تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ما ورد عن التابعين في ذم الارجاء المقصود به مرجئة الفقهاء -

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي ما ورد عن التابعين في ذم الارجاء المقصود به مرجئة الفقهاء -



    .............................. .............................. .......


    ( وهنا ينبغي التنبيه على أمر مهم . وهو أن ما ورد عن كثير من التابعين وتلامذتهم في ذم الإرجاء وأهله والتحذير من بدعتهم إنما المقصود به هؤلاء المرجئة الفقهاء – الذين يقولون : الإيمان التصديق والقول – فإن جهماً لم يكن قد ظهر بعد وحتى بعد ظهوره كان بخراسان ولم يعلم عن عقيدته بعض من ذم الإرجاء من علماء العراق وغيره . الذين
    ما كانوا يعرفون إلا إرجاء فقهاء الكوفة ومن اتبعهم . حتى أن بعض علماء المغرب كابن عبد البر لم يذكر إرجاء الجهمية بالمرة )

    تحريف النصوص بكر ابو زيد رحمه الله





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما ورد عن التابعين في ذم الارجاء المقصود به مرجئة الفقهاء -

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة


    .............................. .............................. .......


    ( وهنا ينبغي التنبيه علي أمر مهم . وهو أن ما ورد عن كثير من التابعين وتلامذتهم في ذم الإرجاء وأهله والتحذير من بدعتهم إنما المقصود به هؤلاء المرجئة الفقهاء – الذين يقولون : الإيمان التصديق والقول – فإن جهماً لم يكن قد ظهر بعد وحتى بعد ظهوره كان بخراسان ولم يعلم عن عقيدته بعض من ذم الإرجاء من علماء العراق وغيره . الذين
    ما كانوا يعرفون إلا إرجاء فقهاء الكوفة ومن اتبعهم . حتى أن بعض علماء الغرب كابن عبد البر لم يذكر إرجاء الجهمية بالمرة )

