كرامة عظيمة أن يوفق العبد إلى الهداية والاستقامة
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالهداية والاستقامة على دين الله, من أعظم النعم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: غاية الكرامة لزوم الاستقامة.
فكرامة عظيمة أن يوفق الله عز وجل عبده ويعينه على طاعته, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لم يكرم الله عبداً بمثل أن يعينه على ما يحبه, ويرضاه, ويزيده مما يقربه إليه, ويرفع به درجته.
والإنسان المقصر في طاعة الله عز وجل _ وكلنا ذلك الرجل _ تحدثه نفسه في مواقف معينة بسلوك طريق الهداية, من تلك المواقف: أن تحدث له مصائب ونكبات, يتبين له فيها ضعفه وافتقاره إلى ربه ومولاه, ومنها: أن يوعظ ويذكر بالله عز وجل, وما أعده للطائعين من الثواب الكبير, وما أعده للعاصين من العذاب العظيم, ومنها: إقبال مواسم الخيرات والبركات, كشهر رمضان المبارك, وإنها لفرصة عظيمة أن يجاهد العبد هواه وشيطانه, فيجعل شهر رمضان بداية مرجلة جديدة في حياته, يلتزم فيها بسلوك طريق الهداية, والاستقامة على دين الله, يعينه بعد توفيق الله عز وجل له أمور, منها:
* أن يعلم أنه إذا سلك طريق الهداية والاستقامة, وترك وابتعد عن طرق الغواية, فإنه ينفع نفسه أولاً وآخراً, فالله سبحانه وتعالى غني عن عباده, فثمرة هدايته راجعة إليه, قال الله عز وجل: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء:15]
والإنسان لو قيل له: إنه إذا سلك طريقاً ما في حياته فسوف يعود سلوك هذا الطريق عليه بالنفع والفائدة سواء في تجارة, أو وظيفة, أو دراسة, أو غيرها, لبادر إليه, وسارع إليه, مع أن تلك الفائدة محدودة المدة في الحياة الدنيا, فمن الأولى أن يسارع إلى سلوك طريق يجد نفعه في الدنيا والآخرة.
* أن يقرأ في قصص التائبين ممن استقاموا على دين الله, والتزموا طريق الهداية, كيف كانت حياتهم قبل الهداية: ضيق في الصدر, وتعاسة وشقاء, وإحساس بالملل, رغم ما هم فيه من الثراء والمال, ثم كيف حالهم بعد الهداية والاستقامة, وما هي السعادة العظيمة التي شعروا بها بعد تركهم وابتعادهم عن طرق الغواية, وكيف بدأ الضيق والهم والشقاء يتناقص يوماً بعد يوم, وكيف غمرت قلوبهم السعادة يوما بعد يوم, حتى امتلأت صدروهم بنور الإيمان, وعرفوا الطريق إلى الله, وأدركوا أن السعادة الحقيقية والحياة الطيبة التي يطمئن فيها القلب, وينشرح فيها الصدر, وتهدأ فيها النفس, هي في طاعة الله, والاستقامة على دينه, قال الله عز وجل: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل:97] فالحياة السعيدة المطمئنة في الإيمان بالله, وعمل الصالحات.
* أن يدرك أن نعمة الله عز وجل عليه عظيمة يوم أن أدرك موسم الخيرات والبركات التي تفتح فيه أبواب الجنان, وتغلق فيه أبواب النيران, وتصفد فيه الشياطين, ليكون ذلك عوناً للعبد على سلوك طريق الهداية, والاستقامة على دين الله, وما يدري الإنسان فقد يكون هذا الشهر هو آخر شهر من رمضان يدركه في حياته, فليتدارك نفسه قبل حلول هادم اللذات, فالأموات يتمنون يوماً من رمضان, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: تالله لو قيل لأهل القبور تمنوا لتمنوا يوماً من رمضان.
وقال رحمه الله: إخواني: هذا شهر التيقظ, هذا أوان التحفظ, إخواني بين أيديكم سفر, والأعمار فيها قصر, وكلكم والله على خطر, كونوا على خوف من القدر, واعرفوا قدر من قدر, وتذكروا كيف عصيتم وستر,....إخواني: إلى كم توعظون ولا تتعظون, وتوقظون ولا تتيقظون, ويكفي في البيان رؤية الأقران يرحلون: {أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون} [الطور:15] أكلمتم بما لا تفهمون, ما لكم عن مآلكم معرضين, ما هذا الفتور وأنتم سالمون, ما هذا الرقاد وأنتم منتبهون...كم مؤمل إدراك شهر ما أدركه, فاجأه الموتُ بغتة فأهلكه, كم طامع أن يلقاه بين أترابه, ألقاه الموت في عقر ترابه, تيقظ أيها الغافل من سنة البطالة, اغتنم سلامتك في شهرك, قبل أن ترتهن في قبرك, قبل انقراض مدتك, وعدم عدتك, وظهور ندمك, فإن العمر ساعات تذهب وأوقات تنهب, وكلها معدود عليك, والموت يدنو كل لحظة إليك.
اللهم وفقنا إلى الهداية, وسلوك طريق الاستقامة, وثبتنا على ذلك إلى يوم نلقاك.