قال الطحاوي رحمه الله تعالى:
"والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان"،
هذه الجملة من كلامه في تعريف الإيمان المقصود بها التعريف الشرعي للإيمان عند الطحاوي رحمه الله , والذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، أئمة أهل الحديث والسنة ,
أن الإيمان قول وعمل ,
وبعض أهل العلم يعبّر بقوله: الإيمان قول وعمل ونية ,
كما قالها الإمام أحمد في موضع , ويعني بالنية الإخلاص، يعني الإخلاص في القول والعمل،
وهذا الأصل وهو أن الإيمان قول وعمل وُضِّحَ بقول أهل العلم: الإيمان اعتقاد بالقلب , يعني بالجنان , وقول باللسان , وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان.
فشمل الإيمان إذن فيما دلت عليه الأدلة هذه الأمور الخمسة وهي:
أنه اعتقاد وأنه قول وأنه عمل وأنه يزيد وأنه ينقص.
وتعريف الطحاوي للإيمان بقوله: "هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان"
هذا تعريف بالمقارنة مع ما سبق فيه قصور وهو موافقٌ لما عليه الإمام أبوحنيفة رحمه الله وأصحابه؛
فإنهم لم يجعلوا العمل من مسمى الإيمان وجعلوا الإيمان تصديق القلب وإقرار اللسان،
وجعلوا الأعمال زائدة عن مسمى الإيمان مع كونها لابد منها ولازمة للإيمان ,
فقول الطحاوي هذا ليس مستقيماً مع معتقد أهل السنة والجماعة، أتباع أهل الحديث والأثر ,
وفيه قصور؛ لأنه أخرج الإيمان.. أخرج العمل عن تعريف الإيمان ,
وكون العمل من الإيمان له أدلة كثيرة من الكتاب والسنة،
. ومنها في هذا المقام قول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ - ويعني بالإيمان الصلاة، فسمى الصلاة إيماناً والصلاة عمل ,
وقال أيضاً جل وعلا: الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
وقال: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
دلت الآية على أن الإيمان له حقيقة هي الاعتقاد والإيمان بهذه الأركان الخمسة
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
فإذا كان العمل ناشئاً عن هذه، فإنه لا يتصور الانفكاك ما بين العمل والإيمان ,
ولهذا في آية البقرة: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ - جعل العمل هو الإيمان؛ لأنه منه , ولأنه ينشأ عنه.
فنفهم إذن أن قوله: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ونحو ذلك، بما فيه عطف العمل على الإيمان
كما قدمنا آنفاً أن هذا عطف الخاص بعد العام ,
وعطف الجزء بعد الكل،
وهذا كثير في القرآن وفي اللغة كما قدمته لك. ومن السنة قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((آمركم بالإيمان)) لما قال لوفد عبدالقيس لما أتوه في المدينة
قال: ((آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟)) ثم فسر بأركان الإيمان ثم قال: ((وأن تؤدّوا الخمس من المغنم))، وهذا أداء الخمس عمل، فجعله تفسيراً للإيمان.
كذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
((الإيمان بضع وسبعون شعبة , أعلاها قول: لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))
فجعل الإيمان له قول مرتبط بالنطق، وله عمل الذي هو إماطة الأذى عن الطريق، يعني الذي هو نوع العمل، وجعل له عمل القلب وهو الحياء، ففي هذا الحديث مثل النبي عليه الصلاة والسلام شعب الإيمان بثلاثة أشياء، منها القول ومنها الاعتقاد أو عمل القلب، ومنها عمل الجوارح، ويأتي مزيد بيان لهذا الأصل في المسائل إن شاء الله تعالى.
ثم زيادة الإيمان ونقصانه، دل على الزيادة قول الله جل وعلا: ] وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَان
اً وكذلك قوله: ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم
وكذلك قوله: زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ - ونحو ذلك مما فيه زيادة. وإذا كان فيه زيادة فإنه لابد أن يكون فيه النقص بمقابل ما ترك مِمَّ يسبب الزيادة في الإيمان , ولهذا قال بعض الصحابة لما ذكر زيادة الإيمان وذكر نقصانه، قال: إذا سبّحنا الله وحمدناه وذكرناه فذلك زيادته , وإذا غفلنا فذلك نقصانه , فزيادة الإيمان ونقصانه دل عليها قول الله جل وعلا والسنة وقول الصحابة رضوان الله عليهم.
