الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية - إذا تعارض ما يقتضي الإعطاء وما يقتضي الحرمان قُدّم الإعطاء

عيسى القدومي

باب الوقف من الأبواب المهمة التي ينبغي تقرير ضوابطه؛ ذلك أن عامة أحكام الوقف اجتهادية؛ فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامة الضابطة لباب المصالح والمنافع على وجه الخصوص، ثم من القواعد الفقهية الكلية، ثم يترجم ذلك كله على هيئة ضوابط خاصة في باب الوقف، وهذا ما نتناوله في هذه السلسلة، واليوم مع الضابط الرابع (إذا تعارض ما يقتضي الإعطاء وما يقتضي الحرمان قُدّم الإعطاء).
حل تعارض شروط الواقف
هذا الضّابط يُعمل به لحلّ الإشكالات الناشئة عن تعارض شروط الواقف بعضها مع بعض، ومعناه: إذا أطلق الواقف شرطاً يقتضي حرمان بعض الجهات من استحقاق نصيبها في الوقف، ووُجد له شرطٌ آخر يقتضي إعطاء تلك الجهة، غُلِّب في هذه الحال الشرط الذي يقتضي الإعطاء؛ لأنّه أقرب إلى غرض الواقف، فالواقفون لا يقصدون حرمان أحدٍ غالباً، وهذا الضّابط بطبيعة الحال يُعمل به عندما لا يُوجد مرجِّحٌ لأحد الشرطين، وتنعدم وسائل تعيين غرض الواقف على وجه القطع، قال في (ترتيب الصنوف): «إذا تعارض الإعطاء والحرمان ولا مرجّح بينهما، يُقدَّم الإعطاء».
معنى القاعدة
وشرحها بقوله: «وعلى هذا لو صدر من الواقف لفظان، يقضي أحدهما الإعطاء والآخر الحرمان، مع عدم وجود ما يرجِّح أحدَهما على الآخر، تقدّم الإعطاء على الحرمان وعُمل به؛ وذلك لأنّ غرض الواقف من وقفه الإعطاء لا الحرمان، ولأنّ في تقديم الإعطاء على الحرمان تقرُّب من قصد الواقف»، وقال السيوطي: «إذا تعارض الأمر بين إعطاء بعض الذريّة وحرمانهم تعارضاً لا ترجيح فيه، فالإعطاء أولى، لأنه لا شكّ أقرب إلى غرض الواقفين».
تطبيقات القاعدة
«إذا وقفَ شخصٌ عقارَه واشترط غلّة هذا العقار لأولاده الصُّلبيِّين، وعند انقراضهم فللمساكين، على أن تُصرف حصّة من يموت من أولاد الصُّلبيِّين على ولد الميّت وولد ولده ونسله على وجه التأبيد، تصير حصّة كلّ من مات من أولاده إلى ولد الميّت، ولا تُصرف غلّة الوقْف على المساكين ما لم ينقرض أولاد الواقف.
وجه التعارض
ووجه تعارُض الإعطاء والحرمان في هذا المثال هو: حرمان الواقف لأولاد أولاده من غلّة الوقف باشتراطه صرف هذه الغلّة على أولاده الصُّلبيِّين أوّلاً، وعند انقراضهم فعلى المساكين، من جهة، وباشتراطه صرف حصّة من يموت من أولاده الصُّلبيِّين من الغلّة إلى ولده وولد ولده على وجه التأبيد، وفرضه بهذه الصورة لأولاد أولاده نصيباً من الغلّة؛ بحيث رجح الإعطاء على الحرمان من جهةٍ أخرى».