المساجد عند أطفالنا ذكرى مملة
صهيب الفلاحي

المساجد هي مصانع الرجال ، وهي التي من خلالها تصقل النفوس وتزكى الأرواح قبل الأجساد ،
وهي اليوم الملاذ من كل الملهيات والمفسدات التي ابتليت بها مجتمعاتنا .
صلينا أمس في احد مساجد عمان المباركة صلاة التراويح ، وكان على يميني طفل أتى مع أبيه للصلاة ، الطفل لا
يتجاوز عمره ست سنوات ، وكان مؤدبا وخلوقا جدا ، بدأنا بصلاة العشاء ولم يعترض الابن ، انتهينا من أول
ركعتين بدأ الطفل يسأل والده متى نذهب ؟ وهذا بداية للضجر ، انهينا الركعات الأربعة ازداد شعور الطفل
بالضجر أكثر وطلب من والده بإلحاح (ولكن بأدب) أن يخرج من المسجد ، بعدها قدم شيخ المسجد محاضرة
استمرت بحدود ربع ساعة استغلها الطفل في النوم بحجر والده ، أيقظه الأب للبدء بصلاة الركعتين الخامسة
والسادسة ، قام الطفل متثاقلا غير راغب في الصلاة ، وأصر على والده بعد انتهاء الركعتين بالخروج ،
ولكن الأب أشار له بيده (لم يبق إلا ركعتين).
خرج الطفل فرحا عند انتهاء الصلاة وليس له هم إلا بأن يخرج مسرعا تاركا ذكرى "مملة" لليلة من ليالي رمضان عن المسجد .
اذكر عندما زرت بيت الله الحرام للحج قبل عامين وكنت أطوف قريبا من الكعبة المشرفة ، والطواف في هذا
الوقت يشهد زحاما شديدا وتدافعا بسبب كثرة الحجيج ، في هذا المشهد كان هناك طفلا صغيرا مع والديه
يطوف وقد أرهقه التعب وانحصر بين الناس لدرجة انه كان يسحب نفسه بصعوبة بالغة بسبب قصره وطول من يحيط به .
أشفت عليه كثيرا ، وقلت في نفسي أحيانا نخطأ بتربية أبناءنا عندما نضطرهم ونجبرهم على عبادة لا تتناسب مع أعمارهم .
يقول علماء التربية عن اللعب: أن الهدف الحقيقي منه هو تنمية المهارات الحركية عند الأطفال و تفريغ الشحنة
الانفعالية عندهم حتى يشعروا بالتسلية و المتعة الحقيقية .
ولهذا الطفل يصر على أبيه أن يخرج معه للصلاة ظناَ منه انه سيذهب لمكان يفرغ فيه طاقته الحركية ، ولكن
يتفاجئ أن والده يحبس فيه طاقته الحركية .
أقول: لا بد لنا من ربط أطفالنا بالمساجد ربط ننمي فيه حبهم وتعلقهم بهذا المكان الطاهر ، ونغرس في نفوسهم
أن النجاح والسداد والتفوق لا بد أن يخرج من هذا المكان.
فكم جميل أن يصحب الأب ابنه الصغير في إحدى الصلوات الخمس (عدا التراويح والجمعة) وبعد الصلاة يعرفه
على المسجد ، أو يجلس معه يحكي له قصة فيها عبرة ، أو يجعله يلعب بعض الألعاب الخفيفة مع زميل له بنفس
عمره ، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم لعب الأحباش في مسجده ، أو حتى يحفظه من قصار السور ، أو يدرسه .
وكم هو جميل ذلك المهرجان الذي أقيمت في القدس عام 2009 ودعي له 3500 طفل فلسطيني ووزعت لهم
أدوات رسم وألوان وانطلقوا في محيط المسجد الأقصى يتفننون في رسمه ورسم قبة الصخرة والمتوضئ وغيرها من
الأماكن ، وتقدم مجموعة جوائز لأفضل رسم ، وهكذا ربطوا الطفل منذ صغره بالمسجد وحبه وتخيله بأجمل ما
يكون خاصة أن الرسومات تعبر عما يجول بخواطر الأطفال، وتنمي الذكاء والخيال .
تجربة مختلفة
للكثير منا ربما تجربة عملية واقعية تثبت أن اصطحاب الابن الصغير لا يولد لديه ذلك "الممل" الذي تحدثنا عليه
سابقا ، خاصة إذا كانت الصلاة خفيفة ، أو كان الصغير "يستمتع" بجو المسجد أو كان الطفل ممن يتمتعون
بهدوء ، أو أي أمر آخر يجعل من المسجد يحقق الهدف الذي يسعى إليه كل أب بتعلق ابنه بهذا المكان الطاهر .
وربما هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قطعه لخطبة الجمعة ونزوله عن المنبر لرفع الحسن والحسين
رضي الله عنهما عن الأرض ورقيه بهما إلى المنبر ، وهو صلى الله عليه وسلم من خفف الصلاة حين سمع بكاء
الطفل الرضيع .
أخيراً لنبدع في ربط أبنائنا بالمسجد ، ولنحرص على أن يكونوا ممن يظلهم الله يوم القيامة تحت ظله كونهم ممن نشأ في طاعة الله .