تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله





    كِتَابُ الصِّيَام([1])
    د.أحمد مصطفى متولى*
    (1)

    تعريفُ الصيام:

    الصيام في اللغة مصدر صام يصوم، ومعناه أمسك، ومنه قو
    له تعالى: {{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَن صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا *}} [مريم] فقوله: {{صَوْمًا}} أي: إمساكاً عن الكلام، بدليل قوله: {{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا}} أي: إذا رأيت أحداً فقولي: {{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَن صَوْمًا}} يعني إمساكاً عن الكلام {{فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}}.
    ومنه قولهم صامت عليه الأرض، إذا أمسكته وأخفته
    وأما في الشرع فهو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
    ويجب التفطن لإلحاق كلمة التعبد في التعريف؛ لأن كثيراً من الفقهاء لا يذكرونها بل يقولون: الإمساك عن المفطرات من كذا إلى كذا، وفي الصلاة يقولون هي: أقوال وأفعال معلومة، ولكن ينبغي أن نزيد كلم
    ة التعبد، حتى لا تكون مجرد حركات، أو مجرد إمساك، بل تكون عبادة
    حكمُ الصيام:
    وحكمه: الوجوب با
    لنص والإجماع.
    ومرتبته في الدين الإسلامي: أنه أحد أركانه، فهو ذو أهمية عظيمة في مرتبته في الدين الإسلامي.
    وقد فرض الله الصيام في السنة الثانية إجماعاً، فصام النبي صلّى الله عليه وسلّم تسع رمضانات إجماعاً، وفرض أولاً على التخيير بين الصيام والإطعام؛ والحكمة من فرضه على التخيير التدرج في التشريع؛ ليكون أسهل في القبول؛ كما في تحريم الخمر، ثم تعين الصيام وصارت الفدية على من لا يستطيع الصوم إطلاقاً.
    ثم اعلم أن حكمة الله ـ عزّ وجل ـ، أن الله نوع العبادات في التكليف؛ ليختبر المكلف كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع، فهل يمتثل ويقبل ما يوافق طبعه، أو يمتثل ما به رضا
    الله عزّ وجل؟([2])
    متى يجبُ الصيام؟
    يجب بأحد أمرين:


    الأول: رؤية هلاله: أي هلال رمضان
    1 ـ لقوله تعالى: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّ
    هْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] .
    2 ـ وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا»
    وعلم منه أنه لا يجب الصوم بمقتضى الحساب، فلو قرر علماء الحساب المتابعون لمنازل القمر أن الليلة من رمضان، ولكن لم ير الهلال، فإنه لا يصام؛ لأن الشرع علق هذا الحكم بأمر محسوس وهو الرؤية.
    وقال بعض المتأخرين: إنه يجب العمل بالحساب إذا لم تمكن الرؤية، وبه فسر حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإن غُمّ عليكم فاقدروا له» ، وقال: إنه مأخوذ من التقدير، وهو الحساب ولكن الصحيح أن معنى (اقدروا له) مفسر بكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم وأن المراد به إكمال شعبان ثلاثين يوماً.
    الثاني: إتمام شعبان ثلاثين يوماً؛ لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن يزيد عن ثلا
    ثين يوماً، ولا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وعلى المذهب يزيد أمر ثالث، وهو أن يحول دون منظره غيم أو قتر.
    فإن لم ير الهلال مع صحو السماء، بأن تكون خالية من الغيم، والقتر والدخان والضباب، ومن كل مانع يمنع الرؤية ليلة الثلاثين من شعبان أصبحوا مفطرين؛ حتى وإن كان هلَّ في الواقع، وفي هذه الحال لا يصومون إما على سبيل التحريم وإما على سبيل الكراهة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل
    كان يصوم صوماً فليصمه»([3])
    1 ـ حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له» ([4])
    فقوله: (فاقدروا له) من القدر وهو الضيق وبهذا فسره الأصحاب فقالوا: اقدروا له
    : أي ضيقوا عليه، قالوا: ومنه قوله تعالى: {{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}} [الطلاق: 7] أي: من ضُيق عليه، قالوا: والتضييق أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً.
    2 ـ أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «كان إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان، وحال دونه غيم أو قتر أصبح صائماً»([5])
    3 ـ أنه يحتمل أن يكون الهلال قد هَلَّ، ولكن منعه هذا الشيء الحاجب، فيصوم احتياطاً.
    ويجاب عما استدلوا به:
    أما حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فيقال: إذا سلمنا ما قلتم فلماذا لا نقول القدر أن يجعل رمضان تسعة وعشرين فتجعل التضيق على رمضان لأنه لم يهل هلاله إلى الآن، فليس له حق في الوجود فيبقى مضيقاً عليه، ولكننا نقول: الصواب أن المراد بالقدر هنا ما فسرته الأحاديث الأخرى، وهو إكمال شعبان ثلاثين يوماً إن كان الهلال لرمضان وإكمال رمضان، ثلاثين يوماً إن كان الهلال لشوال.
    أما ال
    احتياط:
    فأولاً: إنما يكون فيما كان الأصل وجوبه، وأما إن كان الأ
    صل عدمه، فلا احتياط في إيجابه.
    ثانياً: ما كان سبيله الاحتياط، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره أنه ليس بلازم، وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب، وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فإننا وقعنا في غير الاحتياط، من حيث تأثيم الناس بالترك، والاحتياط هو ألا يؤثم الناس إلا بدليل يكون حجة عند الله تعالى.
    وأما أثر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، فلا دليل فيه أيضاً على الوجوب لأن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قد فعله على سبيل الاستحباب؛ لأنه لو كان على سبيل الوجوب لأمر الناس به، ولو أهله على الأقل.
    القول الثاني: يحرم صومه([6]) واس
    تدل هؤلاء بما يأتي:
    1 ـ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه» ([7])وإن لم يكن يصوم صوماً فصام هذا اليوم الذي فيه شك فقد تقدم رمضان بيوم.


    2 ـ وبحديث عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ـ الذي علقه البخاري، ووصله أصحاب الس
    نن ـ: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم»([8]) ولا شك أن هذا يوم يشك فيه؛ لوجود الغيم والقتر.
    3 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»([9]) فقوله: «أكملوا العدة ثلاثين» أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً حرم صوم يوم الشك.
    4 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هلك المتنطعون»([10]) فإن هذا من باب التنطع في العبادة، والاحتياط لها في غير محله.
    القول الثالث: أن صومه مستحب، وليس بواجب.
    واستدلوا: بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما([11]).
    القول الرابع: أن صومه مكروه، وليس بحرام([12]) ولعله لتعارض الأدلة عندهم.
    القول الخامس: أن صومه مباح، وليس بواجب، ولا مكروه، ولا محرم
    ولا مستحب([13]) لتعارض الأدلة عندهم.
    القول السادس: العمل بعادة غالبة فإذا مضى شهران كاملان فالثالث ناقص، وإذا مضى شهران ناقصان فالثالث كامل، فإذا كان شهر رجب وشعبان ناقصين، فرمضان كامل، وإذا كان رجب وجمادى الثانية ناقصين، فشعبان كامل([14]).
    القول السابع: أن الناس تبعٌ للإمام([15])، فإن صام الإمام صاموا، وإن أ
    فطر أفطروا، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس»([16]).
    وأصح هذه الأقوال هو التحريم، ولكن إذا رأى الإمام وجوب صوم هذا اليوم، وأمر الناس بصومه، فإنه لا ينابذ، ويحصل عدم منابذته بألا يظهر الإنسان فطره، و
    إنما يفطر سراً.
    والمسألة هنا لم يثبت فيها دخول الشهر، أما لو حكم ولي الأمر بدخول الشهر فالصوم واجب.


    ---------------------------
    *- من كتاب (فقه وفتاوى وأحكام الصيام)د.أحمد مصطفى
    متولى نشر بالالوكة

    (
    1) مُلَخَّصاً من الشرح الممتع لابن عثيمين رحمه الله
    ([2]) فإذا تأملنا العبادات: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وجدنا أن بعضها بدني محض، وبعضها مالي محض، وبعضها مركب، حتى يتبين الشحيح من الجواد، فربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة، ولا يبذل درهماً، ور
    بما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة، فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يعرف من يمتثل تعبداً لله، ومن يمتثل تبعاً لهواه.
    فالصلاة مثلاً عبادة بدنية محضة، وما يجب لها مما يحتاج إلى المال، كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان، والثياب لستر العورة تابع، وليس داخلاً في صلب العبادة.
    والزكاة مالية محضة، وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه، ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهو تابع، وليس داخلاً في صلب العبادة.
    والحج مركب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال
    ، لكن هذا شيء نادر، أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة.
    والجهاد في سبيل الله مركب من مال وبدن، ربما يستقل بالمال وربما يستقل بالبدن.
    فالجهاد من حيث التركيب أعم العبادات؛ لأنه قد يكون بالمال فقط، وقد يكون بالبدن فقط، وقد يكون بهما.
    والتكليف أيضاً ينقسم من وجه آخر، إلى: كف عن المحبوبات، وإل
    ى بذل للمحبوبات، وهذا نوع من التكليف أيضاً.
    كف عن المحبوبات مثل الصوم، وبذل للمحبوبات كالزكاة؛ لأن المال محبوب إلى النفس، فلا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب منه.
    وكذلك الكف عن المحبوبات، فربما يهون على المرء أن ينفق ألف درهم، ولا يصوم يوماً واحداً أو بالعكس، ومن ثم استحسن بعض العلماء استحساناً مبنياً على اجتهاد، لكنه سيء حيث أفتى بعض الأمراء أن يصوم شه
    رين متتابعين بدلاً عن عتق الرقبة في الجماع في نهار رمضان.
    وقال: إن ردع هذا الأمير بصيام شهرين متتابعين، أبلغ من ردعه بإعتاق رقبة؛ لأنه ربما يعتق ألف رقبة ولا يهون عليه أن يصوم يوماً واحداً.
    لكن هذا اجتهاد فاسد لأنه مقابل للنص، ولأن المقصود بالكفارات التهذيب والتأديب وليس تعذيب الإنسان، بل تطهيره بالإعتاق، فقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن من أعتق عبداً فإن الله يعتق بكل عضو منه عضواً من النار» ([2]) فهو فكاك من النار، فيكون أفضل وأعظم، فالحاصل أنك إذا تأملت الشريعة الإسلامية والتكاليف الإلهية وجد
    تها في غاية الحكمة والمطابقة للمصالح.
    ([3]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين (1914
    )؛ ومسلم في الصيام/ باب «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين» (1082) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعاً (1900) ومسلم في الصوم/ باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً (1080) (8).
    ([5]) أخرجه أحمد (2/5، 13)؛ وأبو داود في الصيام/ باب الشهر يكون تسعاً
    وعشرين (2320)؛ والدارقطني (2/161)؛ والبيهقي (4/204).
    وصححه الألبانى في «الإرواء»: (409)
    ([6]) «زاد المعاد» (2/46)؛ و«الإنصاف» (2/269).
    ([7]) سبق تخريجه
    ([8]) رواه البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم في الصوم/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» ووصله أبو داود في الصيام/ باب كراهية صوم يوم الشك (2334)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك (686)؛ والنسائي في الصيام/ باب صيام يوم الشك (4/153)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في صي
    ام يوم الشك (1645)؛ وصححه ابن خزيمة (1914)؛ وابن حبان (3585)؛ وأخرجه الدارقطني (2/157) وقال: «هذا إسناد حسن صحيح ورواته كلهم ثقات» وصححه أيضاً الترمذي. وصححه الألبانى فى الإرواء (961)
    ([9]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» (1907) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
    ([10]) أخرجه مسلم في العلم/ باب هلك المتنطعون (2670) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
    ([11]) سبق تخريج
    ه
    ([12]) «زاد المعاد» (2/46)؛ و«الإنصاف» (2/270).
    ([13]) «الإنصاف» (2/270).
    ([14]) «الإنصاف» (2/27
    0).
    ([15]) «الإنصاف» (2/270).
    ([16]) «زاد المعاد» (2/46)؛ و«الإنصاف» (2/270).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (2)

    كِتَابُ الصِّيَام


    وإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم:
    «وإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم» المراد بأهل البلد هنا من يثبت الهلال برؤيته، فهو عام أريد به خاص، فليس المراد به جميع أهل البلد، من كبير وصغير وذكر، وأنثى، فإذا ثبتت رؤيته في مكان لزم الناس كلهم الصوم في مشارق الأرض ومغاربها، ويدل على ذلك:
    1 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»(
    [1])؛ والخطاب موجه لعموم الأمة.
    2 ـ أن ذلك أقرب إلى اتحاد المسلمين، واجتماع كلمتهم، وعدم التفرق بينهم بحيث لا يكون هؤلاء
    مفطرين وهؤلاء صائمين، فإذا اجتمعوا وكان يوم صومهم ويوم فطرهم واحداً كان ذلك أفضل وأقوى للمسلمين في اتحادهم، واجتماع كلمتهم، وهذا أمر ينظر إليه الشرع نظر اعتبار.

    وعلى ذلك إذا ثبتت رؤيته وقت المغرب في أمريكا وجب الصوم على
    الموجودين في الصين رغم تباعد مطالع الهلال.
    القول الثاني: لا يجب إلا على من رآه، أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال، فإن لم تتفق فلا يجب الصوم.
    قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: تختلف مطالع الهلال باتفاق أهل المعرفة بالفلك، فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا، واستدلوا بالنص والقياس.
    أما النص فهو:
    1 ـ قوله تعالى: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] ، والذين لا يوافقون من شاهده في المطالع لا يقال إنهم شاهدوه لا حقيقة؛ ولا حكماً، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.
    2 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»(
    [2]) فعلل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف من رآه في المطالع لا يقال إنه رآه لا حقيقة، ولا حكماً.
    3 ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وفيه أن أم الفضل بنت الحارث بعثت كريباً إلى
    معاوية بالشام فقدم المدينة من الشام في آخر الشهر فسأله ابن عباس عن الهلال فقال: رأيناه ليلة الجمعة فقال ابن عباس: لكننا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقال: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم([3])
    وأما القياس فلأن التوقيت اليومي يختلف فيه المسلمون بالنص والإجماع
    ، فإذا طلع الفجر في المشرق فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا لقوله تعالى: {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}} [البقرة: 187] ، ولو غابت الشمس في المشرق، فليس لأهل المغرب الفطر.
    فكما أنه يختلف المسلمون في الإفطار والإمساك اليومي، فيجب أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري، وهذا قياس جلي
    وهذا القول هو القول الراجح، وهو الذي تدل عليه الأدلة.
    ولهذا قال أهل العلم: إذا رآه أهل المشرق وجب على أهل المغرب المساوين لهم في الخط أن يصوموا؛ لأن المطالع متفقة، ولأن الهلال إذا كان متأخراً عن الشمس في المشرق فهو في المغرب من باب أولى؛ لأن سير القمر بطيء كما قال الله تعالى: {{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا *}} [الشمس].
    وإذا رآه أهل المغرب هل يجب الصيام على أهل المشرق؟
    الجواب: لا؛ لأنه ربما في سير هذه المسافة تأخر القمر.
    القول الثالث: أن الناس تبع للإمام فإذا صام صاموا، وإذا أفطر أفطروا، ولو كان
    ت الخلافة عامة لجميع المسلمين فرآه الناس في بلد الخليفة، ثم حكم الخليفة بالثبوت لزم من تحت ولايته في مشارق الأرض أو مغاربها، أن يصوموا أو يفطروا لئلا تختلف الأمة وهي تحت ولاية واحدة، فيحصل التنازع والتفرق، هذا من جهة المعنى.

    ومن جهة النص: فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس» (
    [4])، فالناس تبع للإمام، والإمام عليه أن يعمل ـ على القول الراجح ـ باختلاف المطالع.
    وعمل الناس اليوم على هذا أنه إذا ثبت عند ولي الأمر لزم جميع من تحت ولايته أن يلتزموا بصوم أو فطر، وهذا من الناحية الاجتماعية قول قوي، حتى لو صححنا القول الثاني الذي نحكم فيه باختلاف المطالع فيجب على من رأى أن المسألة مبنية على المطالع، ألا يظهر خلافاً لما عليه الناس.
    القول الرابع: أنه يلزم حكم الرؤية كل من أمكن وصول الخبر إليه في الليلة، وهذا في الحقيقة يشابه المذهب في الوقت الحاضر؛ لأنه يمكن أن يصل الخبر إلى جميع أقطار الدنيا في أقل من ليلة، لكن يختلف عن المذهب فيما إذا كانت وسائل الاتصالات مفقودة.
    مسألة: الأقليات الإسلامية في الدول الكافرة، إن كان هناك رابطة، أو مكتب، أو مركز إسلامي؛ فإنها تعمل بقولهم، وإذا لم يكن كذلك، فإنها تخيَّر، والأحسن أن تتبع أقرب بلد إليها.

    يثبت الشهر برؤية العدل:
    والمراد بسبب رؤية العد
    ل يثبت الشهر.
    والدليل حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه» (
    [5])
    وكذلك حديث الأعرابي الذي أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى الهلال فقال: أتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قال: نعم فقال لبلال: «قم يا بلال فأذن بالناس أن يصوموا غداً» (
    [6]).
    فهذان الحديثان وإن كانا ضعيفين لكن أحدهما يسند الآخر. والصيام بشهادة واحد مقتضى القياس؛ لأن الناس يفطرون بأذان الواحد ويمسكون بأذان الواحد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»(
    [7])
    والعدل في اللغة: هو المستقيم، وضده المعوج.(
    [8])
    مسائل
    الأولى: لو تراءى عدل الهلال مع جماعة كثيرين، وهو قوي ا
    لبصر ولم يره غيره فهل يصام برؤيته؟
    الجواب: نعم يصام، وهذا هو المشهور من مذهبنا وعليه أكثر أهل العلم، وقال بعض العلماء: إنه إذا لم يره غيره مع كثرة الجمع فإنه لا يعتبر قوله؛ لأنه يبعد أنه ين
    فرد بالرؤية دونهم.
    والصحيح الأول لعدالته وثقته.
    الثانية: من رأى الهلال وهو ممن يفعل الكبيرة، كشرب الخمر يلزمه أن يخبر أنه رأى الهلال، ولا يخبر أنه يفعل كبيرة؛ لأن الأحكام تتبعّض.
    الثالثة: على المذهب لا تقبل شهادة مستور الحال؛ للجهل بعدالته.
    وعندي أن القاضي إذا وثق بقوله فلا يحتاج للبحث عن عدالته.
    بعض العلماء قال: إن الأنثى لا تقبل شهادتها لا في رمضان، ولا في غيره من الشهور؛ لأن الذي رأى الهلال في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل(
    [9])؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا»([10]) والمرأة شاهدة وليست شاهداً.
    لكن الأصحاب يقولون: إن هذا خبر ديني يستوي فيه الذكور والإناث، كما استوى الذكور والإناث في الرواية، والرواية خبر ديني؛ ولهذا لم يشترطوا لرؤية هلال رمضان ثبوت ذلك عند الحاكم، ولا لفظ الشهادة، بل قالوا لو سمع شخصاً ثقة يحدث الناس في مجلسه بأنه رأى الهلال فإنه يلزمه أن يصوم بخبره.
    وقال بعض أهل العلم: بل إذا صاموا ثلاثين يوماً بشهادة واحد لزمهم
    الفطر؛ لأن الفطر تابع للصوم ومبني عليه، والصوم ثبت بدليل شرعي وقد صاموا ثلاثين يوماً، ولا يمكن أن يزيد الشهر على ثلاثين يوماً، أو يقال يلزمهم الفطر تبعاً للصوم؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً وهذا القول هو الصحيح.

    تنبيه: كل الأشياء المعلقة بدخول شهر رمضان لا تحل في ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان غيم أو قتر، وإنما يجب الصوم فقط لأن الشهر لم يثبت دخوله شرعاً، وإنما صمنا احتياطاً، مثال ذلك، لو قال رجل لزوجته: إذا دخل رمضان فأنت طالق، فإنه لا يقع الطلاق بتلك الليلة، وكذا الديون المؤجلة إلى دخول شهر رمضان فإنها لا تحل بتلك الليلة، وكذا المعتدة بالأشهر إذا كانت عدتها تنتهي بتمام شعبان فإنها لا تنتهي بتلك الليلة.


    ([1]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإن رأيتموه فأفطروا» (1909)؛ ومسلم في الصيام/ باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً (1081) (19) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([2]) سبق تخريجه
    ([3]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم، وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم (1087).
    ([4]) أخرجه الترمذي في الصوم/ باب ما جاء أن الصوم يوم تصومون (697)؛ والدارقطني (2/164) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود في الصيام/ باب إذا أخطأ القوم الهلال (2324)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في شهري العيد (1660) ولفظه عندهما «الفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون». وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (7316) بلفظ " الصوم يوم تصومون و الفطر يوم تفطرون و الأضحى يوم تضحون"

    ([5]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (2342)؛ وصححه ابن حبان (3447)؛ والحاكم (1/423). وصححه الألبانى فى صحيح أبى داود (2342)
    ([6]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في شهادة الوافد على رؤية هلال رمضان (2340)؛ والترمذي في الصيام/ باب ما جاء في الصوم بالشهادة (691)؛ والنسائي في الصوم/ باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان (4/132)؛ وابن ماجه في الصوم/ باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال (1652) انظر: «نصب الراية» (2/443). وصححه الألبانى فى صحيح أبي داود ( 465 و 466 )
    ([7]) أخرجه البخاري في الأذان/ باب أذان الأعمى...(617)؛ ومسلم في الصيام/ باب بيان أن الدخول في الصوم...(1092) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
    ([8]) تنبيه: إن الشهادة في الأموال ليست كالشهادة في
    الأخبار الدينية، ففي الأموال يجب أن نشدد، لا سيما في هذا العصر لكثرة من يشهدون زوراً، لكن في الشهادة الدينية يبعد أن يكذب الإنسان فيها، إلا أن يكون هناك مغريات توجب أن يكذب.
    مثل ما يقال في بعض الدول إذا شهد شخص بدخول رمضان أعطوه مكافأة، أو بشهادة شوال أخذ مكافأة هذه الأشياء ربما تغري ضعيف الإيمان فيشهد بما لا يرى.
    ولو قلنا بقول الفقهاء لم نجد عدلاً؛ فمن يسلم من الغيبة، والسخرية بالناس، والتهاون بالواجبات، وأكل المحرم، وغير ذلك؛ ولهذا كان الصحيح بالنسبة للشهادة أنه يقبل منها ما يترجح أنه حق وصدق؛ لقوله تعالى: {{مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}} [البقرة: 282] ؛ ولأن الله لم يأمرنا برد شهادة الفاسق بل أمرنا بالتبين فقال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}} [الحجرات: 6] .
    ويشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه، فإن كان ضعيف ا
    لبصر لم تقبل شهادته، وإن كان عدلاً؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل، فإننا نعلم أنه متوهم.
    والدليل على ذلك أن القوة والأمانة شرطان أساسيان في العمل، ففي قصة موسى مع صاحب مدين قالت إحدى ابنتيه: {{يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}} [القصص: 26] وقال العفريت من الجن الذي التزم أن يأتي بعرش ملكة سبأ {{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}} [النمل: 39] ومن ذلك الشهادة لا بد فيها من الأمانة التي تقتضيها العدالة، ولا بد فيها من القوة التي يحصل بها إدراك المشهود به.
    فنقول: هذا ليس بعذر؛ لأن العدل إذا توهم أنه رأى الهلال فسوف يصر على أنه رآه؛ لما عنده من الدين الذي يرى أنه من الواجب عليه أن يبلغ ليصوم الناس أو يفطروا، لذلك فلا بد من إضافة قوي البصر.
    ([9]) سبق تخريجه
    ([10]) أخرجه البخاري في الجنائز/ باب الجريدة على القبر (1361)؛ ومسلم في الطهارة/ باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه (292) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (3)





    مسألة: لو صام برؤية بلد، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم، وأتم هو ثلاثين يوماً ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها، فهل يفطر، أو يصو
    م معهم؟
    الصحيح أنه يصوم معهم، ولو صام واحداً وثلاثين يوماً، وربما يقاس ذلك على ما لو سافر إلى بلد يتأخر غروب الشمس فيه، فإنه يفطر حسب غروب الشمس في تلك البلد التي سافر إليها.
    وقيل: ـ وهو المذهب ـ إنه يفطر سراً؛ لأنه إذا رؤي في بلد لزم الناس كلهم حكم الصوم والفطر.
    جكمُ مَن رأى الهلال وحده:

    أي: منفرداً عن الناس، سواء كان منفرداً بمكان أو منفرداً برؤية.
    مثال ما إذا كان منفرداً بمكان، إذا كان الإنسان في برية ليس معه أحد فرأى الهلال، وذهب إلى القاضي فرد قوله إما لجهالته بحاله، أو لأي سبب من الأسباب.
    ومثال الانفراد بالرؤية، أن يجتمع معه الناس لرؤية الهلال فيراه هو، ولا يراه غيره لكن رد قوله فيلزمه الصوم؛ لقوله تعالى: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ([1]) وهذا الرجل رآه فوجب عليه الصوم، وكل ما يترتب على دخول ا
    لشهر؛ لأنه رآه.
    وقال بعض العلماء: لو رأى هلال رمضان وحده لم يلزمه الصوم؛ لأن الهلال ما هلَّ واشتهر لا ما رئي.
    وأما هلال رمضان فيثبت بشهادة واحد وقد شهد به فلزمه الصوم.
    وقال بعض العلماء: بل يجب عليه الفطر سراً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» وهذا الرجل قد رآه فيلزمه الفطر، ولكن يكون سراً؛ لئلا يظ
    هر مخالفة الجماعة.
    واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في هاتين المسألتين أنه يتبع الناس؛ فلو رأى وحده هلال رمضان لم يصم؛ ولو رأى هلال شوال وحده لم يفطر؛ لأن الهلال ما هَلَّ واستهل، واشتهر، لا ما رئي.
    والذي يظهر لي في مسألة الصوم في أول الشهر أنه يصوم، وأما في مسألة الفطر فإنه لا يفطر تبعاً للجماعة، وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر، ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر بل صم.
    مسألة: تبين مما سبق أن دخول رمضان يثبت بشهادة واحد، ودليل ذلك حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه»([2]).
    وهلال شوال وغيره من الشهور لا يثبت إلا بشاهدين لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا»([3]) ومثله دخول شهر ذي الحجة لا يثبت إلا بشاهدين، فلو رآه شخص وحده لم يثبت دخول الشهر بشهادته؛ وعلى هذا فإذا وقف رجل بعرفة في اليوم التاسع عنده الذي هو الثامن عند الناس فإن ذلك لا يجزئه. وإن أراد أن يصوم اليوم التاسع عنده الذي هو عند الناس الثامن بنية أنه يوم عرفة، فإن ذلك لا يجزئه عن صوم يوم عرفة، ولو صام اليوم التاسع عند الناس الذي هو العاشر عنده، هل يجوز أن يصومه؟
    الجواب: نعم يجوز أن يصومه؛ لأنه وإن كان عنده حسب رؤيته العاشر فإن
    ه عند الناس التاسع، فلم يثبت شرعاً دخول شهر ذي الحجة بشهادة هذا الرجل، وعلى هذا فإذا وقف في العاشر عنده، وهو التاسع عند الناس أجزأه الوقوف.

    شروط من يلزمه الصوم :
    1-يلزم كل مسلم.
    هذا هو الشرط الأول، والإسلام ضده الكفر، فال
    كافر لا يلزمه الصوم، ولا يصح منه.
    ومعنى قولنا لا يلزمه أننا لا نلزمه به حال كفره، ولا بقضائه بعد إسلامه، والدليل على ذلك قوله تعالى: {{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ *}} [التوبة] .
    فإذا كانت النفقات ونفعها متعد لا تقبل منهم لكفرهم، فالعبادات الخاصة من باب أولى.
    وكونه لا يقضي إذا أسلم؛ دليله قوله تعالى: {{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}} [الأنفال: 38] ، وثبت عن طريق التواتر عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه كان لا يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات.
    ولكن هل يعاقب على تركها في الآخرة إذا لم يسلم؟
    الجواب: نعم، يعاقب على تركها في الآخرة، وعلى ترك جميع واجبات الدين؛ لأنه إذا كان المسلم المطيع لله الملتزم بشرعه قد يعاقب عليها، فالمستكبر من باب أولى، وإذا كان الكافر يعذب على ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، ففعل المحرمات وترك الواجبات من باب أولى.
    والدليل ما ذكره الله تعالى عن أصحاب اليمين أنهم يقولون للمجرمين: {{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *}} [المدثر] . فذكروا أربعة أسباب منها ترك واجبات.
    فإن قال قائل: تكذيبهم بيوم الدين كفر وه
    و الذي أدخلهم سقر؟
    فالجواب: أنهم ذكروا أربعة أسباب ولولا أن لهذه المذكورات، مع تكذيبهم بيوم الدين أثراً في إدخالهم النار، لم يكن في ذكرها فائدة، ولو أنهم لم يعاقبوا عليها ما جرت على بالهم.
    فالسبب الأول: {{لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}}ا لصلاة.
    والثاني: {{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *}} الزكاة.
    والثالث: {{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *}} مثل الاستهزاء بآيات الله.
    والرابع: {{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *}}.
    2- مك
    لف:
    هذا هو الشرط الثاني، وإذا رأيت كلمة مكلف في كلام الفقهاء فالمراد بها البالغ العاقل؛ لأنه لا تكليف مع الصغر ولا تكليف مع الجنون.
    والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة بالنسبة للذكر: إتمام خمس عشرة سنة وإنبات العانة، وإنزال المني بشهوة، وللأنثى بأربعة أشياء هذه الثلاثة السابقة ورابع، وهو الحيض، فإذا حاضت فقد بلغت حتى ولو كانت في سن العاشرة.
    والعاقل ضده المجنون، أي: فاقد العقل، من مجنون ومعتوه ومهزرٍ؛ فكل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلف، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام بدل صيام، أي: لا يجب عليه شيء إطلاقاً، إلا ما استثني كالواجبات المالية، وعليه فالمهذري أي: المخرف لا يجب عليه صوم، ولا إطعام بدله لفقد الأهلية وهي العقل.

    وهل مثل المهذري من أضل عقله بحادث؟
    فالجواب أنه إن كان كالمغمى عليه فإنه يلزمه الصوم؛ لأن المغمى عليه يلزمه الصوم فيقضيه بعد صحوه، وإن وصل به فقد العقل إلى الجنون، ومعه شعوره فله حكم المجنون، وكذلك من كان يجن أحياناً، ففي اليوم ا
    لذي يجن فيه لا يلزمه الصوم، وفي اليوم الذي يكون معه عقله يلزمه.
    ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم «رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حت يبلغ وعن المجنون حتى يفيق»(
    [4]).
    3- قادر:
    هذا هو الشرط الثالث، أي: قادر على الصيام احترازاً من العاجز، فالعاجز ليس عليه صوم لقول الله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 184] .
    لكن بالتتبع والاستقراء تبين أن العجز ينقسم إلى قسمين: قسم طارئ، وقسم دائم.
    فالقسم الطارئ هو الذي يرجى زواله، وهو المذكور في الآية فينتظر العاجز حتى يزول عجزه ثم يقضي لقوله تعالى: {{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}}.
    والدائم هو الذي لا يرجى زواله وهو المذكور في قوله تعالى: {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
    فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}} [البقرة: 184] حيث فسرها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالشيخ والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيطعمان عن كل يوم مسكيناً[(306)]، والحقيقة أنه بالنظر إلى ظاهر الآية ليس فيها دلالة على ما فسره ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ؛ لأن الآية في الذين يطيقون الصوم {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}} [البقرة: 184] وهذا واضح أنهم قادرون على الصوم، وهم مخيرون بين الصوم والفدية، وهذا أول ما نزل وجوب الصوم كان الناس مخيرين إن شاؤوا صاموا، وإن شاؤوا أفطروا وأطعموا، وهذا ما ثبت في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ قال: «لما نزلت هذه الآية: {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}} كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها»([5]).

    لكن غور فقه ابن عباس وعلمه بالتأويل يدل على عمق فقهه ـ رضي الله عنه ـ؛ لأن وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى جعل الفدية عديلاً للصوم لمن قدر على الصوم، إن شاء صام وإن شاء أطعم، ثم نسخ التخيير إلى وجوب الصوم عينا، فإذا لم يقدر عليه بقي عديله وهو الفدية، فصار العاجز عجزاً لا يرجى زواله، يجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكيناً.
    أما كيفية الإطعام، فله كيفيتان:
    الأولى: أن يصنع طعاماً فيدعو إليه المساكين بحسب الأيام التي عليه، كما كا
    ن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ يفعله لما كبر.
    الثانية: أن يطعمهم طعاماً غير مطبوخ، قالوا: يطعمهم مد برٍ أو نصف صا
    ع من غيره، أي: من غير البر، ومد البر هو ربع الصاع النبوي، فالصاع النبوي أربعة أمداد، والصاع النبوي أربعة أخماس صاعنا، وعلى هذا يكون صاعنا خمسة أمداد، فيجزئ من البر عن خمسة أيام خمسة مساكين، لكن ينبغي في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو نحوه، حتى يتم قوله تعالى: {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}}.
    وأما وقت الإطعام فهو بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه، وإن شاء أخر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه.
    وهل يقدم الإطعام قب
    ل ذلك؟
    الجواب لا يقدم؛ لأن تقديم الفدية كتقديم الصوم، فهل يجزئ أن تقدم الصوم في شعبان؟
    الجواب: لا يجزئ.


    ([1]) سبق تخريجه

    ([2]) سبق تخريجه

    ([3]) سبق تخريجه

    ([4]) سبق تخريجه

    ([5]) أخرجه البخاري في الجنائز/ باب الجريدة على القبر (1361)؛ ومسلم في الطهارة/ باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه (292) عن ابن عباس رضي الله عنهما.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (4)

    كِتَابُ الصِّيَام




    4- أن يكون مقيماً:
    فإن كان مسافراً فلا يجب عليه الصوم؛ لقوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى
    سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر، واختلفوا فيما لو صام، فذهبت الظاهرية وبعض أهل القياس إلى أنه لا يصح صوم مسافر، وأنه لو صام فقد قدم الصوم على وقته وكان كمن صام رمضان في شعبان.

