الحب قبل الزواج
هدى محمد نبيه




الحب من المعاني العظيمة التي يسعد الإنسان بها، وهو انجذاب القلب بصورة غير إرادية نحو المحبوب من الجنس الآخر، وما قد يرافقه من أنواع التمنيات والآمال المُحللة شرعاً، كأن يتمنى الحبيب أن يصبح حبيبه شريكاً لحياته من خلال زواج شرعي، فهذا النوع من الحب جائز لا إشكال فيه إن توقف عند هذا الحد، ما لم يتعدى إلى النظر أو اللمس المُحرَّم، أو المحادثات المحرَّمة. فالحُب في واقعه أمر غريزي وفطري وآية من آيات الله المهمة، جعله الله - عز وجل - بين الجنسين سبباً لاستمرار النسل البشري واستقراره وراحته وسدِّ حاجته، ورفع النقص والحرمان عن الجنسين بواسطة انجذاب كل منهما إلى الآخر لكن بالطرق المشروعة، قال الله - عز وجل -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[سورة الروم: الآية: 21].
غير أنني في هذه الأيام أرى الكثير من التجاوزات التي تقع من فتياتنا، وانتشار العديد من المفاهيم الغربية البعيدة كل البعد عن ديننا الإسلامي، ومن هذه التجاوزات:




1 - انتشار مفهوم الصداقة بين الفتى والفتاة، والاختلاط الواقع بين الشابات والشباب في المدارس والجامعات، والذي يعتبر من أهم أسباب وقوع الفساد وانتشار المعاصي.
2 - الحب قبل الزواج، فأصبحت الكثير من الفتيات يشترطن الحب لكي يقدمن على الزواج، بدلاً من البحث عن دين الخاطب وأخلاقه.
3 - ما تروجه وسائل الإعلام بواسطة بعض الأفلام والمسلسلات من مفاهيم خاطئة عن خصائص فترة المراهقة بأنها مرحلة الوقوع في الحب، مبررين تلك التجاوزات التي تصدر من بناتنا، الذين يريدون قضاء أوقاتهم وشغل سنوات دراستهم بالحب، فهذا منكر لابد من الخلاص منه؛ لئلا يفتك بصاحبه. فكم عُذِّب به أناس؟ ومرض به صحاح؟ وكم أدخل قبراً؟ ناسين أو متناسين الأمثلة والقدوة الحسنة التي ظهرت من بنات في نفس العمر.




4- الاحتفال بعيد الحب، ولقد انتشر الاحتفال به في الآونة الأخيرة، على الرغم أنه من الأعياد الوثنية النصرانية، فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقره أو أن يهنئ به؟ بل الواجب تركه واجتنابه؛ استجابة لله ورسوله، وبُعداً عن أسباب سخط الله وعقوبته. ولقد قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - وجمعني به في دار كرامته-: الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: أنه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة.
الثاني: أنه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: أنه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح - رضي الله عنهم -.