    تحريف النصوص بكر ابو زيد رحمه الله




    نعم بارك الله فيك
    مرجئة الفقهاء
    بهذا الاسم سماها شيخ الإسلام ، وأحيانا يسميهم فقهاء المرجئة ، وهو الاسم الذي يعرف به طائفة من أهل العلم أخطأت في باب الإيمان، فأخرجت العمل منه.
    وقد كان وقت ظهور هذا الإرجاء أواخر عصر الصحابة، وموطنه الذي ظهر فيه هو الكوفة، وسبق تبيان ذلك مفصلا.
    وسبب ظهور هذا الإرجاء أخبر به شيخ الإسلام بقوله: "وكذلك الإرجاء إنما أحدثه قوم قصدهم جعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفارا، قابلوا الخوارج والمعتزلة فصاروا طرفا آخر" .
    ويقول رحمه الله: "وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من الكوفة، ولم يكن أصحاب عبدالله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: الأعمال ليست من الإيمان" .
    ومع أن بدعة هؤلاء تعد أخلف بدع المرجئة، إلا أن أئمة السلف آنذاك كان لهم معها وقفة عظيمة، تمثلت في الإنكار على أهلها، وتغليظ القول فيهم، وتبديع مقالتهم، وردها، وبيان ما تحمله من خطر عظيم على الدين
    يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "ثم إن السلف اشتد إنكارهم على هؤلاء، وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم"
    ويقول: "وأما المرجئة، فليسوا من هذه البدع المعضلة، بل قد دخل في قولهم طوائف من أهل الفقه والعبادة، وما كانوا يعدون إلا من أهل السنة، حتى تغلظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلظة" .
    ويقول: "ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإن كثيرا من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سببا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال.
    فلهذا عظم القول في ذم الإرجاء، حتى قال إبراهيم النخعي: لفتنتهم - يعني المرجئة - أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة.
    وقال الزهري: ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء .
    وقال الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير، وقتادة يقولان: ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء .
    وقال شريك القاضي - وذكر المرجئة - فقال: هم أخبث قوم، وحسبك بالرافضة خبثا، ولكن المرجئة يكذبون على الله ) .
    وقال سفيان الثوري: تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري
    ولما نقل شيخ الإسلام ما ذكره الإمام أبو عبيد من الأعداد الهائلة من العلماء الذين يجعلون الإيمان قول وعمل ، وأكثر من تسمية علماء الكوفة، نبه شيخ الإسلام على مقصده من ذلك بقوله:
    "قلت: ذكر من الكوفيين من قال ذلك أكثر من ذكر غيرهم؛ لأن الإرجاء في أهل الكوفة كان أولا فيهم أكثر،....، فاحتاج علماؤها أن يظهروا إنكار ذلك، فكثر منهم من قال ذلك"
    وأما المسائل التي خالف فيها مرجئة الفقهاء ما عليه سلف الأمة في باب الإيمان خاصة، فقد حررها شيخ الإسلام رحمه الله تحريراً بالغا، إذ يقول:
    "ثم بعد ذلك تنازع الناس اسم المؤمن والإيمان نزاعا كثيرا منه لفظي، وكثير منه معنوي، فإن أئمة الفقهاء لم ينازعوا في شيء مما ذكرناه من الأحكام، وإن كان بعضهم أعلم بالدين، وأقوم به من بعض، ولكن تنازعوا في الأسماء، كتنازعهم في:
    الإيمان: هل يزيد وينقص؟
    وهل يستثنى فيه أم لا؟
    وهل الأعمال من الإيمان أم لا؟
    وهل الفاسق المليء مؤمن كامل الإيمان أم لا؟" .
    وأما الذين تولوا نشر آراء هذه الطائفة، فقد سمي شيخ الإسلام طائفة منهم، وهم:
    1- إبراهيم التيمي :
    هو أبو أسماء إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، المتوفى سنة 92هـ.
    كان كما وصفه الذهبي شابا صالحا، قانتا لله، عالما، فقيها، كبير القدر، واعظا، وكان إذا سجد كأنه جذم حائط ينزل على ظهره العصافير.
    قال أبو زرعة فيه: ثقة، مرجئ.
    يقال: قتله الحجاج، وقيل مات في حبسه، ولم يبلغ أربعين سنة رحمه الله تعالى.
    وفي الإرجاء الذي وقع فيه يقول شيخ الإسلام: "وفي الجملة الذين رموا بالإرجاء من الأكابر، مل طلق بن حبيب، وإبراهيم التيمي، ونحوهما كان إرجاؤهم من هذا النوع ، وكانوا أيضاً لا يستثنون في الإيمان" .