    وحجتهم في هذا قوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] لأن «عدة» مبتدأ خبرها محذوف والتقدير فعليه عدة من أيام أخر، والأخر بمعنى المغايرة وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البر الصوم في السفر»([1]) وإذا لم يكن براً صار إثماً.
    ولكن قولهم ضعيف، فلقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صام في سفره في رمضان، وثبت أن الصحابة كانوا يصومون في سفرهم في رمضان فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم([2])، وكذل
    ك حديث حمزة بن عمرو الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إنه يصادفني هذا الشهر وأنا في سفر فقال له: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» ([3])، وحيئذ يكون المراد بالآية بيان البدل أن عليه عدة من أيام أخر، لا وجوب أن تكون عدة من أيام أخر.
    وعليه فإن المسافر لا يلزمه الصوم، لكن يلزمه القضاء كالمريض.
    وأيهما أفضل للمريض والمسافر أن يصوما، أو يفطرا؟
    نقول: الأفضل أن يفعلا الأيسر، فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حراماً لقوله تعالى {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}} [النساء: 29] فإن هذه الآية تدل على أن ما كان ضرراً على الإنسان كان منهياً عنه.
    فإذا قال قائل: هذا في القتل فقط لا في مطلق الضرر؟

    فالجواب: نعم هذا ظاهر الآية، لكن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ استدل بها على نفي الضرر فأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، وذلك أنه بعثه مع سرية فأجنب فتيمم ولم يغتسل، فقال له النبي
    صلّى الله عليه وسلّم: «أصليت بأصحابك وأنت جنب؟» فقال: يا رسول الله ذكرت قول الله تعالى {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}}، وكانت الليلة باردة فتيممت، فضحك الرسول صلّى الله عليه وسلّم([4]) تقريراً لفعله، وهذا يدل على أن الآية تتضمن النهي عن قتل النفس، وكل ما كان فيه ضرر.
    وعليه فنقول: إذا كان الصوم يضر المريض كان الصوم حراماً عليه.
    فإذا قال قائل: ما مقياس الضرر؟
    قلنا: إن الضرر يعلم بالحس، وقد يعلم بالخبر؛ أما بالحس فأن يشعر
    المريض بنفسه أن الصوم يضره، ويثير عليه الأوجاع، ويوجب تأخر البرء، وما أشبه ذلك.
    وأما الخبر فأن يخبره طبيب عالم ثقة بذلك، أي: بأنه يضره؛ فإن أخبره عامي ليس بطبيب فلا يأخذ بقوله، وإن أخبره طبيب غير عالم، ولكنه متطبب، فلا يأخذ بقوله، وإن أخبره طبيب غير ثقة فلا يأخذ بقوله.
    وهل يشترط أن يكون مسلماً لكي نثق به؛ لأن غير المسلم لا يوثق؟
    فيه قولان لأهل العلم، والصحيح أنه لا يشترط، وأننا متى وثقنا بقوله عملنا بقوله في إسقاط الصيام؛ لأن هذه الأشياء صنعته، وقد يحافظ الكافر على صنعته وسمعته، فلا يقول إلا ما كان حقاً في اعتقاده، والنب
    ي صلّى الله عليه وسلّم وثق بكافر في أعظم الحالات خطراً، وذلك حين هاجر من مكة إلى المدينة استأجر رجلاً مشركاً من بني الدَيَّل، يقال له: عبد الله بن أريقط؛ ليدله على الطريق([5]) وهذه المسألة خطرة؛ لأن قريشاً كانت تبحث عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجعلت مائة ناقة لمن يدل عليه، ولكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان واثقاً منه، فدل هذا على أن المشرك إذا وثقنا منه فإننا نأخذ بقوله.

    مسألة: هل الأولى للمسافر أن يصوم أو الأولى ألا يصوم؟
    فالجواب أما مذهب الحنابلة([6]) فالأولى ألا يصوم؛ بل كرهوا الصوم للمسافر وقال الشافعية: الأولى أن يصوم، وقال آخرون: إنه على التخيير، لا نفضل الفطر ولا الصوم.
    والصحيح التفصيل في هذا، وهو أنه إذا كان الفطر والصيام سواء، فالصيام أولى لوجوه أربعة:
    الأول: أن ذلك فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم، إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة([7]).
    الثاني: أنه أسرع في إبراء ال
    ذمة.
    الثالث: أنه أيسر على المكلف وما كان أيسر فهو أولى.
    الرابع: أنه يصادف صيامه رمضان، ورمضان أفضل من غيره وعلى هذا نقول الأفضل الصوم.
    وإذا كان يشق عليه الصيام فالفطر أولى، والدليل على هذا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان صائماً في السفر، ولم يفطر إلا حين قيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام، وينتظرون ما ستف
    عل، ولم يفطروا ـ يريدون التأسي بالرسول صلّى الله عليه وسلّم ـ فدعا الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقدح من الماء بعد العصر ورفعه على فخذه حتى رآه الناس، فشرب، والناس ينظرون إليه ليقتدوا به، فجيء إليه وقيل: إن بعض الناس قد صام، فقال عليه الصلاة والسلام: «أولئك العصاة أولئك العصاة» ([8])، لأنهم صاموا مع المشقة، ولأنهم خالفوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث أفطر وبقوا هم صياماً.
    وإن كانت المشقة شديدة يخشى منها الضرر فالصوم حرام لقوله تعالى: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}}.
    وأما قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البر الصوم في السفر»([9]) الذي استدل به الحنابلة، فهذا خاص بالرجل الذي رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم قد ظلل عليه والناس حوله، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ما هذا؟ فقالوا: هذا صائم، فقال: «ليس من البر الصوم في السفر».
    فإن قيل: العبرة بعموم اللف
    ظ لا بخصوص السبب؟
    فنقول: الخصوصية نوعان:
    خصوصية شخصية، وخصوصية نوعية.

    فالخصوصية الشخصية: أن يقال: إن هذا الحكم خاص بهذا الرجل لا يتعداه إلى غيره وهذا يحتاج إلى دليل خاص، وهذا هو الذي تقول فيه: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فآية اللعان وردت في قصة رجل معين، وآية الظهار كذلك، فالعبرة بالعموم فكل أحد يثبت له هذا الحكم.

    والخصوصية النوعية: وإن شئت فقل الخصوصية الحالية، أي: التي لا يثبت بها العموم إلا لمن كان مثل هذا الشخص، أي مثل حاله، فيقال: ليس من البر الصوم في السفر لمن شق عليه، كهذا الرجل، ولا يعم كل إنسان صام.
    الخلو من الموانع:
    وهذا خاص بالنساء، فالحائض لا يلزمها الصوم، والنفساء لا يلزمها الصوم؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم مقرراً ذلك: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» ([10])فلا يلزمها إجماعاً ولا يصح منها إجماعاً، ويلزمها قضاؤه إجماعاً، فهذه ثلاثة إجماعات، والنفساء كالحائض في هذا.
    حكم الإمساك فى يوم قامت البينة في أثنائه أنه من رمضان:
    هذه المسألة لها ثلا
    ث حالات:
    الأولى: أن يكون من أهل الوجوب من قبل الفجر فيلزمه الإمساك بمجرد قيام البينة في أثناء النهار.
    الثانية: أن يصير من أهل الوجوب في أثناء النهار قبل قيام البينة مثل أن يسلم أو يبلغ أو يفيق في الضحى، ثم تقوم البينة بعد الظهر فحكمها كالأولى.
    الثالثة: أن يصير من أهل الوجوب بعد قيام البينة مثل أن تقوم البينة في الضحى، ويسلم أو يبلغ أو يفيق بعد الظهر، فلا يلزمه الإمساك بمجرد قيام البينة، بل حتى يصير من أهل الوجوب.
    أقوال العلماء
    فى المسألة:
    القولُ الأولُ: من قام به سبب الوجوب أثناء نهار رمضان مثل أن يسلم الكافر أو يبلغ الصغير أو يفيق المجنون فإنه يلزمهم الإمساك والقضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو قول أبي حنيفة وسبق دليله وتعليله.
    القول الثاني: لا يلزمهم إمساك ولا قضاء وهو الرواية الثانية عن أحمد.
    والقول الثالث: يلزمهم الإمساك دون القضاء وذكر رواية عن أحمد وا
    ختيار الشيخ تقي الدين (شيخ الإسلام ابن تيمية) وهو مذهب مالك وهو الراجح؛ لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف، ومن أتى بما أمر به لم يكلف الإعادة.



    ([1]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لمن ظلل عليه واشتد الحر: «ليس من البر الصيام في السفر» (1946) ومسلم في الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية... (1115) عن جابر رضي الله عنه.
    ([2]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار (1947)؛ ومسلم في الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر من غير معصية... (1118) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
    ([3]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب لم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار (1947)؛ ومسلم في الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر من غير معصية... (1118) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
    ([4]) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التمريض في التيمم/ باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت...، ووصله أبو داود في الطهارة/باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ (334)، والدارقطني (1/178) وصححه
    ابن حبان (1315) والحافظ في الفتح.
    ([5]) أخرجه البخاري في الإجارة/ باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام (2263) عن عائشة رضي الله عنها.
    ([6]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية (1114) عن جابر رضي الله عنه.
    ([7]) أخرجه البخاري في الصوم (1945)؛ ومسلم في الصيام/ باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (1122).
    ([8]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية (1114) عن جابر رضي الله عنه.
    ([9]) سبق تخريجه
    ([10]) أخرجه البخاري في الحيض/ باب ترك الحائض الصوم (304) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (5)





    حكمُ مَن أفطر يوما من رمضان من أهل الوجوب:
    أما القضاء فلا شك في وجوبه لأنهم أفطروا من رمضان فلزمهم قضاء ما أفطروا لقوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] وقوله عائشة رضي الله عنها: «كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة»([1]) تعني الحيّض.
    وأما الإمساك عن أحمد رواية أخرى لا يلزمهم الإمساك؛ لأنهم يجوز لهم الف
    طر في أول النهار ظاهراً وباطناً، فقد حل لهم في أول النهار الأكل والشرب وسائر ما يمكن من المفطرات، ولا يستفيدون من هذا الإمساك شيئاً، وحرمة الزمن قد زالت بفطرهم المباح لهم أول النهار، وقد روي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» ([2]) يعني أن من حل له الأكل في أول النهار حلَّ له الأكل في آخره، وهذا القول هو الراجح وعلى هذا لو قدم المسافر إلى بلده مفطراً ووجد زوجته قد طهرت أثناء ذلك اليوم من الحيض وتطهرت جاز له جماعها.

    وإذا أفطر لإنقاذ غريق فأنقذه لم يلزمه الإمساك آخر النهار.
    وإذا أفطرت مرضع خوفاً على ولدها ثم مات في أثناء اليوم لم يلزمها إمساك بقيته.
    والقاعدة على هذا القول الراجح أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم.
    حكمُ مَن أفطر لكبر أو مرض
    لا يرجى برؤه :
    فإذا أفطر لكبر فإنه ميؤوس من قدرته على الصوم، ولذلك فإنه يلزمه الفدية، وكذلك من أفطر لمرض لا يرجى برؤه، ويمثل له كثير من العلماء فيما سبق بالسل يقولون: إنه لا يرجى برؤه، لكن هذا المثال في الوقت الحاضر لا ينطبق؛ لأن السل صار مما يمكن برؤه، لكن يمكن أن نمثل له في وقتنا هذا بالسرطان، فإن السرطان لا يرجى برؤه، فإذا مرض الإنسان بمرض السرطان، وعجز عن الصوم صار حكمه كحكم الكبير الذي لا يستطيع الصوم، فيلزمه فدية عن كل يوم.
    وهنا نحتاج إلى أمرين:
    الأول: أن وجه سقوط الصوم عنه عدم القدرة الدائم، وليس كالمريض الذي قال الله فيه: {{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 184] لأن هذا يرجى برؤه، والآخر لا يرجى برؤه فسقط وج
    وب الصوم عنه للعجز عنه.
    الثاني: إن قيل: ما الدليل على وجوب الفدية، مع أنه اتقى الله ما استطاع في قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ؟ فالجواب: ما ثبت عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال في الشيخ والشيخة إذا لم يطيقا الصوم: «يطعمان لكل يوم مسكيناً» وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}}([3]) [البقرة: 184] ، والقول هنا صادر من صحابي، ومعروف خلاف العلماء في قول الصحابي، هل هو حجة أو ليس بحجة؟ لكنه هنا قول صحابي في تفسير آية، وإذا كان في تفسير آية، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن تفسير الصحابي له حكم الرفع، وإن كان هذا القول ضعيفاً، ولكن لا شك أنه إذا قال الصحابي قولاً واستدل بآية، فإن استدلاله أصح من استدلال غيره.

    فما وجه الاستدلال بالآية؟
    فالجواب: أن استدلال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بهذه الآية استدل
    ال عميق جداً، ووجهه أن الله قال: {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}} [البقرة: 184] فجعل الفدية معادلة للصوم، وهذا في أول الأمر لما كان الناس مخيرين بين الصوم والفدية، فلما تعذر أحد البديلين ثبت الآخر، أي: لما تعذر الصوم ثبتت الفدية، وإلا فمن أخذ بظاهر الآية قال: إن الآية لا تدل على هذا، فالآية تدل على أن الذي يطيق الصيام، إما أن يفدي أو يصوم، والصوم خير ثم نسخ هذا الحكم.
    والجواب: أن الله تعالى لما جعل الفدية عديلاً للصوم في مقام التخيير دل ذلك على أنها تكون بدلاً عنه في حال تعذر الصوم، وهذا واضح، وعلى هذا فمن أفطر لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً.
    ولكن ما الذي يُطْعَم، وما مقداره؟
    الجواب: كل ما يسمى طعاماً من تمر أو بر أو رز أو غيره.
    وأَمَّا مقداره فلم يقدر هنا ما يعطى فيرجع فيه إلى العرف، وما يحصل به الإطعام، وكان أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عندما كبر يجمع ثلاثين فقيراً ويطعمهم خبزاً وأدماً([4]) وعلى هذا فإذا غدّ
    ى المساكين أو عشاهم كفاه ذلك عن الفدية.
    وقال بعض العلماء: لا يصح الإطعام؛ بل لا بد من التمليك([5])، وعليه فاختلفوا فقال بعضهم: إن الواجب مُدٌ من البر أو نصف صاع من غيره.
    وقيل: بل الواجب نصف صاع من أي طعام كان.
    فالذين قالوا بالأول قالوا: إن مُد البر يساوي نصف صاع من الشعير؛ لأنه أطيب وأغلى في نفوس الناس.
    والذين قالوا إنه نصف صاع على كل حال، قالوا: لأن النبي صلّى الله عليه
    وسلّم قال لكعب بن عجرة في فدية الأذى: «أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع»([6])، قالوا: وهذا نص في تقدير النبي صلّى الله عليه وسلّم فيقاس عليه في كل فدية، ويكون نصف صاع.

    فإن قيل: ما المراد بنصف الصاع، هل يرجع فيه إلى العرف، أو يرجع فيه إلى الصاع النبوي؟
    فالجواب: لم أعلم أن أحداً من العلماء قال: إنه يرجع في الصاع إلى العرف، حتى شيخ الإسلام لم يرجع في الأصواع إلى العرف، وإنما رجع فيها إلى صاع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
    وعلى هذا فنقول: المراد نصف صاع من صاع النبي صلّى الله عليه وسلّم.
    وقد حرر علماؤنا الصاع القصيمي، فوجدوه يزيد على الصاع النبوي ربعاً، أي الصاع النبوي أربعة أخماس الصاع القصيمي، فصاعنا الموجود خمسة أمداد نبوية، وصاع النبي صلّى
    الله عليه وسلّم أربعة أمداد.
    أما عدد المساكين فعلى عدد الأيام، فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد، ويدل لهذا القراءة المشهورة السبعية الثانية {{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}} بالجمع فإنها تدل على أنه لا بد أن يكون عن كل يوم مسكين.
    والخلاصة أن من عجز عن الصوم عجزاً لا يرجى زواله وجب عليه الإطعام، عن كل يوم مسكيناً، سواء أطعمهم أو ملكهم على القول الراجح.
    مسألة: إذا أعسر المريض الذي لا يرجى برؤه أو الكبير، فإنها تسقط عنهما الكفارة؛ لأنه لا واجب مع العجز، والإطعام هنا ليس له بدل.
    حالات المريض وأحكامه:
    إذا كان الصوم يضره فإن الصوم حرام، والفطر واجب؛ لقول الله تعالى: {{وَ
    لاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}} [النساء: 29] والنهي هنا يشمل إزهاق الروح، ويشمل ما فيه الضرر.
    والدليل على أنه يشمل ما فيه الضرر، حديث عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ «عندما صلى بأصحابه وعليه جنابة، ولكنه خاف البرد فتيمم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله ذكرت قوله تعالى: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}} [النساء: 29] وإني خفت البرد ، فأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك»([7]).
    والمريض له أحوال:
    الأول: ألا يتأثر بالصوم، مثل الزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فهذا لا يحل له أن يفطر، وإن كان بعض العلماء يقول: يحل له لعموم الآية {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا}} [البقرة: 185] ولكننا نقول: إن هذا الحكم معلل بعلة، وهي أن يكون الفطر أرفق به فحينئذ نقول له الفطر، أما إذا كان لا يتأثر فإنه لا يجوز له الفطر ويجب عليه الصوم.

    الحال الثانية: إذا كان يشق عليه الصوم ولا يضره، فهذ
    ا يكره له أن يصوم، ويسن له أن يفطر.
    الحال الثالثة: إذا كان يشق عليه الصوم ويضره، كرجل مصاب بمرض الكلى أو مرض السكر، وما أشبه ذلك، فالصوم عليه حرام.
    ولكن لو صام في هذه الحا
    ل هل يجزئه الصوم؟
    قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله: لا يجزئه الصوم؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل للمريض عدة من أيام أخر، فلو صام في مرضه فهو كالقادر الذي صام في شعبان عن رمضان، فلا يجزئه ويجب عليه القضاء.
    وقول أبي محمد هذا مبني على القاعدة المشهورة، أن ما نهي عنه لذاته فإنه لا يقع مجزئاً، فإذا قلنا بالتحريم فإنَّ مقتضى القواعد أنه إذا صام لا يجزئه؛ لأنه صام ما نهي عنه كالصوم في أيام التشريق، وأيام ال
    عيدين لا يحل، ولا يصح، وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين من المرضى الذين يشق عليهم الصوم وربما يضرهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله ـ عزّ وجل ـ، ولم يقبلوا رخصته، وأضروا بأنفسهم، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}} [النساء: 29] .


    ([1]) سبق تخريجه
    ([2]) أخرجه ابن أبي شيبة (3/54).
    ([3]) سبق تخريجه
    ([4]) أخرجه الدارقطني (2/207) وصححه الألباني في «الإرواء» (4/21).
    ([5]) وهو المذهب. «الروض مع حاشية ابن قاسم» (3/371).
    ([6]) سبق تخريجه
    ([7]) سبق تخريجه



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (6)




    حكمُ صوم المسافر:
    اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل الفطر أفضل، أو أن الصوم مكروه، أو أن الصوم حرام، فعلى رأي أبي محمد الصوم حرام (
    [1])ولو صام لم يجزئه، ولكن هذا قول بعيد من الصواب؛ لأن هذا من باب الرخصة.
    والدليل على هذا: أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم «يصومون ويفطرون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في السفر، ولم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم»(
    [2])، والنبي صلّى الله عليه وسلّم نفسه كان يصوم.
    فالصواب أن المسافر له ثلاث حالات:

    الأولى: ألا يكون لصومه مزية على فطره، ولا لفطره مزية على صومه، ففي هذه الحال يكون الصوم أفضل له للأدلة الآتية:
    أولاً: أن هذا فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ: «كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في يوم شديد الحر حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر
    وما فينا صائم إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة» ([3]) والصوم لا يشق على الرسول صلّى الله عليه وسلّم هنا؛ لأنه لا يفعل إلا الأرفق والأفضل.
    ثانياً: أنه أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر.
    ثالثاً: أنه أسهل على المكلف غالباً؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعد، كما هو مجرب ومعروف.
    رابعاً: أنه يدرك الزمن الفاضل، وهو رمضان، فإنَّ رمضان أفضل من غيره؛ لأنه محل الوجوب، فلهذه الأدلة يترجح ما ذهب إليه الشافعي ـ رحمه الله ـ أن الصوم أفضل في حق من يكون الصوم والفطر عنده سواء.
    الحال الثانية: أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، وإذا
    شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهاً؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزّ وجل.
    الحال الثالثة: أن يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة فهنا يكون الصوم في حقه حراماً.
    والدليل على ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لما شكى إليه الناس أنه قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينتظرون ما سيفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم دعا بإناء فيه ماء بعد العصر، وهو على بعيره فأخذه وشربه، والناس ينظرون إليه، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» (
    [4]) فوصفهم بالعصيان.
    فهذا ما يظهر لنا من الأدلة في صوم المسافر.
    ويتفرع على هذا مسألة، وهي لو سافر من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى زواله فماذا يصنع؟
    الجواب: قال بعض العلماء: إنه لا صوم ولا فدية عليه؛ لأنه مسافر، والفدي
    ة بدل عن الصوم، والصوم يسقط في السفر، ولا صوم عليه؛ لأنه عاجز([5])

    لكن هذا التعليل عليل؛ لأن هذا الذي على هذه الحال، لم يكن الصوم واجباً في حقه أصلاً، وإنما الواجب عليه الفدية، والفدية لا فرق فيها بين السفر والحضر، وعلى هذا فإذا سافر من لا يرجى زوال عجزه فإنه كالمقيم يلزمه الفدية، فيطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا هو القول الصحيح، والقول بأنه يسقط عنه الصوم والإطعام قول ضعيف جداً لما تقدم.
    حكمُ الحاضر الصائم إذ
    ا سافر أثناء اليوم:
    الحاضر يجب عليه أن يصوم، فإذا سافر في أثناء اليوم، فهل له أن يفطر أو لا يفطر؟
    في هذه المسألة قولان لأهل العلم:
    القول الأول: أن له أن يفطر، ولكن بشرط كما سنذكره.
    القول الثاني: أنه ليس له أن يفطر.
    والقول الأول: هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله(
    [6])
    واستدلوا على ذلك: بعموم قول الله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 184] يعني فأفطر فعدة من أيام أخر، وهذا الآن سافر، وصار على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر.
    واستدلوا أيضاً بما ثبت في السنة من إفطار النبي ص
    لّى الله عليه وسلّم في أثناء النهار([7])
    وأهل القول الثاني: عللوا بأن الإنسان شرع في الصوم الواجب فلزمه إتمامه، كما لو شرع في القضاء فإنه يلزمه أن يتمه، وإن كان لولا شروعه لم يلزمه أن يصوم، يعني لو أن إنساناً عليه يوم من رمضان، فقال: أصومه غداً أو بعد غد، نقول أنت بالخيار غداً أو بعد غد.
    لكن إذا صامه غداً فليس له أن يفطر في أثنائه ليصوم بعد غد؛ لأن من شرع في واجب حرم على قطعه إلا لعذر شرعي.
    والصحيح القول الأول أن له أن يفطر إذا سافر في أثناء اليوم لما سبق، وأما قياسه على من شرع في صوم يوم القضاء فقياس فاسد لوجهين، الأول أنه في مقابلة النص، والثاني أن من شرع في صوم القضاء شرع في واجب فلزمه، وأما صوم المسافر فغير واجب فلا يلزمه إتمامه.


    ولكن هل يشترط أن يفارق قريته، إذا عزم على السفر وارتحل فهل له أن يفطر؟
    الجواب: في هذا أيضاً قولان عن السلف.
    ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يفعله(
    [8])، وإذا تأملت الآية وجدت أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر فهو الآن مقيم وحاضر، وعليه فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية.
    أما المزارع المنفصلة عن القرية فليست منها، فإذا كانت هذه البيوت والمساكن الآن، وانفصلت عنها المزارع فإنه يجوز الفطر، فالمهم أن يخرج عن البلد أما قبل الخروج فلا؛ لأنه لم يتحقق السفر.
    فالصحيح أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد.
    وإذا جاز أن يفطر خلال اليوم، فهل له أن يفطر بالأكل والشرب أو بأي مفطر شاء؟
    الجواب: له أن يفطر بالأكل والشرب وجماع أهله،
    وغير ذلك من المفطرات.
    حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا:
    يجب عليهما القضاء؛ لأن الله تعالى فرض الصيام على كل مسلم، وقال في المريض والمسافر: {{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] مع أنهما مفطران بعذر، فإذا لم يسقط القضاء عمن أفطر لعذر من مرض أو سفر، فعدم سقوطه عمن أفطرت لمجرد الراحة من باب أولى.
    وأما الإطعام فله ثلاث حالات:
    الحال الأولى: أن تفطرا خوفاً على أنفسهما فتقضيا
    ن فقط، يعني أنه لا زيادة على ذلك.
    الحال الثانية: أن تفطرا خوفاً على ولديهما فقط، فتقضيان، وتطعمان لكل يوم مسكيناً.
    أما القضاء فواضح؛ لأنهما أفطرتا، وأما الإطعام فلأنهما أفطرتا لمصلحة غيرهما، فلزمهما الإطعام، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله:{{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}} [البقرة: 184] قال: «كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً، والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا» ، رواه أبو داود(
    [9])
    وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما(
    [10])
    الحال الثالثة: إذا أفطرتا لمصلحتهما، ومصلحة الجنين، أو الطفل .
    وعلى هذا فتقضيان فقط، فيكون الإطعام في حال واحدة وهي: إذا كان الإفطار لمصلحة الغير، الجنين أو الطفل، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
    والقول الثاني: أنه لا يلزمهما القضاء، وإنما يلزمهما الإطعام فقط سواء أفطرتا لمصلحتهما أو مصلحة الولد أو للمصلحتين جميعاً واستدلوا بما يأتي:


    1 ـ حديث: «إن الله وضع الصيام عن الحبلى والمرضع» (
    [11])
    2 ـ أثر ابن عباس رضي الله عنهما: «... والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا» (
    [12]) ولم يذكر القضاء.
    القول الثالث: التخيير بين القضاء والإطعا
    م.
    القول الرابع: يلزمها القضاء فقط دون الإطعام(
    [13])، وهذا القول أرجح الأقوال عندي؛ لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض، والمسافر، فيلزمهما القضاء فقط، وأما سكوت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن القضاء فلأنه معلوم.
    وأما حديث: «إن الله تعالى وضع الصيام عن الحبلى والمرضع» فالمراد بذلك وجوب أدائه، وعليهما القضاء.
    وسبب الخلاف أنه ليس هناك نص قاطع صحيح وصريح في وجوب أحد هذه الأمور.


    ([1]) «المحلى» (6/247).
    ([2]) سبق تخريجه
    ([3]) سبق تخريجه
    ([4]) سبق تخريجه

    ([5]) وبه قال الأصحاب، ورتبوا على ذلك فقالوا: يعايا بها، فيقال: مسلم مكلف أفطر في رمضان لم يلزمه قضاء ولا كفارة.
    وجوابه: كبير عاجز عن الصوم كان مسافراً.
    ([6]) «الإنصاف» (3/289).
    ([7]) سبق تخريجه
    ([8]) أخرجه البيهقي (4/247) وانظر: «الإرواء» (4/64).
    ([9]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى (2318)، والدارقطني (2/207) وصححه الألبانى فى الإرواء (913)
    ([10]) أخرجه الشافعي (1/266)؛ والدارقطني (2/207) وصححه؛ والبيهقي (4/230). وصححه الألبانى في «الإرواء» (4/20).
    ([11]) أخرجه الإمام أحمد (4/347)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في الصوم في السفر (2408)؛ والترمذي في الصيام/ باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع (715)؛ والنسائي في الصوم/ باب وضع الصيام عن المسافر (4/180)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع (1667) عن أنس بن مالك ـ أحد بني قُشَير ـ رضي الله عنه، وحسنه الترمذي، وقال الألبانى في «المشكاة» (2025) «سنده جيد».
    ([12]) سبق تخريجه
    ([13]) أخرجه الشافعي (1/266)؛ والدارقطني (2/207) وصححه؛ والبيهقي (4/230). وصححه الألبانى في «الإرواء» (4/20).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (7)




    الإفطارُ لمصلحة الغير:
    إذا قال قائل: أرأيتم لو أفطر شخص لمصلحة الغير في غير مسألة الحبلى والمرضع، مثل أن يفطر لإنقاذ غريق أو لإطفاء حريق، فهل يلزمه
    القضاء والإطعام؟
    الجواب: أما على القول الذي رجحناه من أنه ليس على الحامل والمرضع إلا القضاء، فليس على المنقذ إلا القضاء، وأما على القول بوجوب القضاء والإطعام عليهما في محله ففيه قولان:
    القول الأول: يلزمه القضاء والإطعام، قياساً على الحامل والمرضع إذا أفطرتا لمصلحة الولد.
    والقول الثاني: لا يلزمه إلا القضاء فقط، واستدل لذلك بأن النص إنما ورد في الحبلى والمرضع دون غيرهما.
    وأجيب عن هذا بأنه، وإن ورد النص بذلك، فالقياس في هذه المسألة تام، وهو أنه أفطر لمصلحة الغير.
    والإفطار لمصلحة الغير له صور منها:
    1 ـ إنقاذ غريق، مثل أن يسقط رجل معصوم في الماء، ولا يستطيع أن يخرجه إلا بعد أن يشرب، فنقول: اشرب وأنقذه.
    2 ـ إطفاء الحريق، كأن يقول: لا أستطيع أن أطفئ الحريق حتى أشرب، فنقول: اشرب وأطفئ الحريق.
    وفي هذه الحال إذا أخرج الغريق وأطفأ الحريق
    ، هل له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟

    الجواب: نعم له أن يأكل ويشرب بقية اليوم، لأنه أذن له في فطر هذا اليوم، وإذا أذن له في فطر هذا اليوم، صار هذا اليوم في حقه من الأيام التي لا يجب إمساكها، فيبقى مفطراً إلى آخر النهار.
    3 ـ وكذلك لو أن شخصاً احتيج إلى دمه، بحيث أصيب رجل آخر
    بحادث ونزف دمه، وقالوا: إن دم هذا الصائم يصلح له، وإن لم يتدارك هذا المريض قبل الغروب فإنه يموت، فله أن يأذن في استخراج دمه من أجل إنقاذ المريض، وفي هذه الحال يفطر بناءً على القول الراجح، في أن ما ساوى الحجامة فهو مثلها، وسيأتي الخلاف في هذه المسألة، وأن المذهب لا يفطر بإخراج الدم إلا بالحجامة فقط دون الفصد والشرط، والصحيح أن ما كان بمعناها يأخذ حكمها.
    حكمُ الجنون، والإغماء، والنوم:
    هذه ثلاثة أشياء متشابهة: الجنون، والإغماء، والنوم، وأحكامها تختلف.
    أولاً: الجنون، فإذا جن الإنسان جميع النهار في رمضان من قبل الفجر حتى غربت الشمس فلا يصح صومه؛ لأنه ليس أهلاً للعبادة، ومن شرط الوجوب والصحة العقل، وعلى هذا فصومه غير صحيح، ولا يلزمه القضاء، لأنه ليس أهلاً للوجوب.
    ثانياً: المغمى عليه، فإذا أغمي عليه بحادث، أو مرض ـ بعد أن تسحر ـ جميع النهار، فلا يصح صومه؛ لأنه ليس بعاقل، ولكن يلزمه القضاء؛ لأنه مكلف، وهذا قول جمهور العلماء([1]).
    وقال صاحب الفائق أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ويسمى ابن قاضي الجبل، وله اختيارات جيدة جداً، قال: إن المغمى عليه لا يلزمه القضاء كالإنسان الذي أغمي عليه أوقات الصلاة، فإن جمهور العلماء لا يلزمونه بالقضاء، وقال: إنه لا فرق بين الصلاة والصوم.
    ولو فرض أن الرجل أغمي عليه قبل أذان الفجر، وأفاق بعد طلو
    ع الشمس لصح صومه، وأما صلاة الفجر فلا تلزمه على القول الراجح؛ لأنه مر عليه الوقت وهو ليس أهلاً للوجوب.
    الثالث: النائم ، فإذا تسحر ونام من قبل أذان الفجر، ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس، فصومه صحيح، لأنه من أهل التكليف ولم يوجد ما يبطل صومه،
    ولا قضاء عليه.
    والفرق بينه وبين المغمى عليه أن النائم إذا أوقظ يستيقظ بخلاف المغمى عليه.
    وجوبُ تعيين نيَّةِ الصوم الواجب من الليل([2]):
    النية، والإرادة، والقصد معناها واحد، فقصد الشيء يعني نيته، وإرادة الشيء يعني نيته، والنية لا يمكن أن تتخلف عن عمل اختياري، يعني أن كل عمل يعمله الإنسان مختاراً فإنه لا بد فيه من النية، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات»([3]) يعني أنه لا عمل بلا نية، حتى قال بعض العلماء: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، يعني لو قال الله لنا توضؤوا بلا نية، أو صلوا بلا نية، أو صوموا
    بلا نية، أو حجوا بلا نية، لكان هذا من تكليف ما لا يطاق، فمن يطيق أن يفعل فعلاً مختاراً، ولا ينوي؟
    وبذلك نعرف أن ما يحصل لبعض الناس من الوسواس؛ حيث يقول: أنا ما نويت! أنه وهم لا حقيقة له، وكيف يصح أنه لم ينو وقد فعل.

    وذكروا عن ابن عقيل ـ رحمه الله ـ وهو من المتكلمين والفقهاء، أنه جاءه
    رجل فقال له: يا شيخ إنني أغتسل في نهر دجلة، ثم أخرج وأرى أنني لم أطهر؟
    فقال له ابن عقيل: لا تصل، فقال: كيف؟
    قال: نعم، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة... عن المجنون حتى يفيق»([4]) وأنت تذهب إلى دجلة، وتنغمس فيه، وتغتسل من الجنابة، ثم تخرج وترى أنك ما تطهرت هذا الجنون، فارتدع الرجل عن هذا.
    هل تجبُ النية لكل يوم من أيام رمضان؟
    ذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله، م
    ا لم يقطعه لعذر فيستأنف النية، وعلى هذا فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله، فإنه يجزئه عن الشهر كله، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد للصوم يجب عليه أن يجدد النية.
    وهذا هو الأصح؛ لأن المسلمين جميعاً لو سألتهم لقال كل واحد منهم: أنا ناو الصوم من أول الشهر إلى آخره، وعلى هذا فإذا لم تقع النية في كل ليلة حقيقة فهي واقعة حكماً؛ لأن الأصل عدم قطع النية، ولهذا قلنا: إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فلا بد من تجديد النية، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس ولا يسع الناس العمل إلا عليه.([5])
    مسألة: رجل عليه صيام شهرين متتابعين، يلزمه أن ينوي لكل ي
    وم نية جديدة، وعلى القول الذي اخترناه لا يلزمه؛ لأن هذا يلزم فيه التتابع، فإذا أمسك في أوله فهو في النية حكماً إلى أن ينتهي، وعليه فإذا نوى حينما شرع في صوم الشهرين المتتابعين فإنه يكفيه عن جميع الأيام، ما لم يقطع ذلك لعذر، ثم يعود إلى الصوم فيلزمه أن يجدد النية.
    وبناءً على هذا القول لو نام رجل في رمضان بعد العصر، ولم يفق إلا من الغد بعد الفجر صح صومه؛ لأن النية الأولى كافية، والأصل بقاؤها ولم يوجد ما يزيل استمرارها.
    يصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال أو بعده :
    فصيام النفل يصح بنية أثناء النهار، ولكن بشرط ألا يأتي مفطِّراً من بعد طلوع الفجر، فإن أتى بمفطر فإنه لا يصح.
    مثال ذلك: رجل أصبح وفي أثناء النهار صام، وهو لم يأكل، ولم يشرب، ولم يجامع، ولم يفعل ما يفطّر بعد الفجر، فصومه صحيح مع أنه لم ينو من قبل الفجر.
    ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل ذات يوم على أ
    هله فقال: «هل عندكم من شيء؟ قالوا: لا، قال فإني إذاً صائم» .([6])

    وقوله «إذاً» في الحديث ظرف للزمان الحاضر فأنشأ النية من النهار، فدل ذلك على جواز إنشاء النية في النفل في أثناء النهار، فإذا قال قائل: قد ننازع في دلالة هذا الحديث ونقول معنى «إ
    ني إذاً صائم» أي: ممسك عن الطعام، من الذي يقول: إن المراد بالصوم هنا الصوم الشرعي؟
    قلنا: عندنا قاعدة شرعية أصولية وهي أن الكلام المطلق يحمل على الحقيقة في عرف المتكلم به، والحقيقة الشرعية في الصوم هي التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فلا يمكن أن نحمل لفظاً جاء في لسان الشارع على معناه اللغوي وله حقيقة شرعية.
    نعم لو فرض أنه ليس هناك حقيقة شرعية حملناه على الحقيقة اللغوية، أما مع وجود الحقيقة الشرعية فيجب أن يحمل عليها، ولهذا لو قال قائل: والله لا أبيع اليوم شيئاً، فذهب فباع خمراً، هل عليه كفارة يمين؟ نقول ليس عليه كفارة يمين، لأن هذا البيع ليس بيعاً شرعياً فهو حرام وكل شرط ليس في كتاب ا
    لله فهو باطل، وكل عقد ليس في كتاب الله فهو باطل، نعم إذا قال أنا قصدي بالبيع مطلق البيع شرعياً أو غير شرعي، حينئذ نقول هذا يصدق عليه أنه بيع، فيحنث؛ لأن النية مقدمة على دلالة اللفظ في باب الأيمان.
    ولكن هل يثاب ثواب يوم كامل، أو يثاب من النية؟
    في هذا قول
    ان للعلماء:
    القول الأول: أنه يثاب من أول النهار؛ لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار.
    القول الثاني: أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط، فإذا نوى عند الزوال، فأجره أجر نصف يوم.
    وهذا القول هو الراجح لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ([7]) وهذا الرجل لم ينو إلا أثناء النهار فيحسب له الأجر من حين نيته.
    وبناءً على القول الراجح لو علق فضل الصوم باليوم مثل صيام الاثنين، وصيام الخميس، وصيام البيض، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونوى من أثناء النهار فإنه لا يحصل له ثواب ذلك اليوم.
    فمثلاً صام يوم الاثنين ونوى من أثناء النهار، فلا يثاب ثواب من صام يوم الاثنين من أول النهار؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صام يوم الاثنين.
    وكذلك لو أصبح مفطراً فقيل له: إن اليوم هو اليوم الثالث عشر من الشهر، وهو أول أيام البيض، فقال: إذاً أنا صائم فلا يثاب ثواب أيام البيض؛ لأنه لم
    يصم يوماً كاملاً.
    ويشترط في صحة النية من أثناء النهار في النفل ألا يفعل قبلها مفطراً، فلو أن الرجل أصبح مفطراً بأكل، وفي أثناء الضحى قال: نويت الصيام فلا يصح؛ لأنه فعل ما ينافي الصوم.
    فلو قال قائل: ألستم تقولون إنه لا يثاب على أجر الصوم إلا من النية؟
    قلنا: بلى، لكن لا يمكن أن يكون صومٌ، وقد أكل أو شرب في يومه.

