كيف تفوز بليلة القدر




أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإن سألتم عباد الله كيف أكون من أهلها وكيف أنال شرفها وكيف أسمو بنفسي؟
الجواب بحول الملك الوهاب:
إذا أردتم أن تفوزوا بتلك الليلة فعليكم بذلك البرنامج العملي

أولا: استحضار النية.
أن يجمع المسلم نيته وأن يصدق في سررته و أن يرى الله تعالى من قلبه صدق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإن لكل امرئ ما نوى».

وكان ابن المبارك يقول: "ربَّ عمل صغير تعظمه النية، وربَّ عمل كبير تصغره النية".

فمهما كان عملك كبيرًا، إذا لم تصلِّح نيتك فيه فلن ينفعك .. ومن الممكن أن يكون العمل صغيرًا، ولكن بالنية الخالصة يصير عظيمًا جدًا.

ثانيًا: الإلحاح على الله تعالى أن يمنحك فضلها وأن يمن عليك بذخرها وأجرها فهو سبحانه يحب الملحين في الدعاء، قال ابن القيم رحمه الله: "إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه".

وقال ابن عطاء: " تحقق بأوصافك يمُدَّك بأوصافه، تحقَّق بذُلك يمُدُّك بعزِّه، تحقَّق بعجزِك يمدُّك بقدرته، تحقَّق بضعفك يمدُّك بقوته".
يا من أجـاب دعـاء نـوحٍ فـانتـصر *** وحَملْته في فُلككَ المشحـونِ
يا من أحال النَّــار حـول خلـيـلــه *** رَوحًــا وريحـانًـا بقـولك كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ يونس *** وحـمـيـتـه بـشـجيـرة اليقطينِ
يـا ربُ إنَّــا مـثلــه فــي كُــربــــةٍ *** فارحـم عبـادًا كـلـهـم ذو النون

ثالثًا: تبتل إليه في تلك الليالي.
والتبتل: أي الانقطاع لله تعالى، وهو من أشرف العبادات التي تتقرب إلى الله بها في هذا الوقت، قال تعالى: {وَاذكرِ اسمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّل إِلَيهِ تَبتِيلًا * رَبّ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هوَ فَاتَّخِذه وَكِيلًا} [المزمل:8،9] .. ففرِّغ قلبك له وحده سبحانه.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: أكثِرْ من ذِكره، وانقطع إليه، وتفرَّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور دنياك؛ كما قال -تعالى-: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7]؛ أي: إذا فرغت من أشغالك، فانصَبْ في طاعته وعبادته؛ لتكون فارغ البال..، وقال ابن عباس: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]؛ أي: أخلِصْ له العبادة..، وقال الحسن: اجتهد وبَتِّل إليه نفسك"[1].

وقال ابن سعدي - رحمه الله -: "أي: انقطع إلى الله تعالى؛ فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرِّب إليه ويُدْنِي من رضاه".

الزم مصلاك وابتهل إلى مولاك:
يــا مَـنْ له عنت الوجوه بأسرها *** ولـه جـمـيع الكـــائنــات توحـد
يا منتهى سـؤلي وغايـة مطلبي *** من لي إذا أنا عن جنابـك أطرد
أنت المؤمل في الشدائد كــلهـا *** يا سيدي ولك البقـاء الـســرمـدُ
ولك التصرفُ في الخلائق كلها *** فلذاك تهـدي من تشاء وتُســعـدُ

رابعًا: اصبر واصطبر
{رَبّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهمَا فَاعبده وَاصطَبِر لِعِبَادَتِهِ هَل تَعلَم لَه سَمِيًّا} [مريم: 65]

إنما الظفر بالمطلوب صبرك ساعة وما الليالي العشر إلا سويعات وما الليالي الوترية إلا لحظات وما ليلة السابع والعشرون إلا ومضات فاصبر وصابر.

قال بعض السلف: « من أراد أن تواتيه نفسه على الخير عفوًا فسينتظر طويلًا، بل لابد من حمل النفس على الخير قهرًا ».

