أخرج البخاري في "التاريخ الكبير" (18/2) ، وإسحاق بن راهوية كما أورده ابن حجر في "المطالب العالية" (1601) ، والبوصيري في "الإتحاف" (67/4) من طريقه ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (19271) ، ومن طريقه الدولابي في "الكنى والأسماء" (1211) ، عن أَبي أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي طَلْقٍ بن حنظلة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ثُرَيْبٍ قَالَ: أَكْرَيْتُ الْحُجَّاجَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِذَا عُمَرُ وَجَرِيرٌ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لِجَرِيرٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، كَيْفَ تَصْنَعُ مَعَ نِسَائِكَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَلْقَى مِنْهُنَّ شِدَّةً، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ إِحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا، وَلَا أُقَبِّلُ ابْنَةَ إِحْدَاهُنَّ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا إِلَّا غَضِبْنَ: قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ لَا يُؤْمِنَنَّ بِاللَّهِ، وَلَا يُؤْمِنَنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ فِي حَاجَةِ إِحْدَاهُنَّ فَتَتَّهِمُكَ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَهُوَ فِي الْقَوْمِ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ شَكَا إِلَى رَبِّهِ دَرْءًا فِي خُلُقِ سَارَةَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِثْلُ الضِّلْعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتُهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اعْوَجَّتْ، فَالْبَسْ أَهْلَكَ عَلَى مَا فِيهِمْ "، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ فِي قَلْبِكَ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرَ قَلِيلٍ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَادَ فِيهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَظُنُّهُ سُفْيَانَ: مَا لَمْ يَرَ عَلَيْهَا حُرْمَةً فِي دِينِهَا.
ثم قال ابن حجر في "المطالب" ، والبوصيري في "الإتحاف":
((وقال إسحاق بن راهويه: وأنبأنا الْمَخْزُومِيُّ ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا أبو طلق، حدثني أبي، حَنْظَلَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، حَدَّثَنِي ثُرَيْبٌ- أَوِ ابْنُ ثريب، - قَالَ: {أَكْرَيْتُ فِي الْحَجِّ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَاعِدٌ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي نَاسٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِجَرِيرٍ ... } فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ، وَقَالَ: {دَرًا فِي خُلُقِ سَارَةَ} .
وقَالَ: وَثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الرُّكَيْنِ وَأَبِي طَلْقٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَرِيرٍ - يَزِيدُ أحدهما على صاحبه ... فذكر نَحْوَهُ.)). انتهى.
قلت: أَبُو طلق هو عدي بن حَنْظَلَة العائذي ، روى عنه الثوري وابن عيينة وعبد الواحد بن زياد ، وعيسى بن يونس ، وغيرهم ، قال ابن معين: ثقة. انظر "من كلام أبي زكريا يحيي بن معين في الرجال رواية ابن طهمان" (ص61) ، وانظر ترجمته في "التاريخ الكبير" (45/7) ، "توضيح المشتبه" (58/6) ، "الجرح والتعديل" (3/7).
ووالده ، حنظلة بن نعيم ، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (41/3) فقال: ((رأَى عليا، وعمارا..) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (167/4) ، وهو تابعي تفرد بالرواية عنه ابنه أبو طلق ، فهو مقبول.
وأوس بن ثريب ، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (18/2) ، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (304/2) ، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (44/4) ، وقد تفرد بالرواية عنه حنظلة بن نعيم.
وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" (13272) ، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (9685) عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْهُمْ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى عُمَرَ يَشْكُو إِلَيْهِ مَا يَلْقَى مِنَ النِّسَاءِ، فَقَالَ عُمَرُ: " إِنَّا لَنَجِدُ ذَلِكَ حَتَّى إِنِّي لَأُرِيدُ الْحَاجَةَ، فَتَقُولُ: مَا تَذْهَبُ إِلَّا إِلَى فَتَاةِ بَنِي فُلَانٍ تَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ ". فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَكَا إِلَى اللَّهِ دَرْءَ خُلُقِ سَارَةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الضِّلْعِ. فَأَلْبَسَهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْهَا مَا لَمْ تَرَ عَلَيْهَا خِرْبَةً فِي دِينِهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «لَقَدْ حَشَا اللَّهُ بَيْنَ أضْلَاعِكَ عِلْمًا كَثِيرًا»
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (304/4): ((رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَفِيهِ رَاوِيَانِ لَمْ يُسَمَّيَا، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ.))