    ([1]) أخرجه الشافعي (1/266)؛ والدارقطني (2/207) وصححه؛ والبيهقي (4/230). وصححه الألبانى في «الإرواء» (4/20).
    ([2]) «من الليل » أي: قبل طلوع الفجر، فيشمل ما كان قبل الفج
    ر بدقيقة واحدة، وإنما وجب ذلك؛ لأن صوم اليوم كاملاً لا يتحقق إلا بهذا، فمن نوى بعد طلوع الفجر لا يقال إنه صام يوماً، فلذلك يجب لصوم كل يوم واجب، أن ينويه قبل طلوع الفجر، وليس بلازم أن تبيت النية قبل أن تنام، بل الواجب ألا يطلع الفجر إلا وقد نويت، لأجل أن تشمل النية جميع أجزاء النهار، إذ أنه قد فرض عليك أن تصوم يوماً، فإذا كان كذلك، فلا بد أن تنويه قبل الفجر إلى الغروب.
    ودليل ذلك حديث عائشة مرفوعاً: «من لم يبيِّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له» ([2]) والمراد صيام الفرض
    ([3]) سبق تخريجه
    ([4]) سبق تخريجه
    ([5]) هل الأفضل أن ينوي القيام بالفريضة أو لا؟
    الجواب: الأفضل أن ينوي القيام بالفريضة، أي: أن ينوي صوم رمضان على أنه قائم بفريضة؛ لأن الفرض أحب إلى الله من النفل.

    قال في الروض: «من قال أنا صائم غداً إن شاء الله متردداً فسدت نيته، لا متبركاً» أي: إذا قال أنا صائم غداً إن شاء الله ننظر هل مراده الاستعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده، إن قال: نعم، فصيامه صحيح؛ لأن هذا ليس تعليقاً، ولكنه استعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده؛ لأن التعليق بالمشيئة سبب لتحقيق المراد، ويدل لهذا حديث نبي الله سليمان بن داود ـ عليهما الصلاة والسلام ـ حين قال: «والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فطاف على تسعين امرأة يجامعهن، ولم تلد منهن إلا واحدة شق إنسان» فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو قال إن شاء الله لكان دركاً لحاجته» ([5])، وإن قال ذلك متردداً يعني لا يدري هل يصوم أو لا يصوم، فإنه لا يصح؛ لأن النية لا بد فيها من الجزم، فلو بات على هذه النية بأن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله متردداً، فإنّ صومه لا يصح إن كان فرضاً، إلا أن يستيقظ قبل الفجر وينويه.
    وقال في الروض: «ويكفي في النية الأكل والشرب، بنية الصوم»([5]) أي: لو قام في آخر الليل وأكل على أنه سحور لكفى؛ حتى قال شيخ الإسلام: إن عشاء الصائم الذي يصوم غداً يختلف عن عشاء من لا يصوم غداً، فالذي لا يصوم عشاؤه أكثر، لأن الصائم سوف يجعل فراغاً للسحور.
    ([6]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال (1154) (170) عن عائشة رضي الله عنها.
    ([7]) سبق تخريجه



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (8)




    حكمُ مَن نوى إذا كان الغدُ من رمضان فهو فرضه:
    مثال ذلك: رجل نام في الليل مبكراً ليلة الثلاثين من شعبان، وفيه احت
    مال أن تكون هذه الليلة هي أول رمضان، فقال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، أو قال: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، أو قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرض، وإلا فهو عن كفارة واجبة، أو ما أشبه ذلك من أنواع التعليق.
    فالمذهب أن الصوم لا يصح؛ لأن قوله: إن كان كذا فهو فرضي، وقع على وجه التردد، والنية لا بد فيها من الجزم، فلو لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، ثم تبين أنه من رمضان، فعليه قضاء هذا اليوم، على المذهب.

    والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الصوم صحيح إذا تبين أنه من رمضان، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ولعل هذا يدخل في عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم لضباعة بنت الزبير ـ رضي
    الله عنها ـ: «فإن لك على ربك ما استثنيت»([1]) فهذا الرجل علقه لأنه لا يعلم أن غداً من رمضان، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر، لا على التردد في النية، وهل يصوم أو لا يصوم؟
    ولهذا لو قال من يباح له الفطر ليلة الواحد من رمضان، أنا غداً يمكن أن أصوم، ويمكن ألا أصوم، ثم عزم على الصوم بعد طلوع الفجر، لم يصح صومه لتردده في النية.
    لكن إذا علق الصوم على ثبوت الشهر، فهذا هو الواقع فلو لم يثبت الشهر لم يصم، وعلى هذا فينبغي لنا إذا نمنا قبل أن يأتي الخبر ليلة الثلاثين من شعبان، أن ننوي في أنفسنا أنه إن كان غداً من رمضان فنحن صائمون، وإن كانت نية كل مسلم على سبيل العموم أنه سيصوم لو كان من رمضان، لكن تعيينها أحسن، فيقول في نفسه إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، فإذا تبين أنه من رمضان بعد طلوع الفجر صح صومه.

    ولو قال ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، وإلا فأنا مفطر قالوا: إن هذا جائز، مع أن فيه تردداً في النية ولكنه مبني على ثبوت الشهر، فإذا كان كذلك فينبغي أن يكون في أول الشهر كما كان في آخره، لكن فرقوا بأنه في أول الشهر الأصل عدم الصوم؛ لأنه لم يثبت دخول الشهر، وفي آخره بالعكس الأصل الصوم لأن الغد من
    رمضان ما لم يثبت خروجه، ولكن هذا التفريق غير مؤثر بالنسبة للتردد؛ فكلاهما متردد، والاحتمال في كليهما وارد، فيوم الثلاثين من شعبان فيه التردد هل يكون من رمضان أم لا؟ ويوم الثلاثين من رمضان فيه التردد هل يكون من رمضان أم لا؟
    حكمُ من نوى الإفطار أثناء صومه:
    من نوى الإفطار أفطر, والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات»(
    [2]) فما دام ناوياً الصوم فهو صائم، وإذا نوى الإفطار أفطر، ولأن الصوم نية وليس شيئاً يفعل، كما لو نوى قطع الصلاة فإنها تنقطع الصلاة.
    وبناء على ذلك لو نواه بعد ذلك نفلاً في أثناء النهار جاز، إلا أن يكون في رمضان، فإن كان في رمضان فإنه لا يجوز؛ لأنه لا يصح في رمضان صوم غيره.

    مسائل
    الأولى: إنسان صائم نفلاً، ثم نوى الإفطار، ثم قيل له: كيف تفطر لم يبق من الوقت إلا
    أقل من نصف اليوم؟ قال: إذاً أنا صائم، هل يكتب له صيام يوم أو من النية الثانية؟
    الجواب: من النية الثانية؛ لأنه قطع النية الأولى وصار مفطراً.
    الثانية: إنسان صائم وعزم على أنه إن وجد ماء شربه فهل يفسد صومه؟
    الجواب: لا يفسد صومه؛ لأن المحظور في العبادة لا تفسد العباد
    ة به، إلا بفعله ولا تفسد بنية فعله.
    وهذه قاعدة مفيدة وهي أن من نوى الخروج من العبادة فسدت إلا في الحج والعمرة، ومن نوى فعل محظور في العبادة لم تفسد إلا بفعله.
    ولهذا أمثلة منها ما ذكرناه هنا في مسألة الصوم.
    ومنها ما لو كان متحرياً لكلام من الهاتف فدخل في الصلاة ومن نيته أنه إن كلمه من يتحراه، أجابه، فلم يكلمه فصلاته لا تفسد.
    الثالثة: سبق أن من نوى الإفطار أنه يفطر، فهل يباح له الاستمرار في الفطر بالأكل، والشرب، مثلاً؛ وهو في رمضان؟
    الجواب: إن كان ممن يباح له الفطر؛ كالمريض والمسافر فلا بأس، وإن كان لا يباح له الفطر، فيلزمه الإمساك والقضاء، مع الإثم.
    وقولنا يلزمه القضاء؛ لأنه لما شرع فيه ألزم نفسه به فصار في حقه كالنذر؛ بخلاف مَنْ لم يصم من الأصل متعمداً، فهذا لا يقضي، ولو قضاه لم يقبل منه؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أم
    رنا فهو رد»([3]). وأما حديث: «من أفطر يوماً من رمضان متعمداً لم يقضه صوم الدهر» ([4]) فهذا حديث ضعيف وعلى تقدير صحته، يكون المعنى أنه لا يكون كالذي فعل في وقته.

    المُفَطِّراتُ
    المفسد للصوم يسمى عند العلماء المفطرات، وأصولها ثلاثة ذكرها الله ـ عزّ وجل ـ في قوله: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}} [البقرة: 187] . وقد أجمع العلماء على أن هذه الثلاثة تفسد الصوم، وما سوى ذلك سيأتي
    إن شاء الله الكلام عليه.
    قوله: «ويوجب الكفارة» الكفارة «الـ» هنا للعهد الذهني، فهي الكفارة المعروفة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
    1- الأكل والشرب متعمدا:
    والأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم.
    وقولنا إدخال الشيء يشمل ما ينفع وما يضر، وما لا يضر ولا ينفع، فما ينفع كاللحم والخبز وما أشبه ذلك، وما يضر كأكل الحشيشة ونحوها، ما لا نفع فيه ولا ضرر مثل أن يبتلع خرزة سبحة أو نحوها؛ ووجه العموم إطلاق الآية {{كُلُوا وَاشْرَبُوا}} وهذا يسمى أكلاً.
    وقال بعض أهل العلم: إن ما لا يغذي لا فطر بأكله، وبناءً على هذا فإنّ بلع الخرزة أو الحصاة أو ما أشبههما لا يفطر.
    والصحيح أنه عام، وأن كل ما ابتلعه الإنسان من نافع أو ضار، أو ما لا نفع فيه ولا ضرر فإنه مفطر لإطلاق الآية.
    الشرب يشمل ما ينفع وما يضر، وما لا نفع فيه ولا ضرر، فكل ما يشرب من ماء، أو مرق، أو لبن، أو دم، أو دخان، أو غير ذلك.
    تنبيه:

    - يلحق بالأكل والشرب ما كان بمعناهما، كالإبر المغذية التي تغني عن الأكل والشرب.
    - السعوط ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف، فإنه مفطر؛ لأن الأنف منفذ يصل إلى المعد
    ة، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» ([5]) وهذا يدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق، ولا نعلم لهذا علة إلا أن المبالغة تكون سبباً لوصول الماء إلى المعدة، وهذا مخل بالصوم، وعلى هذا فنقول: كل ما وصل إلى المعدة عن طريق الأنف أو الفم فإنه مفطر.
    2- القىءُ العمدُ:

    « استقاء» أي: استدعى القيء، ولكن لا بد من قيء، فلو استدعى القيء ولكنه لم يقئ فإن صومه لا يفسد، بل لا يفسد إلا إذا استقاء فقاء، ولا فرق بين أن يكون القيء قليلاً أو كثيراً.
    أما ما خرج بالتعتعة من الحلق فإنه لا يفطر، فلا يفطر إلا ما خرج من المعدة، سواء كان قليلاً أو كثيراً، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من استقاء عمداً فليقض، ومن ذرعه القيء ف
    لا قضاء عليه»([6])، «ذرعه» أي: غلبه.
    واستدعاء القيء له طرق: النظر، الشم، والعصر، والجذب، وربما نقول السمع أيضاً.
    أما النظر: فكأن ينظر الإنسان إلى شيءٍ كريهٍ فتتقزز نفسه ثم يقيء.
    وأما الشم: فكأن يشم رائحة كريهة فيقيء.
    وأما العصر: فكأن يعصر بطنه عصراً ش
    ديداً إلى فوق ثم يقيء.
    وأما الجذب: بأن يدخل أصبعه في فمه حتى يصل إلى أقصى حلقه ثم يقيء.
    أما السمع: فربما يسمع شيئاً كريهاً.
    وقال بعض العلماء: إنه لا فطر في القيء ولو تعمده بناءً على قاعدة قعدوها، وهي: «الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل»، وضعفوا حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وقالوا: إنه مخالف للقياس مع ضعف سنده، والجواب: أن يقال أين الدليل على هذه القاعدة، فهذا لحم الإبل ينقض وهو داخل، فسيقولون لا ينقض الوضوء إلا على مذهب الإمام أحمد فقاعدتنا سليمة، قلنا لهم: إنزال المني من الصائم خارج، ويفسد الصوم.
    والصواب أن القيء عمداً مفطر؛ لأن الحديث دل عليه والقاعدة التي أس
    سوها غير صحيحة، والحكمة تقتضي أن يكون مفطراً؛ لأن الإنسان إذا استقاء ضعف واحتاج إلى أكل وشرب فنقول له لا يحل لك في الصوم الواجب سواء رمضان أو غيره أن تتقيء إلا للضرورة، فإن اضطررت إلى القيء فتقيأ ثم أعد على بدنك ما يحصل به القوة من الأكل الشرب، فهذا القول كما هو مقتضى الحديث فهو مقتضى النظر الصحيح، أما رأيهم فهو يعارض النص، والرأي المقابل للنص المعارض له فاسد لا عبرة به، ونقول لصاحبه: أأنت أعلم أم الله؟ فما دام هذا حكم الله فإنه خير من الرأي.

    ([1]) سبق تخريجه
    ([2]) سبق تخري
    جه
    ([3]) سبق تخريجه
    ([4]) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التمريض عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ مرفوعاً ـ في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان؛ ووصله أبو داود في الصيام/ باب التغليظ فيمن أفطر عمداً (2396)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في الإفطار متعمداً (723)؛ والنسائي في «الكبرى» (3265) ط/ الرسالة؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في كفارة من أفطر يوماً من رمضان (1672).
    وروي موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه البخاري معلقاً في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان، ووصله عبد الرزاق (7467)؛ وابن أبي شيبة (3/105)؛ والبيهقي (4/228)؛ وانظر: «تغليق التعليق» (3/169). وضعفه الألبانى فى ضعيف الترغيب (605)
    ([5]) أخرجه أبو داود في الطهارة/ باب في الاستنثار (142)، والنسائي في الطهارة/ باب المبالغة في الاستنشاق (1/66) والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم... (788)، وصححه ابن
    خزيمة (150)، وابن حبان (1087). وصححه الألبانى فى المشكاة ( 405 )
    ([6]) أخرجه أحمد (2/498)؛ وأبو داود في الصيام/ باب الصائم يتقيء عمداً (2380)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء فيمن استقاء عمداً (720)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الصائم يقيء (1676)؛ والنسائي في «الكبرى» (3117)؛ وصححه ابن خزيمة (1960)؛ وابن حبان (3518)؛ والحاكم (1/427)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألبانى فى الإرواء (930)



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (9)


    تابع المفطرات
    3- الاستمناء:
    أي: طلب خروج المني بأي وسيلة، سواء بيده، أو بالتدلك على الأرض، أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة ـ رحمهم الله ـ مالك، وال
    شافعي، وأبو حنيفة، وأحمد.
    وأبى الظاهرية ذلك وقالوا: لا فطر بالاستمناء ولو أمنى([1])، لعدم الدليل من القرآن والسنة على أنه يفطر بذلك، فإن أصول المفطرات ثلاثة، وليس هذا منها فيحتاج إلى دليل، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله ورسوله .
    ولكن عندي والله أعلم أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين:
    الوجه الأول النص: فإن في الحديث الصحيح أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال في الصائم: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»([2]) والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة، والدليل على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟
    قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»([3]) والذي يوضع هو المني.
    الوجه الثاني: القياس، فنقول: جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا
    قاء، وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم، وكلا هذين يضعفان البدن.

    أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً.
    وأما خروج الدم فظاهر أيضاً أنه يضعف البدن، ولهذا ينصح من احتجم أو تبرع لأ
    حد بدم من جسمه، أن يبادر بالأكل السريع الهضم والسريع التفرق في البدن، حتى يعوض ما نقص من الدم، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على الحجامة والقيء، وعلى هذا نقول: إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطر للدليل والقياس.
    حكمُ المذى من الصائم:
    المذي هو ماء رقيق يحصل عقيب الشهوة بدون أن يحس به الإنسان عند خروجه، وهو بين البول والمني من حيث النجاسة، فالمني طاهر موجب لغسل جميع البدن، والبول نجس موجب لغسل ما أصاب من البدن والملابس، والمذي يوجب غسل الذكر والأنثيين، ولا يوجب الغسل إذا أصاب الملابس، بل يكفي فيه النضح كما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك([4]).
    فالمذهب أن خروج المذي مفسد للصوم كالمني، أي: إذا استمنى فأمذى، أو باشر فأمذى فإنه يفسد صومه، والذين يقولون لا يفسد بالمني يقولون لا يفسد بالمذي من باب أولى، والذين يقولون إن الصوم يفسد بالمني اختلفوا في المذي على قولين:
    فالمذهب أنه يفطر، ولا دليل له صحيح.
    والصحيح القول الثاني أنه لا يفطر؛ لأن المذي دون المني لا بالنسبة للشهوة ولا بالنسبة لانحلال البدن، ولا بالنسبة للأحكام الشرعية حيث يخالفه في كثير منها بل في أكثرها أو كلها، فلا يمكن أن يلحق به.
    وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ والحجة فيه عدم الحجة، أي عدم الحجة على إفساد الصوم به؛ لأن هذا الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أ
    ن نفسد هذه العبادة إلا بدليل.
    حكمُ الإنزال بالنظر والتفكير:
    فإن نظر نظرة واحدة فأنزل لم يفسد صومه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لك الأولى وليست لك الثانية»([5])، ولأن الإنسان لا يملك أن يجتنب هذا الشيء، فإن بعض الناس يكون سريع الإنزال وقوي الشهوة؛ إذا نظر إلى امرأته أنزل، ولو قلنا: إنه يفطر بذلك لكان فيه مشقة.

    فصار النظر فيه تفصيل، إن كرره حتى أنزل فسد صومه، وإن أنزل بنظرة واحدة لم يفسد، إلا أن يستمر حتى ينزل فيفسد صومه؛ لأن الاستمرار كالتكرار، بل قد يكون أقوى منه في استجلاب الشهوة والإنزال.
    وأما التفكير بأن فكر حتى أنزل فلا يفسد صومه، لعموم قول النبي صلّى الل
    ه عليه وسلّم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» ([6]) إلا إن حصل معه عمل يحصل به الإنزال كعبث بذكره ونحوه.
    سواء كان ذا زوجة ففكر في جماع زوجته، أو لم يكن ذا زوجة ففكر في الجماع مطلقاً، فأنزل فإنه لا يفسد صومه بذلك.
    والخلاصة:
    أولاً: المباشرة إذا أنزل فيها، فسد صومه وكذلك إذا أمذى على المذهب.
    ثانياً: النظر.
    إن كان واحدة فأنزل أو أمذى فلا شيء عليه في ذلك، وإن كرر فأمذى فلا شيء في ذلك، وإن كرَّر فأنزل فسد صومه.
    والصواب أنه لا فرق بينهما في هذه الحال الثانية وغيرها؛ وأنه لا يفسد صومه بالإمذاء مطلقاً سواء كان بمباشرة أو بنظر.
    ثالثاً: التفكير لا يفسد به صومه سواءٌ أمنى أو أمذى على ما سبق.
    مسألة: لو تحدث الرجل مع امرأته حتى أنزل هل نلحقه بالمباشرة فنقول: يفسد صومه أو نلحقه بالنظر؟
    الظاهر أنه يلحق بالنظر فيكون أخف من المباشرة، وعليه يلحق تكرار القول بتكر
    ار النظر، فإن الإنسان مع القول قد يكون أشد تلذذاً من النظر.
    شروطُ فساد الصوم:
    الشرط الأول: أن يكون عامداً، وضده غير العامد، وهو نوعان، أحدهما: أن يحصل المفطر بغير اختياره بلا إكراه، مثل أن يطير إلى فمه غبار أو دخان أو حشرة أو يتمضمض، فيدخل الماء بطنه بغير قصد فلا يفطر، وا
    لدليل على ذلك قول الله تعالى: {{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}} [الأحزاب: 5] وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد فيكون صومه صحيحاً.

    الثاني: أن يفعل ما يفطر مكرهاً عليه فلا يفسد صومه لقوله تعالى: {{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}} [النحل] فإذا كان حكم الكفر يعفى عنه مع الإكراه، فما دون الكفر من باب أولى، وعلى هذا فلو أكره الرجل زوجته على الجماع وهي صائمة، وعجزت عن مدافعته فصيامها صحيح، ويشترط لرفع الحكم أن يفعل هذا الشيء لدفع الإكراه لا للاطمئنان به، يعني أنه شرب أو أكل دفعاً للإكراه لا رضاً بالأكل أو الشرب بعد أن أكره عليه، فإن فعله رضاً بالأكل أو الشرب بعد أن أكره عليه فإنه لا يعتبر مكرهاً، هذا هو المشهور من المذهب، وقيل: بل يعتبر مكرهاً؛ لأن أكثر الناس لا سيما العوام لا يفرقون بين أن يفعلوا هذا الشيء لدفع الإكراه أو أن يفعلوه اطمئناناً به؛ لأنهم أكرهوا وعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»([7]) يشمل هذه الصورة، وهذا اختيار شيخ الإسلام.
    الثالث: أن يكون ذاكراً، وضده الناسي.
    فلو فعل شيئاً من هذه المفطرات فاسداً، فلا شيء عليه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما
    أطعمه الله وسقاه»([8]).
    وقوله صلّى الله عليه وسلّم «وهو صائم» يشمل الفريضة، والنافلة.
    وانظر قوله في الحديث «أطعمه الله» فلم ينسب الفعل إلى الفاعل، بل إلى
    الله؛ لأنه ناسٍ لم يقصد المخالفة والمعصية، ولهذا نُسب فعله إلى من أنساه وهو الله ـ عزّ وجل ـ وهذا دليل خاص.
    ولدينا دليل عام وهو قاعدة شرعية من أقوى قواعد الشريعة وهي قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] فقال الله تعالى: «قد فعلت».
    فصار في النسيان دليلان عام وخاص، وإذا اجتمع في المسألة دليلان عام وخاص فالأولى أن نستدل بالخاص؛ لأننا إذا استدللنا بالعام، فإنه قد يقول قائل هذا عام والمسألة هذه مستثناة من العموم، فقد يدعي هذا، مع أنه لو ادعاه لكانت الدعوى مردودة؛ لأن الأصل أن العموم شامل لجميع أفراده؛ والدليل على أن العام شامل لجميع أفراده؛ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنكم إذا قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض» ([9]) لأن «عباد الله الصالحين» عامة؛ ولذلك قال: «فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض» فلو استدللنا على أن الناسي إذا أكل أو شرب لا يفسد صومه بآية البقرة، فإنه استدلال صحيح، ولو ادعى مدعٍ أن هذا خارج عن العموم قلنا له أين الدليل؟
    لأن الأصل أن العام شامل لجميع أفراد العموم.
    لكن لو أكل ناسياً أو شرب ناسياً، ثم ذكر أنه صائم واللقمة في فمه، فهل يلزمه أن يلفظها؟
    الجواب: نعم يلزمه أن يلفظها؛ لأنها في الفم وهو في حكم الظاهر، ويدل على أنه في حكم الظاهر، أن الصائم لو تمضمض لم يفسد صومه، أما لو ابتلعها حتى وصلت ما بين حنجرته ومعدته لم يلزمه إخراجها، ولو حاول وأخرجها، لفسد صومه لأنه تعمد القيء.
    هل الجماعُ كغيره ؟

    الصحيح أنه كغيره والدليل عدم الدليل على الفرق، ونحن لا نفرق إلا ما فرق الله ورسوله بينه، ولم يفرق الله، ـ عزّ وجل ـ ورسوله بين الجماع وغيره إلا في مسألة واحدة وهي الكفارة.
    والصحيح اشتراط العلم، لدلالة الكتاب والسنة عليه، فتكون شروط المفطرات ثلاثة: العلم، والذكر، والعمد.
    وضد العلم الجهل، والجهل ينقسم إلى قسمين:
    1 ـ جهل بالحكم الشرعي، أي: لا ي
    دري أن هذا حرام.
    2 ـ جهل بالحال، أي: لا يدري أنه في حال يحرم عليه الأكل والشرب، وكلاهما عذر.
    والدليل لذلك قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] وإذا انتفت المؤاخذة انتفى ما يترتب عليها، وهذا دليل عام.
    وهناك دليل خاص في هذه المسألة للنوعين من الجهل:
    أما الجهل بالحكم، فدليله حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه «أنه أراد أن يصوم وقرأ قول الله تعالى: {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}} [البقرة: 187] فأتى بعقال أسود، ـ حبل تربط به يد البعير ـ وأتى بعقال أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل وينظر إلى الخيطين حتى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود» فهذا أخطأ في فهم الآية؛ لأن المراد بها أن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فلما جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبره قال له: «إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والأسود»([10]) ولم يأمره بالقضاء؛ لأنه جاهل لم يقصد مخالفة الله ورسوله ، بل رأى أن هذا حكم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فعذر بهذا.
    وأما الجهل بالحال: فقد ثبت في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ
    قالت: «أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم طلعت الشمس» ([11]) فأفطروا في النهار بناءً على أن الشمس قد غربت فهم جاهلون، لا بالحكم الشرعي ولكن بالحال، لم يظنوا أن الوقت في النهار، ولم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، لأنه من شريعة الله وإذا كان من شريعة كان محفوظاً تنقله الأمة؛ لأنه مما تتوافر الدواعي لنقله، فلما لم يحفظ، ولم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فالأصل براءة الذمة، وعدم القضاء.([12])
    مسألة: لو أن رجلاً صائماً أكل ناسياً حتى بقي عليه قليل من الطعام، فأكله متأولاً بأنه، إن كان ما سبق أكلُهُ ناسياً لا يفطر مع أنه أكثر، فأقله لا يفطر تبعاً، وإن كان ما سبق مفطراً فهو الآن غير صائم فله أكل البقية، فهل يكون معذوراً بذلك؟
    فالمذهب أنه غير معذور بالجهل فلا يكون هذا معذوراً، وعلى القول الراجح وهو العذر بالجهل يحتمل أن يكون معذوراً لتأوله، ويحتمل ألاّ يكون معذوراً لتفريطه؛ لأن الواجب عليه هنا أن يسأل، وعلى كل حال فقضاء الصوم أحوط، والله أعلم.

    ([1]) «المحلى» (6/203).
    ([2]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب فضل الصوم (1894)؛ ومسلم في الصيام/ باب حفظ اللسان للصائم (1151) (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([3]) أخرجه مسلم في الزكاة/ باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (1006) عن أبي ذر رضي الله عنه.
    ([4]) أخرجه البخاري في العلم/ باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال (132)، ومسلم في الحيض/ باب المذي (303) عن علي رضي الله عنه.
    ([5]) أخرجه الإمام أحمد (5/351)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في ما يؤمر به من غض البصر (2149)؛ والترمذي في الأدب/ باب ما جاء في نظرة الفجاءة (2777)؛ والحاكم (2/194)، عن بريدة رضي الله عنه ولفظه: «ولي
    ست لك الآخرة». وقال الترمذي: «حسن غريب»، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في «غاية المرام» (183).
    ([6]) أخرجه البخاري في العتق/ باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه (2528)؛ ومسلم في الإيمان/ باب إذا هم العبد بحسنة (127) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([7]) أخرجه ابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق المكره والناسي (2043) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، ولفظه: «إن الله تجاوز لي عن أمتي...»؛ وأخرجه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (2045) ولفظه: «إن الله وضع عن أمتي...» وصححه ابن حبان (7219)، وصححه الحاكم (2/198) على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وصححه الألبانى فى الإرواء (1027)

    ([8]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً (1933)؛ ومسلم في الصيام/ باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155).
    ([9]) أخرجه البخاري في الأذان/ باب التشهد في الآخرة (831) ومسلم في الصلاة/ باب التشهد في الصلاة (402) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
    ([10]) أخرجه البخاري في التفسير/ باب {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} (4509)؛ ومسلم في الصيام/ باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (1090) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.
    ([11]) سبق تخريجه
    ([12]) وهذه قاعدة مهمة أشرنا إليها من قبل وهي أننا إذا شككنا في وجوب شيء أو تحريمه فالأصل عدمه، إلا في العبادات فالأصل فيها التحريم.

    ولكن من أفطر قبل أن تغرب الشمس إذا تبين أن الشمس لم تغرب، وجب عليه الإمساك، لأنه أفطر بناءً على سبب، ثم تبين عدمه، وهذا يجرنا إلى مسألة مهمة وهي أن من بنى قوله على سبب، تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله، وهذه لها فروع كثيرة من أهمها:
    ما يقع لبعض الناس في الطلاق، يقول لزوجته مثلاً: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، بناءً على أنه عنده آلات محرمة مثل المعازف أو غيرها، ثم يتبين أنه ليس عنده شيء من ذلك، فهل إذا دخلت تطلق أو لا؟
    الجواب: لا تطلق، لأنه مبني على سبب تبين عدمه، وهذا هو القياس شرعاً وواقعاً.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (10)



    حكمُ مَن دخل الماء فى جوفه أثناء الاستنشاق:
    فإذا استنشق الماء في الوضوء مثلاً، ثم نزل الماء
    إلى حلقه فإنه لا يفطر لعدم القصد([1]).
    مسألة: لو يبس فمه كما يوجد في أيام الصيف، ومع بعض الناس بحيث يكون ريقه قليلاً ينشف فمه، فيتمضمض من أجل أن يبتل فمه، أو تغرغر بالماء ونزل إلى بطنه، فلا يفطر بذلك؛ لأنه غير مقصود، إذ لم يقصد الإنسان أن ينزل الماء إلى بطنه، وإنما أراد أن يبل فمه، ونزل الماء بغير قصد.

    حكمُ مَن أتى مفطراً، وهو شاك في طلوع الفجر:
    أي: من أتى مفطراً، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187] وضد التبين الشك والظن، فما دمنا لم يتبين الفجر لنا فلنا أن نأكل ونشرب؛ لقوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] وهذا من الخطأ.
    ولحديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ حيث أكلوا يظنون غروب الشمس، ثم طلعت([2])؛ وإذا كان هذا في آخر النهار فأوله من باب أولى؛ لأن أوله مأذون له في الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر.
    وهذه المسألة لها خمسة أقسام:
    1 ـ أن يتيقن أن الفجر لم يطلع، مثل أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخام
    سة، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح.
    2 ـ أن يتيقن أن الفجر طلع، كأن يأكل في المثال السابق في الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد.
    3 ـ أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع؟ فصومه صحيح.
    4 ـ أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنه أن ا
    لفجر طالع فصومه صحيح أيضاً.
    5 ـ أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان، فصومه صحيح.
    كل هذا يؤخذ من قوله تعالى: {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187] .

    وهل يقيد هذا فيما إذا لم يتبين أنه أكل بعد طلوع الفجر؟
    الراجح أنه لا يقيد، حتى لو تبين له بعد ذلك أن الفجر قد طلع، فصومه صحيح بناءً على العذر بالجهل في الحال.
    وأما على المذهب فإذا تبين أن أكله كان بعد طلوع الفجر فعليه القضاء بناءً على أنه لا يعذر بالجهل، والصواب أنه لا قضاء عليه ولو تبين له أنه بعد الصبح؛ لأنه كان جاهلاً؛ ولأن الله أذن له أن يأكل حتى يتبين، ومن القواعد الفقهية المقررة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، أي: ليس له حكم لأنه مأذون فيه.
    والفرق بين من أكل شاكاً في طلوع الفجر، ومن أكل شاكاً في غروب الشمس، أن الأول بانٍ على أصل وهو بقاء الليل، والثاني أيضاً بان على أصل وهو بقاء النهار، فلا يجوز أن يأكل مع الشك في غروب الشمس، وعليه القضاء ما لم نعلم أنه أكل بعد غروب الشمس، فإن علمنا أن أكله كان بعد الغروب
    ، فلا قضاء عليه.
    ويجوز أن يأكل إذا تيقن، أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، حتى على المذهب إذا غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، فله أن يفطر ولا قضاء عليه ما لم يتبين أنها لم تغرب.
    مسألة: إن أكل ظاناً أن الشمس غربت، ولم يتبين الأمر فصومه صحيح، فإن تبين أنها لم تغرب فالصحيح أنه لا قضاء عليه، والمذهب أن عليه القضاء.
    فإن قال قائل: ما الدليل على أنه يجوز الفطر بالظن مع أن الأصل بقاء النهار؟
    فالجواب: حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت: «أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم»([3]) وإفطارهم بناءً على ظن قطعاً؛ لقولها في هذا الحديث «ثم طلعت الشمس» ،
    فدل ذلك على أنه يجوز أن يُفطر بظن الغروب، ثم إن تبين أن الشمس غربت فالأمر واضح، أو لم يتبين شيء فالأمر أيضاً واضح، وإن تبين أنها لم تغرب وجب القضاء على المذهب، وعلى القول الراجح لا يجب القضاء.
    مسألة: رجل غابت عليه الشمس وهو في الأرض وأفطر وطارت به الطائرة ثم رأى الشمس؟
    نقول: لا يلزم أن يمسك؛ لأن النهار في حقه انتهى، والشمس لم تطلع عليه بل هو طلع عليها، لكن لو أنها لم تغب وبقي خمس دقائق ثم طارت الطائرة ولما ارتفعت، إذ الشمس باقٍ عليها ربع ساعة أو ثلث، فإن صيامه يبقى؛ لأنه ما زال عليه صومه.