خامسًا: هذا زمان السباق، فلا ترضَ بالخسارة والدون، بل ادخل السباق بنفسية المتحدي، وهذا هو السباق الحقيقي وليس بكثرة النقود والنفوذ، فارفع شعار أبي مسلم الخولاني الذي قال: " أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالًا ".

قال وهيب بن الورد: "إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل".
وقال بعض السلف: "ما بلغني عن أحد من النَّاس أنَّه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه".
وقال أحدهم: "لو أنَّ رجلًا سمع برجل هو أطوع لله منه، فمات ذلك الرجل غمَّا ما كان ذلك بكثير".

استعن بالله وسلّه أن يمدّك بالقوة على العمل الصالح .. فإنك لن تستطيع أن تعمل سوى بحول الله وقوته، فأكثِّر من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وطلب العون من الله عز وجل.

سادسًا: تعاهد عملك بالإصلاح واحذر العجب، فاجمع بين الكم والكيف .. قال النبي لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنَّ لك من الأجر على قدر نَصَبك" [ رواه الحاكم وصححه الألباني].

فعلى قدر التعب والمشقة، يكون الأجر من الله تعالى.
يـا مـن يعـانــق دنــيــا لا بـقـاء لهـا *** يمسـي ويصبـح مغــرورًا وغرارًا
هــلا تـركــت مـن الـدنيا مـعانقـــة *** حتى تعانق في الفردوس إبكـارًا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنهـا *** فينـبـغـي لك أن لا تـأمــن النـــارا

قال أحد الصالحين: « أيُّها الناس ألا إنما الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة، إن النفس طماعة فعودوها القناعة، إن الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا كست أوكست، وإذا أينعت نعت، وإذا جلت أوجلت، وكم من فتىً مدت له رباعها، فلما مدت له بَاَعَها باعها، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات، ولا يبقى غير وجه ربك ذو الجلال والإكرام).

قال الفاروق - رضي الله عنه -: " طلب الراحة للرجال غفلة ".

وقيل لابن الجوزي: هل يسوغ لي أن ألهو وأرفه عن نفسي بشيءٍ من المباحات؟ قال: عند نفسك من الواجبات ما يشغلها.

قيل لأبي موسى الأشعري - وهو من الصحابة رضوان الله عليهم - وقد كان يكثر من العبادة حتى أصبح - كما قالوا - كعود الخِلال يعني من شدة نحوله، فقيل له: لو أجممت نفسك! فقال: هيهات! إنما يسبق الخيل المضمرة؛ يعني النحيفة هي التي تسبق خفيفة يمكن أن تنطلق إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.

وقال وهيب بن الورد: "لا يكون همّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همّه في إحكامه وتحسينه فإنَّ العبد قد يصلِّي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه. فاجمع بين الأمرين تنال قصب السبق".

سابعًا: احذر العجب ولا تخبر أحدا بعملك ولا بما رأيت.
قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: " لأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحُ نَادِمًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا وَأُصْبِحُ مُعْجَبًا".

لا ترض عن نفسك ولا عن عملك .. فأصل الخطايا الرضا عن النفس .. فلا تركن إلى عمل، بل انظر إلى وجه القصور فيه، واستغفر الله على نقصانه ليكون على مظنة القبول.. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يؤتونَ مَا آَتَوا وَقلوبهم وَجِلَةٌ أَنَّهم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعونَ} [المؤمنون:60].

قال الشافعي: إذا خفت على عملك العُجب فاذكر رضا من تطلب وفي أي نعيم ترغب ومن أي عقاب ترهب فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله.

و قال إسحاق بن خالد: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم: ليت شعري بماذا يختم لي؟ عندها ييأس إبليس ويقول: متى يُعجب هذا بعمله؟!

ربّ طاعة أورثت عزًا واستكبارًا، وربّ معصية أورثت ذلًا واستغفارًا.

ثامنًا: عليك بالدعاء فخير عمل يقوم به العمل في ليلة القدر فهو خير من الصلاة وقراءة القران عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا نبي الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
منقول