أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الموهوبين
*عبد السلام الخلقي*
خلق الله الانسان وكرمه علي سائر المخلوقات وميزه بقدراتٍ ذهنيةٍ وعقليةٍ كبيرةٍ ليتمكن من خلالها من القيام بمهمته في عمارة الأرض التي جعله الله خليفةً فيها.

وتتفاوت المواهب والقدرات من شخص لآخر فقد يكون هذا أعلم من هذا في الطب و هذا أعلم من هذا في الكهرباء وذلك اعلم منهما في الزراعة وهكذا , يقول تعالى : (وفوق كل ذي علم عليم) يوسف: ٧٦.
لولا اختلاف المواهب والقدرات لدى المخلوق البشري لما استطاع البقاء على هذا الكوكب ساعة من زمن ,لذلك يعيش الناس جميعا على هذا الأرض كلٌ يخدم الآخر من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر, وكما قال الشاعر:
الناس لناس من بدو وحاضرةٍ *** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدموا
وكما ان هناك تفاوت بين الناس في الرزق المادي والعلم بينه الله تعالى في قوله : ( أ
هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ , نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَابَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّاۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
) الزخرف: ٣٢
فهناك تفاوت في المواهب والقدرات والوظائف و هناك أشخاص موهوبون لديهم قدرات قد لا تجدها عند غيرهم وهؤلاء هم مدار حديثنا.
فرسولنا صلى الله عليه وسلم كان أحكم الناس وأعقلهم ,وأحلمهم وأفطنهم, وأكيسهم , وسنكون مع أساليبه عليه الصلاة والسلام مع التعامل مع هؤلاء الموهوبين والتي تتمثل في التالي :
أولاً: أدراك النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس متفاوتون في القدرات والمواهب الناس :

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ . [1]
من خلال الحديث السابق يتضح لنا أن خارطة القدرات والمواهب للصحابة الكرام واضحة لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم .


ثانياً: كان عليه الصلاة والسلام يتفرس في الناس ويعرف كل منهم حتى لو كان الموهوب مشركاً فإنه يتمنى إسلامه :

روى ابن حبان في صحيحه عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ : بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ ، أَوْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ .[2]

وهناك مثال آخر يوضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لديه معرفة بالقدرات والمواهب لأخاص لم يلتق بهم من قبل : فهذا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه يقول : فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ مَعَ الْعَبَّاسِ ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِمَا ، وَجَلَسْنَا إِلَيْهِمَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يَا عَبَّاسُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هَذَانِ الرَّجُلَانِ مِنَ الْخَزْرَجِ - وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ إِنَّمَا تُدْعَى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا - هَذَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ ، وَهَذَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فَوَ اللهِ مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّاعِرُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . [3]

يظهر جلياً من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لديه معلومات كافية عن قدرات ومواهب كعب بن مالك من قبل أن يراه , لذلك استطاع عليه الصلاة والسلام أن يوظف قدرات هذا الشاعر لخدمة الإسلام وسلوكياته بعد أن كانت مسخرة لعداوة الإسلام وقيمه .

ثالثاً: تنميه موهبه الموهوب ووضعه في المكان المناسب :

فهذا أبو محذورة الجمحي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي قصته فيقول :خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين، فأذنوا وقمنا نؤذن مستهزئين بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إيتوني بهؤلاء الفتيان))، فقال: ((أذنوا))، فأذنوا وكنت أحدُّهم صوتاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم هذا الذي سمعت صوته، اذهب فأذن لأهل مكة))[4] ،ومسح النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده قال: فامتلأ قلبي والله إيماناً ويقيناً وعلمت أنه رسول الله.
فألقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة، وهو ابن ست عشرة سنة، فكان مؤذنهم حتى مات، ثم كان عقبه بعد يتوارثون الأذان كابرا عن كابر وفي رواية: فكان أبو محذورة لا يجزُّ ناصيته، ولا يفرقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليه.[5]
قال الزبير: كان أبو محذورة أحسن الناس أذاناً، وأنداهم صوتاً، وقال بعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة:
أما ورب الكعبة المستورة وما تلا محمد من سورة
والنغمات من أبي محذورة لأفعلـن فعلة مذكورة


رابعا: عقد الدورات التعليمية والعملية التخصصية :

فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلف زيد بن ثابت رضي الله عنه بدراسة اللغة العبرية واللغة السريانية .
قالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : ، قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّ ةَ؟ إِنَّهَا تَأْتِينِي كُتُبٌ . قَالَ : قُلْتُ : لَا . قَالَ : فَتَعَلَّمْهَا . فَتَعَلَّمْتُهَ ا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا . [6]

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ ، قَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ . قَالَ: فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ ، قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ . [7]




[1] رواه ابن ماجه [1/107] .

[2] صحيح ابن حبان [15/305]

[3] رواه ابن حبان في صحيحه (15/471) برقم (7011) .

[4] رواه البيهقي برقم (1715(

[5] رواه أبو داود برقم (501)، وصححه الألباني.

[6] رواه أحمد بن حنبل في مسنده ( 9 /5050) برقم 21988

[7] رواه الترمذي في جامعه ( 4 /439 )