    حكمُ مَن أكل يعتقد أنه في ليل، فبان نهاراً:
    لو أكل يعتقد أنه في ليل، فبان نهاراً .
    مثاله: أكل السحور يعتقد أن الفجر لم يطلع، فتبين أنه طالع فالمذهب يجب عليه القضاء، وهذا يقع كثيراً، يقوم الإنسان من فراشه ويقرب سحوره ويأكل ويشرب، وإذا بالصلاة تقام فيكون قد أكل في النهار، فعليه القضاء على المذهب.
    والقول الراجح أنه لا قضاء عليه وسبق دليله.
    وكذلك إذا أكل يعتقد أن الشمس غربت، ثم تبين أنها لم تغرب فهو أكل يعتقد أنه في ل
    يل فبان أنه في نهار، فيلزمه على المذهب القضاء، وعلى القول الراجح لا يلزمه.
    ودليله حديث أسماء السابق، حيث لم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء، وهذا دليل خاص، ومن الأدلة العامة قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] .
    إذاً الفرق بين أول النهار وآخره، أنه يجوز في أول النهار الأكل مع الشك، وفي آخر النهار لا يجوز الأكل مع الشك.
    مسألة: الناس الذين على الجبال أو في السهول والعمارات الشاهقة، كلٌ منهم له حكمه، فمن غابت عنه الشمس حل له الفطر، ومن لا فلا.
    الجِماع:
    الجماع من مفطرات الصائم، ودليله الكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا ا
    لصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}} [البقرة: 187]
    وأما السنة فستأتي.
    وأما الإجماع فهو منعقد على أنه مفطر.
    حالات مَن جامع فى نهار رمضان وشروطها:
    الشرط الأول: أن يكون ممن يلزمه الصوم، فإن كان ممن لا يلزمه الصوم، كالصغير، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة.
    الشرط الثاني: ألاَّ يكون هناك مسقط للصوم، كما لو كان في سفر، وهو صائم، فجامع زوجته، فإنه لا إثم عليه، ولا كفارة، وإنما عليه القضاء فقط لقوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] .

    مثال آخر: رجل مريض صائم وهو ممن يباح له الفطر بالمرض، لكنه تكلف وصام، ثم جامع زوجته فلا كفارة عليه، لأنه ممن يحل له الفطر.
    الشرط الثالث: أن يكون في قبل أو دبر وإليه الإشارة.
    «فعليه القضاء» ؛ لأنه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وذهب بعض العلماء إلى أن من أفسد صومه عامداً بدون عذر، فلا قضاء عليه وليس عدم القضاء تخفيفاً، لكنه لا ينفعه القضاء، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ .
    لكن لو قال قائل يرد على هذا القول: إنكم إذا قلتم بذلك فمعناه أن المفطرات لا فائدة منها؛ لأنكم تشترطون في المفطرات أن يكون متعمداً وأنتم تقولون: إذا أفطر متعمداً فلا قضاء
    فكيف ذلك؟
    الجواب: نقول على هذا الرأي تكون المفطرات نافعة فيما إذا جاز الفطر لعذر، أما إذا كان لغير عذر فإن هذه المفطرات تفسد صومه ولا يلزمه القضاء، لكن جمهور أهل العلم على أنه يلزمه القضاء، ولو تعمد الفطر بخلاف الرجل الذي لم يصم ذلك اليوم أصلاً وتركه متعمداً، فإن الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أنه لا ينفعه القضاء، والفرق بين هذه المسألة وبين من شرع في الصوم أن من شرع في الصوم فقد التزمه وألزم نفسه به، فإذا أفسده ألزم بقضائه كالنذر بخلاف من لم يصم أصلاً.
    حكمُ مَن جامع دون الفرج فأنزل:

    إذا جامع دون الفرج فأنزل، ومثاله أن يجامع بين فخذي امرأته وينزل، وعن أحمد رواية أنه تلزمه الكفارة؛ لأن الإنزال موجب للغسل فكان موجباً للكفارة كالجماع، ولكن هذا القياس فيه نظر؛ لأن الإنزال دون الجماع وإن كان موجباً للغسل فلو أن إنساناً تمتع بامرأة حتى أنزل فإنه لا يقام عليه الحد ولو جامعها أقيم عليه الحد، ولو أن إنساناً باشر امرأة حتى أنزل، في الحج لم يفسد حجه بخلاف الجماع، ولو أنه فعل ذلك في الحج فأنزل لم يكن عليه بدنة على القول الراجح؛ لأنه دون الجماع فالإنزال دون الجماع بالاتفاق فلا يمكن أن يلحق به؛ لأن من شرط القياس مساواة الفرع للأصل، فإذا لم يساوه امت
    نع القياس، فالمذهب هو الصحيح في هذه المسألة.
    والصواب أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان؛ لأن الكفارة لم ترد إلا في هذه الحال، والأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، فنقتصر على ما جاء به النص فقط.
    وظاهره أن الكفارة تجب بالجماع، وإن لم يحصل إنزال، وهو كذلك؛ لأن الكفارة مرتبة على الجماع؛ لقوله في حديث الأعرابي: «وقعت على امرأتي» فجعل العلة الوقاع ولم يذكر الإنزال.
    حكمُ المرأة إذا جُومعت وكانت معذورة بجهل، أو نسيان، أو إكراه:
    إذا كانت المرأة معذورة بجهل، أو نسيان، أو إكراه؛ فإن عليها القضاء دون الكفارة وسيأتي الكلام عليها.
    وعُلم من قول: «أو كانت المرأة معذورة» أنه لو كانت مطاوعة فعليها القضاء والكفارة كالرجل.
    فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب الكفارة بالجماع؟
    فالجواب: حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين «أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هلكت، قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي صلّى الله عليه وسلّم هل تجد رقبة؟ فقال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، ثم جلس الرجل، فجيئ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بتمر فقال: خذ هذا تصدق به، قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله، وا
    لله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «أطعمه أهلك»([4]) فرجع إلى أهله بتمر.
    فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب الكفارة على المرأة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر في هذا الحديث أن على المرأة كفارة، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يمكن، أي لا يمكن أن يؤخر النب
    ي صلّى الله عليه وسلّم بيان الحكم مع دعاء الحاجة إليه؟
    فالجواب: أن هذا الرجل استفتى عن فعل نفسه، والمرأة لم تستفت، وحالها تحتمل أن تكون معذورة بجهل أو إكراه، وتحتمل أن تكون غير معذورة، فلما لم تأت وتستفت سكت عنها النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يذكر أن عليها كفارة، والفتوى لا يشترطُ فيها البحث عن حال الشخص الآخر، ولهذا لما جاءت امرأة أبي سفيان للنبي صلّى الله عليه وسلّم تشتكيه بأنه لا ينفق لم يطلب أبا سفيان ليسأله، بل أذن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها([5])

    فإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب عليها؟ أليس الأصل براءة الذمة؟
    فالجواب: الدليل على ذلك أن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل، ولهذا لو أن رجلاً قذف رجلاً بالزنى لجلد ثمانين جلدة إذا لم يأت بالشهود، مع أن الآية في النساء {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}} [النور: 4] .
    فالمرأة مسكوت عنها فهي قضية عين لا يمكن أن تستدل بها على انتفاء الوجوب في حق المرأة، ولا على الوجوب ولكن القياس يقتضي أن تكون مثله، فإذا كان الفعل واحداً وكان موجباً لحد الزنى على المرأة، والحد كفارة للزاني فإنه يلزم أن يكون موجباً للكفارة هنا، كما يجب على الزوج وهذا هو الأقرب من أقوال أهل العلم، وبعض العلماء يقو
    ل لا كفارة عليها للسكوت عنها في الحديث، وبعضهم يقول: إذا أكرهت فكفارتها على الزوج لأنه هو الذي أكرهها، ولكن الصواب أنها إذا أكرهت لا شيء عليها.

    ([1]) تنبيه: ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن مناط الحكم وصول المفطر إلى المعدة، ولا شك أن هذا هو المقصود إذ لم يرد في الكتاب والسنة أن مناط الحكم هو الوصول إلى الحلق، لكن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ قالوا: إن وصوله إلى الحلق مظنة وصوله إلى المعدة، أو إن مناط الحكم وصول المفطر إلى شيء مجوف والحلق مجوف.
    ([2]) سبق تخريجه
    ([3]) سبق تخريجه

    ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر (1936)؛ ومسلم في الصيام/ باب تحريم الجماع في شهر رمضان... (1111).
    ([5]) أخرجه البخاري في البيوع/ باب من أجرى الأمصار على ما يتعارفون بينهم... (2211)؛ ومسلم في الأقضية/ باب قضية هند(1714) عن عائشة رضي الله عنها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (11)




    حكمُ الرجل المعذور الذى جامع زوجه فى نهار رمضان :
    الصحيح أن الرجل إذا كان معذوراً بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه، فليس عليها
    قضاء ولا كفارة.
    والمذهب أن عليها القضاء، وليس عليها الكفارة، وهذا من غرائب العلم أن تعذر في أحد الواجبين دون الآخر؛ لأن مقتضى العذر أن يكون مؤثراً فيهما جميعاً، أو غير مؤثر فيهما جميعاً وقد علمت الصحيح في ذلك.
    مسألة مهمة: وهي: أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، قالوا: لا يمكن الإكراه على الجماع من الرجل، أي: لا يمكن أن يكره الرجل على الجماع؛ لأن الجماع لا بد فيه من انتشار وانتصاب للذكر، والمكره لا يمكن أن يكون منه ذلك.
    فيقال: هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان إذا هُدد بالقتل أو بالحبس أو ما أشبه ذلك، ثم دنا من المرأة فلا يسلم من الانتشار، وكونهم يقولون هذا غير ممكن نقول: بل هذا ممكن.
    فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله
    عليه وسلّم أليس جاهلاً؟
    فالجواب: هو جاهل لما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول «هلكت»(
    [1])، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر.

    حكمُ مَن سافر سفراً يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته:
    مثاله: إنسان مسافر سفراً يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته، فهذا يُفطر لأنه جامع، والجماع من المفطرات وليس عليه كفارة؛ لأنه لم ينتهك حرمة الصوم حيث إن الصوم لا يجب عليه في السفر ويلزمه القضاء، وعليه فالذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ويصومون هناك، ثم يجامع أحدهم زوجته في النهار ليس عليه كفارة؛ لأنه مسافر، والمسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والأكل، هذا إذا نوى أقل من أربعة أيام، أما إذا نوى أكثر من أربعة أيام، فالمسألة خلافية معروفة.
    والصحيح أنه مسافر حتى لو أقام الشهر كله يجوز له الفطر.
    *****

    مسائل
    المسألة الأولى:
    إذا جامع في يومين بأن جامع في اليوم الأول من رمضان، وفي اليوم الثاني فإنه يلزمه كفارتان، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وإن جامع في كل يوم من الشهر فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون حسب أيام الشهر؛ وذلك
    لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول، بفساد صوم اليوم الثاني.
    وقيل: لا يلزمه إلا كفارة واحدة إذا لم يكفر عن الأول وهو وجه في مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة؛ وذلك لأنها كفارات من جنس واحد فاكتفي فيها بكفارة واحدة، كما لو حلف على أيمان متعددة ولم يكفر، فإنه إذا حنث في جميعها فعليه كفارة واحدة، وكما لو أحدث بأحداث متنوعة، فإنه يجزئه وضوء واحد، ويقال هذا أيضاً في كفارة الظهار إذا لم يكفر عن الأول.
    وأما قتل النفس فتتعدد الكفارة؛ لأنها عوض عن النفس، ك
    ما لو قتل المحرم صيوداً في الحرم.
    وهذا القول وإن كان له حظ من النظر والقوة، لكن لا تنبغي الفتيا به؛ لأنه لو أفتي به لانتهك الناس حرمات الشهر كله، لكن لو رأى المفتي الذي ترجح عنده عدم تكرر الكفارة مصلحة في ذلك، فلا بأس أن يفتي به سراً، كما يصنع بعض العلماء فيما يفتون به سراً كالطلاق الثلاث.
    المسألة الثانية:
    إذا جامع في يوم واحد مرتين، فإن كفر عن الأول لزمه كفارة عن الثاني، وإن لم يكفر عن الأول أجزأه كفارة واحدة؛ وذلك لأن الموجَب والموجِب واحد، واليوم واحد، فلا تتكرر الكفارة.
    ومذهب الأئمة الثلاثة وهو قول في المذهب لا يلزمه عن الثاني كفارة؛ لأن يومه فسد بالجماع الأول، فهو في الحقيقة غير صائم، وإن كان يلزمه الإمساك، لكن ليس هذا الإمساك مجزئاً عن صوم، فلا تلزمه الكفارة؛ لأن الكفارة تلزم إذا أفسد صوماً صحيحاً، وهذا القول له وجه من النظر أيضاً.
    مثاله: رجل جامع في أول النهار بعد طلوع الشمس بربع ساعة، ثم كفر بعتق رقبة، ثم جامع بعد الظهر، فعلى المذهب يلزمه كفارة ثانية؛ لأنه كفر عن الأولى، وهو الآن وإن كان ليس صائماً صوماً شرعياً لكنه يلزمه الإ
    مساك، وعلى القول الثاني لا تلزمه الكفارة؛ لأن الجماع لم يرد على صوم صحيح، وإنما ورد على إمساك فقط، وإذا تأملت المسألة وجدت أن القول الثاني أرجح وأنه لا يلزمه بعد أن أفسد صومه كفارة؛ لأنه ليس صائماً الآن، أما الإمساك فيلزمه الإمساك؛ لأن كل من أفطر لغير عذر حرم عليه أن يستمر في فطره.
    ولا فرق بين أن يكون الجماع واقعاً على امرأة واحدة أو اثنتين؛ فلو جامع الأولى في أول النهار، والثانية في آخره، ولم يكفر عن الأول، فعليه كفارة واحدة.

    المسألة الثالثة:
    لو قامت البينة في أثناء النهار بدخول الشهر، وكان الرجل قد جامع زوجته في
    أول النهار قبل أن يعلم بالشهر، فيجب عليه القضاء، وتجب عليه الكفارة، لأنه لزمه الإمساك في هذا اليوم، ولذلك يقول الفقهاء: يكره للإنسان أن يجامع زوجته في يوم الثلاثين من شعبان؛ لاحتمال أن تقوم البينة أثناء النهار، ثم يلزم بالكفارة، وهذا القول ضعيف لقوله تعالى: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187] ولقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا» ([2]).
    ومنها لو كان الرجل مسافراً وكان مفطراً فقدم إلى بلده، فالمذهب يلزمه أن يمسك، مع أن هذا الإمساك لا يعتد به، ولو جامع فيه فإن عليه الكفارة؛ لأنه يلزمه الإمساك.
    ومثل ذلك أيضاً إذا كان مريضاً يباح له الفطر وقد أفطر، ثم شفاه الله وزال عنه المرض الذي استباح به الفطر، فإنه على المذهب يلزمه الإمساك، فإن جامع فعليه الكفارة.
    وكذلك بالنسبة للمرأة لو طهرت من الحيض في أثناء النهار فيلزمها على المذهب الإمساك، فلو جامعها زوجها الذي يباح له الفطر فعليها الكفارة.
    والقول الثاني: أنه لا يلزمهم الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقهم غير محترم، إذ إنهم في أوله مفطرون بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلا إذا قامت البينة، فهذا شيء آخر وعلى هذا لا تلزمهم الكفارة إذا حصل الجماع.
    وهذا هو القول الراجح، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من أفطر أول النهار فليفطر آخره» (
    [3]) أي: من أبيح له أن يفطر في أول النهار، أبيح له أن يفطر في آخر النهار.
    المسألة الرابعة:
    مسألة: من أفسد صومه بالأكل والشرب، يجب عليه الإمساك والقضاء مع الإثم، ولو
    جامع زوجته فعليه الكفارة؛ لأن أكله وشربه محرم عليه.
    تنبيه:
    لا تجب الكفارة بالجماع في صيام النفل، أو في صيام كفارة اليمين، أو في صيام فدية الأذى، أو في صيام المتعة لمن لم يجد الهدي، أو في صيام النذر، ولا تجب الكفارة إذا جامع في قضاء رمضان، ولا تجب إذا جامع في رمضان وهو مسافر، ولا تجب الكفارة في الإنزال بقبلة، أو مباشرة، أو نحو ذلك؛ لأنه
    ليس بجماع.
    وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال:
    القول الأول: أن الفطر بالإنزال كالجماع لأنه من جنسه فيقولون: تجب الكفارة فيما إذا أفطر بالإنزال من مباشرة أو تقبيل أو ما أشبه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد ولكنها ضعيفة.
    القول الثاني: أنه إذا قصد انتهاك حرمة رمضان، فإنه يلزمه القضاء والكفارة، لأن هذا لم يقصد مجرد الفطر بل قصد انتهاك الحرمة وهذا ضعيف أيضاً.

    حكمُ مَن جامع زوجته ثم نزع عند سماعه أذان الفجر الصادق:
    لو كان الرجل يجامع زوجته في آخر الليل، ثم أذن مؤذن، وهو ممن يؤذن على طلوع الفجر، القول الراجح أنه ليس جماعاً بل توبة، وأنه لا يفسد الصوم وليس عليه كفارة.
    حكمُ السحاق فى نهار رمضان:

    المساحقة تكون بين المرأتين، فلو أنزلتا فليس عليهما إلا القضاء، ولا كفارة، وإن أنزلت إحداهما فعليها القضاء فقط دون الكفارة، هذا على الصحيح.
    كفّارة الوطء في نهار رمضان.
    هْيَ عِتْقُ رَقْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِيِّنَ مِسْكِيناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ(
    [4]).
    «عتق رقبة» أي: فكّها من الرّق، ووجه المناسبة هو أنّ هذا الرجل لمّا جامع في نهار رمضان مع وجوب الصوم عليه استحقّ أن يعاقب ففدى نفسه بعتق الرقبة.
    «فإن لم يجد» يعني إن لم يجد رقبة، أو لم يجد ثمنها.
    «فصيام شهرين متتابعين» : «فصيام» الفاء رابطة للجواب وصيام مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير فعليه صيام شهرين متتابعين بدلاً عن عتقه الرقبة.
    «فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً» أي: فعليه إطعام ستين مسكيناً،
    والمسكين هنا يشمل الفقير والمسكين؛ لأن الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعاً كان الفقير أشد حاجة، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر صارا بمعنى واحد، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
    ودليل ذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للرجل الذي قال إنّه أتى أهله في رمضان «اعتق رقبة»، فقال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين، فقال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد»(
    [5]) فجعلها النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتبةً، وهذه أغلظ الكفّارات، ويساويها كفّارة الظهار الذي وصفه الله بأنّه منكر من القول وزور، ويليها كفّارة القتل؛ لأن القتل ليس فيه إلاّ خصلتان، العتق والصيام وليس فيه إطعام.
    «صيام شهرين متتابعين» هل المعتبر الأهلّة، أو المعتبر الأهلّة في شهر كامل والأيام في الشهر المجَزَّأ؟
    في هذا قولان للعلماء، والصحيح أن المعتبر الأهلّة؛ سواء في الشهر الكامل، أو في الشهر المجَزَّأ.

    فإن قيل: ما الفرق بين القولين؟
    فالجواب: يظهر ذلك بالمثال، فإذا ابتدأ الإنسان هذين الشهرين من أول ليلة ثبت فيها الشهر ـ ولنقل إنّه شهر جُمادى الأولى ـ ابتدأه من أول يوم منه فيختمه في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة، ولنفرض أن جُمادى الأولى تسعة وعشرون يوماً، وكذلك جمادى الآخرة ـ فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً، وهذا لا شك أنّه يعتبر بالهلال.
    لكن إذا ابتدأ الصوم من نصف شهر جمادى الأولى فجمادى الآخرة معتبرة بالهلال لأنّه سو
    ف يدرك أوّل الشهر وآخر الشهر فيعتبر بالهلال يقيناً.
    أما الشهر الثاني الذي ابتدأهُ بالخامس عشر من جُمادى الأولى فيكمله ثلاثين يوماً، ويكون آخر صومه اليوم الخامس عشر من رجب على القول الثاني الذي يعتبر الشهر المجزأ ثلاثين يوماً، أمّا على القول الراجح الذي يعت
    بر الأهلّة مطلقاً: فإنّ آخر أيام صومه هو الرابع عشر من شهر رجب، إذا كان شهر جمادى الأولى تسعة وعشرين يوماً؛ فإذا قدرنا أن شهر جمادى الأولى ناقص، وكذلك شهر جمادى الثانية فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً.
    «متتابعين» أي: يتبع بعضهما بعضاً بحيث لا يفطر بينهما يوماً واحداً، إلاّ لعذر شرعيّ كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، وكالعيدين وأيام التشريق، أو حسّي كالمرض والسفر للرجل والمرأة بشرط ألا يسافر لأجل أن يفطر، فإن سافر ليفطر انقطع التتابع.
    «فإطعام ستين مسكيناً» : هنا قدّر الطاعم دون المُطعم فهل المطعم مقدّر؟
    المشهور من المذهب أنّه مُقدّر وهو مدٌّ من البر أو نصف صاع من غيره لكل مسكين، والمد ربع الصاع، أعني صاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فتكون الأصواع لستين مسكيناً خمسة عشر صاعاً بصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، من البر، وصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقص عن الصاع المعروف الآن هنا في القصيم الخمس، وعلى هذا يكون الصاع في القصيم خمسة أمداد، ويكون إطعام ستين مسكيناً اثني عشر صاعاً بأصواع القصيم.
    وقيل: بل يطعم نصف الصاع من البر أو غيره، واحتج هؤلاء بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ حين حلق رأسه في العمرة، قال: «أطعم ستّة مساكين لكل مسكين نصف صاع»(
    [6]) وأطلق، ولم يقل من التمر أو من البر، وهذا يقتضي أن يكون المقدر نصف الصاع، وإذا كان كذلك فزد على ما قلنا النصف، فيكون بالنسبة لصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثين صاعاً، وبالنسبة لصاعنا أربعة وعشرين صاعاً.
    والأمر في هذا قريب، فلو أن الإنسان احتاط وأطعم لكل مسكين نصف صاع لكان حسناً.
    وقيل: إنه لا يتقدر بل يطعم بما يعد إطعاماً فلو أنه جمعهم وغداهم أ
    و عشاهم أجزأ ذلك؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً([7])؟ وهذا هو الصحيح.
    فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يكفر أو لا؟
    فالجواب: لا يلزمه لأنها سقطت عنه، وكما أنّ الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدي الزكاة عمّا مضى من سنواته لأنّه فقير فكذلك هذا الذي لم يجد الكفارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها.
    أمّا الدليل من السنّة فهو أن الرجل لمّا قال: (لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً) لم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم أطعمهم متى استطعت، بل أمره أن يطعم حين وجد، فقال: (خذ هذا تصدّق به، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله... فقال: أطعمه أهلك)، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك، فدل هذا على أنها تسقط بالعجز.
    وقال بعض العلماء: إنها لا تسقط بالعجز، واستدلوا بالحديث، قالوا: لأن الرجل قال: لا أجد، فلمّا جاء النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم التمرُ، قال: خذ هذا تصدّق به، ولو كانت ساقطة بالعجز لم يقل خذ هذا تصدّق به.
    فيقال: الجواب: إِنَّ هذا وجده في الحال، يعني وجده في المجلس الذي أفتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم به، فكان كالواجد قبل ذلك، ولهذا لمّا قال: أطعمه أهلك، لم يقل: وع
    ليك كفّارة إذا اغتنيت.
    والقول الراجح أنّها تسقط، وهكذا أيضاً نقول في جميع الكفارات، إذا لم يكن قادراً عليها حين وجوبها فإنها تسقط عنه، إمّا بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} [الطلاق: 7] وما أشبه ذلك، وعلى هذا فكفّارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفّارة، فإنّها تسقط.
    وفدية الأذى إذا لم يجد ولم يستطع الصوم تسقط، وهكذا جميع الكفارات بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصوليّة التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنّه (لا واجب مع عجز).
    والغريب أن بعض العلماء سلك مسلكاً غريباً وقال: إن ال
    رسول صلّى الله عليه وسلّم قال له: «أطعمه أهلك» أي: كفارة، لا أنه دفعٌ لحاجتهم، وهذا ليس بصواب لأمرين:
    أولاً: أنه لا يمكن أن يكون الرجل مصرفاً لكفارته كما لا يكون مصرفاً لزكاته، أرأيت لو أن شخصاً عنده دراهم تجب فيها الزكاة، وهو مدين فإنه لا يصرف زكاته في دينه، وهذا أيضاً لا يمكن أن يصرف كفارته لنفسه.
    ثانياً: أن الكفارة إطعام ستين مسكيناً، وهذا الرجل ـ الذي يظهر والله أعلم ـ أنه ليس عنده إلا زوجته أو ولد أو ولدان أو أكثر، ولو كانت كفارة لقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل عندك ستون شخصاً تعولهم حتى يثبت الأمر فهذا المسلك مسلك ضعيف.
    والمذهب لا يسقط من الكفّارات بالعجز إلاّ اثنتان: كفّارة الوطء في الحيض، وكفّارة الوطء في رمضان، وباقي الكفارات لا تسقط بالعجز بل تبقى في ذمته؛ لأن الدين لا يسقط بالعجز عنه أرأيت لو أن شخصاً يطلبك دراهم وعجزت، فلا يسقط دينه بل يبقى في ذمتك، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «دين الله أحق بالقضاء» (
    [8]).


    ([1]) سبق تخريجه

    ([2]) سبق تخريجه

    ([3]) أخرجه ابن أبي شيبة (3/54).

    ([4]) «فإن لم يجد سقطت» أي: الكفّارة، ودليل ذلك من الكتاب، والسنّة، أمّا من الكتاب فقوله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} [الطلاق: 7] ، وهذا الرجل الفقير ليس عنده شيءٌ فلا يكلّف إلاّ ما آتاه الله، والله ـ عزّ وجل ـ بحكمته لم يؤته شيئاً، ودليل آخر قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، ودليلٌ ثالثٌ العموم، عموم القاعدة الشرعيّة، وهي أنّه لا واجب مع عجزٍ، فالواجبات تسقط بالعجز عنها، وهذا الرجل الذي جامع لا يستطيع عتق الرقبة ولا الصيام ولا الإطعام، نقول إذاً لا شيء عليك وبرئت ذمّتك.
    ([5]) سبق تخريجه
    ([6]) سبق تخريجه
    ([7]) سبق تخريجه
    ([8]) سبق تخريجه, مسألة: كلما جاءت الرقبة مطلقة فلا بد من شرط الإيمان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جاء معاوية بن الحكم يستفتيه في جارية غضب عليها ولطمها فأراد أن يعتقها، ف
    دعاها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال: اعتقها فإنها مؤمنة([8])؛ ولأن إعتاق الكافرة قد يستلزم ذهابها إلى الكفار؛ لأنها تحررت فتذهب إلى بلاد الكفر ولا يرجى لها إسلام.
    مسألة: اشتراط سلامة الرقبة من العيوب فيه خلاف:
    فقيل بالاشتراط، وقيل: لا نشترط سوى ما اشترط الله وهو: الإيمان، واستدل من قال بالاشتراط، أن إعتاق المعيب عيباً يخل بالعمل خللاً بيناً فإن إعتاقه يكون به عالة على غيره، وعدم إعتاقه أحسن له.
    وقال العلامة ابن عثيمين :والمسألة تحتاج لتحرير، لكن الذي يظهر لي أنه لا يشترط.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (12)



    مسائل
    هل الاحتقان من المُفَطِّراتُ؟
    الاحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر، وهو معروف، ولا يزال يعمل، فإذا احتقن فإنه يفطر بذلك، لأن العلة وصول الشيء إلى الجوف، والحقنة تصل إلى الجوف، أي: تصل إلى شيء مجوف في الإنسان، فتصل إلى الأمعاء فتكون مفطرة، فإذا وصل إلى الجوف شيء عن طريق الفم، أو الأنف، أو أي منفذ كان، فإنه يكون مفطراً، وهذا ه
    و المشهور من مذهب الإمام أحمد([1])، وعليه أكثر أهل العلم.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: لا فطر بالحقنة؛ لأنه لا يطلق عليها اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عرفاً، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة، أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، ولو كان لقلنا: كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه مفطر، لكن الكتاب والسنة دلا على شيء معين وهو الأكل والشرب.
    وقال بعض العلماء المعاصرين: إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصها عن طريق الأمعاء الدقيقة، وإذا امتصها انتفع منها، فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذي به، وهذا من حيث المعنى قد يكون قوياً.
    لكن قد يقول قائل: إن العلة في تفطير الصائم بالأكل والشرب ليست مجرد التغذية، وإنما هي التغذية مع التلذذ بالأكل والشرب، فتكون العلة مركبة م
    ن جزأين:
    أحدهما: الأكل والشرب.
    الثاني: التلذذ بالأكل والشرب؛ لأن التلذذ بالأكل والشرب مما تطلبه النفوس، والدليل على هذا أن المريض إذا غذي بالإبر لمدة يومين أو ثلاثة، تجده في أشد ما يكون شوقاً إلى الطعام والشراب مع أنه متغذٍ.
    فإن قيل: ينتقض قولكم إن العلة مركبة من جزأين إلى آخره أن السعوط م
    فطر مع أنه لا يحصل به تلذذ بالأكل والشرب. فالجواب أن الأنف منفذ معتاد لتغذية الجسم، فألحق بما كان عن طريق الفم.
    وبناء على هذا نقول: إن الحقنة لا تفطر مطلقاً، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة.
    فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقاً، ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين.

    ومن الحقن المعروفة الآن ما يوضع في الدبر عند شدة الحمى، ومنها أيضاً ما يدخل في الدبر من أجل العلم بحرارة المريض وما أشبه ذلك، فكل هذا لا يفطر.
    ثم لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم، وهي أننا إذا شككنا في الشي أمفطر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله عزّ وجل.
    هل الكُحلُ من المُفَطِّراتُ؟
    الكحل معروف، فإذا اكتحل بما يصل إلى الحلق فإنه يفطر؛ لأنه و
    صل إلى شيء مجوف في الإنسان وهو الحلق، هذا هو تعليل من قال إن الكحل يفطر ولكن في هذا التعليل نظر، ولذلك ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إلى أن الكحل لا يفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق([2])، وقال: إن هذا لا يسمى أكلاً وشرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب، وليس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مفطر، والأصل عدم التفطير، وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها، وما ذهب إليه ـ رحمه الله ـ هو الصحيح.
    وبناءً على هذا لو أنه قطر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه، فإنه لا يفطر بذلك أما إذا وصل طعمها إلى الفم وابتلعها فقد صار أكلاً وشرباً.
    هل إدخال منظار إلى الجوف من المُفَطِّراتُ؟
    الصحيح أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار، دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار فإنه يكون بذلك مفطراً، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة.
    ولو أن الإنسان كان له فتحة في بطنه، وأدخل إلى بطنه شيئاً عن طريق هذه الفتحة، فعلى المذهب يفطر بذلك كما لو داوى الجائفة، والصحيح أنه لا يفطر بذلك إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلاً عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المرئ أو تقرحه، ونحو ذلك فيكون ما أدخل منها مفطراً كما لو أدخل من الفم، وهذا
    هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
    هل يُفطِّرُ ما أدخل من طريق الإحليل؟

    ما أدخل من طريق الإحليل فإنه لا يسمى أكلاً ولا شرباً، وإذا كانت الحقنة وهي التي تدخل عن طريق الدبر لا تفطر على القول الراجح، فما دخل عن طريق الإحليل من باب أولى.
    هل يُفطرُ الحاجم والم
    حجوم:
    هذه المسألة اختلف العلماء فيها كثيراً وهي من مفردات الإمام أحمد، فأكثر أهل العلم يرون أن الحجامة لا تفطر ويستدلون بالآثار والنظر، فالآثار يقولون إنه ثبت في البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم»(
    [3]).
    واستدلوا أيضاً بأحاديث أخرى من رواية أنس وغيره وفي بعضها التفصيل بأن الحجامة كانت من أجل الضعف(
    [4])، ثم رخص فيها، واستدل القائلون بالإفطار بحديث شداد بن أوس وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ([5]).
    وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، وقالوا: إنه لا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فمن ضعفه فإنه لا يستدل به ولا يأخذ به؛ لأنه لا يجوز أن يحتج بالضعاف على أحكام الله ـ عزّ وجل ـ، ومن العلماء من صححه كالإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما من الحفاظ، وعلى هذا يكون الحديث حجة.
    فإذا كان حجة وقلنا: إنه يفطر بالحجامة الحاجم والمحجوم، فما هي الحكمة؟
    الجواب قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: إن هذا من باب التعبد، والأحكام الشرعية التي لا نعرف معناها تسمى عند أهل الفقه تعبدية، بمعنى أن الواجب على الإنسان أن يتعبد لله بها
    سواء عَلِمَ الحكمة أم لا.([6])
    فإن قيل: العلة إذا عادت على النص بالإبطال دل ذلك على فسادها، وهذا حاصل في قول شيخ الإسلام إذا حجم الشخص بآلات منفصلة؟

    فالجواب أن يقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتكلم عن شيء معهود ف
    ي زمنه، فتكون «أل» في «الحاجم» للعهد الذهني المعروف عندهم.
    والقول بأن الحجامة مفطرة هو مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ، وهو منفرد به عن المذاهب، وانفراد الإمام أحمد عن المذاهب لا يعني أن قوله ضعيف؛ لأن قوة القول ليست بالأكثرية، بل تعود إلى ما دل عليه الشرع، وإذا انفرد الإمام أحمد بقول دل عليه الشرع فإنه مع الجماعة.
    مسألة: هل يلحق بالحجامة الفصد، والشرط، والإرعاف، وما أشبه ذلك، كالتبرع بالدم؟
    الفصد: قطع العرق، والشرط: شق العرق.
    فإن شققته طولاً فهو شرط، وإن شققته عرضاً فهو فصد.
    فالمذهب لا يلحق بالحجامة؛ لأن الأحكام التعبدية لا يقاس عليها، وهذه قاعدة أصولية فقهية «الأحكام التعبدية لا يقاس عليها»؛ لأن من شرط القياس اجتماع الأصل والفرع في العلة، وإذا لم تكن معلومة فلا قياس، فيقولون: إن الفطر بالحجامة تعبدي، فلا يلحق به الفصد والشرط والإرعاف ونحوها فتكون هذه جائزة للصائم فرضاً ونفلاً.
    أما على ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن علة الفطر بالحجامة معلومة، ف
    يقول: إن الفصد والشرط يفسدان الصوم، وكذلك لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه، بأن تعمد ذلك ليخف رأسه، فإنه يفطر بذلك، وقوله ـ رحمه الله ـ أقرب إلى الصواب.
    وأما مغالاة العامة بحيث إن الإنسان لو استاك وأدمت لثته قالوا: أفطر، ولو حك جلده حتى خرج الدم قالوا: أفطر، ولو قلع ضرسه وخرج الدم قالوا: أفطر، ولو رعف بدون اختياره قالوا: أفطر، فكل هذه مبالغة، فقلع الضرس لا يفطر ولو خرج الدم؛ لأن قالع ضرسه لا يقصد بذلك إخراج الدم، وإنما جاء خروج الدم تبعاً، وكذلك لو حك الإنسان جلده، أو
    بط الجرح حتى خرجت منه المادة العفنة فكل ذلك لا يضر.
    حكمُ الاحتلام للصائم:
    لا يفطر حتى لو نام على تفكير، واحتلم في أثناء النوم؛ لأن النائم غير قاصد، وقد رفع عنه القلم، وأحياناً يستيقظ الإنسان حينما يتحرك الماء الدافق، فهل يلزمه في هذه الحال أن يمسكه؟
    الجواب: لا؛ لأنه انتقل من محله ولا يمكن رده؛ لأن حبسه بالضغط على الذكر مضر، كما لو تحركت معدته ليتقيأ، فإنه لا يلزمه أن يحبسها لما في ذلك من الضرر.

    حكمُ استعمال الفرشة والمعجون للصائم:
    يجوز، لكن الأولى ألا يستعملهما؛ لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق، وبدلاً من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل، أو يستعمل الفرشة بدون المعجون.
    حكمُ من جمع ريقه فبلعه:
    قال في الروض معللاً ذلك: للخروج من الخلاف، أي: خلاف من قال إنه إذا فعل ذلك أفطر، فإن من العلماء من يقول: إن الصائم إذا جمع ريقه فابتلعه أفطر.