فمن هذا يتقرر أن قول الطحاوي:
"الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان" هذا يوافق قول مرجئة الفقهاء وهم أبوحنيفة النعمان بن ثابت الإمام المعروف وأصحابه ,
ممن أخرجوا العمل عن كونه جزءاً من الماهية , عن كونه ركناً في الإيمان.
إذا تقرر هذا
فإن في مسألة الإيمان مباحث كثيرة جداً؛ وذلك لكثرة الخلاف في هذه المسألة وطول الكلام عليها , وكثرة التصانيف التي صنفها السلف ومن بعدهم في هذه المسألة،
لكن يمكن تقريب هذه المسألة لطالب العلم في مسائل:
الأولى: الإيمان يجمع الاعتقاد بالقلب وهو الذي يسميه المرجئة مرجئة الفقهاء أو يسميه العامة التصديق.
والثانية: قول اللسان.
والثالثة: عمل الجوارح والأركان.
والرابع: الزيادة
والخامسة: النقصان.
هذه خمسة أشياء فيها اختلف المنتسبون إلى القبلة على أقوال.
القول الأول: هو أن الإيمان تصديق فقط. وهذا هو قول جمهور الأشاعرة وهو قول أيضاً أبي منصور الماتريدي والماتريدية العامة , وهذا مبني منهم على أن القول ينشأ عن التصديق، وعلى أن العلم ينشأ عن التصديق، فنظروا إلى أصله في اللغة بحسب ظنهم , وإلى ما يترتب عليه فجعلوه التصديق فقط , واستدلوا له بعدة أدلة مما فيه أن الإيمان تصديق كقوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وهذه أمور غيبية ,
والإيمان بها يعني التصديق بها. وغير ذلك من الأدلة التي فيها حصر الإيمان بالغيبيات والإيمان بالغيبيات يفهم على أنه التصديق. وهؤلاء يسمون المرجئة، وهم المشهورون بهذا الاسم.
ومن المرجئة طائفة غالية جداً، وهم الذين جعلوا الإيمان ليس التصديق بالقلب ولكن هو المعرفة بالقلب , وهو القول المنسوب إلى الجهمية وغلاة الصوفية كابن عربي ونحوه، ممن صنفوا في إيمان فرعون. الفئة الثانية أو الفرقة الثانية:
قال: إن الإيمان قول باللسان فقط , هؤلاء يسمون الكرّاميّة بالتشديد، الكرّاميّة ينسبون إلى محمد بن كرّام، هذا يقول: الإيمان هو الإقرار باللسان , لم؟ قال: لأن الله جل وعلا جعل المنافقين مخاطبين باسم الإيمان، في آيات القرآن , فإذا نودي المؤمنون في القرآن فيدخل في الخطاب أهل النفاق والمنافقون , إنما أقرّوا بلسانهم، ولم يصدقوا بقلوبهم، فدخلوا في اسم الإيمان لهذا الأمر.
المذاهب الثالث:
هو مذهب الخوارج والمعتزلة.. بل قبله،
المذهب الثالث هو مذهب مرجئة الفقهاء الذين قالوا:
إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه: إقرار باللسان وتصديق بالجنان، ويجعلون أن الناس في التصديق كما سيأتي، وفي أعمال القلوب أنهم واحد، فأعمال القلوب التي أصلها التصديق عندهم شيء واحد، والعمل ليس من الإيمان عندهم يعني من حقيقة الإيمان....
وأظن شبهتهم نص أبي حنيفة في هذه المسألة,
وهو بناه على أن الذين خوطبوا بالإيمان هم المؤمنون والمنافقون, والمنافقون ليس لهم عمل، عملهم باطل,
وإنما أقرّوا باللسان فقط
, والمؤمنون مصدقون مقرون، فجمع لهم ما بين –يعني: بين الطائفتين- ما بين الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، يعني: في الخطاب الظاهر، وأما الأعمال فالحساب عليها آخر,
ومن أدلتهم الأصل اللغوي الذي هو حسب ما قالوا:
إن الإيمان هو التصديق, والإقرار أخذ من زيادة في الشريعة؛ لأنه لابد من قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
الرابع: هو قول الخوارج والمعتزلة:
هو أن الإيمان اعتقاد بالجنان, أو تصديق بالجنان, وإقرار باللسان, وعمل بالجوارح، وهذا العمل عندهم بكل مأمور به, والانتهاء عن كل منهي عنه, فما أمر به وجوباً فيدخل في مسمى الإيمان بمفرده, وما نهي عنه تحريماً فيدخل في مسمى الإيمان بمفرده, يعني: أن كل واجب يدخل في مسمى الإيمان على حدة، فيكون جزءاً وركناً في الإيمان، وكل محرم يدخل في الانتهاء عنه, يدخل في مسمى الإيمان بمفرده، وبناء على ذلك قالوا: فإذا ترك واجباً؛ فإنه يكفر, وإذا فعل محرماً من الكبائر؛ فإنه يكفر؛ لأن جزء الإيمان وركن الإيمان ذهب, فعندهم أن هذا العمل جزء واحد, إذا فقد بعضه فقد جميعه, وبينهم خلاف –يعني: بين الخوارج والمعتزلة- فيمن استحق النار في الآخرة ماذا يسمى في الدنيا؟! على القول المعروف عندهم: وهو أنه في الدنيا عند الخوارج يسمى كافرا, وعند المعتزل هو في منزلة بين المنزلتين, لا يقال: مؤمن, ولا يقال: كافر. مع اتفاقهم على أنه في النار مخلد فيها؛ لانتفاء الإيمان في حقه.
الخامس: هو قول أهل الحديث والأثر،
وقول صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهو أن الإيمان اعتقاد,
ومن الاعتقاد التصديق، وقول باللسان,
وهو إعلان لا إله إلا الله محمد رسول الله،
وعمل بالأركان، وأنه يزيد وينقص,
ويعنون بالعمل جنس العمل, يعني: أن يكون عنده جنس طاعة وعمل لله جل وعلا،
فالعمل عندهم الذي هو ركن الإيمان ليس شيئًا واحدًا, إذا وجد بعضه وجد جميعه، إذا ذهب بعضه ذهب جميعه، أو إذا وجد بعضه وجد جميعه,
بل هذا العمل مركب من أشياء كثيرة, لابد من وجود جنس العمل،
وهل هذا العمل الصلاة؟! أو هو أي عمل من الأعمال الصالحة؟! امتثال الواجب طاعة, وترك المحرم طاعة, هذا ثم خلاف بين علماء الملة في المسألة المعروفة في تكفير تارك الصلاة تهاوناً أو كسلاً ,
الفرق ما بين مذهب أهل السنة والجماعة وما بين مذهب الخوارج والمعتزلة
أن أولئك جعلوا ترك أي عمل واجب أو فعل أي عمل محرم؛ فإنه ينتفي عنه اسم الإيمان،
وأهل السنة قالوا:
العمل ركن وجزء من الماهية، لكن هذا العمل أبعاض، ويتفاوت, وأجزاء إذا فات بعضه أو ذهب جزء منه؛ فإنه لا يذهب كله،
فيكون المراد من الاشتراط جنس العمل، يعني: أن يوجد منه عمل صالح ظاهرًا بأركانه وجوارحه, يدل على أن تصديقه الباطن، وعمل القلب الباطن على أنه استسلم به ظاهرًا، وهذا متصل بمسألة الإيمان والإسلام، فإنه لا يتصور وجود إسلام ظاهر بلا إيمان، كما أنه لا يتصور وجود إيمان باطن بلا نوع استسلام لله –جل وعلا- بالانقياد له بنوع طاعةٍ ظاهرة.
المسألة الثانية: الطحاوي هنا ترك العمل, يعني:
ما ذكر العمل في مسمى الإيمان، وكما ذكرت لك, أن العمل عند أهل السنة والجماعة داخل في مسمى الإيمان, وفي ماهيته, وهو ركن من أركانه, والفرق بينهما –
يعني: بين قول مرجئة الفقهاء, وهو الذي قرره الطحاوي, وبين قول أهل السنة والجماعة أتباع الحديث والأثر-
الفرق بينهما من العلماء من قال: إنه صوري لا حقيقة له –يعني: لا يترتب عليه خلاف في الاعتقاد-
ومنهم من قال
: لا هو معنوي وحقيقي،
ولبيان ذلك؛ لأن الشارح ابن أبي العز –رحمه الله - على جلالة قدره وعلو كعبه ومتابعته للسنة ولأهل السنة والحديث، فإنه قرر أن الخلاف لفظي وصوري,
وسبب ذلك أن جهة النظر إلى الخلاف منفكة,فمنهم من ينظر إلى الخلاف بأثره في التكفير،
ومنهم من ينظر إلى الخلاف بأثره في الاعتقاد،
فمن نظر إلى الخلاف بأثره في التكفير، قال: الخلاف صوري، الخلاف لفظي ؛
لأن الحنفية الذين يقولون: هو الإقرار باللسان, والتصديق بالجنان، هم متفقون مع أهل الحديث والسنة؛ مع أحمد والشافعي على أن الكفر والردة عن الإيمان تكون بالقول, وبالاعتقاد، وبالعمل، وبالشك,
فهم متفقون معهم على أن من قال قولاً يخالف ما به دخل في الإيمان؛ فإنه يكفر،
ومن اعتقد اعتقادا يخالف ما به دخل في الإيمان ؛ فإنه يكفر،
وإذا عمل عملاً ينافي ما به دخل في الإيمان؛ فإنه يكفر،
وإذا شك أو ارتاب؛فإنه يكفر،
بل الحنفية في باب حكم المرتد في كتبهم الفقهية أشد في التكفير من بقية أهل السنة, مثل: الحنابلة, والشافعية, ونحوه، فهم أشد منهم, حتى إنهم كفروا بمسائل لا يكفر بها بقية الأئمة, كقول القائل مثلاً:سورة صغيرة, فإنهم يكفرون بها, أو مسيجيد أو نحو ذلك أو إلقاء كتاب فيه آيات؛ فإنهم يكفرون إلى آخر ذلك. فمن نظر مثلما نظر الشارح ونظر جماعة من العلماء, من نظر في المسألة إلى جهة الأحكام, وهو حكم الخارج من الإيمان, قال: الجميع متفقون, سواء كان العمل داخلا في المسمى, أو خارجاً من المسمى؛ فإنه يكفر بأعمال, ويكفر بترك أعمال ,
فإذن لا يترتب عليه على هذا النحو دخول في قول المرجئة, الذي يقولون: بلا عمل ينفع, ولا يخرج من الإيمان بأي عمل يعمله, ولا يدخلون مع الخوارج في أنهم يكفرون بأي عمل, أو بترك أي واجب, أو فعل أي محرم, فمن هذه الجهة إذا نظر إليها تُصُوِّر أن الخلاف ليس بحقيقي, بل هو لفظي وصوري.
الجهة الثانية التي ينظر إليها:
وهي أن العمل عمل الجوارح والأركان, هو مما أمر الله –جل وعلا- به في أن يعتقد وجوبه, أو يعتقد تحريمه من جهة الإجمال والتفصيل،
يعني: أن الأعمال التي يعملها العبد لها جهتان؛
جهة الإقرار بها, وجهة الامتثال لها،
وإذا كان كذلك؛
فإن العمل بالجوارح والأركان,
فإنه إذا عَمِل فإما أن نقول: إن العمل داخل في التصديق الأول، تصديق بالجنان,
وإما أن نقول: إنه خارج عن التصديق بالجنان،
فإذا قلنا: إنه داخل في التصديق بالجنان, يعني: العمل بالجوارح باعتبار أنه إذا أقر به امتثل؛ فإنه يكون التصديق إذن ليس تصديقاً، وإنما يكون اعتقادًا شاملاً للتصديق وللعزم على الامتثال, وهذا ما خرج عن قول وتعريف الحنفية.
والجهة الثانية: أن العمل يمتثل فعلاً،
فإذا كان كذلك؛ كان التنصيص على دخول العمل في مسمى الإيمان هو مقتضى الإيمان بالآيات وبالأحاديث؛
لأن حقيقة الإيمان فيما تؤمن به من القرآن، في الأوامر والنواهي في الإجمال والتفصيل,
أنك تؤمن بأن تعمل, وتؤمن بأن تنتهي , وإلا فلو لم يدخل هذا في حقيقة الإيمان؛ لم يحصل فرق ما بين الذي دخل في الإيمان بيقين, والذي دخل في الإيمان بنفاق,
يبين لك ذلك أن الجهة هذه وهي جهة انفكاك العمل عن الاعتقاد، انفكاك العمل عن التصديق،
هذه حقيقة داخلة فيما فرق الله –جل وعلا- به فيما بين الإسلام والإيمان،
ومعلوم أن الإيمان إذا قلنا: إنه إقرار وتصديق ؛
فإنه لابد له من إسلام وهو امتثال الأوامر والاستسلام لله بالطاعات ,
بهذا نقول:
إن مسألة الخلاف هل هو لفظي أو هو حقيقي؟! راجعة إلى النظر في العمل،
هل العمل داخل امتثالاً فيما أمر الله –جل وعلا- به أم لم يدخل امتثالاً فيما أمر الله –جل وعلا- به؟!والنبي صلى الله عليه وسلم بين أنه يأمر بالإيمان، ((آمركم بالإيمان بالله وحده)).
والله –جل وعلا- أمر بالإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ
فالإيمان مأمور به، وتفاصيل الإيمان بالاتفاق بين أهل السنة وبين مرجئة الفقهاء, يدخل شعب الإيمان, يدخل فيها الأعمال الصالحة,
لكنها تدخل في المسمى من جهة كونها مأمورا بها، فمن امتثل الأمر على الإجمال والتفصيل فقد حقق الإيمان,وإذا لم يمتثل الأمر على الإجمال والتفصيل؛ فإنه بعموم الأوامر لا يدخل في الإيمان,
وهذه يكون فيها النظر مشكلاً من جهة هل يتصور هل يتصور أن يوجد أحد يؤمن بالإيمان يؤمن بما أنزل الله –جل وعلا- ولا يفعل خيراً البتة؟ لا يفعل خيرًا قط؟!لا يمتثل واجبًا؟!ولا ينتهي عن محرم؟!مع اتساع الزمن وإمكانه في الحقيقة هذا لا يتصور أن يكون أحد يقول: أنا مؤمن, ويكون إيمانه صحيحاً, ولا يعمل صالحًا مع إمكانه لا يعمل أي جنس من الطاعات؛ خوفاً من الله –جل وعلا- ولا ينتهي عن أي معصية؛ خوفاً من الله جل وعلا، هذا لا يتصور,
ولهذا حقيقة المسألة ترجع إلى الإيمان بالأمر، الإيمان بالأمر.. الأمر بالإيمان في القرآن وفي السنة كيف يؤمن به، كيف يحققه؟! يحقق الإيمان بعمل بجنس العمل الذي يمتثل به،
فرجع إذن أن الامتثال داخل في حقيقة الإيمان بأمره,
وإلا فإنه حينئذ لا يكون فرقاً بين من يعمل ومن لا يعمل.
لهذا نقول:إن الإيمان الحق بالنص بالدليل –يعني: بالكتاب والسنة, بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبكتابه- لابد له من امتثال،
وهذا الامتثال لا يتصور أن يكون غير موجود من مؤمن، أن يكون مؤمن ممكن أن يعمل ولا يعمل البتة،
وإذا كان كذلككان إذا جزءًا من الإيمان، أولاً لدخوله في تركيبه، والثاني أنه لا يتصور في الامتثال, يعني: للإيمان, والإيمان بالأمر أن يؤمن ولا يعمل البتة,
إذن فتحصل من هذه الجهة: أن الخلاف ليس صورياً من كل جهة، بل ثم جهة فيه تكون لفظية، وثم جهة فيه تكون معنوية، وجهات المعنوية والخلاف المعنوي كثيرة متنوعة,
لهذا قد ترى من كلام بعض الأئمة من يقول: إن الخلاف بين المرجئة وبين أهل السنة- مرجئة الفقهاء ليس كل المرجئة- أن الخلاف صوري؛
لأنهم يقولون: العمل شرط زائد لا يدخل في المسمى،
وأهل السنة يقولون:لا هو داخل في المسمى،
فيقول: إذن الخلاف صوري،
من قال:الخلاف صوري فلا يظن أنه يقول به في كل صور الخلاف،
وإنما يقول به من جهة النظر إلى التكفير وإلى ترتب الأحكام على من لم يعمل،
أما من جهة الأمر, من جهة الآيات, والأحاديث, والاعتقاد بها والإيقان بالامتثال,فهذا لابد أن يكون الخلاف حينئذ حقيقي.
[شرح الطحاوية للشيخ صالح ال الشيخ] وللحديث بقية ان شاء الله