1-المعنى اللغوي لمصطلح "قرة أعين":
( قُرة ) مأخوذة من القُر، والقر كما قال ابن فارس هو البرْد، جاء في مقاييس اللغة: "القاف والراء أصلان صحيحان، يدل أحدهما على برد، والآخر على التمكن"[1]، وأعين مفردها عين، وهي: "ما يدل على عضو به يُبصَر ويُنظر"[2].
2- المعنى الاصطلاحي لمصطلح "قرة أعين":
قال الأزهري في تهذيب اللغة: "معنى قرة الأعين أن يصادف قلبه من يرضاه، فتَقر عينه به عن النظر إلى غيره"[3].
3- المعنى القرآني لمصطلح "قرة أعين":
ورد مصطلح قرة أعين في القرآن الكريم ست مرات بصيغ مختلفة:
• قرة أعين (مركب إضافي): مرتين سورة الفرقان، وسورة السجدة.
• وقرت عيني لي (مركب إضافي): بتاء مبسوطة (سورة القصص).
• تقر عينها (فعل مضارع) (سورة النحل)، تقر أعينهن (فعل مضارع) (سورة الأحزاب).
• قَرِّي عينًا (فعل أمر) (سورة مريم).
لكننا سنقف من ذلك مع قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، بالتحليل والدراسة، بناءً على فهوم المفسرين للآية الكريمة، مُبيّنين دلالات مصطلح "قرة أعين" عندهم، فكانت على الشكل الآتي:
1- دلالة قِرائية: (قُرة أم قرت).
اختلف القراء في قراءة لفظة قرة أعين أم قرت أعين، جاء في زاد المسير: "وقرأ ابن مسعود وأبو حيرة: (قرت أعين)، يعنون من يعمل بطاعتك، فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة"[4]، وتابع ابن الجوزي موضحًا: "قال الفراء: إنما قال: "قرة"؛ لأنها فعل، والفعل لا يكاد يجمع، ألا ترى إلى قوله: "وادعوا ثبورًا كثيرًا"[5]، فلم يجمعه، ولو قيل: قرة عين أو قُرَّات أعين، كان صوابًا"[6].
2- دلالة نحوية: (قرة أعين بين الجمع والقلة والتنكير).
أ- الجمع والقلة:
قال الطبري: "وقيل: هبْ لنا قرة أعين، وقد ذكر الأزواج والذريات وهم جمع، وقوله: قرة أعين واحدة؛ لأن قوله: قرة أعين مصدر من قول القائل: قرت عينك قرة، والمصدر لا تكاد العرب تجمعه"[7].
قال الزمخشري: "وإنما قيل: "أعين" دون عيون؛ لأنه أراد أعين المتقين، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم"[8]، وقد عقب أبو حيان الأندلسي على الزمخشري في تقليل "أعين" قال: "وليس بجيد لأن أعين تنطق على العشرة فما دونه من الجمع، والمتقون ليست أعينهم عشرة، بل هي عيون كثيرة جدًّا، وإن كانت عيونهم قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم، فهي من الكثرة بحيث تفوق العدَّ"[9]، وقد قدم الألوسي جوابًا آخر قائلًا: "وأجيب بأن المراد أنه استعمل الجمع المذكور في معنى القلة مجردًا عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم"[10]، وأضاف موضحًا: "وأنا أظن أنه اختُير الأعين جمعًا للعين الباصرة، وللعيون جمعًا للعين الجارية في جميع القرآن الكريم، ويخطر لي في وجه ذلك شيء لا أظنه وجيهًا، ولعلك تفوز بما يُغنيك عن ذكره والله تعالى ولي التوفيق"[11].
ب- التنكير:
قال الزمخشري: "فإن قلت: قرة أعين، فنكِّر وقلِّل؟ قلت: أما التنكير، فلأجل تنكير القرة؛ لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه، كأنه قيل: هب لنا سرورًا وفرحًا"[12].
وذكر أيضًا احتمالًا آخرَ لتنكير قرة أعين قائلًا: "ويجوز أن يقال في تنكير أعين أنها أعين خاصة وهي أعين المتقين"[13].
3- دلالة إعرابية: (قرة أعين: مفعول به).
قال الإمام الشوكاني: "وانتصاب "قرة أعين" على المفعولية، يقال: قرت عينه قرةً"[14].
4- دلالة معنوية: (قرة أعين تعني: الدعاء لله تعالى بالزوجة الصالحة والذرية المطيعة له).
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: "والذين يرغبون إلى الله في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا: ربنا هب لنا من أزواجنا وذريَّاتنا ما تقر به أعينُنا من أن تريناهم يعملون بطاعتك ... الذي قلنا في ذلك قاله أهل التأويل"[15].
وقال الرازي مضيفًا دلالات أقوال أخرى لمصطلح "قرة أعين": "وقال المفضل في قرة العين ثلاثة أقوال:
• أحدهما: يريد دمعتها وهي التي تكون مع الضحك والسرور، ودمعة الحزن تارة.
• الثاني: نومها؛ لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع.
• الثالث: حضور الرضا"[16].
5- دلالة بلاغية كِنائية: (قرة أعين كناية عن السرور والفرح).
قال أبو حيان: "قرة أعين كناية عن السرور والفرح، وهو مأخوذ من القُر وهو البرد؛ يقال: دمع السرور بارد، ودمع الحزن سخن، ويقال: أقرَّ الله عينك، وأسخن الله عين العدو، وقال أبو تمام:
فأما عيون العاشقين فأسخنت *** وأما عيون الشامتين فقرَّت"[17]
6- مسألة خِلافية: (قرة أعين في الدنيا أم في الآخرة؟).
قال ابن الجوزي: "سئل الحسن عن قوله: قرة أعين في الدنيا أم في الآخرة؟
قال: لا والله بل في الدنيا، وأي شيء أقرُّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله، واللهِ ما طلب القوم إلا أن يطاع الله، فتقر أعينُهم"[18].
-----------------
[1] مقاييس اللغة، ابن فارس، ص: 7.
[2] المصدر نفسه، ص:204.
[3] تهذيب اللغة، للأزهري.
[4] زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي.
[5] سورة الفرقان، الآية:44.
[6] زاد المسير، لابن الجوزي
[7] جامع البيان في تفسير آي القرآن، للطبري
[8] الكشاف، للزمخشري.
[9] البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي.
[10] روح المعاني، للألوسي.
[11] المصدر نفسه.
[12] الكشاف، للزمخشري.
[13] المصدر نفسه.
[14] القدير، للشوكاني.
[15] جامع البيان، الطبري، وينظر: الكشاف، للزمخشري، وتفسير ابن كثير، ومحاسن التأويل، للقاسمي.
[16] مفاتيح الغيب، للرازي.
[17] البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي.
[18] زاد المسير، لابن الجوزي، والدر المنثور، للسيوطي.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/144368/#ixzz6jnhUaE7V