    ولكن التعليل بالخلاف ليس تعليلاً صحيحاً تثبت به الأحكام الشرعية، ولهذا كلما رأيت حكماً علل بالخروج من الخلاف، فإنه لا يكون تعليلاً صحيحاً، بل نقول: الخلاف إن كان له حظ من النظر بأن كانت النصوص تحتمله، فإنه يراعى جانب الخلاف هنا، لا من أجل أن فلاناً خالف، ولكن من أجل أن النصوص تحتمله، فيكون تجنبه من باب الاحتياط، وإلا لزم الق
    ول بالكراهية في كل مسألة فيها خلاف، خروجاً من الخلاف، ولكانت المكروهات كثيرة جداً؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف، وهنا ليس فيه دليل يدل على أن جمع الريق يفطر إذا جمعه إنسان وابتلعه، وإذا لم يكن هناك دليل فإنه لا يصح التعليل بالخلاف.
    وعلى هذا فنقول: لو جمع ريقه فابتلعه فليس بمكروه، ولا يقال إن الصوم نقص بذلك، لأننا إذا قلنا: إنه مكروه، لزم من ذلك أن يكون الصوم ناقصاً لفعل المكروه فيه.

    ([1]) «الإنصاف» (3/299).
    ([2]) «حقيقة الصيام»، ص(37).
    ([3]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب الحجامة وا
    لقيء للصائم (1938).
    ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب الحجامة والقيء للصائم (1940).
    ([5]) أخرجه أحمد (4/123)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في الصائم يحتجم (2368)؛ والنسائي في «السنن الكبرى» (3126) ط/الرسالة؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الحجامة للصائم (1681)؛ وصححه ابن حبان (3533)؛ والحاكم (1/428). وقال عبد الله بن أحمد في مسائله (682): «سمعت أبي يقول: هذا من أصح حديث يروى عن النبي صلّى الله ع
    ليه وسلّم في إفطار الحاجم والمحجوم». ونقل الحاكم عن إسحاق بن راهويه تصحيحه، وصححه علي بن المديني والبخاري كما في «التلخيص» للحافظ (2/193).
    وقال النووي في «شرح المهذب» (6/350): «على شرط مسلم»، وانظر في طرق هذا الحديث «السنن الكبرى» للنسائي. وصححه الألبانى فى الإرواء (931)
    ([6]) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ([6]): إن إفطار الصائم بالحجامة له حكمة، أما المحجوم فالحكمة هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعف، الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته، لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل، فكان من الحكمة أن يكون مفطراً، وعلى هذا فالحجامة للصائم لا تجوز في الصيام الواجب إلا عند الضرورة، فإذا جازت للضرورة جاز له أن يفطر، وإذا جاز له أن يفطر جاز له أن يأكل، وحينئذ نقول احتجم وكل واشرب من أجل أن تعود إليك قوتك وتسلم، مما يتوقع من مرض بسبب هذا الضعف.
    أما إذا كان الصوم نفلاً فلا بأس بها؛ لأن الصائم نفلاً له أن يخرج من صومه بدون عذر
    ، لكنه يكره لغير غرض صحيح.
    وأما الحكمة بالنسبة للحاجم، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: إن الحاجم عادة يمص قارورة الحجامة، وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر، وهذا يكون شرباً للدم فيكون بذلك مفطراً، ويقول: هذا هو الغالب ولا عبرة بالنادر.
    وقوارير الحجامة عبارة عن قارورة من حديد يكون فيها قناة دقيقة يمصها الحاجم، ويكون في فمه قطنة إذا مصها سدها بهذه القطنة؛ لأنه إذا مصها تفرغ الهواء، وإذا تفرغ الهواء فلا بد أن يجذب الدم، وإذا جذب الدم امتلأت القارورة ثم سقطت، وما دامت لم تمتلئ فهي باقية.
    والحكمة إذا كانت غير منضبطة فإنه يؤخذ بعمومها، ولهذا قال: لو أنه حجم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مص، فإنه لا يفطر بذلك.
    أما الذين قالوا العلة تعبدية فيقولون: إن الحاجم يفطر، ولو حجم بآلات منفصلة لعموم اللفظ.
    والذي يظهر لي ـ والعلم عند الله ـ أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أولى، فإذا حجم بطريق غير مباشر ولا يحتاج إلى مص فلا معنى للقول بالفطر؛ لأن الأحكام الشرعية ينظر فيها إلى العلل الشرعية.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (13)




    هل يجبُ التفل بعد المضمضة؟
    لا يجب التفل بعد المضمضة، ولا بعد شرب الماء عند أذان الفجر، ولا عند تجمع الريق بسبب القراءة، فإنه لم يعهد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فيما نعلم ـ أن الإنسان إذا شرب عند طلوع الفجر، يتفل ح
    تى يذهب طعم الماء، بل هذا مما يسامح فيه، لكن لو بقي طعم طعام كحلاوة تمر، أو ما أشبه ذلك فهذا لا بد أن يتفله ولا يبتلعه.
    حكمُ بلع النُخَامةِ:
    القول الأول:


    بلع النخامة حرام على الصائم وغير الصائم؛ وذلك لأنها مستقذرة وربما تحمل أمراضاً خرجت من البدن، فإذا رددتها إلى المعدة قد يكون في ذلك ضرر عليك، لكنها تتأكد على الصائم؛ لأنها تفسد صومه.
    فإن لم تصل النخامة إليه بأن أحس بها نزلت من دماغه، وذهبت إلى جوفه فإنها لا تفطر، وذلك لأنها لم تصل إلى ظاهر البدن، والفم في حكم الظاهر، فإذا وصلت إليه ثم ابتلعها بعد ذلك أفطر، وأما إذا لم تصل إليه فإنها ما زالت في حكم الباطن فلا تفطر.
    وفي المسألة قول آخر : أنها لا تفطر أيضاً ولو وصلت إلى الفم وابتلعها، وهذا القول أرجح؛ لأنها لم تخرج من الفم، ولا يعد بلعها أكلاً ولا شرباً، فلو ابتلعها بعد أن وصلت إلى فمه، فإنه لا يفطر بها، لكن نقول قبل أن يفعل هذا: لا تفعل وتجنب هذا الأمر، ما دام أن المسألة بهذا الشكل، وليست النخامة كبلع الريق بل هي جرم غير معتاد وجود
    ه في الفم، بخلاف الريق فالخلاف بالتفطير بها أقوى من الخلاف بالتفطير بجميع الريق والأمر واضح، ولكن كما قلنا أولاً إن ابتلاع النخامة محرم؛ لما فيها من الاستقذار والضرر.
    مسألة: إذا ظهر دم من لسانه أو لثته، أو أسنانه، فهل يجوز بلعه؟
    الجواب: لا يجوز لا للصائم ولا لغيره؛ لعموم قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّ
    مُ}} [المائدة: 3] وإذا وقع من الصائم فإنه يفطر، ولهذا يجب على الإنسان أن يلاحظ الدم الذي يخرج من ضرسه إذا قلعه في أثناء الصوم، أو قلعه في الليل، واستمر يخرج منه الدم ألا يبتلع هذا الدم؛ لأنه يفطره وهو أيضاً حرام.
    حكمُ ذوق الطعام للصائم:

    يكره أن يذوق الصائم طعاماً كالتمر والخبز والمرق، إلا إذا كان لحاجة فلا بأس؛ ووجه هذا أنه ربما ينزل شيء من هذا الطعام إلى جوفه من غير أن يشعر به، فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعريض لفساد الصوم، وأيضاً ربما يكون مشتهياً الطعام كثيراً، ثم يتذوقه لأجل أن يتلذذ به، وربما يمتصه بقوة، ثم ينزل إلى جوفه.
    والحاجة مثل أن يكون طباخاً يحتاج أن يذوق الطعام لينظر ملحه، أو حلاوته أو يشتري شيئاً من السوق يحتاج إلى ذوقه، أو امرأة تمضغ لطفلها تمرة، وما أشبه ذلك.
    تنبيه: يكره للصائم أن يمضغ علكاً قوياً، والقوي هو الشديد الذي لا يتفتت؛ لأنه ربما يتسرب إلى بطنه شيء من طعمه إن كان له طعم.
    فإن لم يكن له طعم فلا وجه للكراهة، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يمضغه أمام الناس؛ لأنه يساء به الظن إذا مضغه أمام الناس فما الذي يدريهم أنه علك قوي أو غير قوي، أو أنه ليس فيه طعم أو فيه طعم وربما يقتدي به بعض الناس، فيمضغ العلك دون اعتبار الطعم، وعلل ذلك في الروض بأنه يجلب البلغم، ويجمع الريق، ويورث العطش(
    [1])، فهذه ثلاث علل.
    وعُلِمَ (
    [2])أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الحلق لا إلى المعدة.
    وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وقال: ليس هناك دليل يدل على أن مناط الحكم وصول الطعم إلى الحلق(
    [3])، وهو واضح؛ لأنه أحياناً يصل الطعم إلى الحلق، ولكن لا يبتلعه ولا ينزل، ويكون منتهاه الحلق فمثل هذا لا يمكن أن نتجاسر ونقول: إن الإنسان يفطر بذلك، ثم إنه أحياناً عندما يتجشأ الإنسان يجد الطعم في حلقه لكن لا يصل إلى فمه، ومع ذلك يبتلع الذي تجشأ به ولا نقول إنه أفطر، لأنه ربما يتجشأ ويخرج بعض الشيء لكن لا يصل إلى الفم بل ينزل وهو يحس بالطعم.
    فإن قال قائل: هل يقاس ما يكون في الفرشة من تدليك الأسنان بالمعجون على العلك المتحلل، أو على العلك الصلب القوي؟
    فالجواب: قياس على المتحلل أقرب، ولهذا نقول: لا ينبغي للصائم أن يستعمل المعجون في حال الصوم، لأنه ينفذ إلى الحلق بغير اختيار الإنسان، لأن نفوذه قوي، واندراجه تحت الريق قوي أيضاً، فنقول: إن كنت تريد تن
    ظيف أسنانك، فانتظر إلى أن تغرب الشمس ونظفها، لكن مع هذا لا يفسد الصوم باستعمال المعجون.

    حكمُ القُبلة للصائم:
    القبلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: ألا يصحبها شهوة إطلاقاً، مثل تقبيل الإنسان أولاده الصغار، أو تقبيل القادم من السفر، أو ما أشبه ذلك، فهذه لا تؤثر ولا حكم لها؛ باعتبار الصوم.
    القسم الثاني: أن تحرك الشهوة، ولكنه يأمن من إفساد الصوم بالإنزال، أو بالإمذاء، ـ إذا قلنا: بأن الإمذاء يفسد الصوم ـ، فالمذهب أن القبلة تكره في حقه.
    القسم الثالث: أن يخشى من فساد الصوم إما بإنزال وإما بإمذاء ـ إن قلنا بأنه يفطر بالإمذاء، وسبق أن الصحيح أنه لا يفطر ـ فهذه تحرم إذا ظن الإنزال، بأن يكون شاباً قوي الشهوة، شديد المحبة لأهله، فهذا لا شك أنه على خطر إذا قبل زوجته في هذه الحال، فمثل هذا يقال في حقه يحرم عليه أن يقبل؛ لأنه يعرض صومه للفساد.
    أما القسم الأول فلا شك في جوازها؛ لأن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع، وأما القسم الثالث فلا شك في تحريمها.
    وأما القسم الثاني وهو الذي إذا قبَّل تحركت شهوته لكن يأمن على نفسه، فالص
    حيح أن القبلة لا تكره له وأنه لا بأس بها، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كان يقبل وهو صائم»([4])، «وسأله عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ عن قبلة الصائم وكانت عنده أم سلمة فقال له: سل هذه، فأخبرته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبل وهو صائم، فقال السائل: أنت رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: إني لأخشاكم لله وأعلمكم به»([5]) وهذا يدل على أنها جائزة سواء حركت الشهوة أم لم تحرك، ويروى عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: «ما أبالي قبلت امرأتي أو شممت ريحاناً» ([6]) وشم الريحان لا يفطر الصائم لكنه ينعش النفس ويسرها، وتقبيل الزوجة كذلك يسر وينعش الإنسان لكن ليس جماعاً ولا إنزالاً، فبأي شيء تكون الكراهة.
    وأما ما يروى من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم «سأله رجل عن القبلة فأذن له، وسأله آخر فلم يأذن له، فإذا الذي أذن له شيخ والذي لم يأذن له شاب»(
    [7]) فحديث ضعيف لا تقوم به الحجة، ضعفه ابن القيم ـ رحمه الله ـ وقال: لا يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم([8]).
    إذاً القبلة في حق الصائم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    قسم جائز، وقسم مكروه، وقسم محرم، والصحيح أنهما قسمان فقط:
    قسم جائز، وقسم محرم، فالقسم المحرم إذا كان لا يأمن فساد صومه،
    والقسم الجائز له صورتان:
    الصورة الأولى: ألا تحرك القبلة شهوته إطلاقاً.
    الصورة الثانية: أن تحرك شهوته، ولكن يأمن على نفسه من فساد صومه.
    أما غير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه، فحكمها حكم القبلة ولا فرق.

    وجوبُ اجْتِنَابِ كَذِبٍ(
    [9]) وَغِيبَةٍ([10]) وشَتْمٍ([11]) وتحريمُ ذلك على الصائم وغيره:
    «اجتناب» ؛ أي البعد،

    يُسَنَّ َتَأخِيرُ السُحُور، وَتَعْجِيلُ الفِطْر:
    السُحور: بالضم، لأن سَحوراً بالفتح اسم لما يتسحر به، وسُحور بالضم اسم للفعل، ولهذا نقول: وَضوءاً بفتح الواو اسم للماء ووُضُوء بضم الواو اسم للفعل، ونقول: طَهور اسم لما يتطهر به وطُهور بضم الطاء اسم لفعل الطهارة، وهذه قاعدة مفيدة تعصم الإنسان من الخطأ في مثل هذه الكلمات.
    إذاً يسن تأخير السُّحور ـ بالضم ـ، أي: أن الإنسان إذا تسحر ـ والسحور سنة أيضاً ـ ينبغي له أن يؤخره اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واحتساباً للخيرية التي قال فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور»(
    [12]) ففيه سنة قولية وسنة فعلية، ورفقاً بالنفس؛ لأنه إذا أخر السحور، قلت المدة التي يمسك فيها، وإذا عجل فإنها تطول بحسب تعجيل السحور.
    ولكن يؤخره ما لم يخش طلوع الفجر، فإن خشي طلوع الفجر فليبادر، فمثلاً إذا كان يكفيه ربع ساعة في السحور فيتسحر إذا بقي ربع ساعة، وإذا كان يكفيه خمس دقائق فيتسحر إذا بقي خمس دقائق؛ أي: يكون ما بين ابتدائه إلى انتهائه كما بينه وبين وقت الفجر.
    والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يؤخر السحور حتى إنه لم يكن بين سحوره وبين إقامة الصلاة إلا نحو خمسين آية(
    [13])، ويقدرون بالآيات؛ لأنه لم تكن ساعات في ذلك الوقت، ولهذا ذكر العلماء ـ رحمهم الله ـ في بيان البناء على غلبة الظن في دخول وقت الصلاة علامات، منها إذا كان من عادته أن يقرأ حزباً من القرآن، فإذا قرأ هذا الحزب، وكان من عادته أنه إذا أتمه دخل الوقت، فإنه يحكم بدخول الوقت، ويقدرون الأعمال بقدر ما تنحر الناقة، وما أشبه ذلك.
    وتعتبر الآيات التي يقدر بها، والتلاوة بالوسط، لأننا لو اعتبرنا أطول آية مع الترتيل لطال الوقت.
    «وتعجيل فطر»
    أي وسن تعجيل فطر.
    أي: المبادرة به إذا غربت الشمس، فالمعتبر غروب الشمس، لا الأذان، لا سيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير، فلو غربت الشمس، وأنت تشاهدها، والناس لم يؤذنوا بعد، فلك أن تفطر ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب، فليس لك أن تفطر؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(
    [14]).
    ولا يضر بقاء النور القوي، فبعض الناس يقول: نبقى حتى يغيب ا
    لقرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس، وسن الفطر.
    ودليل سنية المبادرة:
    1 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»(
    [15])، وبهذا نعرف أن الذين يؤخرون الفطر إلى أن تشتبك النجوم كالرافضة أنهم ليسوا بخير.
    2 ـ ويروى أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال: «أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً»(
    [16]) وذلك لما فيه من المبادرة إلى تناول ما أحله الله ـ عزّ وجل ـ والله ـ سبحانه وتعالى ـ كريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه، فيحب من عباده أن يبادروا بما أحل الله لهم من حين أن تغرب الشمس.
    فإن قال قائل: هل لي أن أفطر بغلبة الظن، بمعنى أنه إذا غلب على ظني أن الشمس غربت، فهل لي أن أفطر؟
    فالجواب: نعم، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم طلعت الشمس»(
    [17]) ومعلوم أنهم لم يفطروا عن علم، لأنهم لو أفطروا عن علم ما طلعت الشمس، لكن أفطروا بناءً على غلبة الظن أنها غابت، ثم انجلى الغيم فطلعت الشمس.
    السُّنَةُ الفِطرُ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ عُدِمَ فَتَمْرٌ، فَإِنْ عُدِمَ فَمَاءٌ:
    «على رطب»
    أي سن كون الفطور على رطب، والرطب هو التمر اللين الذي لم ييبس، وكان هذا في زمن مضى لا يتسنى إلا في وقت معين من السنة، أما الآن ففي كل وقت يمكن أن تفطر على رطب والحمد لله.
    «فإن عدم فتمر»
    أي إن عدم الرطب فليفطر على تمر وهو اليابس، أو المجبن، والمجبن هو المكنوز الذي صار كالجبن مرتبطاً بعضه ببعض.

    «فإن عدم فماء»
    أي: إن عدم التمر فليفطر على ماء؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور»(
    [18]) وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء»([19]).
    مسألة: إذا كان عند الإنسان عسل وماء، فأيهما يقدم ال
    ماء أو العسل؟
    فالجواب: يقدم الماء؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور» ، فإن لم يجد ماء ولا شراباً آخر ولا طعاماً نوى الفطر بقلبه ويكفي.
    وقال بعض العوام: إذا لم تجد شيئاً فمص إص
    بعك، وهذا لا أصل له.
    وقال آخرون: بُلَّ الغترة ثم مصها؛ لأنك إذا بللتها انفصل الريق عن الفم، فإذا رجعت ومصصتها أدخلت شيئاً خارجاً عن الفم إلى الفم، وهذا لا أصل له أيضاً.
    بل نقول: إذا غابت الشمس وليس عندك ما تفطر به تنوي الفطر بقلبك، حتى إن بعض العلماء قال: إن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم»(
    [20]) أن المعنى أفطر حكماً وإن لم يفطر حساً، لكنه يسن له أن يبادر، وليس هذا ببعيد، إلا أنه يضعفه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أذن لهم بالوصال إلى السحر»([21]).

    ([1]) «الروض مع حاشية ابن قاسم» (3/424).
    ([2]) أى من القول الأول فى هذه المسألة (وهو المرجوح)
    ([3]) «حقيقة الصيام» ص(52، 54).

    ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب المباشرة للصائم (1927)؛ ومسلم في الصيام/ باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1106) (65) عن عائشة رضي الله عنها.

    ([5]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب المباشرة للصائم (1927)؛ ومسلم في الصيام/ باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1106) (65) عن عائشة رضي الله عنها.
    ([6]) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (505).
    ([7]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب كراهيته للشاب (2387) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([8]) زاد المعاد (2/58)
    ([9]) والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع سواء كان عن جهل أم عمد، مثاله عن الجهل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: كذب أبو السنابل ، وكان أبو السنابل قد قال لسبيعة الأسلمية التي وضعت حملها بعد موت زوجها بليال فمر بها وقد تجملت للخطاب، فقال لها: لن تحلي للأزواج حتى يأتي عليك أربعة أشهر وعشراً ، فلما ذكرت قوله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: كذب أبو السنابل ([9])، ومثاله عن العمد قول المنافقين إذا أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
    : نشهد إنك لرسول الله.
    ([10]) «غيبة»
    بكسر الغين وهي ذكرك أخاك بما يكره من عيب خِلقي أو خُلقي أو عملي أو أدبي.
    ([11]) مسألة: ذهب بعض السلف إلى أن القول المحرم والفعل المحرم في الصوم يبطله؛ كالغيبة، ولكن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ لما سئل عن ذلك، وقيل له: إن فلاناً يقول: إن الغيبة تفطر؟
    قال: لو كانت تفطر ما بقي لنا صيام.
    والقاعدة في ذلك أن المحرم إذا كان محرماً في ذات العبادة أفسدها، وإن كان تحريمه عاماً لم يفسدها، فالأكل والشرب يفسدان الصوم، بخلاف الغيبة، ولهذا كان الصحيح أن الصلاة في الثوب المغصوب، وبالماء المغصوب صحيحة؛ لأن التحريم ليس عائداً للصلاة؛ فلم يقل الرسول صلّى الله عليه وسلّم: لا تصلوا في الثوب المغصوب أو بالماء المغصوب، فالنهي عام.
    والسُنَّةُ لِمَنْ شُتِمَ أن ي
    قُول: إِنِّي صَائِمٌ:
    أي: إن شتمهُ أحد، أي: ذكره بعيب أو قدح فيه أمامه، وهو بمعنى السب، وكذلك لو فعل معه ما هو أكبر من المشاتمة، بأن يقاتله أي: يتماسك معه يسن له أن يقول: إني صائم، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم»
    وهل يقولها سراً، أو جهراً؟
    قال بعض العلماء: يقولها سراً.
    وقال بعض العلماء: جهراً.
    وفصل بعض العلماء بين الفرض والنفل، فقال: في الفرض يقولها جهراً لبعده عن الرياء، وفي النفل يقولها سراً خوفاً من الرياء.
    والصحيح أنه يقولها جهراً في صوم النافلة والفريضة؛ وذلك لأن فيه فائدتين:
    الفائدة الأولى : بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائماً لا لعجزه عن المقابلة؛ لأنه لو تركه عجزاً عن المقابلة لاستهان به الآخر، وصار في ذلك ذل له، فإذا قال: إني صائم كأنه يقول أنا لا أعجز عن مقابلتك، وأن أبين من عيوبك أكثر مما بينت من عيوبي، لكني امرؤ صائم.
    الفائدة الثانية : تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحداً، وربما يكون هذا الشاتم صائماً كما لو كان ذلك في رمضان، وكلاهما في الحضر، سواء حتى يكون قوله هذا متضمناً لنهيه عن الشتم، وتوبيخه عليه.([11])

    ([12]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب تعجيل الإفطار (1957)؛ ومسلم في الصيام/ باب فضل السحور (1098) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

    ([13]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب قدركم بين السحور وصلاة الفجر (1921)؛ ومسلم في الصيام/ باب فضل السحور (1097) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
    ([14]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب متى يحل فطر الصائم (1954) ومسلم في الصيام/ باب بيان وقت انقضاء الصوم... (1100) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    ([15]) سبق تخريجه
    ([16]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب متى يحل فطر الصائم (1954) ومسلم في الصيام/ باب بيان وقت انقضاء الصوم... (1100) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    ([17]) سبق تخريجه

    ([18]) أخرجه أحمد (4/17، 18)؛ وأبو داود في الصيام/ باب ما يفطر عليه (2355)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء ما مستحب عليه الإفطار (695) وصححه؛ والنسائي في الكبرى (3300) ط/الرسالة، وابن ماجه في الصيام / باب ما جاء على ما يستحب الفطر (1699)؛ وصححه ابن خزيمة (2067)؛ وابن حبان (3514)؛ والحاكم (1/430) عن سلمان بن عامر رضي الله عنه. وصححه الألبانى فى المشكاة (1990)
    ([19]) أخرجه الإمام أحمد (3/164)، وأبو داود في الصيام/ باب ما يفطر عليه (2356) والترمذي في الصوم/ باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار (699) والدارقطني (2/185) والحاكم (1/432) عن أنس رضي الله عنه، قال الترمذي: «حسن غريب» وقال الدارقطني: «إسناده صحيح» وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وصححه الألبانى فى الصحيحة (2840)
    ([20]) سبق تخريجه
    ([21]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب الوصال إلى السحر (1967)؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (14)




    تعريفُ الوصال وحكمه:
    والوصال أن يقرن الإنسان بين يومين في صوم يوم واحد، بمعنى ألا يفطر بين اليومين.
    وحكمه قيل: إنه حرام، وقيل: إنه مكروه، وقيل: إنه مباح لمن قدر عليه، فالأقوال فيه ثلاثة.
    والذي يظهر فيه التحريم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهاهم عن الوصال
    فأبوا أن ينتهوا فتركهم، وواصل بهم يوماً ويوماً حتى دخل الشهر، أي: شهر شوال، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم» ([1]) وهذا يدل على أنه على سبيل التحريم، فالقول بالتحريم أقواها، ولكن مع ذلك ليس عندي فيه جزم؛ لأنه لو كان حراماً كما تحرم الميتة ولحم الخنزير لمنعهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم من فعله منعاً باتاً، لكنه نهاهم عن ذلك رفقاً بهم، ولهذا ذهب بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى جواز الوصال لمن قدر عليه معللاً ذلك بأنه إنما نهي عن الوصال من أجل الرفق بالناس لأنه يشق عليهم، فكان عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ يواصل إلى خمسة عشر يوماً([2]) لكنه ـ رضي الله عنه ـ تأول.

    والصواب خلاف تأويله، وأن أدنى أحواله الكراهة، وأن الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر، لكن قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر»(
    [3]).
    المأثور عند الفطر:
    معلوم أنه ورد عند الفطر وعند غيره التسمية عند الأكل أو الشرب، وهي ـ على القول الراجح ـ واجبة، أي يجب على الإنسان إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يسمي، والدليل على ذلك:
    1 ـ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك(
    [4]).
    2 ـ إخباره أن الشيطان يأكل مع ال
    إنسان إذا لم يسم([5]).
    3 ـ إمساكه بيد الجارية والأعرابي حين جاءا ليأكلا قبل أن يسميا، وأخبر أن الشيطان دفعهما، وأن يد الشيطان مع يديهما بيد النبي صلّى الله عليه وسلّم ليأكل من الطعام(
    [6]).
    ولكنه لو نسي فإنه يسمي إذا ذكر، ويقول: بسم الله أوله وآخره(
    [7]).
    كذلك أيضاً مما ورد عند الفطر وغيره الحمد عند الانتهاء، فإن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها(
    [8]).
    وأما ما ورد قوله عند الفطور، فمنه قول: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم»(
    [9]) ووردت آثار أخرى والجميع في أسانيدها ما فيها، لكن إذا قالها الإنسان فلا بأس.
    ومنها إذا كان اليوم حاراً وشرب بعد الفطور، فإنه يقول: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»(
    [10]) وذهاب الظمأ بالشرب واضح، وابتلال العروق بذلك واضح، فالإنسان إذا شرب وهو عطشان يحس بأن الماء من حين وصوله إلى المعدة يتفرق في البدن، ويحس به إحساساً ظاهراً، فيقول بقلبه: سبحان الله الحكيم العليم الذي فرقه بهذه السرعة، وظاهر الحديث أن هذا الذكر فيما إذا كان الصائم ظمآن والعروق يابسة.
    القضــــــــاء
    حكمُ تتابع القضاء:

    يُستحب التتابع في القضاء، لكان أحسن، أي: لا يفطر بين أيام الصيام، وذلك لثلاثة أوجه:
    أولاً: أن هذا أقرب إلى
    مشابهة الأداء، لأن الأداء متتابع.
    ثانياً: أنه أسرع في إبراء الذمة، فإنك إذا صمت يوماً وأفطرت يوماً تأخر القضاء، فإذا تابعت صار ذلك أسرع في إبراء الذمة.
    ثالثاً: أنه أحوط؛ لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له، قد يكون اليوم صحيحاً وغداً مريضاً، وقد يكون اليوم حياً وغداً ميتاً، فلهذا كان الأفضل أن يكون القضاء متتابعاً.
    وينبغي أيضاً أن يبادر به بعد يوم العيد فيشرع فيه أي: في اليوم الثاني من شوال؛ لأن هذا أسرع في إبراء الذمة وأحوط.
    حكم تأخير القضاء:
    لو أخره إلى رمضان آخر لعذر فإنه جائز، مثل أن يكون مسافراً فيستمر به السفر أو مريضاً فيستمر به المرض، أو تكون امرأة حاملاً ويستمر بها الحمل، أو مرضعاً تحتاج إلى الإفطار كل السنة؛ لأنه إذا جاز أن يفطر بهذه الأعذار في رمضان وهو أداء، فجواز الإفطار في أيام القضاء من باب أولى.
    هل يجوز أن يصوم قبل القضاء، و
    هل يصح لو صام؟
    والجواب إن كان الصوم واجباً كالفدية والكفارة فلا بأس، وإن كان تطوعاً، فالمذهب(
    [11]) لا يصح التطوع قبل القضاء، ويأثم.
    وعللوا أن النافلة لا تؤدى قبل الفريضة.
    وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك ما لم يضق الوقت، وقال: ما دام الوقت موسعاً فإنه يجوز أن يتنفل، كما لو تنفل قبل أن يصلي الفريضة مع سعة الوقت، فمثلاً الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار كل ظل شيء مثله، فله أن يؤخرها إلى آخر الوقت، وفي هذه المدة يجوز له أن يتنفل؛ لأن
    الوقت موسع.
    وهذا القول أظهر وأقرب إلى الصواب، يعني أن صومه صحيح، ولا يأثم؛ لأن القياس فيه ظاهر.
    ولكن هل هذا أولى أو الأولى أن يبدأ بالقضاء؟
    الجواب: الأولى أن يبدأ بالقضاء، حتى لو مر عليه عشر ذي الحجة أو يوم عرفة، فإننا نقول: صم القضاء في هذه الأيام وربما تدرك أجر القضاء وأجر صيام هذه الأيام، وعلى فرض أنه لا يحصل أجر صيام هذه الأيام مع القضاء، فإن القضاء أفضل من تقديم النفل.
    والجواب عن التعليل الذي ذكره الأصحاب أن نقول: الفريضة وقتها في هذه الحال موسع، فلم يفرض عليَّ أن أفعلها الآن حتى أقول إنني تركت الفرض، بل هذا فرض في الذمة وسع الله ـ تعالى ـ فيه، فإذا صمت النفل فلا حرج.
    وهنا مسألة ينبغي التنبه لها:

    وهي أن الأيام الستة من شوال لا تقدم على قضاء رمضان، فلو قدمت صارت نفلاً مطلقاً، ولم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»(
    [12])؛ وذلك لأن لفظ الحديث «من صام رمضان» ومن كان عليه قضاء فإنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان، وهذا واضح، وقد ظن بعض طلبة العلم أن الخلاف في صحة صوم التطوع قبل القضاء ينطبق على هذا، وليس كذلك، بل هذا لا ينطبق عليه؛ لأن الحديث فيه واضح؛ لأنه لا ستة إلا بعد قضاء رمضان.
    والدليل على جواز تأخير القضاء قوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَ
    ى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185].
    وأما الدليل على أنه لا يؤخر إلى ما بعد رمضان الثاني فما يلي:
    1 ـ حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» (
    [13]) فقولها: «ما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» دليل على أنه لا يؤخر إلى ما بعد رمضان، والاستطاعة هنا الاستطاعة الشرعية، أي: لا أستطيع شرعاً.
    2 ـ أنه إذا أخره إلى بعد رمضان صار كمن أخر صلاة الفريضة إلى وقت الثانية من غير عذر، ولا يجوز أن تؤخر صلاة الفريضة إلى وقت الثانية إلا لعذر.
    فإن قال قائل: قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ «فما أستطيع أن أق
    ضيه إلا في شعبان» دليل على وجوب الفورية في القضاء لمن استطاع.
    فنقول: لو كان ذلك واجباً شرعاً لما مكَّنَها الرسول صلّى الله عليه وسلّم من تركه والاستطاعة هنا استطاعة شرعية؛ وذلك مراعاة للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحسن عشرته، وليست استطاعة بدنية.
    حكمُ مَنْ أخَّرَ القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر:
    لو أخَّرَ القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر كان آثماً، وعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم.
    أما وجوب القضاء فلأنه دين في ذمته لم يقضه فلزمه قضاؤه.
    وأما الإطعام فجبراً لما أخل به من تفويت الوقت المحدد فيطعم مع كل يوم يقضيه مسكيناً، فإذا قدرنا أن عليه ستة أيام فإنه يصومها ويطعم معها ستة مساكين، وقد روي في هذا حديث مرفوع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بالإطعام مع القضاء فيمن أخر إلى ما بعد رمضان(
    [14])، لكنه حديث ضعيف جداً لا تقوم به حجة، ولا تشغل به ذمة.

    وروي أيضاً عن ابن عباس وأبي هريرة ـ رضي الله عنهم ـ أنه يلزمه الإطعام(
    [15]) وما ذكر عنهما فإنه محمول على أن ذلك من باب التشديد عليه، لئلا يعود لمثل هذا الفعل، فيكون حكماً اجتهادياً، لكن ظاهر القرآن يدل على أنه لا يلزمه الإطعام مع القضاء؛ لأن الله لم يوجب إلا عدة من أيام أخر، ولم يوجب أكثر من ذلك، وقول الصحابي حجة ما لم يخالف النص، وهنا خالف ظاهر النص فلا يعتد به، وعليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، إلا بدليل تبرأ به الذمة، على أن ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة ـ رضي الله عنهم ـ يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.
    فالصحيح في هذه المسألة، أنه لا يلزمه أكثر من الصيام الذي فاته إلا أنه يأثم بالتأخير.
    وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر وجب عليه الإطعام فقط ولا يصح منه الصيام، بناءً على أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيكون عمله باط
    لاً مردوداً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([16])، كما لو صلى الصلاة بغير وقتها، فإنها لا تقبل منه إذا لم يكن هناك عذر يبيح تأخيرها، فتكون الأقوال ثلاثة وجوب القضاء فقط، ووجوب الإطعام فقط، والجمع، والراجح الأول.
    مسألة: إذا مَرَّ رمضان على إنسان مريض ففيه تفصيل:
    أولاً: إن كان يرجى زوال مرضه انتظر حتى يشفى لقوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}}، فلو استمر به المرض حتى مات فهذا لا شيء عليه؛ لأن الواجب عليه القضاء ولم يدركه.
    مثاله: إنسان أصيب في رمضان بزكام في العشر الأواخر من رمضان مثلاً، والزكام مما يرجى زواله، وتضاعف به المرض حتى مات، فهذا ليس عليه قضاء؛ لأن الواجب عليه عدة من أيام أخر، ولم يتمكن من ذلك فصار كالذي مات قبل أن يدركه رمضان، فليس عليه شيء.
    الثاني: أن يرجى زوال مرضه، ثم عوفي بعد هذا، ثم مات قبل أن يقضي فهذا يُطْعم عنه كل يوم مسكين بعد موته من تركته أو من متبرع.
    الثالث: أن يكون المرض الذي أصابه لا يرجى زواله، فهذا عليه الإطعام ابتداءً، لا بدلاً؛ لأن من أفطر لعذر لا يرجى زواله، فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم، كالكبر ومرض السرطان وغير
    ه من الأمراض التي لا يرجى زوالها.
    ولو فرض أن الله عافاه، والله على كل شيء قدير، فلا يلزمه أن يصوم، لأنه يجب عليه الإطعام وقد أطعم، فبرئت ذمته وسقط عنه الصيام.

