المهاجرات في سبيل الله تعالى
المهاجرات إلى الحبشة


تمهيد:
نحن نعلم إلى أي مدى كان للهجرة أثرها في إقامة أمة الإسلام، فإن لها دورا كبيرا وعظيما في إقامة الأمة الإسلامية، ولا شك في أن الهجرة بصفة عامة هي من الجهاد، بل هي أكبر جهاد، حيث يترك الإنسان وطنه الذي ولد فيه ونشأ وترعرع، ويترك أهله وماله إلى مكان مجهول لا يعلم عنه شيئا ويعيش مع أناس من غير دينه وأهله، يخالطهم ويتعامل معهم لمدة قد تصل إلى سنوات، كما حدث في الحبشة، حيث ظل المسلمون بها أكثر من ستة عشر عاما، ولكن الله جل وعلا سخر للدعوة حاميا لها في تلك البلاد البعيدة عن مكة المكرمة، مهبط الوحي والرسالة المحمدية رسالة الإسلام الخالدة، ألا وهو النجاشي (أصحمة) حيث حماهم من كل سوء وتحمل في سبيل ذلك الكثير ممن حوله سواء دخل ملكه في الحبشة، أو من فتيان قريش الذين أرسلتهم إليه أكثر من مرة ليرد المهاجرين إليها، إلا أنه رفض بإباء وشمم أن يرجعهم إلى قريش، بل رفض حتى أن يعطى أيّة فرصة للنيل منهم، فعاشوا في كنفه في أمان، وقد أسلم وأبلغ ذلك للهادي البشير، ووعده بنشر الدعوة وطلب أن يمهله حتى يتمكن من ذلك، لكن العمر لم يمهله وتوفى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم[1].
وأسباب الهجرة: كانت بلا شك بسبب تعذيب المشركين للمسلمين في صدر الدعوة، ومناهضة الدعوة في كل مكان وملاحقة نبي الدعوة لإجهاضها في مهدها، بالإضافة إلى محاولة قتله صلى الله عليه وسلم، إلا أن الله تعالى جعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى يقول تعالى: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، ويقول تعالى: ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ﴾ [التوبة: 40]، فأين قوة الإنسان الضعيف. مهما بلغ من قوة - من قوة الله تعالى رب الكون كله بقوته وجبروته وعدله.
فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]. وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ إِنّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ﴾ [الحجر: 89] إلا أن صناديد قريش أعرضوا من الدعوة وعاندوا، بل وعذبوا المسلمين، فحينما بلغ من قريش ما بلغ بهم من تعالي وكفر وغطرسة وتعذيب للمسلمين الضعفاء، وملاحقة من لهم عزوة منهم وقوة حتى أنهم لم يستطيعوا ممارسة حقوقهم في العبادة، بل حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.. وغيرها أشار رسول الله على المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة حيث إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، فكانت الهجرتين الأولى والثانية[2].
المهاجرات إلى الحبشة:
أما الهجرة الأولى: فقد كان ذلك في العام الخامس من البعثة النبوية وكان عدد المهاجرين أحد عشر رجلا، وأربع نسوة، حيث وصلوا إلى البحر الأحمر ما بين ماش وراكب فاستأجروا سفينة بنصف دينار إلى الحبشة، وكان المهاجرون هم: عثمان بن عفان، وزوجة رقية بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة وامرأته سهلة بنت سهيل، والزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد وزوجه أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة العنزي وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم ويقال: أبو حاطب بن عمرو، وسهيل بن بيضاء، وعبد الله ابن مسعود حليف بني زهرة (رضي الله عنهم أجمعين)[3].
وأضاف ابن كثير قائلا: وقال آخرون بل كانوا اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم [4].. ثم خرجت قريش في آثارهم حتى جاءت البحر فلم يدركوهم لأنهم ركبوا في السفنتين وقدموا الحبشة حيث جاوروا خير جار يعبدون الله تعالى دون أذى أو إكراه على الكفر[5].
والواقع أن خروجهم كان مرتين: الأولى التي ذكرناها آنفا، ثم عادوا إلى مكة حينما نمئ إلى أسماعهم إسلام أهل مكة، فلما عادوا لم يجدوا ما سمعوه صحيحا سوى إسلام حمزة بن عبد المطلب (عم النبي صلى الله عليه وسلم)، وإسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما).
ثم لقى المهاجرون ما لقوا من العنت والعداء أشد ما لقوا من قبل، فهاجروا مرة ثانية إلى الحبشة.
وفي هذه الهجرة الثانية: كان عدد المهاجرين ثلاثة وثمانين رجلا، وإن كان منهم عمار بن ياسر، فإن في هجرته خلاف، وثماني عشرة امرأة[6].
