فلسفة زواج‎‎
محمد تكديرات




الزواج ليس عقد رجل على امرأة وإنجاب أطفال، الزواج التقاء أرواح تولد طاقة تدفع بهذه الأمة إلى الأمام، كما أن جهاد المرأة في بيتها جهاد في سبيل أمتها، ومتى كانت المرأة متشبثة بدينها ملتزمة بشريعتها كانت كالشعاع يضيء لنفسه ولغيره فيكسب بذلك رضا نفسه ومودة الآخرين، والرجل رجل بفطرته التي ركبت فيه من صلابة وقوة ورباطة جأش، إذ يكون بذلك الوقود الأساسي لهذه الأمة والمحرك الفاعل بداخلها، لذلك رغب الإسلام في الزواج أيما ترغيب، حتى يكمل النصف نصفه الآخر ويصير الجزآن جزء واحد، ومن هنا نجده قد اشترط في كلا الطرفين شروطا تستلزم من وجودها وجود السعادة التي يصبو إليها كل متزوج.
فنجده يشترط في الرجل أن يكون ذا شريعة وأمانة، لا أي الرجال، فالحافظ لحقوق خالقه حارس لنصفه الآخر، والأمين في معاملاته وتصرفاته أمين لأهله، ومن ليست هذه حاله وصفته ردته المرأة المسلمة، إذ هي تخشى أن تجرح جسد الأمة على يد “ذكر” لا يزال يصارع فكره؛ هل يصلي اليوم أم غدا؟!




وفي الجهة المقابلة نجد الشريعة تزرع في روح المرأة عقلاً ثانيًا، إذ تحثها أنّ خير النساء من زادها حسن جمال وجهها جمالاً في عقلها وأخلاقها، فإنْ هي وجدت رجلها الكفء، يسّرت عليه، ثم يسّرت، ثم يسّرت؛ لأنها تعلم يقينًا أنها إنسان يريد إنسان، لا سلعة تحتاج شاريًا!، ومتى كانت المرأة الرخيصة في مهرها إلا وكان ذلك دليل على ارتفاع قيمة عقلها، إذ لا تنظر بذلك إلى جمال وجهها بل إلى حسن من يكون أهلا لها.




واعلموا أنَّ الرذيلة لا تظهر في مجتمع من المجتمعات إلا حينما تغيب مثل هذه المعاني عن عقول الناس، فيصير كل بيت يشرع لنفسه ما يراه متماشيًا مع شهوته ويسن سننًا تمليها عليه مخيلته، ظنًا منه أنَّه ينشئ بذلك قانونًا يضمن له سعادة كما تمناها، ولا يكون في الحقيقة إلا كمن يخطو أولى خطواته نحو الضياع.
الزواج يحتاج منّي ومنكم ومنا جميعًا، أنْ نسمح لبعض أفكار الجاهلية مغادرة عقولنا، فما أحوجنا لعقول شربت من ماء الشريعة وتشبعت بروح الوحي، لا يصدها عن ذلك طقوس مريضة ولا إغراء مجلة ولا إعلان جريدة، همها الوحيد بناء أمة عنوانها الفضيلة وأول لبناتها المرأة الصالحة.




هل تصدقون أنّ رسول الله، - صلى الله عليه وسلم-، تزوَّج بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت، وكان الأثاث: رحى يد، وجرة ماء، ووسادة من أدم حشوها ليف. وما كان به فقر، - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أراد بذلك أن يعلم الناس أنَّ مهر المرأة ليس ما تأخذه قبل رحيلها إلى بيت زوجها، بل ما تجده بعد رحيلها من أخلاقه وكرمه وحسن معاملاته، وما فائدة المهر الكثير إن كان يورث ذلاً بعد ذلك؟ وما فائدة المهر الكثير إن كان يحدث عداوة بعد ذلك لا حبًا؟ وما فائدة المهر الكثير إن كان ينشئ اليوم زواجًا ويحدث غدًا طلاقًا؟ فالمرأة زوجة حينما تجد زوجها لا حينما تجد ماله، وهي زوجة حينما تجد نفسها فيه لا حينما تجد جزءًا منه، وهي زوجته حينما تتممه لا حينما تنقصه، فيكونان معًا كالنفس الواحدة.




الزواج مملكة، أميرتها المرأة، ما دامت هي المصنع الوحيد الذي يلد، وما دامت لا تبيع ما تلد، فهي تسعى جاهدة أن يكون ولدها أفضل منها أضعافًا مضاعفة، أفضل منها علمًا وأناقة وخبرة بمتطلبات الحياة الجديدة، لكن لن يكون أفضل منها رحمة بنفسه! فهي لا تعيش لنفسها بقدر ما تعيش لأبنائها، وكم من جرعات ظاهرها الألم تسقيها الأم لابنها طلبا لشفائه ورحمة لحاله وباطنها مملوء بدعوات الرحمة والسلام.
وأذكر هنا مقولة الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله -: إذا أردت امرأة كخديجة، فكن رجلا كمحمد!