحد مس محبرة ولا قلما ، إلا وللشافعي في عنقه منة) . .[سير أعلام النبلاء: 47 ]
وقال الربيع بن سليمان : (كان الشافعي - والله - لسانه أكبر من كتبه ، لو رأيتموه لقلتم : إن هذه ليست كتبه) . .[سير أعلام النبلاء: 48 ]
قال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ : (سألت أبا قدامة السرخسي عن الشافعي ، وأحمد ، وأبي عبيد ، وابن راهويه ، فقال : الشافعي أفقههم) . [سير أعلام النبلاء: 54]
قال يحيى بن منصور القاضي : (سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول - وقلت له : هل تعرف سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه ؟ قال : لا ). [سير أعلام النبلاء: 54]
قال محمد بن مسلم بن وارة : قلت لأحمد : (ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه ، رأي مالك ، أو الثوري ، أو الأوزاعي ؟ فقال لي قولا أجلهم أن أذكره ، وقال : عليك بالشافعي ، فإنه أكثرهم صوابا وأتبعهم للآثار) . [سير أعلام النبلاء: 55 ]
يتبع