تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التوازن العلمي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي التوازن العلمي

    التوازن العلمي (1)






    نور الدين عيد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    - البناء العلمي في ظلمات الجهل والبدع:

    إن مما لا يختلف عليه اثنان: انتشار الجهل بيْن المسلمين، وهذا الجهل أحد أسباب تلاعب عدوهم بهم، وترديهم في مؤخر الصف، وباتوا يبصرون عالمًا متقدمًا في المادة فتفتح له أفواههم، وتفتن به قلوبهم، فيسحبون منهزمين لتقليدهم طواعية، وصدق فيهم ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَبَاعًا بِبَاعٍ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ دَخَلْتُمْ، وَحَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ ضَاجَعَ أُمَّهُ بِالطَّرِيقِ لَفَعَلْتُمْ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، فهذه ثمرة جهل أورث تقليدًا، فالجهل إما بشرع الله الذي هو مصدر عز أمتنا وقوتها، (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الأنبياء:10).

    العلم الفرض:

    عن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

    قال الإمام ابن عبد البرِّ: "قد أجمع العلماءُ على أنَّ من العلمِ ما هو فرضٌ متعيَّنٌ على كلِّ امرئٍ في خاصَّة نفسِه، ومنه ما هو فرضٌ على الكفايةِ إذا قام به قائمٌ سقط فرضُه عن أهلِ ذلك الموضعِ، واختلفوا في تلخيصِ ذلك" (جامع بيان العلم).

    ثم فصلها ابن قدامة في "منهاج القاصدين" في العقائد والأفعال والتروك، ومنها: ما لا يتم الواجب إلا به مِن علوم الطب، والهندسة والحساب، وما تستقيم به مصالح المسلمين، فهو يتلخص فيما هو متعين يأثم المرء بتركه (وهو الفعل الذي يتلبس به مِن كل عبادة يجب عليه تعلمها بالسؤال وغيره)، ومنها: ما هو كفائي: يجب على المجموع تعلمه؛ فإن قصر الكل أثموا؛ كل حسب درجة تقصيره.

    دمعة على التفشي:

    وإن مما ينبغي التحذير منه: هذا الجهل بأنواعه وثمراته المرة، خاصة ما يُترجم لعملٍ مستقرٍ ينسب بعد ذلك للشرع، ويتوارثه الناس دينًا مرضيًا! فهذا يبعد بالسحق، وينذر باللعن، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، وَيُرْفَعُ الْعِلْمُ)، فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "يُرْفَعُ الْعِلْمُ"، قَالَ عُمَرُ: "أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ يُنْزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ" (رواه أحمد بسندٍ صحيح).

    وعن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا) (متفق عليه)، فهذه آفات متشابكة ومتقاربة، وإن واقع المسلمين يثبت (وَيَثْبُتَ الجَهْلُ)، حتى إنك ترى زنادقة ينافحون عن نفاقهم على شاشات سوداء، وقاعات ظلماء، وصحف صفراء يبثون الجهل في عموم المسلمين حتى يبعدونهم، ثم يشينونهم بتخلفهم، فهذا دورهم الذي ارتضوه لأنفسهم! فما هو الدور الذي تقوم به في وسط الغم والظلام الحالك؟! أين وقتك المبذول لتعلم دينك؟! وجهادك الليالي في تحرير السُّنة مِن البدعة؟!

    أما المنهج العملي للتحصيل: ففي مقال يقرب -بإذن الله- الجليل، فوازن بيْن العلم والبلاغ، وقم بواجب الوقت، والله أسأل ألا يحرمنا شرف الدلالة عليه، والدعوة إليه.

    والحمد لله رب العالمين.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,475

    افتراضي رد: التوازن العلمي

    التوازن العلمي (2)



    نور الدين عيد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    - فالجانب العلمي أحد أعظم قوى البناء، ولا بناء بلا علم وعمل، قال -تعالى-: (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) (مريم:12)، وأصل العمل العلم، وإلا فهو سعي في ضلال؛ لذلك قال -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) (محمد:19)، وبوب البخاري في صحيحه: "باب العلم قبْل القول والعمل"، والبناة الحقيقيون في هذه الملة هم أهل السُّنة تفصيلًا، وهذا القيد بات مهمًا؛ لأن التفصيل كاشف للمنهج المعالِج لمظاهر الخلل والأدواء التي حلت بجسد أمتنا، أما الأطروحات العلاجية لكثيرٍ ممَن ينسب نفسه عنوة للسُّنة فلا تمثِّل إلا نماذج دخيلة، أقل وصفها الدخن، لذلك يشترط في البناة العلم التفصيلي، في مناهج الاستدلال، والمرجعية عند الخلاف والوفاق، واعتماد أصول يبنون عليها بقواعد راسخة في الجذور متشعبة لا تتزعزع، وهذا هو المنطلق الذي يحدث به التغيير الإيجابي المرجو، وتشرق به آفاق الأمل، وينتشر نوره.

    - إن العلم الذي أشرنا إلى حاجتنا إليه شرعي مِن حيث الدلالة عليه، فمنه ما يسمَّى به كالإيمان والفقه والإحسان، ومنه ما أمرنا بتحصيله شرعًا للنهوض بأمتنا؛ أفرادًا وجماعات، أما الأول العيني يستلزم الثاني وهو: بعث فصائل واسعة منه، تتفرغ لتحصيله وبثه وتحقيقه ورصده وصد الدخيل عنه، فخلاصته وجوبه، قال -سبحانه-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)، والعجب لا ينقضي مِن نداءات بعض الجماعات للتنفير عن هذا الأصل، تحت وهم دعاوى الأولويات، فما ورثوا إلا الجهل، وقاموا به ودعوا إليه، فصار التفريق بيْن الصحيح والباطل، والسُّنة والبدعة، والأولى والمفضول، لا أصل يفصل فيه عندهم إلا بطرق تبعدهم أكثر مما هم فيه، حتى إنك ترى تسلط الجهلة على قراراتٍ مصيرية في آلاف، وربما ملايين مِن المسلمين، فهؤلاء فسادهم راجح، وضلالاهم واضح، والتنفير عنهم راجح.

    - العلم الشرعي سمة ووصف لأهل الإيمان، وسلب لأهل النفاق والعصيان، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) (متفق عليه)، فيفهم مِن ذلك أن مَن لم يفقهه الله في الدين لم يرد الله -عز وجل- به خيرًا، قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (المنافقون:7)، فمِن خصال المنافقين عدم التفقه في دين الله -عز وجل-، وعدم العلم بدين الله -سبحانه-، وقال -تعالى-: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ) (التوبة:97).

    قال الأعمش عن إبراهيم قال: "جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند، فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجبني، وإن يدك لتريبني فقال زيد: ما يريبك من يدي؟ إنها الشمال. فقال الأعرابي: والله ما أدري: اليمين يقطعون أو الشمال؟ فقال زيد بن صوحان: صدق الله: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)، فألصق وصف الجهل بالكفر والنفاق، فما أصبر القلب القاسي على جهله! وما أحمق مَن سمع نعته وحكمه ولم ينزجر، فلا تكن عالة في زمن التقدم للباطل، وتأخر أهل الحق وضعفهم.

    والحمد لله رب العالمين.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •