كيف أنزع الغيرة بين طفليّ الصغيرين؟
أجاب عنها : همام عبدالمعبود

السؤال:
عندي ولدان، الأول عمره 4 سنوات، والثاني عمره 9 أشهر، والولد الأول شديد الغيرة من الثاني، إلى درجة كبير جداً، حتى أنه يغار من أبسط الأشياء. فكيف التعامل معه؟ وجزاكم الله خيرًا.






الجواب:
أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك باهتمام شديد؛ والموضوع بلا شك على درجة من الأهمية، ولهذا فإنني أدرك سر انزعاجك، غير أنني أقول لك:
1) هون عليك، فلست وحدك الذي يشكو من هذا الأمر، فهناك الملايين من الآباء – في عالمنا العربي والإسلامي- الذين يشكون مما منه تشكو، لكن أرجو ألا تفهم من كلامي أن الموضوع غير ذي بال، لا.. بل إنه على درجة من الأهمية، فقط أوصي بأن نضعه في حجمه الحقيقي، بلا تهوين ولا تهويل.
2) مازال هناك متسع من الوقت لتدارك الأمر، بالنسبة لحالتك، فطفلاك – كما ورد في رسالتك دون السادسة من العمر، أكبرهما عمره 4 سنوات والآخر لم يكمل عامه الأول بعد، أي أنهما لا يزالا في المرحلة الأولى (قبل بدء الدراسة)، وهو ما يعني أن المصدر الذي يتلقيان منه محصور في الأسرة، وأخص بالذكر الأم.


3) أحييك على اهتمامك بأولادك، وانتباهك إلى سلوكياتهما، ورصدك لأدق المخالفات، وسعيك للبحث عن حلول وعلاجات قبل أن تتفاقم المشكلة وتصير عصية على الحل، وهذا سمت الأب الواعي المدرك لحجم وثقل المسئولية، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظه أم ضيعه) [رواه الترمذي].
وأستعين بالله – أخي الفاضل- وأقول لك:
1) إن بعض الآباء يقعون في خطأ كبير حينما يعقدون مقارنة بين أبنائهم بعضهم بعضا ، فمعلوم أن الطفل إذا شعر بتفوق أخيه عليه فإنه سيشعر بالهزيمة وسيختزن أحزانه في عقله الباطن، لتتحول هذه الأحزان بمرور الأيام إلى مركب نقص، فيحقد الطفل على أشقائه اليوم، وغدًا يحقد على المجتمع ومن ثم يميل للعزلة، وهو أمر يطلق عليه خبراء علم النفس والاجتماع (حالة الانفجار النفسي).
2) إن الدين الإسلامي الحنيف يوجهنا إلى الأسلوب الأمثل في التعامل مع الأبناء، ويقرر مبدأ العدالة الأبوية، وعدم الميل مع هوى النفس والقلب، على حساب إهدار حقوق باقي الأبناء. وقد روي عن أنس (رضي الله عنه) أن رجلاً كان جالساً مع النبي (صلى الله عليه وسلم) فجاء ابنٌ له، فقبلَه وأجلسَه في حجره، ثم جاءت بُنيةٌ فأخذها الرجل وأجلسها إلى جواره، فنظر إليه النبي المربي (صلى الله عليه وسلم)، وقال له: (ما عدلت بينهما).


3) الفت انتباه أهلك (زوجك) إلى أهمية مراعاة العدالة بينهما، والحرص على عدم إظهار حبها لأحدهما– وإن كان له ما يبرره- أمام الآخر، وخاصة أمام الطفل الكبير (ذي السنوات الأربع) لأنه الذي قد يدرك معنى الغيرة ن أخيه الأصغر، وهذا يقتضي منها الحكمة في اختيار الوقت والقدر والكيفية التي تدلل بها الطفل الصغير، وأهمها عندما تخلو به بعيدًا عن أخيه الكبير، وخاصة في أوقات نومه.
4) السعي لزرع الحب بينهما: وهذا أمر يأتي بالتكرار، والصبر، وخاصة من الأب والأم، عن طريق الآتي على سبيل المثال: (أعطي الطفل الكبير لعبتين متطابقتين تمامًا في الحجم واللون، ثم اطلب منه أن يأخذ واحدة له وأن يعطي أخاه اللعبة الأخرى)، وكرر هذا الأمر في أشياء أخرى (قطعتين من الحلوى – كتابين مصورين - ...إلخ)، فهذه أولى الخطوات ناحية زراعة الحب بينهما.
5) خصص لهما غرفة نوم واحدة، بها سريران، لكل منهما سرير خاص به، فعندما ينشآن معًا في غرفة واحدة فإن الحب والوئام يكبر وينمو معهما، ويصيرا صديقين، وهو أمر يساعد ولا شك في القضاء على مرض الغيرة، خاصة عندما يكبران، ويفهمان معنى الغيرة، والتفضيل على الآخر.
6) وعليك أخي الكريم – لكونك الأب- دور لا ينكر، فأحرص على التسوية بينهما، في كل شيء، في العطية والهدية والقبلات والأحضان، وربهما على هذا الأمر، فقديما قالوا: (وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه)، فعودهما على الحب، والتعاون، وازرع فيهما منذ الصغر قيم: (احترام الصغير للكبير)، و(عطف الكبير على الصغير).
7) احذر وزوجك من بث روح التنافس بينهما، إلا في الخير والطاعات، ولا تبالغ في الثناء على أحدهما في حضور الآخر، ولا تبالغ في توبيخ أحدهما أمام الآخر، فإن هذا مما يشعل نار الحقد والغيرة والحسد بينهما.




واعلم أخي – زادك الله فقهًا- أن ما تبذره اليوم ستحصده غدًا، فإن بذرت بينهما روح الحب والتآخي والتعاون والعدالة والمساواة فستحصد غدًا إن شاء الله البر منهما لك، والترابط والوئام الشديد بينهما، أما إذا غفلت عن هذا – بقصد أو بدون قصد- وتركت لهما الحبل على الغارب، ولم تراع المساواة بينهما والعدالة في علاقتك بهما، فإن الشعور بالغيرة والحقد سينمو بينهما، وجميعنا يرى ويعرف الكثير من القصص لدى جيراننا أو في أهلينا وأسرنا، والنماذج كثيرة.
وقنا الله وإياكم السوء والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وعلمنا وإياكم هدي السبل وسبل الهدي، ورزقنا وإياكم الحكمة في القول والعمل، والعدل والسوية بين الأبناء... آمين. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..