ويذكرا الأستاذ الفاضل أ. فتحي غيث[7] أن عدد المسلمين وصلوا بالحبشة إلى ستمائة مسلم أقاموا بالحبشة ما يقرب من ستة عشر عاما. وفي هذه الهجرة الثانية كان عدد السملين المهاجرين أحد عشر الذين ذكرتهم من قبل ثم تتابع المسلمون فيما يطلقون عليه الهجرة الثانية ومنهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنهم من خرج بأهله، ومنهم من خرج بنفسه لا أهل معه، فكان من لحق بأرض الحبشة منهم ثلاثة وثمانين رجلا سوى زوجاتهم وأبنائهم الذين خرجوا صغارا أو ولدوا بها. وبذلك وصل عددهم بعد الستة عشر عاما إلى ستمائة مسلم مهاجر وما كان من أبنائهم الذين تناسلوا منهم في الحبشة، وقد توفى بعضهم في الحبشة، أو في الطريق إليها، أو في الطريق إلى المدينة ورجع من رجع منهم إلى مكة ثم إلى المدينة، بينما عاد الباقي في السفينتين مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، والهادي البشير عائدا من خيبر[8].
وقد عاشوا في أمان بالحبشة ومارسوا حرية العبادة حتى عادوا مرة ثانية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
أما عن الصحابيات اللائي هاجرن إلى الحبشة فقد كانوا ستة عشر امرأة غير بناتهن اللائي هاجرن - أي قدمن - معهن، وقد مات البعض منهن، وقدم منهن البعض، بالإضافة إلى اللائي ولدن بالحبشة ثم قدمن إلى المدينة، أو مكة ثم المدينة.
وهؤلاء الصحابيات هن من قريش من بني هاشم: رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن بني أمية: أم حبيبة بنت أبي سفيان ومعها ابنتها حبيبة.
ومن بني مخزوم: أم سلمة بنت أبي أمية، وقدمت معها ابنتها من أبي سلمة ولدتها بالحبشة.
ومن بني تيم بن مرة: ريطة بنت الحارث بن جبيلة، وقد توفيت بالطريق، وأيضا ابنتان لها كانت قد ولدتهما هناك هما: عائشة بنت الحارث، وزينب بنت الحارث توفيتا معها، وأخوهن موسى بن الحارث، وذلك من ماء شربوه بالطريق، وقدمت بنت لها ولدتها هناك اسمها فاطمة.
ومن بني سهم بن عمرو: رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة. وقيل: صبرة.
ومن بني عديّ بن كعب: ليلى بنت أبي حثمة بن غانم.
ومن بني عامر بن لؤي: سودة بنت زمعة بن قيس، وسهلة بنت سهيل بن عمرو، وابنة المجلل، وعمرة بنت السعدي بن وقدان، وأم كلثوم بنت سهيل ابن عمرو.
ومن نساء العرب الصحابيات: أسماء بنت عميس الخثعمية، وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكندية، وفكيهة بنت يسار، وبركة بنت يسار، وحسنة أم شرحبيل بن حسنة.
أما عن الأبناء فكانوا عشرة، خمسة ذكور، وخمسة إناث.
أما الإناث فهن: أمة بنت خالد بن سعيد (وهي أم خالد بنت خالد)، وزينب بنت أبي سلمة، وعائشة وفاطمة وزينب، بنات الحارث بن خالد[9].
-----------------
[1] انظر: كتاب إسلام نجاشي الحبشة ودوره في صدر الدعوة الإسلامية، للمؤلفة. القاهرة. دار الفكر العربي، 1421هـ/ 2001م، وفيه تفصيل الهجرة إلى الحبشة (الهجرتين: الأولى والثانية، حتى عودة المسلمين إلى المدينة مهاجرين إليها حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخوانهم من المسلمين فيها بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم من خيبر).
[2] عن أسباب الهجرة إلى الحبشة، واختيار النبي صلى الله عليه وسلم لها دون غيرها من الأماكن انظر: إسلام نجاشي الحبشة ص 37 - 40، وانظر: طبقات ابن سعد ج 1 ص 160، طبعة بيروت، تاريخ الطبري ج 2 ص 546 - 547، البداية والنهاية لابن كثير ج 3 ص 66.
[3] إسلام نجاشي الحبشة ص 41.
[4] البداية والنهاية ج 3 ص 66، 67.
[5] طبقات ابن سعد ج 1 ص 159، وتاريخ الطبري ج 2 ص 546، وأيضا إسلام نجاشي الحبشة ص 41 - 43.
[6] انظر: البيهقي: دلائل النبوة ج 2 ص 286 - 287، والمرجع السابق للمؤلفة (إسلام نجاشي الحبشة، ص 43).
[7] الإسلام والحبشة عبر التاريخ ص 49.
[8] انظر أيضا: إسلام نجاشي الحبشة للمؤلفة ص 43، وما بعدها.
[9] انظر: السيرة النبوية ج 3 ص 340 - 342، وإسلام نجاشي الحبشة ص 80، 81 وما بعدها.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/144369/#ixzz6jpeMQlKT