    حكمُ من مات وعليه صوم نذر:


    وإن مات وعليه صوم نذر استحب لوليه قضاؤه، ولا يجب، وإنما يستحب أن يقضيه لما يلي:
    1 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وعليه ص
    يام صام عنه وليه»([17]) وهذا خبر بمعنى الأمر.
    2 ـ أن امرأة أتت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وسألته: «أن أمها ماتت وعليها صوم نذر فهل تصوم عنها؟ فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: نعم ـ يعني صومي عنها ـ وشبه ذلك بالدين تقضيه عن أمها، فإنه تبرأ ذمتها به فكذلك الصوم»(
    [18]).
    فلو قال قائل: إن قوله صلّى الله عليه وسلّم «صام عنه وليه» أمر فما الذي صرفه عن الوجوب؟
    فالجواب: صرفه عن الوجوب قوله تعالى {{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}} [الأنعام: 164] ولو قلنا: بوجوب قضاء الصوم عن الميت لزم من عدم قضائه أن تحمل وازرة وزر أخرى، وهذا خلاف ما جاء به القرآن.
    إذاً يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل، قلنا: أطعم عن كل يوم مسكيناً قياساً على صوم الفريضة.
    مسألة: إذا مات وعليه صوم فرض بأصل الشرع، فهل يُقضى عنه؟
    الجواب: لا يقضى عنه؛ والعبادات لا قياس فيها، ثم لا يصح القياس هنا أيضاً؛ لأن الواجب بالنذر أخف من الواجب بأصل الشرع، فلا يقاس الأثقل على الأخف، فصار ما وجب بالنذر تدخله النيابة لخفته بخلاف الواجب بأصل الشرع، فإن الإنسان مطالب به من قبل الله ـ عزّ وجل ـ وهذا مطالب به من قبل نفسه فهو الذي ألزم نفسه به، فكان أهون ودخلته النيابة.
    إذاً من مات وعليه صوم رمضان أو كفارة أو غيرها فلا يقضى عنه.
    والقول الراجح أن من مات وعليه صيام فرض بأصل الشرع فإن وليه يقضيه عنه
    ، لا قياساً ولكن بالنص، وهو حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»([19]) «وصوم» نكرة غير مقيدة بصوم معين، وأيضاً كيف يقال: إن المراد به صوم النذر، وصوم النذر بالنسبة لصوم الفرض قليل، يعني ربما يموت الإنسان وما نذر صوم يوم واحد قط، لكن كونه يموت وعليه صيام رمضان هذا كثير، فكيف نرفع دلالة الحديث على ما هو غالب ونحملها على ما هو نادر؟! هذا تصرف غير صحيح في الأدلة، والأدلة إنما تحمل على الغالب الأكثر، والغالب الأكثر في الذين يموتون وعليهم صيام، أن يكون صيام رمضان أو كفارة أو ما أشبه ذلك، وهم يقولون حديث المرأة خصص حديث عائشة فيقال: إن ذكر فرد من أفراد العام بحكم يوافق العام، لا يكون تخصيصاً، بل يكون تطبيقاً مبيناً للعموم، وأن العموم في حديث عائشة «من مات وعليه صوم» شامل لكل صور الواجب، وهذا هو القول الصحيح وهو مذهب الشافعي وأهل الظاهر.
    لكن من هو الذي إذا مات كان القضاء واجباً عليه؟
    الجواب: هو الذي تمكن من القضاء فلم يفعل فإذا مات قلنا لوليه: صم عنه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه».

    والولي هو الوارث، والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر»(
    [20]) فذكر الأولوية في الميراث، إذاً الولي هو الوارث.
    وقيل: الولي هو القريب مطلقاً.
    والأقرب أنه الوارث.
    وحتى على القول بأنه القريب، فيقال: أقرب الناس وأحق الناس به هم ورثته، وعلى هذا فيصوم الوارث.
    مسألة: هل يلزم إذا قلنا: بالقول الراجح إِنّ الصومَ يشمل الواجب بأصل الشرع والواجب بالنذر ـ أَنْ يقتصر ذلك على واحد من الورثة؛ لأن الصوم واجب على واحد.

    الجواب: لا يلزم؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صام عنه وليه» ،
    مفرد مضاف فيعم كل ولي وارث، فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابناً، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوماً فيجزئ، ولو كانوا ثلاثين وارثاً وصاموا كلهم يوماً واحداً، فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوماً، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده، حتى يتموا ثلاثين يوماً.
    أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع؛ ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين.
    وقد يقول قائل: يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرّاً حتى تتم؟
    فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين، وعليه فنقول: إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً.(
    [21])


    ([1]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب التنكيل لمن أكثر الوصال (1965)؛ ومسلم في الصيام/ باب النهي عن الوصال (1103) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([2]) أخرجه ابن أبي شيبة (3/84).

    ([3]) سبق تخريجه
    ([4]) لحديث عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)؛ ومسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2022).
    ([5]) أخرجه مسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2017) عن حذيفة رضي الله عنه.
    ([6]) سبق تخريجه
    ([7]) أخرجه الإمام أحمد (6/246) وأبو داود في الأطعمة/ باب التسمية
    على الطعام (3767) والترمذي في الأطعمة/ باب ما جاء في التسمية على الطعام (1858) وابن ماجه في الأطعمة/ باب التسمية عند الطعام (3264) عن عائشة رضي الله عنها وقال الترمذي: «حسن صحيح» وصححه الألباني في الإرواء (7/24).
    ([8]) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء/ باب استحاب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (2734) عن أنس رضي الله عنه.
    ([9]) أخرجه الدارقطني (2/185) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (481) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وضعفه ابن القيم في «الزاد» (2/51)؛ والهيثمي في «المجمع» (3/156). وضعفه الألبانى ف
    ى ضعيف الجامع (1644)
    ([10]) حسن : الإرواء (920)
    ([11]) أى الحنبلى

    ([12]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
    ([13]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب متى يقضى قضاء رمضان (1950)؛ ومسلم في الصيام/ باب جواز تأخير قضاء رمضان ما لم يجئ رمضان آخر (1146).
    ([14]) أخرجه الدارقطني (2/197)؛ والبيهقي (4/253) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وضعفاه.
    ([15]) أما أثر ابن عباس فأخرجه الدارقطني (2/197)؛ والبيهقي (4/253).
    وقال النووي في «المجموع» (6/364): «إسناده صحيح».
    وأما أثر أبي هريرة فأخرجه الدارقطني (2/197)؛ والبيهقي (4/253)، وضعفه الدراقطني.
    ([16]) سبق تخريجه
    ([17]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب من مات وعليه صوم (1952)؛ ومسلم في الصيام/ باب قضاء الصوم عن الميت (1147) عن عائشة رضي الله عنها.
    ([18]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب من مات وعليه صوم (1953) ومسلم في الصيام/ باب قضاء الصوم عن الميت عن ابن عباس رضي الله عنهما (1148) (155).
    ([19]) سبق تخريجه

    ([20]) أخرجه البخاري في الفرائض/ باب ميراث الولد من أبيه وأمه (6732)؛ ومسلم في الفرائض/ باب ألحقوا الفرائض بأهلها (1615) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    ([21]) حكمُ من مات وعليه حجُ نذر:
    من مات وعليه حج نذر فإن وليه يحج عنه.
    والدليل على ذلك: أن امرأة سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم»
    وكذلك أيضاً حج الفريضة بأصل الإس
    لام، والدليل على ذلك:
    1 ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، قال: «أحججت عن نفسك»؟ قال: لا، قال: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة» أخرجه أبو داود في المحصر/ باب النحر قبل الحلق في الحصر (1811)؛ وابن ماجه في المناسك/ باب الحج عن الميت (2903)؛ وابن خزيمة (3039)؛ وابن حبان (3988)؛ والدارقطني (2/267)؛ والبيهقي (4/336)؛ وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وانظر: «نصب الراية» (3/155)؛ و«التلخيص» (958)؛ و«الإرواء» (4/171).
    2 ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده بالحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم» أخرجه البخاري في الحج/ باب وجوب الحج وفضله... (1513) ومسلم في الحج/ باب الحج عن العاجز لزمانة وهرمٍ ونحوهما، أو للموت (1334).، فإذا جازت النيابة عن الحي لعدم قدرته على الحج، فعن الميت من باب أولى.
    حكمُ من مات وعليه اعتكاف نذر:
    مثاله: رجل نذر أن يعتكف ثلاثة أيام من أول شهر جمادى الآخرة، ولم يعتكف ومات، فيعتكف عنه وليه؛ لأن هذا الاعتكاف صار ديناً عليه، وإذا كان ديناً فإنه يقضى، كما يقضى دين ا
    لآدمي.
    حكمُ من مات وعليه صلاةُ نذر:
    وإن مات وعليه صلاة نذر، مثاله رجل نذر أن يصلي لله ركعتين فمضى الوقت ولم يصلِّ، ثم مات فيستحب لوليه أن يصلي عنه؛ لأن هذا النذر صار ديناً في ذمته، والدين يقضى كدين الآمدي، وإن كانت فريضة بأصل الشرع لا تقضى؛ لأن ذلك لم يرد.
    لو قال قائل: الأصل في العبادات أنه لا قياس فيها، فكيف قلتم: إن الاعتكاف والصلاة المنذورين يفعلان عن الناذر؟
    فنقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاس العبادات على الأمور العاديات، فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين...» ، وهذا الاعتكاف المنذور ـ مثلاً ـ صار ديناً على الناذر، فهو إلى الحج المنذور أقرب من الدين.
    وعلى هذا:
    ـ فالحج يقضى عن الميت فرضاً كان، أو نذراً قولاً واحداً.
    ـ والصوم يقضى إن كان نذراً، وإن كان فرضاً بأصل الشرع ففيه خلاف والراجح قضاؤه، فإن لم يقض الولي فإن خلف الميت تركة وجب أن يطعم عنه في الصيام لكل يوم مسكيناً.
    ـ والصلاة لا تقضى قولاً واحداً، إذا كانت واجبة بأصل الشرع، وإن كانت واجبة بالنذر فإنها تقضى على المذهب.
    والاعتكاف لا يمكن أن يكون واجباً بأصل الشرع، وإنما يجب بالنذر فيعتكف عنه وليه.
    وقد استدل من قال بقضاء الصلاة والاعتكاف المنذورين: بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، فقال: اقضوا الله» ,فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم النذر ديناً؛ وإذا كان النذر ديناً وقد قاس النبي صلّى الله عليه وسلّم دين الله على دين الآدمي، فنقول: لا فرق بين دين الصلاة ودين الصيام.
    وقال بعض العلماء: إن الصلاة والاعتكاف المنذورين لا يقضيان؛ لأنهما عبادتان بدنيتان لا يجبان بأصل الشرع.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (15)



    مسائل
    الأولى: هل يصح استئجار من يصوم عنه؟
    الجواب: لا يصح ذلك؛ لأن مسائل القرب لا يصح الاستئجار عليها.
    الثانية: لو نذر صيام شهر مح
    رم فمات في ذي الحجة؟
    فلا يقضى عنه؛ لأنه لم يدرك زمن الوجوب؛ كمن مات قبل أن يدرك رمضان.
    الثالثة: إذا قال الولي: أنا لن أعتكف أو قال: لن أصلي، أو قال: لن أحج؟
    فله ذلك، ولا بديل عن هذه الثلاثة.
    أما إذا قال: لن أصوم فإنه يطعم عن الصوم لكل يوم مسكيناً، إن خلف تركة، وقياس المذهب في الاعتكاف أن يقام من يعتكف عنه، وأن يقام من يصلي عنه؛ لأن هذا عمل يجب قضاؤه وخلف تركة، فعلى مقتضى قواعد المذهب أنه يُدفع للمعتكف عنه أو يصلي عنه لكن ما رأيتهم صرحوا به.

    صَوْمِ التَّطوُّعِ

    تعريفه:
    «صوم» مضاف، و«التطوع» مضاف إليه، والإضافة هنا لبيان النوع، وذلك أن الصيام نوعان: فريضة وتطوع وكلاهما بالمعنى العام يسمى تطوعاً، فإن التطوع: فعل الطاعة، لكنه يطلق غالباً عند الفقهاء على الطاعة التي ليس
    ت بواجبة، ولا مشاحة في الاصطلاح، فإذا كان الفقهاء ـ رحمهم الله ـ جعلوا التطوع في مقابل الواجب فهذا اصطلاح ليس فيه محظور شرعي، إذاً فصوم التطوع هو الصوم الذي ليس بواجب.
    واعلم أن من رحمة الله وحكمته أن جعل للفرائض ما يماثلها من التطوع؛ وذلك من أجل ترقيع الخلل الذي يحصل في الفريضة من وجه، ومن أجل زيادة الأجر والثواب للعاملين من وجه آخر؛ لأنه لولا مشروعية هذه التطوعات لكان القيام بها بدعة وضلالة، وقد جاء في الحديث أن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة.(
    [1])
    من فضائل الصوم:
    واعلم أن الصوم من أفضل الأعمال الصالحة، حتى ثبت في الحديث القدسي أن الله ـ ع
    زّ وجل ـ يقول: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»([2]) فالعبادات ثوابها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، إلا الصوم فإن الله هو الذي يجزي به، ومعنى ذلك أن ثوابه عظيم جداً، قال أهل العلم: لأنه يجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره، فهو صبر على طاعة الله لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها، وعن معصيته لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم، وعلى أقدار الله لأن الصائم يصيبه ألم بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس، فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: {{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}} [الزمر: 10] .

    أقسامُ الصوم:
    ينقسم إلى قسمين: تطوع مطلق وتطوع مقيد.
    والمقيد أوكد من التطوع المطلق، كالصلاة أيضاً، فإن التطوع المقيد منها أفضل من التطوع المطلق.
    صيام أيام البيض:
    أيام البيض هي اليوم الثالث عشر من الشهر، والرابع عشر، والخامس عشر.
    ودليل مسنونيتها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بصيامها(
    [3]).
    وسميت بيضاً لابيضاض لياليها بنور القمر، ولهذا قيل أيام البيض، أي أيام الليالي البيض، فالوصف لليالي؛ لأنها بنور القمر صارت بيضاء وذكر أهل العلم بالطب أن فيها فائدة جسمية في هذه الأيام الثلاثة؛ لأنه وقت فور
    ان الدم وزيادته، إذ إن الدم بإذن الله مقرون بالقمر، وإذا صام فإنه يخف عليه ضغط كثرة الدم فهذه فائدة طبية، لكن كما قلنا كثيراً بأن الفوائد الجسمية ينبغي أن يجعلها في ثاني الأمر بالنسبة للعبادات، حتى يكون الإنسان متعبداً الله لا للمصلحة الجسمية أو الدنيوية، ولكن من أجل التقرب إلى الله بالعبادات.
    وهذه الثلاثة تغني عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، التي قال فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» (
    [4])؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثة أيام بثلاثين حسنة عن شهر، وكذلك الشهر الثاني والثالث، فيكون كأنما صام السنة كلها، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، تقول عائشة: «لا يبالي هل صامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره»([5]) وأمر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة من أصحابه، أبو هريرة وأبو الدرداء وأبو ذر([6])، فعندنا أمران:
    الأمر الأول: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء أكانت في أول الشهر، أم في وسطه، أم في آخره، وسواء أكانت متتابعة أم متفرقة.
    الأمر الثاني: أنه ينبغي أن يكون الصيام في أيام البيض الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فتعيينها في أيام البيض تعيين أفضلية كتعين الصلاة في أول وقتها، أي: أنَّ أفضل وقت للأيام الثلاثة هو أيام البيض، ولكن من صام الأيام الثلاثة في غير أيام البيض حصل على الأجر، وهو أجر صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لا صيام أيام البيض، وحصل له صيام الدهر.
    صيام الاثنين والخميس:

    يسن صيام الاثنين والخميس.
    وصوم الاثنين أوكد من الخميس، فيسن للإنسان أن يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.
    وقد علل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك: «بأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله ـ عزّ وجل ـ، قال: فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»(
    [7])، وهذا الحديث اختلف المحدثون فيه فمنهم من ضعفه وقال: لا تقوم به حجة، ومنهم من قال: إنه صحيح كابن خزيمة، ومنهم من سكت عنه فلم يحكم له باضطراب ولا تصحيح، وعلى كل حال فإن الفقهاء اعتبروه واستشهدوا به، واستدلوا به.
    وسئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويعثت فيه أو أنزل علي فيه» (
    [8]) فبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن صيام يوم الاثنين مطلوب، وعلى هذا فيسن صيام يومين من كل أسبوع، هما يوم الاثنين والخميس.
    حكمُ صوم الثلاثاء
    والأربعاء:
    وأما صيام يوم الثلاثاء والأربعاء فليس بسنة على التعيين، وإلا فهو سنة مطلقة، يسن للإنسان أن يكثر من الصيام، لكن لا نقول يسن أن تصوم يوم الثلاثاء، ولا يسن أن تصوم يوم الأربعاء، ولا يكره ذلك.
    حكمُ صوم الجمعة:
    وأما الجمعة فلا يسن صوم يومها، ويكره أن يفرد صومه، والدليل على ذلك:
    1 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده»(
    [9]).
    2 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم لإحدى أمهات المؤمنين وكانت صامت يوم جمعة: «أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري» (
    [10]) فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يفرد بصوم، بل قد ورد النهي عن ذلك.
    3 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام»(
    [11]).
    حكمُ صوم السبت:

    وأما السبت فقيل: إنه كالأربعاء والثلاثاء يباح صومه.
    وقيل: إنه لا يجوز إلا في الفريضة.
    وقيل: إنه يجوز لكن بدون
    إفراد.
    والصحيح أنه يجوز بدون إفراد، أي: إذا صمت معه الأحد، أو صمت معه الجمعة، فلا بأس، والدليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لزوجته «أتصومين غداً؟» أي: السبت.
    وأما الحديث الذي رواه أبو داود: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر»(
    [12]) يعني فليأكله، فهذا الحديث مختلف فيه هل هو صحيح أو ضعيف؟ وهل هو منسوخ أو غير منسوخ([13])؟ وهل هو شاذ أو غير شاذ؟ وهل المراد بذلك إفراده دون جَمْعِهِ إلى الجمعة أو الأحد؟
    وسبق بيان القول الصحيح أن المكروه إفراده، لكن إن أفرده لسبب فلا كراهة، مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء، إذا لم نقل بكراهة إفراد يوم عاشوراء.
    حكمُ صوم الأحد:
    وأما الأحد: فبعض العلماء استحب أن يصومه الإنسان.
    وكرهه بعض العلماء.
    أما من استحبه فقال: إنه يوم عيد للنصارى، ويوم العيد يكون يوم أكل وسرور وفرح، فالأفضل مخالفتهم، وصيام هذا اليوم فيه مخالفة لهم.
    وأما من كره صومه فقال: إن الصوم نوع تعظيم للزمن، وإذا كان يوم الأحد يوم
    عيد للكفار فصومه نوع تعظيم له، ولا يجوز أن يُعظم ما يعظمه الكفار على أنه شعيرة من شعائرهم.
    والخلاصة: أن الثلاثاء والأربعاء حكم صومهما الجواز، لا يسن إفرادهما ولا يكره، والجمعة والسبت والأحد يكره إفرادها، وإفراد الجمعة أشد كراهة لثبوت الأحاديث في النهي عن ذلك بدون نزاع، وأما ضمها إلى ما بعدها فلا بأس، وأما الاثنين والخميس فصومهما سنة.
    حكمُ صوم الست من شوال:
    يُسنُّ صوم ست من شوال؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله»(
    [14]) فيسن للإنسان أن يصوم ستة أيام من شوال.
    فائدة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وأتبعه ستاً من شوال» والمعروف أن تذكير العد
    د يدل على تأنيث المعدود، والذي يصام اليوم لا الليل فلم لم يقل ستة؟
    الجواب: أن الحكم في كون العدد يذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر، إذا ذُكِرَ المعدود فتقول ستة رجال وست نساء، قال تعالى: {{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}} [الحاقة: 7] .

    أما إذا حذف المعدود فإنه يجوز التأنيث والتذكير فتقول صمت ستاً من شوال وصمت ستة من شوال، ومنه قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}} [البقرة: 234] والمراد عشرة أيام لكنه ذكَّرها؛ لأن المعدود لم يُذْكَرْ، والظاهر أن الأفصح التذكير؛ لأن هذا هو الذي جاء بلفظ الحديث وهو أيضاً أخف على اللسان، وه
    ذه القاعدة ما لم يحصل اشتباه، فإن حصل فإنه يجب أن يراعي الأصل، أي: لو كان اللفظ يحتمل أن يراد به المذكر أو أن يراد به المؤنث والحكم يختلف، فإن الواجب الرجوع إلى الأصل، كالقاعدة العامة في جميع ما يجوز في النحو يقيدونها بما لم يُخْشَ اللبس، فإن خيف اللبس وجب إرجاع كل شيء إلى أصله.
    قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: والأفضل أن تكون هذه الست بعد يوم العيد مباشرة؛ لما في ذلك من السبق إلى الخيرات.
    هل يلزمُ تتابع الست؟
    والأفضل أن تكون متتابعة؛ لأن ذلك أسهل غالباً؛ ولأن فيه سبقاً لفعل هذا الأمر المشروع.
    فعليه يسن أن يصومها في اليوم الثاني من شوال ويتابعها حتى تنتهي، وهي ستنتهي في اليوم الثامن، من شهر شوال، وهذا اليوم الثامن يسميه العامة عيد الأبرار، أي: الذين صاموا ستة أيام من شوال.
    ولكن هذا بدعة فهذا اليوم ليس عيداً للأبرار، ولا للفجار.
    ثم إن مقتضى قولهم، أن من لم يصم ستة أيام من شوال ليس من الأبرار، وهذا خطأ، فالإنسان إذا أدى فرضه فهذا بَرُّ بلا شك، وإن كان بعض البر أكمل من بعض.

    ثم إن السنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله، فلو كان عليه قضاء ثم
    صام الستة قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان» ومن بقي عليه شيء منه فإنه لا يصح أن يقال إنه صام رمضان؛ بل صام بعضه، وليست هذه المسألة مبنيّة على الخلاف في صوم التطوع قبل القضاء؛ لأن هذا التطوع أعني صوم الست قيده النبي صلّى الله عليه وسلّم بقيد وهو أن يكون بعد رمضان، وقد توهم بعض الناس فظن أنه مبني على الخلاف في صحة صوم التطوع قبل قضاء رمضان، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وبينا أن الراجح جواز التطوع وصحته، ما لم يضق الوقت عن القضاء.
    تنبيه: لو أخر صيام الست من شوال عن أول الشهر ولم يبادر بها، فإنه يجوز لقوله صلّى الله عليه وسلّم «ثم أتبعه ستاً من شوال» فظاهره أنه ما دامت الست في شوال، ولو تأخرت عن بداية الشهر فلا حرج، لكن المبادرة وتتابعها أفضل من التأخير والتفريق، لما فيه من الإسراع إلى فعل الخير.

    ([1]) أخرجه الإمام أحمد (2/425)؛ وأبو داود في الصلاة/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه (864)؛ والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة (413)؛ والنسائي في الصلاة/ باب المحاسبة على الصلاة (1/232)؛ وابن ماجه في الصلاة/ باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1425)؛ والحاكم (1/262) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم :" إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح و إن فسدت فقد خاب و خسر و إن انتقص من فريضة قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك" والحديث صححه الألبانى فى صحيح الجامع (3783) .
    ([2]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب فضل الصوم (1894)؛ ومسلم في الصيام/ باب حفظ اللسان للصائم (1151) (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([3]) أخرجه أحمد (5/152)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر (761)؛ والنسائي في الصيام/ باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة... (4/222)؛ وابن حبان (3655) عن أبي ذر رضي الله عنه وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان.
    ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم داود عليه السلام (1979)؛ ومسلم في الصيام/ باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به(1159) عن عبد الله بن عمرو رضي الله
    عنهما.
    ([5]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1160).
    ([6]) أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه البخاري في التهجد/ باب صلاة الضحى في الحضر (1178)؛ ومسلم في الصلاة/ باب استحباب صلاة الضحى (721)؛ وحديث أبي ذر أخرجه الإمام أحمد (5/173)؛ والنسائي في الصيام/ باب صوم ثلاثة أيام من الشهر (4/217)؛ وصححه ابن خزيمة (2128)؛ وحديث أبي الدرداء فقد أخرجه مسلم في الصلاة/ باب استحباب صلاة الضحى (722).
    ([7]) أخرجه أحمد (5/200، 204، 208)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في صوم يوم ال
    اثنين (2436)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس (747)؛ والنسائي في الصيام/ باب صوم النبي (4/201) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وحسنه الترمذي، والمنذري في «مختصر السنن» (3/320)؛ وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب (1041)
    ([8]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1162) (198) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
    ([9]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم الجمعة (1985)؛ ومسلم في الصيام/ باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته (1144) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([10]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم الجمعة (1986) عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.
    ([11]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته (1144) (148) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([12]) أخرجه أحمد (6/368)؛ وأبو داود في الصيام/ باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم (
    2421)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في صوم يوم السبت (744)؛ والنسائي في «الكبرى» (2773)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في صيام يوم السبت (1726)؛ عن الصماء رضي الله عنها. وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب (1049)
    ([13]) «سنن أبي داود»، و«شرح معاني الآثار» (2/80)؛ و«التلخيص الحبير» (938)؛ و«الإرواء» (4/118).
    ([14]) سبق تخريجه



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (16)



    مسألة: لو لم يتمكن من صيام الأيام الستة في شوال لعذر كمرض أو قضاء رمضان كاملاً حتى خرج شوال، فهل يقضيها ويكتب له أجرها أو يقال هي سنة فات محلها فلا تقضى؟
    الجواب: يقضيها ويكتب له أجرها كالفرض إذا أخره عن وقته لعذر، وكالراتبة إذا أخرها لعذر حتى خرج وقتها، فإنه يقضيها كما جاءت به السنة.
    فائدة: كره بعض العلماء صيام الأيام الستة كل عام مخافة أن يظن العامة أن صيامها
    فرض، وهذا أصل ضعيف غير مستقيم لأنه لو قيل به لزم كراهة الرواتب التابعة للمكتوبات، أن تصلى كل يوم وهذا اللازم باطل وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم والمحذور الذي يخشى منه يزول بالبيان.
    حكمُ صوم المحرم:

    يُسنُّ صوم شهر المحرم، وهو الذي يلي شهر ذي الحجة، وهو الذي جعله الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أول شهور السنة، وصومه أفضل الصيام بعد رمضان، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»([1]).
    واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ أيهما أفضل صوم شهر الم
    حرم، أم صوم شهر شعبان؟
    فقال بعض العلماء: شهر شعبان أفضل؛ لأن النبي كان يصومه، إلا قليلاً منه ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم؛ لكنه حث على صيامه بقوله: «إنه أفضل الصيام بعد رمضان» .
    قالوا: ولأن صوم شعبان ينزل منزلة الراتبة قبل الفريضة وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق، ومنزلة الراتبة أفضل من منزلة النفل المطلق، وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما، إلا أن شعبان لا يكمله.
    تنبيه: آكد صوم شهر المحرم العاشر ثم التاسع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»([2]) فهو آكد من
    بقية الأيام من الشهر.
    ثم يليه التاسع لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لئن بقيت، أو لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع» ([3]) يعني مع العاشر.

    وهل يكره إفراد العاشر؟
    قال بعض العلماء: إنه يكره، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده خالفوا اليهود»([4]).
    وقال بعض العلماء: إنه لا يكره، ولكن يفوت بإفراده أجر مخالفة اليهود.
    والراجح أنه لا يكره إفراد عاشوراء.
    فإن قال قائل: ما السبب في كون يوم العاشر آكد أيام محرم؟
    فالجواب أن السبب في ذلك أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذا الحديث دليل على أن التوقيت كان في الأمم السابقة بالأهلة، وليس بالشهور الأفرنجية، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخبر بأن اليوم العاشر من محرم هو اليوم الذي أهلك
    الله فيه فرعون وقومه ونجى موسى وقومه([5]).
    حكمُ صوم تسع ذى الحجة:
    يُسَنُّ صوم تسع ذي الحجة.
    وتسع ذي الحجة تبدأ من أول أيام ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة، والحجة بكسر الحاء أفصح من فتحها وعكسها القعدة.
    ودليل استحبابها قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أح
    ب إلى الله من هذه الأيام العشر»([6]) والصوم من العمل الصالح.

    وقد ورد حديثان متعارضان في هذه الأيام، أحدهما أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصوم هذه الأيام التسعة([7])، والثاني أنه كان يصومها([8])، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المثبت مقدم على النافي، ورجح بعض العلماء النفي؛ لأن حديثه أصح من حديث الإثبات، لكن الإمام أحمد جعلهما ثابتين كليهما، وقال: إن المثبت مقدم على النافي، ونحن نقول: إذا تعارضا تساقطا بدون تقديم أحدهما على الآخر فعندنا الحديث الصحيح العام «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر»([9]) فالعمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة ومن ذلك الصوم أحب إلى الله من العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان، ومع ذلك فالأيام العشر من ذي الحجة، الناس في غفلة عنها، تَمُرُّ والناس على عا
    داتهم لا تجد زيادة في قراءة القرآن، ولا العبادات الأخرى بل حتى التكبير بعضهم يشح به.
    حكم صوم يوم عرفة:
    آكد تسع ذي الحجة، صيام يوم عرفة لغير حاج بها، ويوم عرفة هو اليوم التاسع، وإنما كان آكد أيام العشر؛ لأن النبي «سئل عن صوم يوم عرفة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده»([10]) وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم عاشوراء؛ لأن صوم عاشوراء قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» فقط.
    هل يصومُ الحاج يوم عرفة؟
    فالحاج في عرفة لا يصوم وليس مشروعاً له الصوم لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة»([11]) وهذا الحديث في صحته نظر، لكن يؤيده أن الناس شَكُّوا في صومه صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون إليه([12])، ليتبين لهم أنه لم يصم؛ ولأن هذا اليوم يوم دعاء وعم
    ل، ولا سيما أن أفضل زمن الدعاء هو آخر هذا اليوم، فإذا صام الإنسان فسوف يأتيه آخر اليوم وهو في كسل وتعب، لا سيما في أيام الصيف وطول النهار وشدة الحر، فإنه يتعب وتزول الفائدة العظيمة الحاصلة بهذا اليوم، والصوم يدرك في وقت آخر؛ ولهذا فالصواب أن صوم يوم عرفة للحاج مكروه، وأما لغير الحاج فهو سنة مؤكدة.

    أفضل الصيام (صوم داود):
    أفضل صوم التطوع صوم يوم، وفطر يوم.
    فإذا قال قائل: لماذا لم يفعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والرسول ينشر الأفضل وهو أخشانا لله وأتقانا له؟
    قلنا: لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يشتغل بعبادات أخرى أجل من الصيام، من الدعوة إلى الله، والأعمال الأخرى الوظيفية التي تستدعي أن يفعلها، ولهذا ثبت عنه فضل الأذان، وأن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة([13])، ومع ذلك لم يباشره؛ لأنه مشغول بعبادات أخرى جليلة لا يتمكن من مراقبة الشمس في طلوعها، وزوالها وما أشبه ذلك، وقال في الرجل الذي دخل وصلى وحده: من يتصدق على هذا؟
    فقام بعض أصحابه فصلى معه([14])، فلا يقول قائل: لماذا لم يقم هو لأنها صدقة، وهو أ
    سبق الناس إلى الخير؟ فالجواب لأنه مشتغل بما هو أهم، من تعليم الناس، والتحدث إليهم وتأليفهم وما أشبه ذلك، المهم أنه لا يُظن أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا ندب إلى فعل شيء وبين أنه أفضل ولم يفعله هو، فهو قصور منه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، ولكن اشتغاله بما هو أولى وأهم، ولهذا لما سئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: «ليت أنا نقوى على ذلك»([15])، يعني أنه ما يقوى على ذلك مع أعماله الأخرى الجليلة التي لا يقوم بها غيره.
    وعلى هذا إذا جاءنا طالب علم، وقال: إنني إذا صمت قصرت عن طلب العلم وصار عندي خورٌ وضعف وتعب، وإذا لم أصم نشطت على العلم، فهل الأفضل في أن أصوم يوماً وأفطر يوماً؛ لأنه أفضل الصيام، أو أن أقوم بطلب العلم؛ نقول: الأفضل أن تقوم بطلب العلم.
    وإذا جاءنا رجل عابد ليس له شغل، لا قيام على عائلة، ولا طلب علم، وقال:
    ما الأفضل لي، أن أصوم يوماً وأفطر يوماً، أو لا أصوم؟
    نقول: الأفضل أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، فالمهم أن التفاضل في العبادات وتمييز بعضها عن بعض وتفضيل بعضها على بعض، أمر ينبغي التفطن له؛ لأن بعض الناس قد يلازم طاعة معينة ويترك طاعات أهم منها وأنفع، وقد جاء وفد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجلس يتحدث إليهم وترك راتبة الظهر ولم يصلها إلا بعد العصر([16])، فعلى هذا ينبغي للإنسان أن يعادل بين نوافل العبادات وإذا ترك شيئاً لما هو أهم منه، فلا يقال إنه تركه، بل فعل ما هو خير منه، فلا يعد ذلك قصوراً.

    ودليل ذلك أن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: «لأصومن النهار، ولا أفطر، ولأقومن الليل ولا أنام، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأله: «أنت الذي قلت كذا؟ قال: نعم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم كذا، صم كذا، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً فذلك أفضل الصيام، وهو صيام داود، وقال له في القيام: نم نصف الليل، وقم ثلث الليل، ونم سدس الليل، فذلك أفضل القيام وهو قيام داود» ([17])؛ لأن هذا الصيام يعطي النفس بعض الحرية، والبدن بعض القوة؛ لأنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكذلك القيام إذا نام نصف الليل، ثم قام ثلثه، ثم نام سدسه، فإن تعبه في قيام الثلث سوف يزول بنومه السدس، فيقوم في أول النهار نشيطاً.
    ولكن هذا، أي: صوم يوم وفطر يوم، مشروط بما إذا لم يضيع ما أوجب الله عليه، فإن ضيع ما أوجب الله عليه كان هذا منهياً عنه؛ لأنه لا يمكن أن تضاع فريضة من أجل نافلة، فلو فرض أن هذا الرجل إذا صام يوم
    اً وأفطر يوماً، تخلف عن الجماعة في المسجد، لأنه يتعب في آخر النهار، ولا يستطيع أن يصل إلى المسجد، فنقول له: لا تفعل؛ لأن إضاعة الواجب أعظم من إضاعة المستحب، فهذا مستحب لا تأثم بتركه فاتركه.
    كذلك لو انشغل بذلك عن مؤونة أهله، أي: انقطع عن البيع والشراء والعمل الذي يحتاجه لمؤونة أهله، فإننا نقول له: لا تفعل؛ لأن القيام بالواجب أهم من القيام بالتطوع، وكذلك لو أدى هذا الصيام إلى عدم القيام بواجب الوظيفة كان منهياً عنه.
    وقد التزم عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ بذلك حتى كبر فتمنى أنه قبل رخصة النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، حتى اجتهد ـ رضي الله عنه ـ فصار يصوم خمسة عشر يوماً متتابعة، ويفطر خمسة عشر يوماً متتابعة، ويرى أن هذا بدل عن صيام يوم وإفطار يوم.

    ونأخذ من هذا فائدة، وهي أن الإنسان ينبغي ألا يقيس نفسه في مستقبله على حاضره، فقد يكون الإنسان في أول العبادة نشيطاً يرى أنه قادر، ثم بعد ذلك يلحقه الملل، أو يلحقهُ ضعف وتعب، ثم يندم، لهذا ينبغ
    ي للإنسان أن يكون عمله قصداً، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم مرشداً أمته: «اكلفوا من العمل ما تطيقون»([18]) أي: لا تكلفوا أنفسكم وقال: «استعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا» ([19])، وقال «إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»([20]) والمنبت هو الذي يسير ليلاً ونهاراً، فالإنسان ينبغي له أن يقدر المستقبل، لا يقول أنا الآن نشيط سأحفظ القرآن والسنة، وزاد المستقنع وألفية ابن مالك كلها في أيام قليلة، فهذا لا يمكن، فأعط نفسك حقها، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل» ([21]) وكثير من الناس يكون عنده رغبة إما في العبادة، أو طلب العلم أو غير ذلك، ثم بعد هذا يكسل، فالذي ينبغي للإنسان، أن ينظر للمستقبل، كما ينظر للحاضر.
    وفي حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ دليل على أن صوم يوم الجمعة أو السبت إذا صادف يوماً غير مقصود به التخصيص فلا بأس به، لأنه إذا صام يوماً، وأفطر يوماً فسوف يصادف الجمعة والسبت، وبذلك يتبين أن صومهما ليس بحرام، وإلا لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم يوماً، وأفطر يوماً، ما لم تصادف الجمعة والسبت.

