درر الفــوائــد من اللقاءات الرمـضـــانـيــ ة للعــلامــــة ابــن عـثـيمـيـن رحمه الله

وائل رمضان




الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-، كان له لقاءات مباركة في شهر رمضان، بعد صلاة التراويح في جامعه بمدينة عنيزة، يتكلَّم الشيخ في بداية اللقاء عن فضائل شهر رمضان المبارك، وجملة من الأحكام التي تختصُّ بالصيام والقيام والزكاة، ثم تُعْرَض عليه الأسئلةُ فيجيب عنها، وقد طُبِعت أسئلة وأحاديث تلك اللقاءات في كتاب بعنوان (اللقاءات الرمضانية)، وهذه بعض المباحثَ منها نسأل الله الكريم أن ينفعَ بها.

أسباب فرح المسلم بشهر رمضان

قال الشيخ -رحمه الله-: الواقع أن المسلمين يفرحون برمضان على وجهين:

- الوجه الأول: مَن يفرَح برمضان؛ لأنه يَنْشَطُ في رمضان على العبادة، ويُكثِرُ من العبادة، وهذا لا شكَّ هو الأصل، وهو المقصود، وهو الطيِّب.


- الوجه الثاني: من يفرح برمضان؛ لكثرة خيراته، وكثرة نِعَم الله -عز وجل-، وعفوه عن عباده، ولِما فيه من الأسباب الكثيرة التي يَغفِر الله بها للإنسان كالصيام مثلًا.والذي ينبغي للإنسان أن يفرح برمضان للأمرين معًا؛ فيفرَح لأنه ينشَط على العبادة، ويُكثِر منها، ويتعبَّد الله -عز وجل- بقدر ما يستطيع، ويفرح به أيضًا لِما فيه الخيرات والبركات، ونِعَم الله -عز وجل-؛ فإن فيه ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.

رمضان مدرسة للنفس

قال الشيخ -رحمه الله-: الإنسان إذا ربَّى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المحرَّمات، فسوف تتربَّى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس، تتمرَّن فيه على ترك المحبوب بمحبَّة الله -عز وجل-؛ أي: لأن الله يحِبُّ ذلك، فإذا مرَّن الإنسان نفسَه في هذا الشهر كاملًا على ترك المألوف والمحبوب لنفسه، تبعًا لرضا الله -عز وجل- ومحبَّته، فإن النفس سوف تتربَّى، وسوف تتغيَّر، وسوف يكون رمضانُ بمنزلة النار لصَهْر الحديد والذهب والفضَّة، حتى يخرج خالصًا نقِيًّا من الشوائب.

وقال -رحمه الله-: ينبغي للإنسان أن يَنتبهَ إلى أن مواسمَ الخيرات أوقاتُ رِبْحٍ للإنسان الموفَّق، فهو ينتهزها بالعمل الصالح المقرِّب إلى الله -عز وجل-، ولا سيما في رمضان، فيتمرَّن في هذا الشهر على العبادة، وعلى مكارم الأخلاق، والإقبال على الله، وما هي إلا أيام وليالٍ معدودة، ثم تنتهي وتزول.

بركات شهر رمضان السابقة واللاحقة

قال الشيخ -رحمه الله-: في شهر رمضان الكثير من البركات، وبركات هذا الشهر الكريم منها ما هو سابق، ومنها ما هو لاحق، ولنستعرض البركات التي جاءت في هذا الشهر اللاحقة والسابقة:

بركات شهر رمضان السابقة

من بركات شهر رمضان السابقة ما يلي:

أولًا: نُزولُ القرآن الكريم

قال الله -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة:185)، هذا القرآن العظيم المجيد الذي قال الله فيه: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيم} (الحجر: 87)، فكل مَن جاهَد بهذا القرآن، وتمسَّك به، فإنه غالبٌ لا مغلوب، والعاقبة له بكل حالٍ؛ فسلفنا الصالح الذين تمسَّكوا بهذا الكتاب، وطبَّقوه تطبيقًا حقيقيًّا، سادوا به العالم، وفتحوا الممالك وكسروا قيصر، وأنفقوا أموالهم من الذهب الأحمر، والفضة البيضاء في سبيل الله -عز وجل-، فالقرآن الكريم نزل تبيانًا لكلِّ شيءٍ، وهو حبل الله المتين، مَن تمسَّك به نجا، ومن أطلقه هلك.

ثانيًا: نصر المسلمين في غزوة بدر

نصر المسلمين في غزوة بدر، ونصر موسى على فرعون، هو انتصار للمؤمنين في أي زمان ومكان.

ثالثًا: فتح مكة

فتحُ مكة كان نعمةً من الله -عز وجل- على هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، وكانت مكة بلادَ كُفْرٍ، وظهرت فيها عبادةُ الأوثان، والإشراك بالرحمن.