    2- طلق بن حبيب :
    هو طلق - بسكون اللام - ابن حبيب العنزي - بفتح المهملة والنون - البصري، وفاته ما بين التسعين إلى المائة من الهجرة.
    وصفة الذهبي بالزاهد الكبير، ومن العلماء العاملين، وأنه من صلحاء التابعين، إلا أنه يرى الإرجاء.
    وكان طلق يتكلم على الناس، ويعظ، وكان من أحسن الناس صوتا، فلما وقعت فتنة ابن الأشعث قال: اتقوها بالتقوى، فقيل له: صف لنا التقوى، قال: العمل بطاعة الله، على نور من الله ؛ رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله، على نور من الله؛ مخافة عذاب الله.
    ومع هذا، فقد كان هو وسعيد بن جبير وقراء كانوا معهم ممن طلبهم الحجاج لقتلهم؛ بسبب هذه الفتنة المظلمة.
    وقد نهى سعيد بن جبير عن مجالسته؛ للإرجاء وجاء في سيرته أنه كان داعية إليه.
    وقد تقدم ما قاله شيخ الإسلام عن الإرجاء الذي رمي به طلق غفر الله له.
    3- ذر الهمداني :
    هو أبو عمر ذر بن عبدالله بن زرارة المرهبي - بضم الميم، وسكون الراء - الهمداني، الكوفي، مات سنة 99هـ.
    في عداد التابعين الثقات، ومن عباد أهل الكوفة، ومن أبلغ الناس في القصص.
    ومع هذه الأوصاف الرفيعة، فقد وقع في هوة سحيقة، حيث زل في أمرين منكرين:
    أولاهما: الخروج على الحجاج، وحض الناس على ذلك، فقد آتاه الله بلاغة في القصص، فجعلها سلاحا لمبتغاه، فما زال بالناس مع جماعة من موافقيه، في اجتهاد اجتهدوه - والله يغفر لهم - حتى خلعوا الحجاج، ثم جرى ما جرى، من بطش وتقتيل طال أكابر العلماء، والله المستعان.
    يقول الذهبي: "لما أجمع ابن الأشعث المسير من سجستان، وقصد العراق لقي ذرا الهمداني، فوصله، وأمره أن يحض الناس، فكان يقص كل يوم، وينال من الحجاج، ثم سار الجيش وقد خلعوا الحجاج" .
    وثانيهما قوله بالإرجاء، ونصرته لهذه المقالة المهلكة.
    وقد ذكر واصفوه - كما تقدم - أنه بليغ في كلامه، ساحر في بيانه، فلما تبني هذه المقالة الشائنة، حصل تأثير بدعوته من فئام كثير، حتى صارت الكتب تأتيه من الآفات، ومعلوم أن الغوغاء يتأثرون بمن حاله دون ذلك، فما بالك بمثل ذر!.
    وفي قوله بالإرجاء ما يجعله عبرة وعظة لمريد النجاة، ذلك أن أول وقوعه في بدعة الإرجاء سببه زلة، أعقبها عجب ومعاندة، حتى صار رأيه مذهبا متبعا، والعياذ بالله.
    فقد ذكر سلمة بن كهيل أن ذرا أول من تكلم في الإرجاء.
    وقال ذر: إني أخاف أن يتخذ هذا دينا.
    فلما أتته الكتب من الآفاق، قال ذر: وهل أمر غير هذا؟! .
    وقال الحسن بن عبيدالله: "سمعت إبراهيم - يعني النخعي - يقول لذر: ويحك يا ذر ما هذا الدين الذي جئت به؟
    قال ذر: ما هو إلا رأي رأيته.
    قال: ثم سمعت ذرا يقول: إنه لدين الله - عز وجل - الذي بعث الله بوحي عليه السلام!" .
    ويقول ذر عن نفسه: "لقد أشرعت رأيا خفت أن يتخذ دينا" .
    يقول إسحاق بن هانئ: قلت لأبي عبدالله - يعني الإمام أحمد -: أول من تكلم في الإيمان من هو؟
    قال: يقولون: أول من تكلم فيه ذر .
    وللسلف موقف يناسب حاله، كعادتهم مع أمثاله، إذ هجره إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير؛ للإرجاء .
    والذي نقله شيخ الإسلام عن ذر هو مناقشة سعيد بن جبير له، وقوله له: "ألا تستحي من رأي أنت أكبر منه".
    وتنقل بعض كتب الأثر تفصيلات لموقف سعيد بن جبير من ذر:
    من ذلك أنه ناصحه، وحثه على تقوى الله، والحرص على ما ينفعه من القيام بالفرائض والطاعات.
    يقول عمر بن ذر: كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله، وقال: إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة، فذكر الفرائض، والصلوات، وما يرزقه الله من ذكره .
    ومما جاء فيها أنه لا يكلمه، ولا يرد عليه السلام، ولعله بعد مناصحته له، وإصرار ذر على رأيه .
    وفيها أيضا: "أن ذرا أتي سعيد بن جبير يوما في حاجة، فقال: لا، حتى تخبرني على أي دين أنت اليوم، أو رأي أنت اليوم، فإنك لا تزال تلتمس دينا قد أضللته، الا تستحي من رأي أنت أكبر منه" .
    4- حماد بن أبي سليمان:
    هو أبو إسماعيل حماد بن مسلم الكوفي الأشعري مولاهم، من صغار التابعين ، توفي سنة 120هـ.
