التوحيــــد أعظم ما أمــر اللــه عباده به

سليمان العربيد





إن أعظم أمر أمرنا الله به هو التوحيد، وهو إفراده -سبحانه وتعالى- بالعبادة قال الله -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ }، وأعظم ما نهانا عنه هو الشرك به -سبحانه- وهو أن تجعل لله ندا وهو خلقك، فالشرك بالله -تعالى- أعظم أنواع الظلم، قال -تعالى-: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، ومن مات عليه غير تائب منه حرم الله عليه الجنة، وكان من أهل النار خالدا فيها أبدا، قال -تعالى-: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار»، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار»، وهو الذنب الذي من لقي الله به لا يغفره له {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، وهو أعظم التناقص لرب البرية ومساوة غيره به في الألوهية {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.

خطورة الشرك بالله

ولعظم خطورة هذا الذنب وقبح عاقبته وعقوبته في الدنيا والآخرة، اتفق الأنبياء -عليهم السلام- جميعا على النهي عنه وتحذير أقوامهم منه قال -سبحانه-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، فهذا نوح وهود وصالح -عليهم السلام- قالوا جميعا لأقوامهم: { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، ساروا على التوحيد والأمر به، ومحاربة الشرك والنهي عنه، كل من اتبع الرسل وسار على نهجهم من الصالحين الأتقياء والأئمة الأولياء قال الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. فمن أحبهم اتبعهم واقتفى أثرهم، فوحد الله -سبحانه وتعالى- وأخلص الدين لمولاه.

الله هو المستحق للعبادة

إن الله -سبحانه وتعالى- هو المستحق للعبادة، فمن صرف أي نوع منها الظاهرة والباطنة لغيره ولو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا فقد وقع في الشرك بالله -سبحانه وتعالى-، فلا تتوجه بالدعاء إلا إلى الله -سبحانه وتعالى-، ولا نستغيث ولا نستعين ولا نطلب المدد والحاجات ودفع الشر والكربات إلا من الله -سبحانه وتعالى-، قال الله -تبارك وتعالى- : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}، ولا نذبح وننذر إلا لله -تبارك وتعالى- فمن فعل ذلك لغير الله فقد أشرك، فعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من ذبح لغير الله»، ولا نجعل بيننا وبين الله وسائط ندعوهم ونسألهم ونطلب منهم الشفاعة كما فعل كفار قريش فأنزل الله -تعالى- كفرهم في كتابه فقال:{ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، وجميع عبادتنا تكون لله -تبارك وتعالى-، وبهذا أمرنا ربنا بقوله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

سد أبواب الشرك وطرقه

لقد سد نبينا - صلى الله عليه وسلم - كل أبواب الشرك والطرق الموصلة إليه حماية لجناب التوحيد وحرصا على أمته من سلوك سبيل المشركين الهالكين، ومن أعظم أسباب الشرك بالله التي جاء النهي عنها هي «الغلو في الصالحين» وهو السبب الذي أوقع الأمم السابقة في الشرك بالله -تعالى-، بل ما وقع الشرك بالله -تبارك وتعالى- إلا بالغلو في الصالحين وإعطائهم بعض صفات رب العالمين، فدعوهم والتجوا إليهم وسألوهم من دون الله -تبارك وتعالى-، كما وقع في قوم نوح -عليه السلام- ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يأيها الناس إياكم والغلو في الدين! فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، ونهانا - صلى الله عليه وسلم - أن نغلو فيه فكيف بغيره، فقال: «لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبدالله ورسوله».

النهي عن بدع القبور

ونهي النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته أن يغلو أحد في قبره فيُجعل عيدا ومسجدا كما فعل أهل الكتاب في قبور أنبيائهم، فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وهذا بيان منه - صلى الله عليه وسلم - لعظيم افتتان الناس بقبور الصالحين، وكأنه خشي أن يتخذ قبره مسجدا، فسد هذا الباب حمايه للتوحيد وصونا له، ومن ذلك نهيه عن الصلاة في المقابر فقال: «وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجدا إني أنهاكم عن ذلك»، ونهى عن البنيان عليها ورفعها كما جاء عن جابر - رضي الله عنه - قال «نهي رسول الله أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه».


فلنحذر من طرائق الشياطين ووسائلهم لصرفنا عن التوحيد، وغمسنا في الشرك وأوحاله، ولنجتهد في دعاء الله -تعالى- أن يثبت قلوبنا على التوحيد وأن يميتنا عليه.