لماذا نقرأ التاريخ
هاني مراد
التاريخ ثروة فكرية لا تفنى، وكنوز علمية لا تنفد، تمنحنا الأصالة وعز الإيمان وشرف الانتماء.
ونحن نعلم أن المجد لا يعود بالأحاديث والخطب، ونعلم أن السجين المصفّد بالأغلال لا يطلقه تذكر الحرية والتغني بلذاتها، وأن الجائع لا يشبعه تذكر موائد الماضي واستعراض ألوانها، وأن الفقير لا يغنيه تذكر زمن غناه والزهو بما ضاع فيه، وأن الذلة لا تُدفَع عن الذليل بنظم قصائد الفخر بعزة أجداده.
ولكننا نعلم أيضاً أن السجين الذي ينسى أيام الحرية، يستريح إلى القيد ولا يجد حافزاً إلى الانطلاق، وأن الفقير الذي ينسى زمن الغنى، يطمئن إلى الفقر ولا يجد دافعاً إلى الاستغناء، وأن الذليل الذي ينسى عزة أبيه، يألف الذل ولا يجد قوة على دفعه.
وإن نسينا أننا أبناء سادة الأرض وأساتذة الدنيا، لم يحرك أعصابنا شيء إلى استعادة هذا المجد، فلنأخذ من الماضي بقدْر، نأخذ منه ما يدفع ويرفع وينفع، وندع منه ما يثبط ويُقعد وينيم.
إننا لا نريد العودة إلى الزمن الماضي، فالزمن يسير أبداً، لا يقف ولا يعود. لكننا نريد العودة إلى المُثُل العلياء التي لا تفقد قيمتها بمرور الزمن.