أخطاء يقع فيها بعض الصائمين
يخطئ كثير من الصائمين في عدم التفقه في دين الله تعالى، بما فيه الصيام؛ فكثير منهم لا يعرف ما يفطر صومه، ولا ما يجرحه، ولا ما يفسده، وماذا يُسَنُّ للصائم، وماذا يجوز له، وماذا يجب عليه، وما يَحرُم عليه.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ". فكأن الذي لا يتفقه في الدين، ولا يسأل عن أمور دينه، ما أراد الله به خيرًا.
وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]. تصبح الأسواق في رمضان مليئةً بالمشترين، وكلهم يحمل من الأشربة والأطعمة، ما يكفي عشرات الأسر.
هناك أسر تموت جوعًا، ولا تجد فتات الخبز، تنام في العراء، تفترش الغبراء، وتلتحف السماء، وأسر هنا أصابتها التخمة من كثرة إسرافها وتبجحها!
من مقاصد الصيام استفراغُ المواد الفاسدة في المعدة بتقليل الطعام، وكيف يتم ذلك لمن أسرف في طعامه وشرابه، وبذَّر في مأكله؟!
وكثير من الصائمين قطعوا النهار في نوم؛ فكأنهم ما صاموا، منهم مَن لا يستيقظ إلا عند الصلاة ثم يعود إلى نومه، قطع نهاره بالغفلة، وأمضى ليله بالسهر.
فمـا أطـال النَّـوْمُ عُمْـرا *** وَمَا قَصَّرَ فِي الأَعْمَارِ طُولُ السَّهَر
الحكمة من الصيام أن يعيش الصائم لذة الجوع لمرضاة الله، وطعْم الظمأ في سبيل الله، والذي جعل النهار نومًا كله لا يجد ذلك.
ومِن الصائمين مَن يلعب ألعابًا أقلُّ أحكامها الكراهةُ؛ مثل لعب البلوت، والإسراف في لعب الكرة، وكذلك ألعابًا يزعمون أنها مسلية، تضيع الوقت، وتفني الساعات في غير منفعة. قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]. وقال تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام: 70].
ومِن الصائمين مَن يسهر الليل سهرًا ضائعًا، لا منفعةَ فيه، ولا أجر؛ فَهُمْ في لهْوٍ ولعب وشرود، بينما لا تجد في هذا السهر ركعتين في ظلام الليل.
ومِن أشنع أخطاء بعض الصائمين تخلفُهم عن صلاة الجماعة لأدنى سببٍ وأتفه عذرٍ، وهذا من علامات النفاق، ومن براهين مرض القلوب، وموت الأرواح، ومنهم مَن ليس بينه في رمضان وبين القرآن الكريم صلةٌ أو قربى، يقرأ كثيرًا لكن في غير القرآن الكريم، ويطالع كثيرًا ولكن في كتب غير كتاب الله عز وجل.
ومِن الصائمين مَن لا تجود نفسُه بصدقةٍ في هذا الشهر العظيم، ولا تشرف مائدتُه بتفطير بعض الصائمين؛ فبابه مغلق، وكفه بخيلة. قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96]. وقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّه} [المزمل: 20].
ومِن الصائمين مَن ترك صلاة التراويح، وتكاسل عنها، ولسان حاله يقول: تكفيني الفريضة. وهو لا يكتفي من الدنيا بالقليل، بل يحرص على الكماليات منها حرصه على الضروريات.
ومِن الصائمين مَن أتعب أهله بتكلف صنع كثير من الأطعمة والأشربة؛ حتى أشغلهم عن القرآن الكريم والسُّنَّة، وعن ذكر الله والعبادة، ولو اقتصر على الضروري؛ لوجد أهلُه وقتًا واسعًا للتزود من طاعة الله عز وجل. اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وسامحنا، واعف عنا.
ومن الأخطاء الإسرافُ في رمضان في موائد الإفطار والسحور؛ فيوضع من الطعام ما يكفي الفئام من الناس، ويكثر من الأنواع، ويفنن في عرض كل غالٍ ورخيص، من مطعم ومشرب، من حلوٍ وحامض، وحلو ومالح، ثم لا يؤكل منه إلا القليل، ويهدر باقيه مع الفضلات، ويرمى في النفايات، وهذا خلاف هدي الإسلام العظيم، قال سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. فكلُّ ما زاد على حاجة الإنسان واستهلاكه فهو إسراف مذموم، ولا يرضى به ربُّ الصائمين، ويندرج في قوله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26، 27].
ويقع بعض الصائمين في ذنوب عظيمة، تفسد عليهم صيامهم، وتضيع عليهم قيامهم؛ منها الغِيبة، ومنها النميمة، والفحش في القول، والاستهزاء واللعن، وغيرها من ذنوب اللسان.
يقول سبحانه لعباده: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. وأهل الذكر هم العلماء، فحقٌّ على المسلم الذي يريد أن يعبد الله على بصيرة أن يسأل عما يجهله من أمر دينه، ويبحث عن العلم، ويحرص على التفقه في الدين.