من خصائص الدعوة السلفية
- إحياء منهج السلف في العقيدة والعبادة والسلوك (1)




عادل نصر




هذه رسالة تبين أهم السمات والمزايا التي تميزت بها الدعوة السلفية عن غيرها، وهي دعوة لكل باحث عن الحق حريص على اتباعه إلى الانتماء إليها، من باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» متفق عليه.



والهدف من عرض مزايا الدعوة السلفية أمور عديدة أهمها:

التوجه لنشر أفكار الفرق المنحرفة

السبب الأول هو ما نراه في هذه الآونة من توجه يسعى لنشر أفكار الفرق الضالة المنحرفة، ويدعم الجماعات المبتدعة؛ حيث يسعى أعداء الأمة جاهدين لتذويب هويتها ونسف ثوابتها، وبالطبع لن يتمكنوا من ذلك إلا بتحجيم المنهج السلفي الوسطي المعتدل، الذي وقف حارسا أمينا لهذا الدين عبر التاريخ، وحجر عثرة أمام كل المخططات التي أرادت النيل من أمتنا وعقيدتنا.

الخلط بين السلفية وغيرها

أما السبب الثاني فهو الخلط المتعمد أحيانا، وغير المتعمد أحيانا أخرى بين الدعوة السلفية بمنهجها السلفي المعتدل، وبين اتجاهات أخرى منحرفة، تحاول أن تلبس انحرافاتها ثوبا سلفيا تزيينا وتزويرا.

خصائص الدعوة السلفية

من أجل ذلك وغيره كان لزاما علينا أن نوضح خصائص الدعوة السلفية التي تميزت بها، ذبًّا عنها أمام هجمات خصومها من أهل البدع و الأهواء، وإيضاحا لمنهجها وإظهاراً لمحاسنه، ليكون - بإذن الله - عاصما لكل منصف من الانسياق وراء قواصم أهل الجور والبغي، وتمييزاً لها وتفريقًا بينها وبين الاتجاهات المنحرفة التي يدعي أصحابها السلفية بلا بينة ولا برهان، بل هم أبعد الناس عنها، ومن هذه الخصائص:

إحياء منهج السلف

الدعوة السلفية المباركة تحيي المنهج السلفي القائم على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، فهي دعوة -بفضل الله تعالى- يطابق اسمها مضمونها، ويصدق واقعها نسبتها إلى السلف، ومعلوم أن كلمة (السلف) يقصد بها لغة: من سبقك من آبائك وذوي قرابتك، ويقصد بها في الاصطلاح إذا أطلقت: الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تابعهم من أهل القرون المفضلة الثلاثة، والنسبة إليهم (سلفي)، وهو الذي يلزم ما كانوا عليه في منهج التلقي والعقيدة والعبادة وسائر الأمور.

يقول العلامة السفاريني: «المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- وأعيان التابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة، وعُرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفا عن سلف، دون من رُمي ببدعة أو شُهر بلقب غير مرضي».

أمر واجب متحتم

ومما يجدر التنبيه عليه في هذا الموطن أن اتباع الصحابة -رضي الله عنهم وهم سلف الأمة- أمر واجب متحتم، لا خيار لمريد النجاة فيه، ومن الأدلة على ذلك قوله -تعالى-: {وَالسابقون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ -رضي الله عنهم- وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100). ووجه الدلالة فيها أن الله -عز وجل- حصر المرضي عنهم في ثلاثة أصناف: صنفان مضى زمانهما وهم المهاجرون والأنصار، وصنف باقِ، فمن أراد النجاة لزمه أن يكون تابعا لهم، وهم: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ}، واتباعهم بإحسان يكون باتخاذهم قدوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولزوم ما كانوا عليه، ولذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف الفرقة الناجية إنها: « على مثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي « أخرجه الترمذي، فمذهب السلف هو المذهب المنصور، والحق الثابت المأثور، وأهله هم الفرقة الناجية، والطائفة المرحومة التي بكل خير فائزة، ولكل مكرمة راجية، من الشفاعة والورود على الحوض ورؤية الحق، وغير ذلك من سلامة الصدر والإيمان بالقدر، والتسليم لما جاءت به النصوص.


طريقة السلف أسلم

أما قول بعضهم بأن الخلف أعلم من السلف، أو طريقة السلف أسلم وطريق الخلف أعلم وأحكم، فمقولة من لا تحقيق لديه، وممن لا يَقدر قدر السلف، ولا عرف الله -تعالى- ولا رسوله ولا المؤمنين حق المعرفة المأمور بها، وهؤلاء إنما ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه، ذلك بمنزلة الأميين، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المعروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهور، وقد كذبوا وأفكوا عن طريق السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين باطلين: الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم.

الإسلام مبني على أصلين عظيمين

فدين الإسلام كما يقول شيخ الإسلام مبني على أصلين عظيمين:

- الأول: ألا يعبد إلا الله.

- والثاني: ألا يعبد إلا بما شرع، فعبادة الرب -عز وجل- تكون بما شرعه على ألسنة رسله.

ولذا فقد دعت هذه الدعوة المباركة الناس إلى عبادة الله -عز وجل- بما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحذرت من البدع و المحدثات، فأحيا الله -عز وجل- بها السنن، وأمات بها كثيرا من البدع، والواقع خير شاهد؛ فما انتشرت في مكان إلا رأيت رايات السنة مرفوعة والبدع منبوذة، لا يجادل في ذلك إلا مكابر، فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها.

تزكية النفوس

وفي السلوك والتربية برز المنهج السلفي في تزكية النفوس، وتطهيرها من شوائبها وآفاتها؛ حيث يتوقف فلاح العبد على ذلك، كما قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)}. (الشمس). فالتزكية في الدعوة السلفية المباركة أصل من أصولها، والطريق الموصلة إلى تزكية النفوس وتهذيبها لا يكون إلا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث تزكى النفس بالطاعات الواردة، كالصلوات -فرضا ونفلا-، والصيام وغير ذلك من العبادات، وكذا بقراءة القرآن، والأذكار المشروعة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبل كل ذلك العلم بالله وأسمائه وصفاته مما يعلق قلب العبد بالله -عز وجل-، ويورثه التأهب للقائه، والتزود للدار الآخرة، والزهد في الدنيا، بخلاف المناهج المبتدعة، كالتصوف وغيره، والتي ترى أن تزكية النفوس في البدع والأوراد المبتدعة فتزداد النفس سوءا وخبثا، فالنفس لا تطهر إلا بالعبادة المشروعة التي ربى عليها نبينا - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، فأثمرت جيلا غَيَّر وجه الأرض، وحقق العبودية لله ظاهرا وباطنا، واشتاقوا إلى دار السرور وتجافوا عن دار الغرور، فنالوا عز الدنيا وأتتهم الدنيا وهي راغمة.

إحياء منهج السلف في العقيدة

وكما أحيت الدعوة المباركة المنهج السلفي في التلقي، أحيته في العقيدة؛ حيث لزمت عقيدة أهل السنة والجماعة (عقيدة السلف الصالح) القائمة على الكتاب والسنة والآثار، تلكم العقيدة التي كان عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل والأنبياء جميعًا -عليهم صلوات الله و سلامه- والصحابة -رضي الله عنهم-، وذلك بتوحيد الله -عز وجل- في: ربوبيته و ألوهيته و أسمائه وصفاته.

ففي ربوبيته: إفراده -عز وجل- بالخلق والرزق والتدبير وسائر أفعاله، والملك التام لكل ما في الكون والسيادة بالأمر والنهي.

وإفراده -عز وجل- في ألوهيته: بصرف العبادة له وحده لا شريك له، والبراءة من الشرك وأهله.

وفي أسمائه وصفاته: وصفه -تعالى- بكل كمال، وتنزيهه عن كل عيب ونقص، وذلك بإثبات ما أثبته -تعالى- لنفسه في القرآن، أو أثبته له النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة، من أسمائه وصفاته العلا، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا إلحاد، وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- بمعانيه الثلاثة: (الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات).


وباقي أصول الإيمان الستة على النحو الذي دلت عليه أدلة الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة، فالدعوة السلفية المباركة لزمت هذه العقيدة السلفية ودعت إليها، وتربي عليها أبناءها، وتقاوم كل الانحرافات في هذا الباب - أي: باب العقائد- وتفند شبهات أهل الزيغ والضلال.