    يقول الذهبي في بيان مكانته العلمية: "فأفقه أهل الكوفة علي وابن مسعود، وأفقه أصحابهما علقمة، وأفقه أصحابه إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم حماد" .
    ويقول: "وتفقه بإبراهيم النخعي، وهو أنبل أصحابه، وأفقههم، وأقيسهم، وأبصرهم بالمناظرة والرأي"
    لكنه في باب الآثار والسنن ليس بذاك، قال أبو حاتم رحمه الله: "صدق، لا يحتج به، مستقيم في الفقه فإذا جاء الآثار شوش" .
    "وعن شعبة: قال: كان حماد بن أبي سليمان لا يحفظ.
    يعني: أن الغالب عليه الفقه، وأنه لم يرزق حفظ الآثار" .
    وما ذكر في سيرته من عدم عنايته بالآثار فيه لفتة مهمة في معرفة حال أصحاب الجرأة على القول في الدين بما لم يسبقوا إليه، والله المستعان.
    ثم هو رأس بين أصحابه، وإمام عندهم، ولذا تلحظ في أجوبته حينما يسأل عن بدعته نفسا حادا، فقد نقل عنه لما سئل: "ما هذا الرأي الذي أحدثت؟ لم يكن على عهد إبراهيم النخعي!، فقال: لو كان حيا لتابعني عليه" .
    "وقال معمر: قلت لحماد: كنت رأسا، وكنت إماما في أصحابك، فخالفتهم فصرت تابعا؟
    قال: إني أكون تابعا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل".
    ولما قدم الكوفة قادما من الحج قال: "أبشروا يا أهل الكوفة رأيت عطاء، وطاووسا، ومجاهدا، فصبيانكم، بل صبيان صبيانكم أفقه منهم.
    قال مغيرة - راوي الخبر : فرأينا ذلك بغيا منه" .
    وأمام هذه الأحوال كان لحماد مقام مشهور غير محمود في تبني القول بالإرجاء، وإخراج العمل منه، حتى عده شيخ الإسلام أول قائل به.
    يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "الإرجاء في أهل الكوفة كان أولا فيهم أكثر، وكان أول من قاله حماد بن أبي سليمان".
    ويقول: "لكن حماد بن أبي سليمان خالف سلفه، واتبعه من اتبعه، ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة، ومن بعدهم"
    وقد كان للسلف موقف يناسبه، حتى ممن كان من أصحابه والمتلقين عنه، فهذا الأعمش بعد أن كان يروي عنه؛ لما تكلم بالإرجاء صار إذا لقيه لم يسلم عليه .
    "وقال شعبة: كنت مع زبيد، فمررنا بحماد، فقال: تنح عن هذا، فقط أحدث.
    وقال مالك بن أنس: كان الناس عندنا هم أهل العراق، حتى وثب إنسان يقال له حماد، فاعترض هذا الدين، فقال فيه برأيه"
    5- سالم الأفطس
    هو أبو محمد سالم بن عجلان الأفطس الحراني الأموي مولاهم المتوفى مقتولا سنة 132هـ.
    في عداد التابعين، ومع كونه ثقة في الحديث إلا أنه كان يخاصم في الإرجاء، داعية إليه، ويجادل عليه.
    وقد نقل شيخ الإسلام ما يفيد ذلك، حيث ذكر حديث معقل العبسي، وفيه قوله:
    "قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فنفر منه أصحابنا نفوراً شديداً، منهم ميمون بن مهران، وعبدالكريم بن مالك، فإنه عاهد الله أن لا يؤويه وإياه سقف بيت إلا المسجد"
    ونقل أيضا المحاورة التي جرت بينه وبين مبارك بن حسان، حيث يقول: "وروي ابن بطة بإسناده عن مبارك بن حسان قال:
    قلت لسالم الأفطس: رجل أطاع الله فلم يعصه، ورجل عصى الله فلم يطعه، فصار المطيع إلى الله فأدخله الجنة، وصار العاصي إلى الله فأدخله النار، هل يتفاضلان في الإيمان؟ قال: لا" .
    6- أبو حنيفة:
    هو النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي، أحد الأئمة الأربعة المتبوعين، المتوفى سنة 150هـ.
    يقول الذهبي معرفا به: "الإمام، فقيه الملة، عالم العراق".
    وقال: "وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى، والناس عيال عليه في ذلك" .
    من أبرز مشايخه الذين تأثر بهم شيخه حماد بن أبي سليمان، إذ هو شيخه الذي اختص به، وأكثر من ملازمته ، فانصبغ أثر الشيخ في التلميذ، فصار الأثر ظاهرا، من جهة الإكثار من الرأي دون الأثر، ومن جهة الموافقة له في مقالة الإيمان
    وقد اشتغل بعلم الكلام في أوائل طلبه للعلم، ومهر فيه، ثم عافاه الله منه، فتركه وزهد فيه .
    وقد أثنى شيخ الإسلام عليه، وأنصفه، وبين "أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء، وأنكروها عليه، فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعا"
    ثم إن اعتقاده في التوحيد والقدر ونحو ذلك موافق لاعتقاد أئمة السنة، وهو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وهو ما نطق به الكتاب والسنة .
