.............................. .............................. ...................
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض ذكره لطريقة الخلف في باب الصفات
( لا يجوز أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن «طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم» .
فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضّلون طريقة الخلف على طريقة السلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.
فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة
الخلف.
وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص للشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر ـ وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنًى ـ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى ـ وهي التي يسمونها طريقة السلف ـ وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف ـ وهي التي يسمونها طريقة الخلف ـ فصار هذا الباطل مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه.
فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله.
الى ان قال رحمه الله
وإنما قدمت هذه المقدمة لأن من استقرت هذه المقدمة عنده علم طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره.
وعلم أن الضلال والتهوّك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من البيّنات والهدى، وتركهم البحث عن طريق السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه، ولشهادة الأمة على ذلك، وبدلالات كثيرة، وليس غرضي واحدًا، وإنما أصف نوع هؤلاء، ونوع هؤلاء.
الحموية الكبرى