    ([1]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب صوم المحرم (1163)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([2]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1162) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
    ([3]) أخرجه مسلم من الصيام/ باب أي يوم يصام ف
    ي عاشوراء (1134) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    ([4]) أخرجه أحمد في «المسند» (1/241)؛ وابن خزيمة (2095)؛ والبزار (1052) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    قال الهيثمي في «المجمع» (3/188) «فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام» وضعفه الألباني في «التعليق على ابن خزيمة».
    وأخرجه عبد الرزاق (7839)؛ والبيهقي (4/287) موقوفاً على ابن عباس بلفظ: «صوموا اليوم التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود» وسنده صحيح كما قال الألباني في «التعليق على ابن خزيمة».

    ([5]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم عاشوراء (2004)؛ ومسلم في الصيام/ باب صوم يوم عاشوراء (1130) (128).
    ([6]) أخرجه البخاري في العيدين/ باب فضل العمل في أيام التشريق (969) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
    ([7]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب صوم عشر ذي الحجة (1176) عن عائشة رضي الله عنها.
    ([8]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في صوم العشر (2437)؛ والنسائي في الصيام/ باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/220)؛ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2129).

    ([9]) سبق تخريجه
    ([10]) سبق تخريجه
    ([11]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في صوم العشر (2437)؛ والنسائي في الصيام/ باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/220)؛ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2129).
    ([12]) أخرجه البخاري من الصوم/ باب صوم يوم عرفة (1988)؛ ومسلم في الص
    يام/ باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة (1123) عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها.
    ([13]) أخرجه مسلم في الصلاة/ باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه (387) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
    ([14]) أخرجه الإمام أحمد (3/64)؛ وأبو داود في الصلاة/ باب في الجمع في المسجد (574)؛ والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرّة (2220) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وحسنه الترمذي وصححه الألباني في «الإرواء» (2/316).
    ([15]) سبق تخريجه

    ([16]) أخرجه البخاري في الجمعة/ باب إذا كُلم وهو يصلي... (1233)؛ ومسلم في الصلاة/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد العصر (834).
    ([17]) سبق تخريجه
    ([18]) أخرجه البخاري في الجمعة/ باب إذا كُلم وهو يصلي... (1233)؛ ومسلم في الصلاة/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد العصر (834).
    ([19]) أخرجه البخاري في الإيمان/ باب الدين يسر (39) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([20]) أخرجه البزار (74) «كشف الأستار» قال الهيثمي في «المجمع» (2/62): «فيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب» وأخرجه البيهقي من طريق أخرى (3/19) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف كما في الضعيفة (1/64)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (334) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفاً. وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع (4832)
    ([21]) أخرجه البخاري في الرقاق/ باب القصد والمداومة على العمل (6464)؛ ومسلم في الصلاة/ باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره (782) عن عائشة رضي الله عنها.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    فقه وفتاوى وأحكام الصيام
    د.أحمد مصطفى متولى
    (17)




    حكمُ تخصيص رجب بصوم:
    أما السُّنَّة فلم يرد في تعظيمه شيء، ولهذا قالوا: إن كل ما يروى في فضل صومه، أو الصلاة فيه من الأحاديث فكذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وقد ألف ابن حجر ـ رحمه الله ـ رسالة صغيرة في هذا وهي «تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب».
    تنبيه: لو صامه مع غيره، فلا يكره؛ لأنه إذا صام معه غيره لم يكن الصيام
    من أجل تخصيص رجب، فلو صام شعبان ورجباً فلا بأس، ولو صام جمادى الآخرة ورجباً فلا بأس.
    حكمُ إفراد الجمعة بصوم:

    يكره إفراد الجمعة والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده»([1]) وقال: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام»([2]) وقال لإحدى أمهات المؤمنين، وقد وجدها صائمة يوم الجمعة: «أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري»([3]) فإن صامها مع غيرها فلا يكره، فلو صام الخميس والجمعة فلا بأس، أو الجمعة والسبت فلا بأس.
    وإن صامها وحدها لا للتخصيص، لكن لأنه وقت فراغه كرجل عامل يعمل كل أ
    يام الأسبوع، وليس له فراغ إلا يوم الجمعة، فهل يكره؟
    الجواب: عندي فيه تردد، فإن نظرنا إلى ما رواه مسلم: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام» قلنا: لا بأس؛ لأن هذا لم يخصه، وإن نظرنا إلى حديث «أصمت أمس؟
    قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري» فإن هذا قد يؤخذ منه أنه يكره إفرادها، وإن كان في الأيام الأخرى لا يستطيع، وقد لا يؤخذ منه، فيقال: إن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أصمت أمس؟ أو أتصومين غداً؟» يدل على أنها قادرة على الصوم.
    فالحاصل أنه إذا أفرد يوم الجمعة بصوم لا لقصد الجمعة، ولكن لأنه اليوم الذي يحصل فيه الفراغ، فالظاهر إن شاء الله أنه لا يكره، وأنه لا بأس بذلك.

    حكمُ إفراد السبت بصوم:
    يُكره إفراده، لحديث «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم»([4]) فيحمل إن صح
    على النهي عن إفراده، وأما جمعه، مع الجمعة، فلا بأس؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لجويرية: «أتصومين غداً؟» فدل هذا على أن صومه مع الجمعة لا بأس به، وهذه المسألة قد يلغز بها فيقال: يومان إن أفرد أحدهما بالصوم كره، وإن اجتمعا فلا كراهة؟ مع أن الذي يتبادر أن المكروه إذا ضم إلى مكروه ازدادت الكراهة، لكن هذا إذا ضم المكروه إلى مكروه زالت الكراهة، فيجاب أن الكراهة هي الإفراد، فإذا صام الجميع فلا كراهة، فإن قيل حديث النهي عن صوم السبت عام ليس فيه تفصيل، فالجواب أنه إذا ورد ما يخصص العام وجب العمل به، وقد ورد ما يدل على جواز صومه مع الجمعة وهذا تخصيص.
    حكمُ صوم يوم الشك:
    يُكره صوم يوم الشك، ويوم الشك هو ليلة الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال كغيم وقتر.
    وقيل: هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت السماء صحواً.
    والأول أرجح؛ لأنه إذا كانت السماء صحواً وتراءى الناس الهلال ولم يروه لم يبق عندهم شك أنه لم يهل، والشك يكون إذا كان هناك ما يمنع رؤية الهلال، ولكن لما كان فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ يرون أنه إذا كان ليلة الث
    لاثين، وحال ما يمنع رؤيته من غيم أو قتر يجب صومه، حملوا الشك على ما إذا كانت السماء صحواً، وهذه آفة يلجأ إليها بعض العلماء، وسبب هذه الآفة أن الإنسان يعتقد قبل أن يستدل، وهذا خطأ، والواجب أن تجعل اعتقادك تابعاً للدليل، فتستدل أولاً، ثم تحكم ثانياً.
    فالأرجح أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال، وأما إذا كانت السماء صحواً فلا شكَّ.
    وهل صومه مكروه أو محرم؟
    الجواب: في هذا خلاف بين العلماء:
    القول الأول: أنه محرم.
    القول الثاني: أنه مكروه.

    والصحيح أن صومه محرم إذا قصد به الاحتياط لرمضان ودليل ذلك:
    1 ـ قول عمار بن ياسر رضي الله عنهما: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم»([5]).

    2 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه»([6]).
    3 ـ ولأنه نوع من التعدي لحدود الله، فإن الله يقول في كتابه: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] ، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا رأيتموه فصوموا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» ([7]).
    حكمُ صوم العيدين:
    (يحرم صوم العيدين ) والدليل على ذلك:
    1 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن صوم يومي العيدين، عيد الفطر، وعيد الأضحى» ([8])، وخطب عمر ـ رضي الله عنه ـ في ذلك على المنبر وقال: «هذان يومان نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صومهما يوم النحر ويوم الفطر»([9])، والحكمة في ذلك، أما يوم الفطر فلأنه يوم الفطر من رمضان ولا يتميز تحديد رمضان إلا بفطر يوم العيد، وأم
    ا الأضحى فلأنه يوم النحر، ولو صام الناس فيه لعدلوا فيه عما يحبه الله ـ عزّ وجل ـ مما أمر به في قوله: {{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}} [الحج: 28] وكيف يأكل منها من كان صائماً؟!
    2 ـ أن العلماء ـ رحمهم الله ـ أجمعوا على أن صومهما محرم، فلا يجوز لإنسان أن يصوم يوم العيدين.
    ولكن لو أن العيد كان عندنا هنا، وكان في شرق آسيا مثلاً ليس يوم العيد، فهل يحرم عليهم الصوم؟
    الجواب: نقول على مذهب من يرى أنه إذا ثبتت الرؤية في مكان من الأرض بطريق شرعي، فهي للجميع يكون صوم الذين في شرق آسيا حراماً؛ لأن هذا اليوم يوم عيد لهم، وإذا قلنا إن كل قوم لهم رؤيتهم وهم لم يروه ونحن رأيناه، فإنه لا يحرم عليهم، ويحرم علينا نحن.
    حكمُ صوم أيام التشريق:
    يحرم، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال فيها: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لل
    ه عزّ وجل»([10]) وهذا يدل على أن هذه الأيام لا تصلح أن تكون أيام إمساك، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر لله، وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر هي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، وهذه الأيام تسمى أيام التشريق؛ لأن الناس كانوا يشرقون فيها اللحم، أي: يقددونه، ثم ينشرونه في الشمس من أجل أن ييبس حتى لا يتعفن، ويفسد.

    «إلا عن دم متعة وقران»
    أي: فيجوز صيامها فإذا حج الإنسان وكان متمتعاً، والمتمتع هو الذي يأتي بالعمرة أولاً في أشهر الحج، ثم يحل، ويأتي بالحج في عامه بعد ذلك، فعليه الهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، والقارن كالمتمتع، وهو الذي يحرم بالعمرة والحج جميعاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، فعليه الهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع من الحج.

    ودم المتعة والقران إذا لم يجدهما الحاج، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وتبتدئ هذه الأيام الثلاثة في حين الإحرام بالعمرة، ولو كان قبل شهر ذي الحجة، فإذا كان متمتعاً وأحرم بالعمرة في آخر ذي القعدة، وهو يعلم أنه لن يجد الهدي، لأنه ليس معه دراهم، فله أن يصوم.
    فإن قيل: كيف يصوم في العمرة والآية الكريمة يقول الله فيها {{ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}} [البقرة: 196] ؟
    فالجواب، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت العمرة في الحج»([11]).
    وينتهي صوم الثلاثة بآخر يوم من أيام التشريق، وعلى هذا فإذا لم يصم قبل ذلك، فإنه يصوم الأيام الثلاثة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
    ودليل ذلك حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي» ([12]) وقول الصحابي لم يرخص، أو رخص لنا، أو ما أشبه ذلك يع
    تبر مرفوعاً حكماً.
    مسألة: اختلف الفقهاء في حكم صوم أعياد الكفار.
    فقيل: بالكراهة؛ لأن ذلك يعطي الكفار قوة؛ حيث يقولون: هؤلاء المسلمون يعظمون أعيادنا!
    وقيل: بعدم الكراهة؛ لأن الصوم ضد الفطر، وفي الفطر فرح وسرور، فكأنه يقول للكفار: أنتم تبتهجون بهذا اليوم، ونحن نقابلكم بالصوم والإمساك.
    والأولى أن يقال بالكراهة، وألا نهتم بأعياد الكفار، إلا على سبيل التحذير منها.
    هل يلزمُ اتمامُ الصيام فى النفل؟
    لا يلزم الإتمام في النفل؛ ودليل ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل على أهله ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟ قالوا: نعم عندنا حيس، قال: أرينيه ـ يقوله لعائشة ـ فلقد أصبحت صائماً، فأرته إياه فأكل»([13]) وق
    ال: «إنما مثل الصوم أو قال صوم النفل كمثل الصدقة يخرجها الرجل من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء ردها» ([14]) وهذا الصوم نفل، فقطعه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأكل، فدل هذا على أن النفل أمره واسع للإنسان أن يقطعه، ولكن العلماء يقولون: لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرض صحيح.
    ومنه إذا دعيت إلى وليمة وأنت صائم فإنك تدعو ولا تأكل لكن إن جبرت قلب صاحبك فإنك تأكل، ومعنى ذلك أنك ألغيت الصوم لكن خروجك من الصوم هنا لغرض صحيح، وهو جبر قلب أخيك المسلم.
    ولو أن رجلاً واعد جماعة في مسجد، ثم حضر إلى المسجد فإذا هم لم يحضروا فقام يصلي نفلاً فحضروا فله أن يقطع النفل، ومثله رجل عيَّن دراهم معينة لفلان الفقير، يريد أن يتصدق بها عليه، فيجوز أن يعدل عن ذلك ما دام أنه لم يقبضها الفقير فهي ملكه، إن شاء أمضاها وإن شاء لم يمضها.([15])

    وهل من الغرض الصحيح إذا دخل في صلاة النافلة، فنادته أمه أن يرد عليها، فيقطع الصلاة؟
    الجواب: فيه تفصيل: إذا كانت الأم إذا علمت أنه في صلاة فلا ترضى أن يقطعها، بل تحب أن يمضي في صلاته، فهنا لا يقطعها؛ لأنه لو قطع الصلاة، وقال لأمه: أنا قطعت الصلاة من أجلك
    ، قالت: لِمَ قطعتها؟
    أما إذا كانت ممن لا يعذر في مثل هذه الحال؛ لأن بعض النساء، لا يعذرن في مثل هذه الحال، ففي هذه الحال نقول: اقطعها.
    أما لو ناداه الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهذه المسألة لا ترد الآن، لكن فرضها نظرياً وعلمياً، فيجب عليه أن يقطع الصلاة لقول الله سبحانه وتعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}} [الأنفال: 24] .
    ولكن لو قال قائل: إن الآية فيها {{إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}} فلا بد أن نعلم أنه دعانا لشيء ينفعنا؟
    فالجواب: أن هذا القيد ليس قيد احتراز، ولكنه قيد لبيان الواقع، فإن رسول الله
    صلّى الله عليه وسلّم لا يدعونا إلا لما فيه حياتنا، ومثل هذا القيد أعني القيد الذي لبيان الواقع، يكون كالتعليل للحكم فكأنه قال هنا؛ لأنه لا يدعوكم إلا لما يحييكم.
    وإن شرع في صوم منذور، فهل يجوز قطعه؟
    الجواب: لا؛ لأنه واجب، فإن قطعه لزمه القضاء.
    «إلا الحج» أي: إلا الحج فإنه يلزمه إتمامه، ولو كان نفلاً، ويجب قضاء فاسده، ولو كان نفلاً لقوله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ}} [البقرة: 196] وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج؛ لأنها نزلت في السنة السادسة في الحديبية، والحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة، ومع هذا أمر الله بإتمامهما مع أنهما نفل لم يفرضا بعد، ودلت السنة على وجوب قضائه.
    والحكمة من ذلك أن الحج والعمرة لا يحصلان إلا بمشقة، ولا سيما فيما سبق من الزمن، ولا ينبغي للإنسان بعد هذه المشقة أن يفسدهما؛ لأن في ذلك خسارة كبيرة، بخلاف الصلاة، أو الصوم، أو ما أشبه ذلك.
    أو هناك قول آخر بأن العمرة لا يلزم إتمامها؟
    الجواب: الظاهر أنه من باب الاكتفاء، والعمرة تسمى حجاً أصغر كما في حديث عم
    رو بن حزم المشهور المرسل الذي تلقته الأمة بالقبول وفيه: «العمرة الحج الأصغر» ([16]) وعليه فالعمرة مثل الحج إذا شرع في نفلها لزمه الإتمام، وإن أفسده لزمه القضاء.
    مسألة إذا فسد الحج وهو نفل، ف
    هل يلزمه أن يقضيه؟
    الجواب: نعم؛ لأن قوله: «إلا الحج» مستثنى من قوله: «ولا يلزم في النفل ولا قضاء فاسده إلا الحج» وعلى هذا فلو أن الرجل أحرم بالعمرة، وفي أثناء العمرة جامع زوجته فإنه يلزمه المضي في هذه العمرة، ثم القضاء؛ لأنه أفسدها بالجماع.
    فإن فعل محظوراً فهل تفسد العمرة؟
    الجواب: لا؛ لأنه لا يُفسد العمرة ولا الحج من المحظورات، إلا الجماع قبل التحلل الأوّل، وهذا والذي قبله مما يخالف فيه الحج والعمرة بقية العبادات.


    ([1]) سبق تخريجه
    ([2]) سبق تخريجه
    ([3]) سبق تخريجه
    ([4]) سبق تخر
    يجه
    ([5]) سبق تخريجه
    ([6]) سبق تخريجه
    ([7]) سبق تخريجه
    ([8]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم النحر (1993)؛ ومسلم في الصيام/ باب تحريم صوم يومي العيدين (1138) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([9]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم النحر (1993)؛ ومسلم في الصيا
    م/ باب تحريم صوم يومي العيدين (1138) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    ([10]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب تحريم صوم أيام التشريق (1141) عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه.
    ([11]) أخرجه مسلم في الحج/ باب حجة النبي (1218) عن جابر رضي الله عنه.
    ([12]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صيام أيام التش
    ريق (1997)، (1998).
    ([13]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال... (1154) (170) عن عائشة رضي الله عنها.
    ([14]) أخرجه النسائي عن عائشة رضي الله عنها في الصيام/ باب النية ف
    ي الصيام (4/194)؛ وصححه الألباني في «الإرواء» (4/135).
    ([15]) وبهذا نعرف خطأ ما يفعله بعض العامة، يكون قد اعتاد أن يؤدي فطرته لشخص معين، فيحجزها له حتى إنه في بعض الأحيان يفوت وقت الدفع وهو حاجزها له، فنقول: حتى لو نويتها لفلان فإذا جاء وقت الدفع فعليك أن تدفعها إلى غيره.
    واستدلوا لقولهم بالآتي:
    1 ـ بعموم قوله تعالى: {{وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}} [محمد: 33] .
    2 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ: «لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل» فإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم انتقده لترك قيام الليل، فكيف بمن تلبس بالنافلة فإنّ انتقاده إذا تركها من باب أولى؟ ولهذا نقول للإنسان إذا شرع في النافلة: لا تقطعه
    ا إلا لغرض صحيح.
    ([16]) أخرجه الدارقطني (2/285) وابن حبان (6559) والبيهقي (4/89). وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع (2333)

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    اخْتِيَارَاتُ وَفَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ في الصِّيَامِ([1])
    (18)

    * ذكر أصحاب الفضيلة أن صوم رمضان من أركان الإسلام .
    * وذكروا بأن الله سبحانه فرض صيامه لمصلحة عباده نفوسهم والارتقاء بهم إلى الكمال البشري , وفيه تمرين النفس على مخالفة هواها , وفيه إعانة النفس على التغلب على شهواتها الممنوعة في الصيام , وهو يهذب النفس إلى الأخذ بالأخلاق الفاضلة , وأنه جالب للتقوى .

    * واختار أصحاب الفضيلة بخبر الواحد في رؤية هلال رمضان , بشرط أن يكون مسلماً عدلاً في الظاهر .
    * وأفتوا بأنه لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن وافق عادة .
    * وأفتوا بأنه لا يجوز الاقتداء والاعتماد على خبر المنجمين , بل الواجب أن يعتمد على الرؤية .
    * وأجاز أصحاب الفضيلة استخدام الوسائل التي تعين على العين على رؤية الهلال .
    * وأجاز أصحاب الفضيلة الاستعانة بآلات
    الرصد في رؤية الهلال .
    * وأفتوا بمنع الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان أو انتهائه .
    * وأفتوا بأنه إذا رؤي الهلال في بلاد دون بلاد , فإن الصيام في البلاد التي لم ير فيها راجع إلى ولي الأمر , فإن حكم بالصيام وجب لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف , وإن لم يكن الحاكم مسلماً أخذوا بحكم مجلس المركز الإسلامي .
    * وذكر أصحاب الفضيلة إجماع أهل العلم على عدم اعتبار حساب النجوم في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية .
    * وأفتوا بأنه يجوز للمسلمين الموجودين في بلد غير إسلامية أن يشكلوا لجنة من المسلمين تتولى إثبات شهر رمضان وشوال وذي الحجة .
    * وأفتوا بوجوب الصوم في النهار كله في بلد يكون النهار فيها واحد وعشرين ساعة , ولا عبرة بطول النهار , مادام أن مجموع الليل والنار أربع وعشرون ساعة فمن شهد الشهر من المكلفين وجب عليه الصوم سواء طال النهار أو قصر فغن عجز عن الصوم وخاف على نفسه الموت أو المرض جاز له الإفطار وعليه القضاء .
    * وأفتوا بأن القرى البعيدة عن العاصمة تعمل بر
    ؤية العاصمة إذا كان البلد واحداً .
    * واختار أصحاب الفضيلة حرمة صوم يوم الشك لثبوت النهي عن صومه .
    * وأفتوا فيمن صام في بلد ثم انتقل إلى بلد آخر قد تأخر فيها رؤية الهلال بليلة أنه يعمل في انتهاء الشهر برؤية البلد الذي هو فيه الآن , فالإنسان إذا كان في بلد لزمه حكمهم ابتداء وانتهاء , لكن إن افطر أقل من تسعة وعشرين يوماً لزمه أن يقضي يوماً لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً ويقضي ما فاته .

    * وأفتوا بأن من ركب الطائرة ولا يزال يرى الشمس وبلده قد أفطر فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس لقوله تعالى : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " ولا عبرة بغيابها عن بلده , وأما من أفطر بعد إقلاعها ثم بعد إقلاعها
    رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها .
    * وأفتوا بأن تارك الصلاة لا يصح صيامه لأنه محكوم بكفره .
    * وأفتوا بوجوب قضاء ما ترك من رمضان عمداً مع وجوب التوبة والندم .
    * وأفتوا بأن من أفطر عمداً ثم جامع فإن عليه كفارة الجماع في نهار رمضان , وإن كانت زوجته مطاوعه عالمة فعليها الكفارة أيضاً .
    * وذكروا إجماع أهل العلم على كفر تارك الصوم جحوداً لوجوبه .
    * واختار أصحاب الفضيلة أن تاركه كسلاً وتهاوناً على خطر عظيم لكنه لا يكفر بل هو معدود في أصحاب الكبائر .
    * وذكروا بأن الصوم يجب على كل مسلم عاقل مميز بالغ مقيم خال من الموانع الشرعية وهي الحيض والنفاس .
    * وذكروا بأن البلوغ يعرف بعلامات : بإنزال المني بشهوة , وإكمال خمسة عشرة سنة نبات الشعر الخشن حول الفرج , أو الحيض أو الحمل بالنسبة للمرأة . فإذا ظهرت علامة من هذه العلامات فقد تحقق البلوغ .
    * وأفتوا باستحباب تعويد المميزين على الص
    وم لتألفة نفوسهم .

    * وأفتوا بجواز استعمال المرأة أدوية تمنع نزول الحيض في رمضان إذا قرر أهل الخبرة من الأطباء أنه لا ضرر في استعمالها .
    * وأفتوا بأن من أخر قضاء رمضان بلا عذر حتى أدركه رمضان آخر فإنه يجب عليه القضاء وأن يطعم عن كل يوم مسكيناً
    * وأفتوا بأن من حاضت قبل الغروب بلحظة فصومها فاسد وعليها القضاء .
    * وأفتوا بأن النفساء إذا طهرت قبل الأربعين وصامت فصومها صحيح .
    * وأفتوا في العاجز عن الكبر لكبر سنه بأن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من بر أو تمر أرز أو نحو ذلك مما يطعمه أهله .
    * وأفتوا بجواز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما
    أو على ولديهما وليس عليهما إلا القضاء فقط .
    * وأفتوا في المريض الذي لا يرجى شفاؤه بأن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع مما هو عادة قوت البلد .

    * وأفتوا بأن إدخال المرهم أو التحميلة في الفرج للتداوي لا يؤثر في الصوم .
    * وأفتوا بأن إدخال جهاز الكشف في الفرج لا يؤثر في الصوم .
    * وأفتوا في المريض الـذي يرجى شفاؤه بأن يفطر إذا كان الصوم يشق عليه وليس عليه إلا القضاء فقط .
    * وأفتوا بأن الإبر في الوريد أو العضل تخفيفا للأزمة الصدرية لا تؤثر في الصوم .
    * وأفتوا مريض الكلى بلزوم طاعة الطبيب الحاذق العارف بالطب إذا أمره بشرب الماء في نهار رمضان ويقضي بعد الشفاء إن كان يرجى برؤه وإلا فيطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع .
    * والضابط عند أصحاب الفضيلة في المـرض المجيز للفطر هو كل مرض يزيده الصوم ألما أو يؤخر شفاءه .
    * وأفتوا بأن غسيل الكلى في نهار رمضان مفسد للصوم .
    * وأفتوا بأن كل مريض أمره الطبيب بالإفطار مراعاة لمرضه وكان الطبيب ذا خبرة وثقة وأمانة فإنه تجب طاعته في ذلك .
    * وأفتوا بأن الأفضل للمسافر أن يف
    طر أخذًا برخصة الله .
    * وأفتوا بأن حديث : " من صام فله أجر ومن أفطر فله أجران " لا أصل له .
    * وأفتوا بأنه لا شيء على من جامع أهله في السفر في نهار رمضان .

    * وأفتوا بأن المسافر إذا وصل إلى بلده مفطرًا نهارًا فيجب عليه إمساك بقية اليوم لأن ما جاز لعذر بطل بزواله .
    * وذكر أصحاب الفضيلة أن استمرار الصائم غالب النهار نائمًا يعد تفريطًا
    منه لاسيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من كثرة قراءة القرآن وطلب الرزق وتعلم العلم .
    * وأفتوا بحرمة صيام يوم العيد , كما هو إجماع العلماء .
    * وأفتوا بأن تخصيص اليوم الرابع عشر من رمضان بشيء من التعبد الزائد بدعة لعدم النقل .
    * وأفتوا بأن استئجار قارئ في ليالي رمضان ليقرأ في البيت من البدع لعدم النقل .
    * وأفتوا بأن الحامل إذا أسقطـت حملها مضغـة لا تخطيط فيها وخرج منها دم فهـو دم فساد ولا يمنعها من الصلاة والصوم .
    * وأفتوا بأن خـروج السوائل من فرج المرأة لا يضر صيامها وإنما الذي يضر هو دم الحيض والنفاس فقط .
    * وأفتوا بأنه يجوز للمرضع والحامل تأخير القضاء كان يشق عليهما ومتى استطاعتا بادرتا بالقضاء.

    * وأفتوا فيمن أخر القضاء إلى رمضان آخر بلا عذر بلزوم القضاء وأن يطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع .
    * وأفتوا بأن دم الاستحاضة " النـزيف " لا يؤثر في صحة الصوم .
    * وأفتوا رعاة الغنم والإبل بعدم جواز الفطر لمج
    رد المشقة إلا في حالة الاضطرار .
    * وأفتوا بأن المشقة في جذاذ التمر وحصاد الزرع ليس بعذر للإفطار .
    * وأفتوا بحرمة الإفطار لوجود المشقة في العمل إلا إن شق المشقة العظيمة وحلت به حالة الاضطرار .
    * وأفتوا بحرمة الإفطار لمجرد المذاكرة أو لمشقة الصوم مع الدراسة .
    * وأفتوا بحرمة طاعة الوالدين بأمر ولدهما بالإفطار للتقوي على المذاكرة في الامتحانات .
    * وأفتوا بأن النية شرط في صحة الصوم .
    * وأفتوا بأن المسلم إذا لم يعلم برمضان إلا في النهار وجب عليه الإمساك والقضاء .
    * وأفتوا بجواز صوم النفل بنية من ا
    لنهار إذا لم يتقدم مفسد .
    * وأفتوا بأن النية محلها القلب .
    * وأفتوا بأنه لابد لكل يوم من رمضان نية خاصة .
    * وأفتوا بأن الأكـل والشرب عمدا مفسد للصوم كمـا هو إجماع أهل العلـم وعلى فاعله التوبة والقضاء .
    * وأفتوا بأن إبر البنسلين لا تؤثر في الصوم لكن يستحسن استعمالها ليلاً إن تيسر .
    * وأفتوا بأن قطرة العين لا تفسد الصوم .

    * وأفتوا بأن إبر التحصين ضد الحمى لا تؤثر في الصوم وفي الليل أحوط وأحسن .
    * واختار أصحاب الفضيلة أن الكحل لا يفسد الصوم إلا أن يرى أثره في حلقه فالأحوط له القضاء ولا يكتحل احتياطا إلا ليلاً .
    * وأفتوا بجواز تغسيل الرأس والاستحمام حال الصوم .
    * وأفتوا بأن من تقيأ عمدًا فسد صومـه ومن غلبه القيء فلا قضاء عليه ولو ابتلعه عن غير قصد فلا شيء عليه .
    * وأفتوا بصحة حديث : " من ذرعه القيء ... " الحديث .
    * وأفتوا بجواز استعمال الطيب السائل من الزجاجة
    للصائم على يديه ووجهه .
    * وأفتوا بجواز حلق الشعر وقص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة في نهار رمضان .
    * وأفتوا بأن الاستمناء باليد محرم في رمضان وغيره لكنه في رمضان أعظم جرمًا وهو مفسد للصوم وموجب للتوبة والقضاء ولا كفارة فيه .
    * وأفتوا بفساد صوم الحاجم والمحجوم .
    * وأفتوا بعدم فساد صوم الطبيب بفصد عرق المريض , ولا يقاس على الحاجم .
    * وأفتوا بجواز أخذ الدم في نهار رمضان بقصد التحليل إذا كان المقدار المأخوذ يسيرًا عرفًا وتأخير ذلك أحوط .
    * وأفتوا بأن خروج الدم بغير اختيار الصائم لا يضره ولو كان كثيرًا .

    * وأفتوا بعدم فساد الصوم بالرعاف غير المقصود .
    * وأفتوا بعدم فساد من حرك أسنانه أو استاك فخرج من دم .
    * وأفتوا بأن خروج دم الاستحاضة
    لا يفسد الصوم .
    * وأفتوا بأن من أكل أو شرب ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة .
    * وأفتوا بأن ابتلاع الريق لا يفسد الصوم ولو كثر وتتابع وأما النخامة فإنه يحرم ابتلاعها ويجب لفظها لكن لو ابتلعها لم يفسد صومه .
    * وأفتوا بأنه يجوز للصائم شم الروائح العطرية التي لا جرم فيها .
    * وأفتوا بأن الاحتلام لا يفسد الصوم كما هو إجماع أهل العلم .
    * وأفتوا بأنه لا يجوز للصائم شم دخان البخور قصدا لأنه ذو جرم يصل للجوف .
    * وأفتوا بوجوب تذكير الصائم على من رآه يأكل أو يشرب .
    * وأفتوا بأن المذي لا يفسد الصوم .
    * وأفتوا بحرمة النظر للأجنبية وهو منقص للأجر لكنه لا يفسد الصوم .
    * وأفتوا بصحة صوم من سبق إلى حلقه شيء من ماء المضمضة أو الاستنشاق بغر قصد .
    * وأفتوا بأنه لا حرج في الصيد في رمضان .
    * وأفتوا بأن خروج المني من الصائم على وجه المرض لا يؤثر في صومه .
    * وأفتوا بأن خروج الودي لا يفسد الصوم .
    * وأفتوا بجواز السباحة في رمضان وعلى الصائم .
    * وأفتوا بحرمة الشتم والسب في كل زمان لكنه أعظم إثما في رمضان ولكنه لا يفسد الصوم .
    * وذكروا بأنه ينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ويتجنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته .
    * وأفتوا بأن الاستعاط مفسد للصوم .

    * وأفتوا بصحة صوم من أكل أو شرب شاكًا في طل
    وع الفجر لأن الأصل بقاء الليل .
    * وأفتوا بأن العبرة في الإمساك هو طلوع الفجـر الثاني فمن أكل قبله فصومه صحيح سواء أذن أولم يؤذن ومن أكل بعـده فسد صومه سواء أذن أو لم يؤذن والأحوط للمسلم الإمساك مع ابتداء الأذان .
    * وأفتوا بأن العبرة في الفطر هو غروب قرص الشمس فإذا غربت حل الفطر
    سواء أذن أو لم يؤذن وسواء وافق التقويم أو خالفه .
    * وأفتوا بأن من أفطر شاكًا في غروب الشمس فعليه القضاء لأن الأصل بقاء النهار .
    * وأفتوا بوجوب القضاء على من أفطر في يوم غيم ظانًا غروب الشمس .
    * وأفتوا بوجوب الكفارة على المجامع في نهار رمضان وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وإلا فإطعام ستين مسكينًا .
    * وأفتوا بوجوب قضاء هذا اليوم الذي أفسده بالجماع .
    * وأفتوا بوجوب الكفارة على المرأة التي جومعت إذا كانت عالمة مطاوعة .

    * وأفتوا بأن من جامع زوجته ناسيًا فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة .
    * وأفتوا بجواز القبلة للصائم إذا كان يغلب على ظنه عدم الوقوع في المحظور .
    * وأفتوا بتعدد كفارة الجماع إذا تكرر في عدة أيام .
    * وأفتوا بجواز نوم الرجل بجواز زوجته ملاصقًا لها إذا كان ممن يملك إربه .
    * وأفتوا بأن الصائم إذا سافر مع زوجته وجامع فلا شيء عليه .
    * وأفتوا بأن من جامع في يوم القضاء فلا كفارة علي
    ه لكن عليه التوبة والقضاء .
    * وأفتوا بأن تخلل شهر رمضان بين الشهرين المتتابعين لا يقطع التتابع .
    * وأفتوا بأن الحيض والنفاس لا يقطع التتابع .
    * وأفتوا باشتراط الإيمان في الرقبة المعتقة .
    * وأفتوا بصحة الصيام مع وجود الجنابة .
    * وأفتوا بأن الحائض إذا طهرت قبل الفجر وجب عليها الصوم ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر .
    * وأفتوا بجواز الاستياك للصائم ف
    ي النهار كله .
    * وأفتوا بأن من مات وعليه صوم صام عنه وليه إن كان قد تمكن من الصيام ولم يصم .
    * وأفتوا بجواز تذوق الطعام للصائم عند الحاجة لكن يلفظ هذا الريق ولا يبتلعه .
    * وأفتوا باستحباب تأخير السحور .

    * وأفتوا باستحبـاب تعجيل الفطر وأن يكون على رطب أو على تمر فإن لم يجد حسا حسوات من ماء .
    * وأفتوا بأنه لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى حلول رمضان آخر إلا بعذر قاهر .
    * وأفتوا بجواز تأخير القضاء إلى شعبان .
    * وأفتوا بأن من عليـه قضاء أيام ونسي عددها بأن يصـوم حتى يغلب على ظنه أنه قد استوفى ما عليه .
    * وأفتوا بجواز التفريق بين أيام القضاء لكن التتابع أولى .
    * وأفتوا بأن من صام يوم عرفة ونوى به عرفة وقضاء رمضان حصل له الأمران .
    * وأفتوا بجواز صوم الجمعة مفردًا إذا كان بقصد قضاء يوم فاته من رمضان .
    * وأفتوا بأن من شرع في صوم يوم القضاء فإنه لا ي
    جوز قطعه إلا من عذر شرعي .
    * وأفتوا بأن المرأة لا يلزمها استئذان زوجها في صيام أيام القضاء لأن ذلك مما يجب والاستئذان يكون في صوم النافلة .
    * وأفتوا بمشروعية صوم ست من شوال .
    * وأفتوا بلزوم قضاء ما فاته من رمضان قبل الشروع فيها إن رغب في صيامها .
    * وأفتوا بأن من مات وهو عاجز عن القضاء فإنه لا شيء عليه فلا قضاء ولا كفارة .
    * وأفتوا بجواز صوم التطوع قبل القضاء مع اتساع الوقت لكن البدء بالقضاء أهم لأنه واجب .
    * وأفتوا بأنه لا يجوز صوم التطوع بنيتي
    ن نية القضاء ونية السنة .

    * وذكر أصحاب الفضيلة أن إفراد شهر رجب بالصوم مكروه لكن لو صام بعضه وأفطر بعضه زالت الكراهة .
    * وذكر أصحاب الفضيلة أن الاثنين والخميس والأيام البيض وهي الثالث والرابع عشر والخامس عشر وأيام عشر ذي الحجة لاسيما يوم عرفة لغير حاج ويوم عاشوراء مع صيام يوم قبله أو يوم بعده وستة أيام من شوال هذه الأيام أفضل أيام التطوع في العام .
    * وأفتوا بأن المتطوع بالصوم أمير نفسه فإن شاء أتم وإن شاء أفطر والإتمام أفضل وإن قطعه فلا قضاء عليه .
    * وأفتوا بجواز تفريق صيام الأيام الست من شوال .
    * وأفتوا بجواز صوم يوم الجمعة إذا كان هو يوم عرفة بلا يوم قبله أو يوم بعده .
    * وأفتوا بأن حديث النهي عـن صوم يوم السبت حديـث ضعيف لاضطرابـه ومخالفته للأحاديث الصحيحة .
    * وأفتوا بمشروعية صوم يوم عاشوراء , وذكروا بأنه ليس فيه زكاة فطر .
    * وأفتوا بجواز إفراده لوحده بالصوم لكن الأكم
    ل أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده .
    * وأفتوا بأن من صام ثلاثة أيام من كل شهر له الأجر المرتب على ذلك والأفضل أن تكون هي الأيام البيض .
    * وأفتوا بحرمة صوم العيدين , بل لا يصح صيامهما .
    * وأفتوا بأن الاعتكاف سنة , ويحبب بالنذر .
    * وأفتوا بمشروعيته في كل وقت وأفضل
    ه ما كان في العشر الأواخر .
    * واشترط أصحاب الفضيلة للاعتكاف أن يكون في مسجد تقام في الجماعة .

    * وذكروا بأن الأفضل أن يكون مما تقام فيه الجمعة .
    * وأفتوا بأن الاعتكاف ليس من شرطه الصوم .
    * وذكروا بأن السنة أن لا يزور المعتكف مريضًا أثناء اعتكافه ولا يجيب دعوة ولا يقضي حوائج أهله ولا يشهد جنازة ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد .
    * وأفتوا بأن المعتكف يدخل معتكفه بعد الفجر وينتهي اعتكافه بغروب شمس آخر يوم منه .
    * وأفتوا بأن الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مشرعة على المسجد أن لها حكم المسجد , وأما إن كانت خارج المسجد فليست من المسجد وإن كانت أبوابها داخل المسجد .
    * وأفتوا بأن حديث : " من اعتكف يومًا ابتغاء وجـه الله باعد الله بينـه وبين ا
    لنـار ثلاثة خنادق ... " بأنه حديث ضعيف .


    ([1])جَمْعُ وَتَلْخِيصُ الشَّيْخِ وَلِيَد بِنْ رَاشِدٍ السَّعِيدَانِ



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    اعتكاف العشر الأواخر من رمضان الخلوة الشرعية والسنة المهجورة المنسية


    أ. الأمين الحاج محمد أحمد
    (19)

    الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلى الله على محمد خاتم الرسل والأنبياء.
    لقد أودع الله في شهر رمضان بجانب الصيام والقيام، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، كثيراً من الحوافز والأعمال العظام، ورتَّب عليها جزيل الأجر والثواب، نحو إطعام الطعام، والإكثار من تلاوة القرآن، وصلة الأرحام، وفضَّل الاعتمار فيه على سائر الشهور والأيام، حيث قال الناصح الأمين، والرسول الكريم عليه الصلاة وأتم التسليم: "عمرة في رمضان تعدل حجة _ أو حجة معي" (متفق عليه، مسلم رقم [1256]).
    والاعتكاف فيه، سيما العشر الأواخر منه، حيث شرع لهم رسولهم فيه تلك الخلوة الشرعية والعبادة التي امتازت على سائر العبادات بان ليلها ونهارها سواء، ولهذا عدَّها بعض العلماء من أشق العبادات لمن وفى بشروطها، وأدَّاها كما كان يؤدِّها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي شرعها.
    رسولنا صلى الله عليه وسلم أخشى الخلق وأتقاهم لربه ومولاه، حيث لا يدانيه أحد في تحقيق عبوديته لربه، فقد كان مجوداً ومحسناً للفرائض ومكثراً من النوافل، فمن أراد أن يعبد ربه حق العبادة فعليه الاقتداء والتأسي، وليحذر مخالفة أمره بإحداث ما لم ينزل الله به سلطاناً.

    كان عليه أفضل الصلاة والسلام، عمله ديمة، وكان إذا عمل عملاً واظب عليه وداوم، وإن فاته شيء منه قضاه، من ذلك لم يترك اعتكاف العشر الأواخر من رمضان منذ أن هاجر إلى المدينة، وإلى أن توفاه الله كما أ
    خبرت بذلك زوجه في الدنيا والآخرة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
    ولهذا سارت أزواجه على سيرته، فاعتكفن معه، وبعد وفاته.
    فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثمَّ اعتكف أزواجه من بعده" (متفق عليه).
    وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الآواخر من رمضان" (متفق عليه).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبِض فيه اعتكف عشرين يوماً)
    (البخاري).
    عجباً للمسلمين، تركوا الاعتكاف، ولم يتركه نبيهم إلى أن فارق الحياة الدنيا
    هذه الخلوة الشرعية، والعبادة المرضية، والسنة المؤكدة المرعية، هجرها كثير من المسلمين، ورغب عنها جل المصلين، وتشاغل عنها حتى العلماء وطلابهم إلاَّ من رحمهم أرحم الراحمين، واستعاض عنها بعض الغافلين الساهين اللاهين بوسائل اللهو واللعب والمجون، فشغلوا ليالي هذه العشر المباركة بما هم عنه سيسألون وعلى ما أضاعوه من الفرص سيندمون.
    مما حدى بالإمام محمد بن شهاب الزهري أن يعجب من ذلك –وحق له– قائلاً: (عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي لم يتركه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله) (الفتح ج4/285).
    قال عطاء رحمه الله: (مثل المعتكف كرجل له حاجة إلى عظيم، فجلس على بابه ويقول: لا أبرح حتى تقضي حاجتي، وكذلك المعتكف يجلس في بيت الله ويقول: لا أبرح حتى يغفر لي).
    أمَّا بعد..
    فما حقيقة الاعتكاف؟، وما حكمه؟، وشروط صحته؟، وما مفسداته؟
    الاعتكاف لغة: لزوم الشيء، والمكث فيه حسناً كان أم قبيحاً. قال تعالى
    : "مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا" (سورة الأنبياء: 52).
    ورأى عليٌّ رضي الله عنه جماعة يلعبون الشطرنج، فقال لهم: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون"
    وشرعاً: لزوم المسجد والمكث فيه بنية التقرب إلى الله تعالى، سواء صحب بصوم أم لا.
    مشروعية الاعتكاف
    الاعتكاف مشروع، ودليل مشروعيته الكتاب والسنة.
    قال تعالى: }وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ{ [سورة البقرة: 187].
    وقال: }وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{ [سورة الحج: 26].
    ومن السنة ما سبق ذكره.

    وقته: يصلح في كل العام، ليلاً أو نهاراً، ويُستحب في رمضان سيما في العشر الأواخر منه.
    حكمه:

    الاعتكاف إمَّا أن يكون نذراً فحكمه الوجوب، أو تطوعاً فحكمه الاستحباب.
    أمَّا اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فحكمه أنه سنة مؤكدة.
    دليل النذر: ما صح أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (كنتُ نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام)، قال: "أوفِ بنذرك") (البخاري رقم [2032]).
    تنبيه:
    اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ليس من خصائصه. قال الحافظ بن حجر معلقاً على حديث عائشة السابق: (أنه لم ينسخ، وليس من الخصائص) (الفتح ج4/272).
    شروط صحة الاعتكاف:
    ما من عبادة إلاَّ ولها شروط صحة وشروط وجوب، وما من عبادة إلاَّ ولها تحليل وتحريم، فشروط صحة الاعتكاف هي:
    1- الإسلام، وهو شرط لصحة جميع العبادات. قال الشيرازي: (لا يصح من الكافر كالصوم) (المجموع ج6/475).
    2- العقل: لقد رُفِعَ القلم عن المجنون حتى يفيق.
    3- النية: شرط لصحة جميع العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" الحديث.
    4- المسجد: شرط لصحة اعتكاف الرجل اتفاقاً، لقوله تعالى: }وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ{.
    أمَّا اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة، فقد اختلف فيه العلماء على أربعة أقوال:
    1- المسجد شرط لصحة اعتكافها، وإلى هذا ذهب مالك، والجديد من قول الشافعي.
    2- لها أن تعتكف في المسجد مع زوجها، وهذا قول أحمد ورواية عند الأحناف.
    3- المسجد ليس شرطاً لصحة اعتكافها، بل لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهذا مذهب أبي حنيفة، والقديم من قول الشافعية.
    4- يكره لها الاعتكاف في المسجد الذي تُصلى فيه
    جماعة، وهذا قول الشافعي.
    قال سُحنون: (قلت لابن القاسم: ما قول مالك في المرأة تعتكف في مسجد الجماعة؟، قال: نعم. قلت: تعتكف في قول مالك في مسجد بيتها؟، فقال: لا يعجبني ذلك، وإنما الاعتكاف في المساجد التي توضع لله) (المدونة ج1/295).
    وقال الماوردي: (ولا فرق بين الرجل والمرأة، أي في أن اعتكافها لا يصح إلاَّ في المسجد) (الحاوي الكبير للمارودي ج3/485).
    وقال ابن مودود الحنفي: (والمرأة تعتكف في مسجد بيتها، وهو الموضع الذي أعدته للصلاة، ويشترط في حقها ما يشترط في حق الرجل في المسجد؛ لأنَّ الرجل لما كان اعتكافه في موضع صلاته، فكانت صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد حيِّها، وبيوتهنَّ خير لهن لو كنَّ يعلمن. ولو اعتكفت في المسجد جاز لوجود شرائطه، ويُكره لما رويناه) (الاختيار لتعليل المختار – لابن مودود الحنفي ج1/131).

    وقال الحافظ بن حجر معلقاً على تبويب البخاري: [باب اعتكاف النِّساء]: (أي ما
    حكمه؟، وقد أطلق الشافعي كراهته لهنَّ في المسجد الذي تُصلى فيه الجماعة، واحتج بحديث الباب –الذي أمر فيه بنقض أخبية ازواجه وترك الاعتكاف في ذلك الشهر–، فإنَّه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلاَّ في مسجد بيتها؛ لأنَّها تتعرض لكثرة من يراها) (الفتح ج4/275).
    الذي يترجح لديّ:
    أنَّ الأولى للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها الذي تصلي فيه من اعتكافها في أي مسجد تصلى فيه جماعة إلاّ المسجد النبوي؛ لأنَّ النساء مفصولات فيه عن الرجال، اللهم إلاَّ إذا تيسر لها أن تعتكف مع زوجها، أو أحد محارمها في خباء لا تتعرض فيه للأجانب.
    نوعية المسجد الذي تعتكف فيه العشر الأواخر
    بعد أن أجمعوا على اشتراط المسجد لاعتكاف الرجل، اختلفوا في نوعيته على مذاهب، هي:
    1- في كل مسجد تقام فيه الصلوات المكتوبة، وهذا مذهب الجمهور أبي حنيفة، وأحمد.
    2 في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمع والجماعات، وه
    ذا مذهب مالك والشافعي.
    3- لا اعتكاف إلاَّ في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. وهذا ما ذهب إليه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
    4- لا اعتكاف إلاَّ في المسجد الحرام والنبوي فقط، وهذا مذهب عطاء.
    5- لا اعتكاف إلاَّ في المسجد النبوي، وإلى هذا ذهب ابن المسيب.
    الراجح من هذه الأقوال أن اعتكاف الرجل يصح في أي مسجد تُقام فيه الصلوات المكتوبة لعموم قوله تعالى: }وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ{.
    أمَّا اعتكاف العشر الأواخر التي قد تتخلَّلها جمعة أو جمعتان، فالأولى أن يكون في مسجد جامع، والله أعلم.
    1. الصوم: هذا من الشروط المُختلف فيها بالنسبة للمعتكف
    في غير رمضان، فمن أهل العلم من قال:
    · الصوم ليس شرطاً لصحة الاعتكاف، وهو رواية عن أحمد، ومن الصحابة ذهب إلى ذلك: عليّ، وابن مسعود، واستدلوا بقوله لعمر: "أوفِ بنذرك"، وقد نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، والليلة ليست مكاناً للصيام.
    · الصوم شرط لصحة الاعتكاف، وهذا مذهب أبي حنيفة والأوزاعي، ورواية عن أحمد ومالك من الأئمة، ومن الصحابة عائشة وابن عمر وابن عباس، واحتجوا بما روته عائشة: "لا اعتكاف إلاَّ بصوم" (الدار قطني ج1/200، والحاكم ج1/440، والبيهقي ج4/317).
    · يُستحب الصوم للمعتكف وليس شرطاً، وهذا مذهب الشافعي ورواية عن أحمد.
    الراجح من أقوال العلماء ومذاهبهم السابقة أن الصوم ليس شرطاً في صحة الاعتكاف لحديث عمر، والله أعلم.
    2. إذن الرجل لزوجه ومملوكه: فلا يصح للمرأة أن تعتكف وزوجها شاهد إلاَّ بإذنه،
    وكذلك المملوك إلاَّ بإذن سيِّده، فإذا اعتكفا بغير إذن فللزوج والسيد إخراجهما، أمَّا إذا أذِنَا فلا يحل لهما الإخراج سواء كان اعتكافهما نذراً أو تطوعاً.
    قال الحافظ بن حجر: (قال ابن المنذر وغيره: في الحديث – حديث عائشة في نقض أخبية نسائه – أن المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها، وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها، وعن أهل الرأي –الأحناف– إذا أذِنَ لها الزوج ثمَّ منعها أثِمَ بذلك وامتنعت، وعن مالك ليس له ذلك، وهذا الحديث حجة عليهم) (الفتح ج4/277).
    أركان الاعتكاف

    للاعتكاف ستة أركان، هي:
    1. اللبث في المسجد.
    2. الجماع
    .
    3. مقدمات الجماع.
    4. اجتناب الكبائر.
    5. الإسلام.
    6. العقل.
    7. الطهارة من الحيض والنفاس.
    وعليه فإنَّ الاعتكاف يفسد ويبطل بالإخلال بأي واحدٍ منها.
    مبطلات الاعتكاف
    يبطل الاعتكاف ويفسد بالإخلال بأي واحد من شروطه
    · الخروج لغير حاجة الإنسان:
    لا يجوز لمن شرع في الاعتكاف واجباً كان أم متطوعاً، مالم يشترط ذلك قبل دخوله في قول بعض أهل العلم، الخروج من معتكفه قبل انقضائه إلاَّ للآتي:
    1. لقضاء الحاجة: البول، والغائط، وإن كثر خروجه.
    2. لغسل الجنابة، ولغسل الجمعة.
    3. للأكل والشرب إن لم يتيسر له ذلم في معتكفه.
    4. إذا مرض مرضاً لا يستطيع معه البقاء في المعتكف.
    5. إذا تعينت عليه شهادة لا يمكن تأجيلها.
    6. إذا خاف على نفسه من حريق، أو هدم، أو سرقة، أو حاكم، أو نحوه في المسجد.
    7. إذا أخرجه ا
    لحاكم.
    8. إذا حاضت المرأة أو نفست.
    9. إذا مات زوج المرأة، أو طُلِّقت تخرج للعدة في أرجح قولي العلماء، وقيل: تجلس حتى تتم اعتكافها، وهو قول مالك.
    10. إذا خاف المعتكف فوات الحج، خرج وبنى إن كان اعتكافه واجباً، واستأنف إن كان تطوعاً بعد الحج.
    11. إذا مات أحد الوالدين، أو الزوجة، أو الولد ولا يوجد من يقوم بالواجب.
    12. إذا خرج ناسياً لاعتكافه.
    13. إن اعتكف في مسجد لا تقام فيه الجمعة، خرج للجمعة.
    14. إذا جُنَّ المعتكف، أو أغميَ عليه يُخرَج من المسجد.
    إذا كان مؤذناً وليس هناك مكبر صوت له أن يخرج من المسجد، ويصعد المنارة.
    قال النووي: (أما إذا جُنَّ ولم يخرجه وليُّه من المسجد حتى أفاق لم يبطل اعتكافه، قال المتولي: لكن لا يُحسب زمان الجنون من اعتكافه، وذلك لقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم
    لا يخرج إلى البيت –الحُجَر– إلاَّ لحاجة الإنسان) (الفتح ج4/277).
    (فإذا صح المريض وطهرت الحائض رجعا إلى معتكفهما وإلاَّ بطل اعتكافهما، هكذا كل من خرج لحاجة لابد له من الخروج منها لها، رجع بعد انقضائها مباشرة، وإلاَّ بطل اعتكافه) (المجموع ج6/517).
    قال الشافعي: ويخرج للغائط والبول إلى منزله وإن بَعُد –إن لم تكن هناك دورات مياه في المسجد– وقال: وإن كانت عليه شهادة فعليه أن يُجيب، فإن فعل خرج من اعتكافه.

    وقال أيضاً: (وإن مرض، أو أخرجه السلطان واعتكافه واجب، فإذا برئ أو خليَ عنه بنى، فإن مكث بعد برئه شيئاً من عذر ابتدأ) (الحاوي الكبير ج3/496-497).
    وقال ابن القاسم: (وسألت مالكاً عن المعتكف: أو يخرج من المسجد يوم الجمعة للغسل؟، فقال: نعم، لا بأس بذلك، قال: وسئل مالك عن المعتكف تصيبه الجنابة، أيغسل ثوبه إذا خرج فاغتسل؟، فقال: لا يعجبني ذلك
    ، ولكن يغتسل ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه.
    قال: وسألت مالكاً عن المعتكف: أيخرج ويشتري لنفسه طعاماً إذا لم يكن له ما يكفيه؟، فقال لي مالك مرة: [لا بأس بذلك، ثمَّ قال بعد ذلك: لا أرى ذلك له، قال: وأحبَّ إليَّ إذا أراد أن يدخل اعتكافه أن يفرغ من حوائجه]) (المدونة الكبرى ج1/292-293).
    لا يخرج المعتكف لـــ:
    1. عيادة مريض ولا يعود مريضاً وإن كان معه في المسجد.
    2. ولا لتشييع جنازة، يقول مالك: وإن وصلته الصفوف.
    3. ولا لتعزية مُصاب.
    4. ولا لتهن
    ئة أحد.
    5. ولا يخرج للإتيان بعمرة وإن كان معتكفاً بالحرم.
    6. ولا يطوف بالبيت إن كان بالحرم.
    · الجماع: من مبطلات الاعتكاف المجمع عليها الجماع ومقدماته، لقوله تعالى: }وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون{ [سورة البقرة: 187].
    نقل ابن المنذر الإجماع على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع.
    وروى الطبري وغيره من قتادة في سبب نزول الآية: كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل لحاجته، فلقيَ امرأته جامعها إن شاء، فنزلت الآية.
    إلى أن قال: واتفقوا على فساده بالجماع، حتى قال الحسن والزهري: من جامع فيه لزمته الكفارة –يعني الكفرة العظمى–.
    وعن مجاهد: (يتصدق بدينارين –من الذهب– واختلفوا في غير الجماع، ففي ا
    لمباشرة أقوال ثالثها إن أنزل بطل، وإلاَّ فلا) (الفتح ج4/271-272).
    هل جماع الناسي يفسد الاعتكاف؟

    فرَّق بعض أهل العلم بين جِماع العامد والناسي، فأبطلوا اعتكاف العامد بالجماع، ولم يبطلوا اعتكاف الناسي، وسوَّى بينهما فريق.
    جاء في المدونة: (قلت: أرأيت إن جامع ليلاً أو نهاراً في اعتكافه ناسياً أيفسد اعتكافه؟، قال: نعم ينتقض ويبتدئ، وهو مثل الظهار إذا وطئ فيه) (المدونة ج1/291).
    · مقدمات الجماع: كالقُبْلة ونحوها، إن كانت بشهوة فقد بطل اعتكافه، وإنْ لم تكن بشهوة فلا يبطل.
    صح عن عائشة رضي الله عنها: (وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلاَّ لحاجة إذا كان معتكفاً)، فدَّل على أنَّ الملامسة والمباشرة من غير شهوة لا تبطل الاعتكاف.
    · الردة: إذا ارتد المسلم بطل اعتكافه، قال تعالى: }لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
    عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ{ [سورة الزمر: 65].
    · ارتكاب الكبائر: من ارتكب كبيرة من الكبائر، كالزنا، والسرقة، والغيبة، والنميمة، أو استمع إلى الأغاني والموسيقى، والسماع الصوفي مثلاً فقد بطل اعتكافه.
    قال ابن شهاب الزهري: (وإن أحدث ذنباً مما نهى عنه في اعتكافه، فإن ذلك يقطع عنه حتى يستقبله من أوله) (المدونة ج1/291).
    قال القرطبي: ( والمعتكف إذا أتى كبيرة فسد اعتكافه؛ لأنَّ الكبيرة ضد العبادة، كما أن الحدث ضد الطهارة، وترك ما حرَّم الله تعالى عليه، أعلى منازل الاعتكاف في العبادة، قاله ابن خويز منداد عن مالك) (القرآن للقرطبي ج2/336).
    · الجنون والإغماء: إذا جُنَّ المعتكف فقد بطل اعتكافه، وإذا أفاق عاد.
    الحيض والنفاس: إذا حاضت المرأة فسد اعتكافها، وكذلك إذا نفست، وعليها الخروج من المسجد، فإذا طهرت عادت، أمَّا المستحاضة فلا تخرج ولكنها تؤمر بأن تتحفظ...: "ويسن للمعتكفة إذا حاضت أن تمكث مدة الحيض في
    خباء تضربه في رحبة المسجد، إلاَّ أن تخشى ضرراً فتمكث في بيتها" (المحرر في الفقه الحنبلي ج1/233).
    ما يُكره للمعتكف
    يُكره للمعتكف أن يشتغل بغير ذكر الله، وما لابد له منه من حاجات وليحذر، سيما:
    1. الجدل والم
    راء.
    2. المزاح.
    3. السباب والفاحش من القول.
    4. اللغو.
    5. النظر إلى المحرمات.
    6. الاستماع إلى الأخبار وقراءة الصحف.
    7. الصمت عن الكلام يوماً إلى الليل تعبداً.
    قال ابن قدامة: (ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام؛ لأنَّ من كثر كلامه كثر سقطه، وفي الحديث: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (الترمذي في الزهد، واحمد في المسند ج1/201).
    ويجتنب الجدال والمراء، والسباب، والفحش، فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى، ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك.
    إلى أن قال:

    وقال عليّ: أيما رجل اعتكف فلا يساب، ولا يرفث في الحديث، ويأمر أهله بالحاجة وهو يمشي، ولا يجلس عندهم، رواه الإمام أحمد) (المغنى ج4/480).

    اشتراط المعتكف قطع اعتكافه، أو الخروج منه مما لابد منه.
    اختلف أهل العلم رحمهم الله في الاشتراط للمحرم بالحج والعمرة، وللمعتكف، فأجاز ذلك الشافعي، ومنع منه مالك.
    والراجح جوازه لقوله صلى الله عليه وسلم لضباعة عندما قالت له: أريد الحج وأنا شاكية: "حجي واشترطي" الحديث.
    قال مالك: (لم أسمع أن أحداً من أهل العلم يذكر أن في الاعتكاف
    شرطاً لأحد، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال كهيئة الصلاة والصيام والحج، فمن دخل في شيء من ذلك فإنه يعمل فيه بما مضى من السنة في ذلك، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه الأمر بشرط يشترطه أو بأمر يبتدعه، وإنما الأعمال في هذه الأشياء بما مضى فيها من السنة، وقد اعتكف رسول الله، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف) (المدونة ج1/292-293)، يعني ولم يشترطوا.
    وقال الشافعي: (ولا بأس أن يشترط في الاعتكاف الذي أوجبه بأن يقول: إن عرض لي عارض خرجت) (الحاوي الكبير ج3/488).
    وقال الماوردي: (وجملة الاعتكاف ضربان: واجب وتطوع، فأمَّا التطوع فلا يفتقر إلى شرط الخيار في المقام على اعتكافه والخروج منه، وأمَّا الواجب فهو النذر، وهو على ضربين:
    1. مطلق بغير شرط.
    2. ومقيد بشرط.
    فالمطلق بغير شرط فهو ممنوع فيه من الخروج إلاَّ لحاجة الإنسان، فإن خرج لغيره بطل اعتكافه، وأمَّا المقيد بشرط،
    فهو على ضربين:
    1. أحدهما أن يشترط قطع اعتكافه.
    2. والثاني أن يشترط الخروج منه) (الحاوي الكبير ج3/489-490).
    قال ابن قدامة: (... وممن أجاز أن يشترط العَشَاءَ في أهله الحسن، وال
    علاء بن زياد، والنخعي، وقتادة، ومنع منه أبومجلز، ومالك، والأوزاعي).
    قال مالك: (لا يكون في الاعتكاف شرط، ولنا: أنه يجب بعقده، فكان الشرط كالوقوف، ولأنَّ الاعتكاف لا يختص بقدر، فإذا اشترط الخروج، فكأنه نذر القدر الذي أقامه، وإنْ قال: متى مرضت، أو عرض لي عارض خرجت، جاز شرطه).
    ما يُباح للمعتكف
    يُباح للمعتكف ما يأتي:
    1. التنظف وتغيير الثياب، ولبس ما
    شاء منها.
    2. الأكل والشرب في المسجد.
    3. الحلق وتقليم الأظافر.
    4. التطيب.
    ما يُستحب للمعتكف:

    1. يستحب للمعتكف أن يعتكف في خباء وستر، وإن لم يتمكن من ذلك كما هو الحال في الحرمين الشريفين وفي غيرهما فعليه أن يلزم مكاناً ساتراً معيناً، واحداً، لا يتحرك منه إلاَّ لضرورة، وعليه أن يتجنب المداخل، ومناطق الصلاة والزحام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
    2. المحافظة على الصلوات المكتوبة، والسنن الرواتب، والإكثار من النوافل.
    3. لا يزال لسانه رطباً بذكر الله.
    4. الاجتهاد في الطاعات عموماً والاكثار منها.
    5. لا يشتغل بما لا حاجة له به.

    6. يعتزل التدريس والافتاء.
    7. ألاَّ يصحب معه جوَّالاً.
    8. أن يقلل الكلام.
    9. يحذر المساجد التي يكثر فيها المعتكفون، فالاعتكاف خلوة، والخلوة لا تتحقق مع الكثرة.
    10. الأولى ان يعتكف في مسجد يقل معارفه وأصحابه فيه.
    متى يدخل معتَكِف العشر الأواخر من رمضان معتَكَفَه، ومتى يخرج منه؟
    متى يدخل معتَكَفَه؟
    قولان لأهل العلم:
    1. يدخل بعد صلاة الغداة من يوم واحد وعشرين من رمضان.
    2. يدخل قبل غروب شمس ليلة
    إحدى وعشرين من رمضان.
    متى يخرج من المعتَكَف؟

    قولان كذلك لأهل العلم:
    1. يخرج بعد ثبوت هلال شهر شوال.
    2. يخرج بعد أن يصلي العيد.
    استدل القائلون بأن المعتكف يدخل معتكفه بعد صلاة الغداة ليوم واحد وعشرين من رمضان وهذا مذهب الأوزاعي والليث، والثوري، وأحمد، وإسحاق من الأئمة بحديث عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثمَّ دخل معتكفه" (صحيح سنن ابن ماجه للألباني رقم [3771]).
    وعنها كذلك: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه" (البخاري كتاب الاعتكاف رقم [2041]).
    وهذا هو الراجح لهذين الأثرين الصحيحين، الصري
    حين.
    وحجة من ذهب إلى أنه يدخل قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين من رمضان وهم الأئمة الأربعة وغيرهم حتى تكتمل له العشر الأواخر، واوَّلوا حديث عائشة رضي الله عنها بتأويلات مختلفة، كلها فيها نظر.
    قال الترمذي معلقاً على حديث عائشة رضي الله عنها السابق: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، يقولون: إذا أراد الرجل أن يعتكف صلى الفجر ثمَّ دخل معتكفه وهو قول أحمد –رواية له– وإسحاق بن إبر
    اهيم. وقال بعضهم: إذا أراد أن يعتكف فلتغبِ الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها من الغد، وقد قعد في معتكفه، وهو قول الثوري ومالك بن أنس) (صحيح سنن الترمذي للألباني ج1/238).
    أمَّا الخروج فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان، فقد انقضت العشر الأواخر وجاز للمعتكف الخروج، واستحب بعض أهل العلم له أن يبقى في معتَكَفَه حتى يصلي العيد، وممن استحب ذلك مالك، وغيره.
    قال مالك: (ثمَّ يقيم فيخرج حتى يفرغ من العيد إلى أهله، وذلك أحبَّ الأمر إليَّ فيه) (المدونة ج1/300).
    قال القرطبي: (استحب مالك لمن اعتكف العشر الأواخر أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى، وبه قال أحمد. وقال الشافعي والأوزاعي: يخرج إذا غابت الشمس، ورواه سُحنون عن ابن القاسم؛ لأنَّ العشر يزلن بزوال الشهر، والشهر ينقضي بغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان) (المصدر السابق).
    من العجيب الغريب حرص كثير من المسلمين على المحدثات، نحو: حرصهم على الاعتمار في ليلة سبع وعشرين من رجب، وإحياء ليلة النصف من شعبان وصوم نهارها، ويفرطون ويتهاونون في السنن المؤكدات، هذا على الرغم من التحذير الشديد والوعيد الأكيد في النهي عن الابتداع في الدين، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" الحديث.
    وحديث: "إياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثة بد
    عة" الحديث.
    ولله در إمام دار الهجرة أنس بن مالك، فقد كان كثيراً ما ينشد:
    وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع
    أخي الحبيب، لإن آثر البعض إحياء الليالي الرمضانية، والأندية الليلية، واللعب بالورق، والجلوس تحت شاشات الفضائيات، وبالذهاب إلى أسواق الدنيا للشراء وللتسكع، فاختر لنفسك ما اختاره رسولك من إحياء هذه الليالي بصلاة القيام، والإكثار من تلاوة القرآن، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام. أمَّا عشرته الأواخر إن استطعت أن تخلو فيها بربك ،وتزكي فيها نفسك وتحي بها سنة نبيك –صلى الله عليه وسلم– فاعتكفها أو ما تيسر منها لتكن إن شاء الله من الفائزين.
    اللهم وفقنا وجميع إخواننا المسلمين لما تحب وترضى، وجنبنا الذلل والابتداع والردى.
    وصلى الله وسلم على إمام الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه الأصفياء، وعلى من تبعهم باحسان إلى يوم اللقاء.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


    (زكاة الفطر وما يتعلق بها من أحكام)
    وهل يجوز إخراجها قيمة (مالاً)؟
    للشيخ ندا أبو احمد*
    (20)


    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من ش
    رور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..........
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [سورة آل عمران: 102]
    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1]
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [سورة الأحزاب:70،71]

    أما بعد....
    فإن أصدق الحديث كتاب الله ـ تعالى ـ وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    قال تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْ
    نَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور:63]
    وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر:7]
    فكان من جملة ما أتانا النبي r، ومن جملة ما أمرنا به؛ إخراج زكاة الفطر تطهيراً للصائم من رفثِهِ ولهوِهِ وقت صيامه، وهذه الفريضة وإن كانت موسمية إلا أن كثيراً من الناس يجهلون فقهها وأحكامها، ومنهم مَن يستهين في أدائها، ومنهم مَن يؤديها على خلاف السنة فيُخْرج قيمتها مالاً؛ استناداً لقول مرجوح لا يعضده دليل صحيح أو حتى ضعيف.
    فهيا لنتعرف على أحكام زكاة الفطر، وكيفية أدائها على الوجه المسنون، راجياً من الله أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالح الأعمال.

    تعريف زكاة الفطر
    وهي صدقة يُخرجها المسلم من طعامه للمحتاجين؛ طهرة لنفسه؛ وجبراً لما يكون قد حدث في صيامه من خلل مثل: اللغو والفحش في القول... وما شابه ذلك من النقائص؛ وعوناً للفقراء.
    وهي صدقه تجب بالفطر من رمضان.
    ويقال: زكاة الفطر، وصدقه الفطر،
    وبكلا الاسمين وردت النصوص
    ويقال للمُخْرَج: فِطرة، وكأنها من الفطرة،
    أي: الخلقة، أي: زكاة الخلقة.
    وسميت زكاة لما في بذلها من تزكية النفس، وتطهيرها من أدرانها، وتنميتها للعمل وجبرها لنقصه.
    وإضافتها إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه؛ فإن سبب وجوبها الفطر من رمضان، بعد إكمال عدة الشهر برؤية هلاله.


    الحكمة من مشروعية زكاة الفطر
    قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ صاحب "المغني": والحكمة من مشروعية زكاة الفطر:
    الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير مَن وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث.
    فقد أخرج أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال:
    "فرض رسول الله r زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين"
    ومن حِكَم زكاة الفطر كذلك إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد، بإتمام صيام شهر رمضان، وما يسر من قيامه.
    ومنها إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع، فالغني يعطف على الفقير، ويسدُّ حاجته، ويغنيه عن السؤال.
    متى فُرِضَت وشُرِعَت:
    شُرِعَت في شعبان من السنة الثانية من الهجرة؛ لتكون طهرة للصائ
    م مما عسى أن يكون وقع فيه من اللغو والرفث.
    حُكم زكاة الفطر
    زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ودليل ذلك:-
    1- ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر
    - رضي الله عنهما – قال:
    "أمرنا رسول الله r بزكاة الفطر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة".

    2- وعند البخاري ومسلم أيضاً من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال:
    "فرض رسول الله r زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة ".
    وقول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: "فرض رسول الله r زكاة الفطر"
    يكفي في الدلالة على وجوبها مع القدرة في وقتها.
    3- وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: " زكاة الفطر على كل عبد أو حرٍّ، صغير أو كبير".

    4 – وأخرج أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال:
    "فرض رسول الله r زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، مَن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاة فهي
    صدقة من الصدقات".
    5- وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" بسند صحيح عن جابر t قال:
    "صدقة الفطر على كل مسلم: صغير وكبير، عبد أو حرّ ".

    6- وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز – رحمة الله عليهما - في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} [الأعلى:14] هي زكاة الفطر.
    قال النووي ـ رحمه الله ـ في "المجموع" (6/62):
    أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر.
    وكذا نقل الإجماع ابن المنذر فقال:
    "أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض. (الإجماع لابن المنذر: صـ49)
    تنبيهان:

    1ـ اعترض الحافظ ابن حجر على كون الحكم فيه إجماعاً، فهناك مَن ادَّعى أنها سنة
    والراجح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من كونها واجبة؛ لأن مَن خالف لا يُعْتَدُّ به في الإجماع.
    2ـ احْرِص على أن تكون الزكاة من الجيد الطيب؛ لأن الله طيب لا يقبلُ إلا طيباً، فلا يجوز إخراجها من شرِّ الأصناف أو مما اغْتُصِب أو نُهِب أو تُرِك لحقارته أو ل
    فساده.

    فقد أخرج الإمام مسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما- عن النبي r:
    " لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول ".
    وأخرج الإمام مسلم كذلك عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r:
    "ما تصدَّق أحدٌ بصدقةٍ من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدُكم فَلُوَّه أو فصيله ". ـ
    الفَلُو: المُهْر. ـ الفصيل: ولد الناقة إذا فصل من إرضاع أمه.
    ملاحظة: في الحديث السابق دلالة على ثبوت صفة الكف لله تعالى.
    ****************************** **
    *_من كتاب زكاة الفطر (وهل يجوز اخرجها قيمة (مالا ) ؟




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •