الصراع بين الحق والباطل سنة كونية شرعية لا تتبدل ولا تتحول

مركز سلف للبحوث والدراسات




الصراع بين الحق والباطل سنة، أقام الله عليها هذه الحياة، فبعد بعثة الرسل -عليهم السلام- صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم، وبين أعداء الرسل من الشياطين وأتباعهم، ولذلك يقول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ...} (سورة الفرقان: ٣١)، وبعد بعثة النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- انحصرت الخصومة بين أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أعدائه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان له أعداء كثيرون من المجرمين: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (سورة الأنعام:١٢٣)، وبالمقابل بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبح العلماء ورثة هديه، وتراثه، وبين الله -عز وجل- أن هذه الأمة سيوجد فيها من يحمل الرسالة، فكلما جاء جيل قيض الله -تعالى- منهم من يحمل الراية، ويقيم الحجة على أهل هذا العصر.

وفي عصر المادَّة، واعتزاز كلِّ ذي رأيٍ برأيه، وتكلُّم الرويبضة في شأن العامَّة، لا يكادُ يوجد أمرٌ يُجمع عليه الناسُ رَغمَ اختلاف ألسنتهم وألوانهم وعقائدهم سِوى الهجوم على السلفيَّة، ولكي تأتي بالنَّقائص وتختصرَها، يكفي أن تذكرَ مصطلح السلفيَّة ليجرَّ عليك المصطلحُ بذيله حمولةً سلبيَّة من الرمي بالتكفير والتفجير والتبديع والتفسيق، وقد يتساءل السلفي البسيط الذي لا يرى من نفسِه ولا معتقده مصداقًا لما يقوله الناس عنه: لماذا كلُّ هذا العداءِ؟! وما الذي صنَع حتَّى استحقَّ كلَّ هذا الشنآن؟! ويمكن تلمس أسباب هذا العداء في النقاط التالية:

أولاً: التمسُّكُ بالوحي

تمسُّكُ السَّلفيِّين بالوحي في مقابل الثقافة الغربية وطغيان المادة، وقناعتهم بذلك، وعدم المساومة على القضايا العقدية، وعلى هويَّة الأمة العقدية والتشريعية؛ أدى إلى إصرار المخالفين على عنادهم لهذا المنهج الرباني نتيجة جهلهم به.

ثانياً: حملات التشويه

وقد تبنى المخالفون لهذا المنهج حملات منظمة لتشويه ذلك النهج الرباني، عبر كثير من النوافذ المتداولة، فكان لتلك الحملات أثرها السلبي على عقول كثير من الناس، حتى المحايدين منهم، وما ذلك إلا لوصول الحق إليهم مشوشاً ومخالفاً للحقيقة ، وقد برع خصوم السلفية من المبتدعة وغيرهم في ذم هذا المنهج بشتى الوسائل وبما أوتوا من قوة.

ثالثاً: انتشار المنكرات واستسهالها

انتشار المنكرات واستسهالها حتى صار المنكِر لها المبيِّن للحقِّ فيها غاليًا متشدِّدًا، ومن أمثلة هذه المنكراتِ الظاهرة تبرُّج النساء واختلاطهنَّ بالرجال، وإذابة الحواجز الشرعية بينهم، حتى يتحول المنكر إلى أمر طبيعي ومستساغ، فلا تعرف معروفاً ولاتنكر منكراً.

رابعاً: انتشار البدع

انتشار البدع وتبني بعض طوائف الأمة لها؛ مما يجعل من يريد ردَّ الأمة إلى الأمر الأول يقع في عداء مع هذه الطوائف؛ لأن هذه البدع شاب عليها الكبير، وشبَّ فيها الصغير.

خامسًا: فصل الأمة عن سلفها

البرامج التي تمَّ دمجها تدريجيًّا من أجل فصل الأمة عن سلفها، وعن كلِّ دعوة إصلاحيَّة جادَّة، وقدَّمت المجدِّدين من وجهة نظر علمانيَّة، فحصرتهم في كلِّ متفهِّمٍ آخذٍ من الثقافة الغربيَّة رافضٍ لجوانب التصادُم بين أحكام الشرع ودعوات الثقافة الغربية ومبادئها، وقد تعمَّدت هذه البرامجُ المزجَ بين عقيدة الإسلام وتاريخ المسلمين، وبين أقوال الفقهاء في الشرع وبين آراء الطوائف الكلامية؛ من أجل زيادة الشبهة والتعمية على الأمة.

سادسًا: المراكز المتخصِّصة في نقد الدين

المراكز البحثية المتخصِّصة في نقد الدين عمومًا، وفي الهجوم عليه وتقديم الخطَط والبرامج الإستراتيجية في محاربته، قد كثَّفت جهودها ووحَّدتها وخصَّصت جزأَها الأكبر لمحاربة المنهج السلفيِّ وإثارة أكبر كمّ من الإشكالات والتساؤلات حوله.

سابعًا: رؤية غير صائبة

يَرى بعضهم في انتشارها تناقضًا مع قِيَمِهم ومبادئهم، وهذا التوجُّه كان هو السبب الرئيس في توسيع دائرة الصراع؛ لأنه فرض على أكثر من جهة أن تنحاز له؛ إمَّا انحيازَ مصالح وعقائد، وإما انحياز خوفٍ وطمعٍ.

ثامنًا: بعض أبناء المنهج السلفي

بعض أبناء المنهج السلفي الذين تربَّوا في مدارس غريبة عن البيئة السلفيَّة، ولم يتخلَّصوا من موروثهم العلميِّ ورواسبهم الفكريَّة، فإنَّهم نقَلوا إلى المنهج السلفي بعض كوامن الصراع في الاتجاهات الأخرى، فتبنَّى بعضُهم الجرح والتصنيف والكلام في الناس والجماعات وجعلوه منهجًا، ووقفوا أنفسهم بوابين لرحمة الله، فأخرجوا طوائف كثيرة من دائرة الحقّ، وفتنوا أخرى بسبب سوء أخلاقهم، واستعدَوا الناسَ على الحقِّ رغم ضعفهم، ووجد أعداء السلفيَّة في تصرفاتهم وسلوكهم ضالَّتهم، فاتَّخذوا ذلك سبيلا للصدِّ عن سبيل الله.

الوسائل الفعَّالة لأعداء السلفية

الوسائل الفعَّالة لأعداء السلفية في حربهم على المنهج السلفيّ:

- أولًا: إسقاطُ الرموز بدءًا بالصحابة كأبي هريرة وعمر وعثمان وعلي، وانتهاء بأكابر المحدثين كالإمام أحمد والبخاري وغيرهم.

- ثانيًا: التشكيك في المحكمات الشرعية بما في ذلك أصول الاستدلال، كأصول الفقه والمصطلح وعلوم القرآن فضلا عن التشكيك في مصادر التشريع من كتاب وسنة وإجماع وإثارة الشبهات حولها.

- ثالثًا: إنكار بعض أحكام الشرع والدندنة حولها من أجل الطعن فيها، وجعلها خصوصية للمنهج السلفي، ورمزا للتشدُّد؛ كالحدود الشرعية وبعض الأحكام التعبدية المحضة، كرمي الجمرات والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والتيمم بالتراب وغيرها من شعائر الإسلام التي هي فرع الإيمان وحقيقة العبودية لله -عز وجل.

- رابعًا: تحريف الشرع عبر تسييس عقيدة الولاء والبراء، والطعن في أحكام الشرع المتعلقة بالأسرة من ولاية وقوامة وطلاق وإرث، والدندنة حول ذلك، وجعله أم القضايا التي إن حرفتها الأمة التحقت بركبِ الأمم السابقة لها ماديا.

- خامسًا: تبني المتراجعين عن المنهج، والنفخُ فيهم، وجعل تراجعهم نتاجَ قراءة موضوعية وأسباب عميقة أدت بهم إلى رفض المنهج جملةً وتفصيلا، وكلَّما كان الناكص أكثر عداءً كان الانفتاح الإعلاميُّ عليه أكثر والترحيبُ به أوسعَ.

حرب أعمق مما نتصور


- وخلاصة القول: إنَّ الحرب على المنهج السلفي أعمق مما يتصوَّره بعضهم من عامة الأمّة، ومما يتصوره بعض أتباع المنهج، فهي حرب كونيَّة لم يتخلَّف عنها منافق ولا مداهنٌ، فقد أجلب أعداء السلفية على المنهج السلفي بخيلِهم ورَجِلهم، ولا يريدون غيرَ استئصاله إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وخُصوم المنهج بعدَدِ أنفاس أهل الباطل، فقد اشترك في الحرب عليه أهلُ الكفر وأهل الأهواء والبدع، لا يريد أحد منهم أن يظفَر عليه صاحبه بخصلة القضاء على المنهج.