وقال ابن أبي شيبة في "المصنف" (19273): حدثنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ رُكَيْنٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: قَدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى عُمَرَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا يَلْقَى مِنَ النِّسَاءِ مِنْ سُوءِ أَخْلَاقِهِنَّ، قَالَ: فَقَالَ: عُمَرُ: إِنِّي أَلْقَى مِثْلَ مَا تَلْقَى مِنْهُنَّ، إِنِّي لَآتِي، قَالَ، السُّوقَ أَوِ النَّاسَ، أَشْتَرِي مِنْهُمُ الدَّابَّةَ، أَوِ الثَّوْبَ فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِنَّمَا انْطَلَقَ يَنْظُرُ إِلَى فَتَاتِهِمْ أَوْ يَخْطُبُ إِلَيْهِمْ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " أَوَمَا تَعْلَمُ أَنْ شَكَا إِبْرَاهِيمُ مِنْ دَرْءٍ فِي خُلُقِ سَارَةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّمَا هِيَ مِنْ ضِلْعٍ فَخُذِ الضِّلْعَ، فَأَقِمْهُ، فَإِنِ اسْتَقَامَ، وَإِلَّا فَالْبَسْهَا عَلَى مَا فِيهَا "
ونعيم بن حنظلة ، تابعي وثقه العجلي. انظر "تهذيب الكمال" (481/29). لكن الراجح عندي أن المقصود هو حنظلة بن نعيم والد أبي طلق كما تقدم وأن هذا وهم من الرواة.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال" (662/2) عن عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي طَلْقٍ، عَنْ رَجُلٍ، سَمِعَ جَرِيرًا، يَقُولُ: شَكَا رَجَلٌ إِلَى عُمَرَ مَا يَلْقَى مِنَ النِّسَاءِ.... نحوه.
وقال ابن رشد في "البيان والتحصيل" (593/18): قال سحنون أخبرني سفيان بن عيينة عن أبي طوالة قال: اشتكى رجل إلى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غيرة امرأته... فذكر نحوه.
والراجح هو ما حدث به كل الحافظ أبي أسامة ، وعبد الواحد بن زياد ، عن أبي طلق عن أبيه عن أوس بن ثريب. وهو إسناد جيد. ولعل الخلاف حول ابن عيينة فيه من إضطرابه هو لأن الرواة عنه ثقات.
وقال ابن شبة في "تاريخ المدينة" (791/3): حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّجَّارِيُّ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ ابْنِ طَلِيقٍ، قَالَ: تَذَاكَرُوا النِّسَاءَ يَوْمًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُقَبِّلَ ابْنَ إِحْدَاهُنَّ فِي يَوْمِ صَاحِبَتِهَا، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي حَاجَةِ إِحْدَاهِنَّ فَتَرَى أَنِّي فِي غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَقَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النِّسَاءِ وَنَالَ مِنْهُنَّ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ شَكَا إِلَى رَبِّهِ ذَرًّا فِي خُلُقِ سَارَةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ إِنْ أَقَمْتَهُ كَسَرْتَهُ، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا، فَضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِيَدِهِ عَلَى جَنْبِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ: «لَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَ جَنْبَيْكَ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرَ قَلِيلٍ»
ولم أعرف من هو النجاري المذكور ، ولعل مسعر هو ابن كدام ، وابن طليق هو عصام بن طليق الطفاوي ، وهو ضعيف جداً ، وعلى ضعفه فهو كذلك مرسل.
والله أعلم.