    ومع هذا، فإن أهل البدع إذا انتسبوا إلى إمام من أئمة السنة لم يكن ذلك مذهبا للإمام، إلا في الإرجاء، فإنه مذهب أبي حنيفة عفا الله عنه، وأما التجهم فاختلف النقل عنه، ولذلك اختلف أصحابه ما بين سنية وجهمية؛ لأن أصوله لا تنفي البدع وإن لم تثبتها
    7- عمر بن ذر :
    هو أبو ذر عمر بن ذر بن عبدالله بن زرارة الهمداني، ثم المرهبي الكوفي، المتوفى سنة 156هـ، وقيل غير ذلك.
    وهو من شيوخ أبي حنيفة، وقد اتصف بالزهد والعبادة، وكان ثقة، واعظا بليغا حسن الصوت، لكنه رأس في الإرجاء، ولما مات لم يشهده سفيان الثوري.
    وقد أورده شيخ الإسلام في سياق قصة لمعقل بن عبيدالله العبسي، وأنه دخل على عطاء بن أبي رباح في نفر من أصحابه، وجرت بينهم محاورة حول ما أحدثه المرجئة الفقهاء، وتبري عطاء منهم، وفيها قال معقل مخاطبا عطاء:
    "قلت: إنهم انتحلوك، وبلغني أن ابن ذر دخل عليك في أصحاب له، فعرضوا عليك قولهم فقبلته، فقلت هذا الأمر؟
    فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو - مرتين أو ثلاثا - " .
    8- شبابة بن سوار :
    هو أبو عمرو شبابة بن سوار الفزاري مولاهم المدائني، المتوفى سنة 206هـ، وقيل غير ذلك.
    وصفه الذهبي بأنه من كبار الأئمة، إلا أنه مرجئ، وأنه صدوق، مكثر، صاحب حديث، فيه بدعة.
    وقالوا الإمام أحمد: تركته للإرجاء، ولما سئل عنه قال: شبابة كان يدعو إلى الإرجاء.
    قال: وحكى عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل، ما سمعت أحدا عن مثله.
    قال: قال شبابة: إذا قال، فقد عمل بجارحته، أي بلسانه، فقد عمل بلسانه حين تكلم.
    ثم قال أبو عبدالله: هذا قول خبيث، ما سمعت أحدا يقول به، ولا بلغني .
    وبالانتهاء من التعريف بشبابة ينتهي ما تم الوقوف عليه من الأسماء التي ذكرها شيخ الإسلام ممن دخل ضمن رجال مرجئة الفقهاء، وقبل ختم ذلك، فمما ينبه عليه أن للحافظ الذهبي رحمه الله كلمة قالها حول بعض من ذكر خبره ههنا، وغيرهم، ممن رمي بالإرجاء من الفقهاء، فإنه بعد أن سمى جماعة منهم قال: "الإرجاء مذهب لعدة من جلة العلماء، لا ينبغي التحامل على قائله" .
    وقد استروح بعضهم هذه الكلمة، فدفع بها كون إرجاء الفقهاء من الإرجاء المذموم، وحصر الذم في إرجاء من يقول إن الإيمان هو المعرفة .
    ولا ريب أن كلمة الذهبي لا تدل على هذه الدعوى البتة، خاصة أنها جاءت في سيرة مسعر بن كدام، وقول بعضهم إنه مرجئ، مع جماعة ممن وقع في الإرجاء من الفقهاء.
    فهنا علق الذهبي بتلك المقولة، وغاية ما فيها النهي عن التحامل على من وقع في الإرجاء من الفقهاء، وهذا حق، لكن التحذير من مقالتهم واجب شرعا، وهو ما صنعه الأئمة، وصنعه الذهبي نفسه،، فقد رأينا في السير السابقة وصفه لهم بالإرجاء، والله أعلم.
    وبعد الوقوف على شيء من سيرة رجال فقهاء المرجئة، يبقى النظر في مجمل معتقدهم رحمهم الله.
    وقد صرح شيخ الإسلام كما سبق النقل عنه بأن أبا حنيفة على طريق السلف في التوحيد والقدر ، وأن المأخذ عليه الثابت عنه هو في مسألة الإيمان .
    والناظر في معتقد أبي حنيفة يجد هذه الحقيقة ظاهرة، فإن مجمل معتقده رحمه الله يتلخص فيما يلي :
    1- العناية بأنواع التوحيد كلها، وخاصة توحيد الألوهية، وسد ذرائع الشرك.
    2- إثبات الأسماء والصفات، إثباتا يليق بالله تعالى.
    3- إثبات الرؤية، مع الإقرار بالعلو.
    4- الإيمان بالقدر بمراتبه الأربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.
    5- أن الإيمان مجرد تصديق القلب، وقول اللسان، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وأن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان.
    هذا هو مجمل معتقد أبي حنيفة، وهو - بحمد الله - موافق لما عليه أهل السنة عدا باب الإيمان، ومما يلزم ذكره أن هذا المعتقد لأبي حنيفة ليس هو الذي عليه المنتسبون إلى مذهبه في العصور المتأخرة، بل غلب على كثير منهم الابتداع، وصار جلهم على المعتقد الماتريدي، إلا من تمسك منهم بالأثر، واتبع الحديث، وهدي إلى السنة
    [موسوعة الفرق]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •