السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن تبع هداه، وبعد:

لأهل العلم في إعراب (أمثال) من قوله تعالى: «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» [الأنعام:١٦٠] خمسة أقوال.

الأول - على قراءة الجماعة «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» بلا تنوين لعشر وبكسر أمثال -: أنه مضاف إليه وقع العدد عليه وقد خالفه، لأنه اسم جمع لما لا يعقل، وكل جمع خالف الآدميين، فهو مؤنث لأن معناه الجماعة، وإن كان واحده مذكرًا.

الثاني - على قراءة الجماعة أيضًا -: أنه أُنِث لإضافته إلى ضمير يعود على مؤنث وهي الحسنات؛ فاكتسب المضاف أحكام المضاف إليه.

الثالث - على قراءة الجماعة أيضًا -: أنه لفظ مذكر في معنى المؤنث؛ فأُنِث لأنه أُرِيد به المعنى وليس اللفظ.

الرابع - على قراءة الجماعة أيضًا -: أنه صفة لمحذوف تقديره (حسناتٍ)، وحسنة مؤنث خالفت العدد.

الخامس - على قراءة يعقوب الحضرمي «فَلَهُ عَشْرٌ أمثالُها» بتنوين عشر ورفع أمثال -: أنه نعت العشر.

وقيل - على قراءة يعقوب الحضرمي -: أنه بدل.

فالقول الأول قاله محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (المتوفى: ٢٨٥هـ) في كتابه المقتضب (١٨٥/٢):

(هَذَا بَاب مَا يُضَاف إِلَيْهِ من الْعدة من الْأَجْنَاس وَمَا يمْتَنع من الْإِضَافَة)

اعْلَم أَنه كل مَا كَانَ اسْمًا غير نعت فإضافة الْعدَد إِلَيْهِ جَيِّدَة، وَذَلِكَ قَوْلك: عِنْدِي ثَلَاثَة أجمالٍ، وَأَرْبَعَة أينق، وَخَمْسَة دراهمَ، وَثَلَاثَة أنفس.

فَإِن كَانَ نعتًا قبح ذَلِك فِيهِ إِلَّا أَن يكون مضارعًا للاسم وَاقعًا موقعه، وَذَلِكَ قَوْلك: عِنْدِي ثَلَاثَة قريشيين، وَأَرْبَعَة كرام، وَخَمْسَة ظرفاء؛ هَذَا قَبِيح حَتَّى تَقول: ثَلَاثَة رجال قريشيين، وَثَلَاثَة رجال كرام، وَنَحْو ذَلِك.

فَأَما الْمُضَارع للأسماء فنحو: جَاءَنِي ثَلَاثَة أمثالك، وَأَرْبَعَة أشباه زيد، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، وَقد قُرئَ: {فَلهُ عَشْرٌ أَمْثَالُهَا}، فَهَذِهِ الْقِرَاءَة المختارة عِنْد أهل اللُّغَة، وَالَّتِي بدأنا بهَا حَسَنَة جميلَة.

فَإِن كَانَ الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْعدَد اسْمًا لجنس من غير الْآدَمِيّين لم يلاقه الْعدَد إِلَّا بِحرف الْإِضَافَة وَكَانَ مجازه التَّأْنِيث لِأَن فعله وَجمعه على ذَلِك إِذا كَانَ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَة، أَلا ترى أَنَّك تَقول: الْجمال تسير وَالْجمال يسرن، كَمَا قَالَ الله عز وَجل عِنْد ذكر الْأَصْنَام {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس}، وعَلى هَذَا يجمع كَمَا تَقول: حمام وحمامات، وسرداق وسرادقات.

والقول الثاني قاله أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: ٧٩٤هـ) في كتابه البرهان في علوم القرآن (٣٦٥/٣):

أَنَّثَ لِإِضَافَةِ الْأَمْثَالِ إِلَى مُؤَنَّثٍ، وَهُوَ ضَمِيرُ الْحَسَنَات،ِ وَالْمُضَافُ يَكْتَسِبُ أَحْكَامَ الْمُضَافِ إِلَيْه، فتكون كقوله: {تلتقطه بعض السيارة}.

والقول الثالث نقله عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم (المتوفى: ٣٣٧هـ) في كتابه الأمالي (١١٧/١) عن أبي حاتم السجستاني فقال:

أخبرنَا: أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن مُسلم بْن قُتَيْبَة، قَالَ أَخْبرنِي: أبي، قَالَ: حَدثنِي أَبُو حَاتِم سهل بْن مُحَمَّد السجسْتانِي، قَال:َ

كنت عِنْد الْأَخْفَش سعيد ابْن مسعده وَعِنْده التوزي، فَقَالَ - لي التوزي -:
مَا صنعت فِي كتاب الْمُذكر والمؤنث يَا أَبَا حَاتِم؟
قلت: قد جمعت مِنْهُ شَيْئا.
قَال:َ فَمَا تَقول فِي الفردوس؟.
قلت: هُوَ مُذَكّر.
قَالَ فَإِن اللَّه عز وَجل يَقُولُ: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الفردوس هم فِيهَا خَالدُونَ}.
قلت: ذهب إِلَى معني الْجنَّة فأنثه، كَمَا قَالَ عز وَجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالهَا} فأنث والمثل مُذَكّر لِأَنَّهُ ذهب إِلَى معنى الْحَسَنَات.

وكما قَالَ عمر بْن أبي ربيعَة:
فَكَانَ مجني دون من كنت أتقي ... ثَلَاث شخوص كاعبان ومعصر
فأنث والشخص مُذَكّر لِأَنَّهُ ذهب إِلَى معنى النِّسَاء، وَأَبَان لذَلِك بقوله كاعبان ومعصر.

كَمَا قَالَ الآخر:
وَإِن كلابا هَذِه عشر أبطنٍ ... وَأَنت برئٌ من قبائلها الْعشْر
فأنث والبطن مُذَكّر لِأَنَّهُ ذهب إِلَى الْقَبِيلَة.

فَقَالَ لي: يَا غافل النَّاس يَقُولُونَ نَسْأَلك الفردوس الْأَعْلَى.
فَقلت: يَا نَائِم هَذَا حجتي لِأَن الْأَعْلَى من صِفَات الذكران لِأَنَّهُ أفعل، وَلَو كَانَ مؤنثا لقَالَ الْعليا، كَمَا تَقول الْأَكْبَر والكبرى،والأصغر وَالصُّغْرَى.
فَسكت خجلاً.

والقول الرابع والخامس قالهما أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (المتوفى: ٢٠٧هـ) في كتابه معاني القرآن (٣٦٦/١):

وقوله: «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها»؛
من خفض يريد: فله عشرُ حسناتٍ أمثالِها.
ولو قَالَ هاهنا: «فله عشرُ مِثلِها»، يريد: عشرُ حسناتٍ مثلِها؛ كَانَ صوابًا.

ومن قَالَ: «عشرٌ أمثالُها» جعلهنّ من نعت العشر.

و(مثل) يَجوز توحيده: أن تَقُولُ فِي مثله من الكلام: هم مثلكم، وأمثالكم، قَالَ الله تبارك وتعالى: «إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ» [النساء:١٤٠] فوحّد، وقال: «ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ» [محمد:٣٨] فجمع.

ولو قلت: عَشْرٌ أَمثالُها كما تَقُولُ: عندي خمسةٌ أثوابٌ لَجازَ.

وقوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: بلا إله إلا الله، والسيئة: الشِّرك.

وقال بالبدل عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي، أبو محمد، محيي الدين الحنفي (المتوفى: ٧٧٥هـ) في كتابه الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٥٠٨/١):

وَقَرَأَ فى رِوَايَة الْحسن عَنهُ: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} بِرَفْع عشر منونا وَرفع لام أَمْثَالهَا، وَبِه قريء من طَرِيق يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ، وَنسب إِلَى الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَالْأَعْمَش، وتأنيث الْعشْر لكَونه عبارَة عَن الْحَسَنَة، وأمثالها بدل.

قال محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: ٣٧٠هـ) في كتابه معاني القراءات (٣٩٧/١):
وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا).
ْقرأ الحضرمي وحده (عَشْرٌ أَمْثَالِهَا) منونا بالرفع، وقرأ الباقون (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) مضافا.

قال أَبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَشْرٌ) أراد: فله حسنات عَشْرٌ أمثال الحسنة التي جاء بها.
وَمَنْ قَرَأَ (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) أراد: فله عَشْرُ أَمْثَالِ تلك الحسنة، والمعنى واحد.

والحمد لله رب العالمين