بركات شهر رمضان اللاحقة

ومن بركات شهر رمضان اللاحقة ما يلي:

أولاً: ليلة القدر

ليلة القدر فيها خيرٌ وبركة سابقًا ولاحقًا، منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم؛ قال -تعالى-: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 3)، وقال -عز وجل-: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} (القدر: 4)؛ تَنَزَّلُ؛ أي: تتنَزَّلُ من السماء بأمر الله -عز وجل-، والرُّوح: هو جبريل... والموطن الذي تتنزل فيه الملائكة وتحلُّ فيه، موطنُ خيرٍ وبركة، كما أن الحال الذي يكون فيه ما يمنع دخول الملائكة يكون ناقصَ البركة، فكلُّ بيتٍ فيه صورة لا تدخُله الملائكة بأمر الله -عز وجل-، وإذا لم تدخله الملائكة، نقَصت بركتُه.

ثانيًا: تُصفَّدُ فيه الشياطين

تُصَفَّدُ فيه الشياطين: أي: تُغَلُّ، فالشياطين هم أعدى عدوٍّ للإنسان: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} (فاطر: 6).

ثالثًا: فتح أبواب الجنة

في شهر رمضان تُفتَح أبوابُ الجنة، وتُغلَّق فيه أبوابُ النار، ويُقال: «يا باغيَ الخيرِ أَقْبِلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقْصِرْ»، وهذا من الترغيب في الخير، فالمؤمن إذا علِم أن أبواب الجنة تُفتَحُ ازداد رغبةً في الأعمال التي تُدخِله في هذه الأبواب، وأبواب الجنة ثمانية، لكل نوع من أنواع الطاعة بابٌ، فللصلاة باب، وللصيام باب، وللصَّدَقة باب، وللجهاد باب، ولكل نوع من أنواع الخيرات التي يعلمها الله -عز وجل- باب، ومن البركات في هذا الشهر أن الله -تعالى- يُزيِّنُ جنَّته كلَّ ليلة لمن أراد أن يدخلها، وذلك بالقيام بطاعة الله، ومن أسباب ذلك، صيام رمضان؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه».

من حِكَمِ الصيام

قال الشيخ -رحمه الله-: الله لم يُشرَعِ الصيام إلا لحِكَمٍ عظيمة، أهمُّها وأجلُّها وأعظمُها:

التقوى

تقوى الله -عز وجل-؛ لقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، هذه هي الحكمة من أجل تقوى الله -عز وجل-، حتى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للصائم: «إذا سابَّه أحدٌ أو شاتمه فليقُلْ: إنِّي صائمٌ»، أي: لا يسبُّه ويرُدُّ عليه بالمثْل، وليَقُل: إني امرؤ صائم، والصائم لا يسبُّ ولا يشتُمُ ولا يَصخَبُ، بل عنده الطمأنينة والوقار والسكينة، وتجنُّب المحرمات والأقوال البذيئة؛ لأن الصوم جُنَّة يتَّقي به الإنسانُ محارمَ الله، ويتقي به النارَ يوم القيامة، وهذه أعظمُ حِكَم.

كسر حِدَّة النفس

ومن حِكَمِ الصيام: كسر حِدَّة النفس؛ لأن النفس إذا كمَل لها نعيمُها من أكل وشرب ونكاح، حملها ذلك على الأشَر والبَطَر ونسيان الآخر، وأصبح الإنسان كالبهيمة، ليس له همٌّ إلا بطنه وفرْجه، فإذا كبَح جماحَ نفسه، وعوَّدها على تَحمُّل المشاقِّ، وتحمُّل الجوع، وتحمُّل الظمأ، وتحمُّل اجتناب النكاح، صار في هذا تربية عظيمة لها.

تذكر نعمة الله عليه

ومن حِكَمِ الصيام أنَّ الإنسان يذكرُ به نعمة الله -عز وجل- بتيسير الأكل والشرب والنكاح؛ لأن الإنسان لا يعرف الشيء إلا بضدِّه، كما قيل: «وبضدِّها تتبيَّن الأشياء»، ومن حكمة الله -عز وجل- في إيجاب الصيام أن يذكر إخوةً له مُصابين بالجوع والعطش وفَقْد النكاح، فيرحمهم ويَحنو عليهم، ويُعطيهم مما أعطاه الله -عز وجل-، ولهذا كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

تعويد الإنسان على تحمُّل المشقَّات

ومن حِكَمِ الصيام: تعويد الإنسان على تحمُّل المشقَّات والتعب؛ لأن التَّرَف والنعيم وتيسُّر الأكل والشرب، لن يدوم؛ فيُعوِّد الإنسانُ نفسَه على تحمُّل المشاقِّ.