[محمد بن جعفر والمنصور]

كان المنصور معجبا بمحادثة محمد بن جعفر بن عبد الله بن عباس، وكان الناس لعظم قدره يفزعون إليه في الشفاعات، فثقل ذلك على المنصور، فحجبه مدة، ثم لم يصبر عنه، فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك، فكلمه، وقال: اعف أمير المؤمنين لا تثقل عليه في الشفاعات، فقبل ذلك منه، فلما توجه إلى الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع، فسألوه إيصالها إلى المنصور، فقص عليهم القصة، فأبوا إلا أن يأخذها، فقال: أقذفوها في كمي، ثم دخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين، فقال له: أما ترى إلى حسنها يا أبا عبد الله؟ فقال له: يا أمير المؤمنين بارك الله لك فيما آتاك وهنأك بإتمام نعمتك عليك فيما أعطاك، فما بَنتِ العرب في دولة الإسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولا أحسن من مدينتك ولكن سمّجتها في عيني خصلة، قال: وما هي؟
قال: ليس لي فيها ضيعة، فتبسم، وقال: قد حسنتُها في عينك بثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله يا أمير المؤمنين شريف الموارد كريم المصادر، فجعل الله تعالى باقي عمرك أكثر من ماضيه، ثم أقام معه يومه ذلك، فلما نهض ليقوم بدتِ الرقاع من كمه، فجعل يردهن ويقول:ارجعن خائبات خاسرات.
فضحك المنصور وقال: بحقي عليك ألا أخبرتني وأعلمتني بخبر هذه الرقاع، فأعلمه، وقال ما أتيت يا ابن معلم الخير إلا كريما، وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
لسنا وإن أحسابنا كرمت … يوما على الأحساب نتّكل
نبني كما كانت أوائلنا … تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وتصفح الرقاع وقضى حوائجهم عن آخرها، قال محمد: فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت.