«عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ -وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ-، ولِلْمُشْرِكِين َ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ, اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»
(١- أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم: (2180)، وقال: «حسن صحيح»، وأحمد في «مسنده»: (21390)، والحديث صححه الألباني في «جلباب المرأة المسلمة»: (202).).


قال الامام محمد بن عبدالوهاب في كشف الشبهات ص 44
((ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة، وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا، وكذلك الذين قالوا اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا. فالجواب أن نقول: إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه و سلم لم يفعلوا ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا. وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي صلى الله عليه و سلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب، ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه) أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان ))

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد بعد أن ساق الحديث في باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما
(( فيه مسائل : المسألة الثالثة : كونهم لم يفعلوا... المسألة الحادية عشر : أن الشرك فيه: أكبر، وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا )) .

قال محمد بن ابراهيم ال الشيخ في شرح كشف الشبهات ج1 ص 107
((فالجواب أن نقول إن بني إسرائيل لم يفعلوا. فعدمُ كفرهم لا من قصور أن يكون كفراً .
وكذلك الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا . بل استحسنوا شيئاً وطلبوه؛ لو عكفوا على القبور وكذلك لو اتخذوا إلهاً لكفوا؛ هذا لا ينازع فيه أحد ولا ينفع اتباع الرسول والأعمال الأُخَر.
فعدم كفرهم ليس من قصور العمل عن أن يصل إلى التكفير. يعني أن وجه أحتجاجنا هو بتقدير الفعل؛ لو صدر لكان كفراً،
فكان احتجاجاً في محله
ولكنهم لم يفعلوا وإلا لو فعلوه لكان كفراً.
فسلم لنا الاحتجاج بالقصتين عليكم ))

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
"ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة، وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا، وكذلك الذين قالوا اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا.
فالجواب أن نقول:
إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلوا ذلك، ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا.
وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا،
وهذا هو المطلوب،
ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز، ومعرفة أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه)
أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان.
وتفيد أيضا أن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم تفيد أيضا أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظا شديدا كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كشف الشبهات44-45]

قال العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين"
"وكذلك الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط. ما كانوا يظنون أن قولهم: اجعل لنا ذات أنواط, كقول بني إسرائيل: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.
ولم يظنوا أن هذا من التأله لغير الله الذي تنفيه: لا إله إلا الله؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله , ويعرفون معناها-لأنهم العرب – لكن خفيت عليهم هذه المسألة لحداثة عهدهم بالكفر، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر, إنها السنن. قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة, قال: إنكم قوم تجهلون. لتركبن سنن من كان قبلكم" .
فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكفرهم بذلك!!
قلنا: هذا يدل على أن من تكلم بكلمة كفر جاهلا بمعناها, ثم نبه فتنبه أنه لا يكفر. ولا شك أن هؤلاء: لو اتخذوا ذات أنواط بعد إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليهم, لكفروا."
[الانتصار لحزب الله الموحدين34-35]
وقال رحمه الله:
"فهؤلاء لقرب عهدهم بالكفر ما كانوا يظنون أن الذي طلبوه من التأله لغير الله لأنهم يقولون لا إله إلا الله ويعرفون معناها، وخفي عليهم أن ذلك الذي طلبوه مما تنفيه لا إله إلا الله، فلم يكن ظنهم مغيرا لحقيقة هذا الأمر وحكمه.
ومن له معرفة بما بعث الله به رسوله
علم أن ما يفعل عند القبور من دعاء أصحابها والاستغاثة بهم والذبح والنذر لهم
أعظم وأكبر من فعل الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله،
وأقبح من الذين قالوا اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
قال ابن القيم رحمه الله: فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف عليها اتخاذ إله مع الله مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها
فما الظن بالعكوف حول القبر والدعاء به ودعائه والدعاء عنده،
فأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون"


[تأسيس التقديس96]
فإن الصحابة الذين طلبوا هذا الطلب انتهوا في حينهم وانتبهوا لخطر هذه الكلمة
أما عباد القبور فإنهم يسمعون حجج الله تتلى ليلا ونهارا بمنع الشرك في عبادته ومع هذا فإنهم مستمرون في غيهم لا ينثنون عنه ولا يتبدلون،
*******

قال الشوكاني ‑رحمه الله‑: «ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون من أهل القبور، فأخبرهم صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنّ ذلك بمنزلة الشرك الصريح، وأنه بمنزلة طلب آلهةٍ غير الله تعالى»«الدر النضيد» للشوكاني).
******
التبرك بالأشجار والأحجار الذي يفعله عباد الأوثان شرك أكبر لأنهم يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها، ودعائها، والاستعانة بها، والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه، ويؤمِّلونه ببركتها، وشفاعتها، وغير ذلك.
فمن تبرَّك بالقبور، أو الأشجار، أو غيرها على هذه الصفة؛ فقد ضاهى عباد الأوثان فيما يفعلونه معها من هذا الشِّرك.
صحابةُ رسول الله - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- طلبوا اتخاذ شجرة ينوطون بها أسلحتهم كما يفعل المشركون، فطلبوا وسيلةً إلى شرك أكبر عظيم، ظانِّين أن رسول الله - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- قد يُسوِّغُ لهم ذلك؛ فيكون مما هو مشروع لحصول البركة،
«حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد » (ص 93).

*******

قال الإمام العلامة عبد الرحمن بن حسن رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى- :
«ظنوا أن هذا محبوب عند الله، وقصدوا التقرب به، وإلا فهم أجل قدرا من أن يقصدوا مخالفة النبي - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- » انتهى من «فتح المجيد » (1/260).

وقال العلامة محمد بن إبراهيم وسئل عن «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ؟»،
فأجاب:
«لا يصل إلى الكفر إذا كان على سبيل الاستفتاء، أو الجهل، كقصة أصحاب موسى وأصحاب محمد[- صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ-] حسبوه قربة»
انتهى من «فتاويه » (1/104).
********************
وحاشا صحابة رسول الله - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- ولو كانوا حديثي عهد من اعتقاد عقيدة المشركين في الأشجار هذا مما يرده إسلامهم، وفهمهم لغة العرب وإدراكهم حقيقة معنى "لا إله إلا الله"!، فأنكر عليهم رسول الله - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- ذلك جدا، وأغلظ عليهم، وأبان لهم أن هذا هو اتخاذ الآلهة مع الله، نظير قول بني إسرائيل ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ ﴾، فصار حقيقة ما طلبه الصحابة شركا أصغر هو وسيلة إلى الشِّرك الأكبر.
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي وفقه الله في كتابه
«تقييد الشوارد من القواعد والفوائد » (ص 155):
«أن يتبرك بها يعني الأشجار، و...على أنها سبب بأن يعتقد أن البركة من الله تحصل بتعليق السلاح على السدرة والشجرة، فهذا شرك أصغر» انتهى.
********************
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى- في «كتاب التوحيد» مسائل الباب 8: «الحادية عشر : أن الشِّرك فيه أكبر وأصغر؛ لأنهم لم يرتدوا بهذا»
انتهى.
******
قال الشيخ عبد الله الدويش في كتابه «التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد» (ص72):
«أي: لمَّا شبَّه مقالتهم بمقالة بني إسرائيل، وجعل ذلك اتخاذ إله مع الله صار هذا شركا أصغر، ولو كان أكبر لأمرهم بتجديد إسلامهم، والذي منعهم الردة كونهم لم يفعلوا» انتهى.
**********
وقال صالح آل الشيخ - في «التمهيد لشرح كتاب التوحيد» (ص 133):
«وأما أولئك فإنما طلبوا بالقول فقط فشبه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك القول بقول قوم موسى ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ ﴾، لكن أولئك الصحابة لم يفعلوا ما طلبوا ولما نهاهم النبي - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- انتهوا، ولو فعلوا ما طلبوا لكان شركا أكبر، لكن لما قالوا وطلبوا دون فعل صار شركا أصغر، لأنه كان فيه نوع تعلُّق بغير الله جلَّ وعَلا ، وهم لا يعلمون أن هذا الذي طلبوه غير جائز، وإلا فلا يظن بهم أنهم يخالفون أمر النبي - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- ويرغبون في معصيته وأما شركهم، فكان في مقالهم، وأما الفعل فلم يفعلوا شيئا من الشِّرك، وهذا الذي قالوه قال العلماء: هو شرك أصغر وليس بشرك أكبر، ولهذا لم يأمرهم النبي - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- بتجديد إسلامهم... »
انتهى
***********
قال الشيخ العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن فى «مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام»
قولَ المعترضِ ابنَ منصور: إن الشيخ قال :
«إن أشياء من أنواع الشرك الأكبر قد يقع فيها بعض المصنِّفين الأوَّلين»، علَّقَ الشيخُ عبدُاللطيف :
« قولُ الشيخ قولٌ صحيحٌ، يدلُّ عليه الكتابُ، والسنةُ، والواقعُ، والاستقراءُ، وقد خفيَ على قوم موسى عليه السلام، وعلى أبي واقد الليثي، وأصحابه ما طلبوه من أنبياء الله، فكيف لايخفى، أو لايقع ممن لا نسبة بينه وبينهم؟!» انتهى.
قال العلامة الشيخ صالح الفوزان –- في «إعانة المستفيد» (1/233) – وهو يذكر فوائد حديث «ذات أنواط»-:
«وفيه – أيضا- القاعدة العظيمة وهي خطورة التشبه بالكفار، والمشركين؛ لأنها تؤدِّي إلى الشِّرك! ».
وقال : «فهذا الحديث فيه التحذير من التشبه بالمشركين، والكفار في أفعالهم، وعاداتهم الخاصَّة، وتقاليدهم، وطقوسهم».
قال الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى- :
«فأنكر - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- مجرَّد مشابهتهم، فإذا كان اتخاذ الشجرة لتعليق الأسلحة والعكوف حولها، اتخاذ إله مع الله، وهم لا يعبدونها، ولا يسألونها، فما الظن بالعكوف حول القبر، ودعائه، والدعاء عنده، والدعاء به؟!، وأيُّ شَبَهٍ للفتنة بالشجرة إلى الفتنة بالقبر، لو كان أهل الشِّرك، والبدع يعلمون؟!» انتهى من «الدرر السنية» (10/259).
وقال العالم العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-
: «مع أنهم لم يطلبوا إلَّا مجرَّدَ مشابهتهم في العكوف عندها، وتعليق الأسلحة للتبرك؛ فتبيَّن لك بهذا: أن من جعل قبراً، أو شجرة، أو شيئاً حياً، أو ميتاً مقصوداً له، ودعاه، واستغاث به، وتبرَّك به، وعكف على قبره، فقد اتخذه إلها مع الله.
فإذا كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنكر عليهم مجرَّد طلبهم منه مشابهة المشركين في العكوف وتعليق الأسلحة، للتبرك، فما ظنك بما هو أعظم من ذلك وأطم؟! الشِّرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله وأخبر أن أصلح الخلق لو يفعله لحبط علمه...»
انتهى، وانظر«الدرر السنية» (1/389)، و«عيون الرسائل والمسائل» (2/677)، وانظر (1/295)، و«إغاثة اللهفان» (1/321).
قال الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى- في كتابه «الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة» (ص 24)
عن شيخ الإسلام ابن تيمية -: «فأنكر النبي - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ- مجرَّدَ مُشابهتهم في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلِّقين سلاحهم، فكيف بما هو أطم من ذلك من الشِّرك بعينه! » انتهى، وانظر «الدرر السنية» (10/168)،

********

سئل الشيخ صالح ال الشيخ
لماذا لم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الشرك للصحابة قبل أن يقعوا فيه في حديث ذات أنواط؟

[الجواب]: من المعلوم أن الشريعة جاءت بالإثبات المفصَّل، والنفي المجمل، والنفي إذا كان مجملاً ؛ فإنه يندرج تحته صور كثيرة، يُدخِلها مَن فهم النفي في الدلالة، فلا يُحتاج مع النفي أن يُنبه على كل فرد فرد، ولهذا نقول من فهم (لا إله إلا الله) لم يحتج إلى أن يُفصل له كل مسألة من المسائل.
فمثلاً: النذر لغير الله: ليس فيه حديث (النذر لغير الله شرك) والذبح لغير الله: ليس فيه حديث (الذبح لغير الله شرك) ونحو ذلك من الألفاظ الصريحة.
وهكذا في العكوف عند القبور.
- أو العكوف والتبرك عند الأشجار، والأحجار، لم يأت فيها شيء صريح، ولكن نفي إلاهية غير الله -جل وعلا- يدخل فيها -عند من فهم معنى العبادة- كل الصور الشركية.
ولهذا الصحابة رضي الله عنهم فهموا ما دخل تحت هذا النفي، ولم يطلب ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، إلا من كان حديث عهدٍ بكفر، يعني: لم يسلم إلا قريباً، وهم قلة ممن كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسيره إلى حُنين.
والإثبات يكون مفصلاً، وتفصيل الإثبات:
- تارة يكون بالتنصيص.
- وتارة يكون بالدلالة العامة من وجوب إفراد الله جل وعلا بالعبادة مثلاً: {اعبدوا ربكم}{ما لكم من إله غيره} ونحو ذلك من الآيات.
- والأدلة الخاصة بالعبادة كقوله: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً} وكقوله: {فصلِّ لربك وانحر} وكقوله: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} فهذه أدلة إثبات، تثبت أن تلك المسائل من العبادات، وإذا كانت من العبادات فقول (لا إله إلا الله) يقتضي بالمطابقة أنه لا تُصرف العبادة؛ إلا لله جل وعلا.
إذاً فيكون ما طلبه أولئك من القول الذي لم يعملوه، راجع إلى عدم فهمهم أن تلك الصورة داخلة فيما نفي لهم مجملاً بقول: (لا إله إلا الله). [شرح كتاب التوحيد/ درس: باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]