فلا يحل أن يحدث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التهادي، أو غير ذلك.
وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه، وأن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق.
* والسؤال هنا: هل مشاعر الحبّ بين الجنسين غير المتزوجين جائزة في الإسلام أم أنّها تندرج ضمن نطاق المحرّم الذي يجب على المسلم تجنّبه؟ وإذا جازت هذه المشاعر فما هي حدودها وضوابطها وما هو مصيرها ؟
أخواتي الحبيبات.. في البداية يجب أن تعلمن أن الإسلام لم يطارد المحبّين، ولم يستنكر بواعث العشق والهوى في النفوس، ولم يجنح لتجفيف منابع العاطفة، بل على العكس؛ قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "لم يُر للمتحابين مثل النكاح"، وهناك رواية جاءت في الصحيحين [البخاري ومسلم] ورغم ذلك لا يعرفها كثيرون وهي تؤكد رعاية الإسلام ورسوله الكريم واحترامها لمشاعر الحب..والرواية تقول بأن "خنساء بنت خدام" زوَّجها أبوها رجلا فكرهت ذلك وجاءت إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - لتقول له: إن أبي أنكحني (أي زوّجني) وإنّ عم ولدي أحن إليّ أي، أنها ترى أن أخا زوجها سيكون أحنّ عليها وعلى أولادها.. ولربما كانت تحمل نحوه مشاعر طيبة إلا أن حياءها منعها من أن تبوح بذلك للرسول الكريم بشكل مباشر، ترى ماذا كان حكم الرسول العطوف - عليه الصلاة والسلام -؟ حَكم الرسول الكريم بألاّ تتزوج الرجل الذي اختاره أبوها لها وأن تطلق منه، ولم يرد بعد ذلك توضيح ما إذا كانت تزوجت هذه السيدة من أخي زوجها أم لا؟ لكن الشاهد والمؤكد في هذه الرواية أنه لا إجبار في الزواج... ولا زواج دون حب وألفة.. وهو ما يؤكد أن الحب في الإسلام مباح.. بل لعلنا لا نغالي إذا قلنا بأنه ضروري ومهم، فلقد فهم ديننا الحنيف نفسيّة الإنسان وأقر له باحتمالية وجود ونشوء مشاعر الحبّ نحو الآخر، إلاّ أنّه وضع لها من الضوابط ما يهذبها ويسير بها نحو طريق الأمان، فكان الزواج هو واحة المتحابّين الوحيدة في التشريع الإسلامي، أما ما يحدث اليوم من مقابلات ونزهات وأحاديث هاتفية وخلوة أو رسائل وتبادل صور ومتعلّقات، فذلك من النوع المحرم قطعاً والذي قد يقود الإنسان نحو الهاوية، فالحبّ الذي لا يتعدّى حدود الإعجاب والذي لم يصاحبه محرّمات فصاحبه يدخل ضمن نطاق المعذور. لكن إذا ما بدأت المحرّمات تتولد بسببه فحكمه بدون جدال عند الفقهاء هو "الحرمة".




أخواتي الحبيبات... الحب نعمة عظمى يدركها من يحسن استخدامها كبقية النعم الربانية لبني الإنسان، ولقد وهب الله لكل فتاة قلبا نابضا بأحلى مشاعر الحب، وعاطفة جياشة ليؤهلها لأجمل وأعظم مهمة لها في ذلك الوجود وهي الزواج والأمومة.. فمشاعرك التي وهبها الله لك هي كنزك الثمين أنفس من اللآلئ والياقوت... فهل يصح أن تلقي عقد جواهرك على قارعة الطريق يلتقطه قاطع طريق أو يطمسه التراب؟
فأعلمي أختي الحبيبة أن أي شاب لا يستطيع أن يطلب من الفتاة ما يريده مباشرة، بل يبدأ بخطوة أولى تعقبها خطوات تدريجية، فهو أولا يطلب منها فقط أن تكلمه في التليفون أو ترد على رسالته؟ أو تقابله في مكان ما لتجاذب أطراف الحديث والتعارف... ثم يبثها مشاعره ويلعب على الوتر الحساس لأنه يعلم أن كل فتاة تشتاق لمن يقول لها "أحبك"... ثم يصبح الأمر أكثر سهولة عندما تحب الفتاة ويكون كل ما يهمها الكلمات الحلوة والمشاعر الجياشة، ثم عندما يطلب منها الشاب أشياء حسية مثل اللمسات تستجيب كي تحتفظ بالحب والكلمات الحلوة... وهكذا تتدرج الفتاة في خطوات العلاقة وتستفيق فجأة لتجد أنها انحدرت إلى فعل أشياء لم تكن تتخيلها، وإلى مستوى من العلاقة لم يكن هو هدفها الأصلي، وهذا ما يفكر فيه أغلب الشباب. فاحذري الخطوات يقول - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 168].




وأعلمن أخواتي الفضليات أن الشاب الذي يخرج مع فتاة حين يريد الزواج لا يتزوج هذه الفتاة، وإنما يتزوج بأخرى غير التي عرفها وتساهلت معه، فهولا يثق بها ولا يراها جديرة بأن تكون زوجة له تحمل اسمه ولا أما لأولاده.
فالفتاة العاقلة المؤمنة هي التي تدخر عواطفها ومشاعرها لمن يستحق هذه المشاعر، وهو ذلك الأمير الذي يدخل البيت من بابه ليطلب خطبتها من أهلها، فشتان بين علاقة تنشأ في النور يباركها الله وتكون تحت أعين الأهل، وبين علاقة مسروقة تخفيها عن أهلك. يقول الله - تعالى - عنها: (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون)[البقرة: 189]. نعم "واتقوا الله لعلكم تفلحون".




ولعلك أختي العاقلة تسمعين عن حالات الطلاق التي أصبحت تتزايد يوما بعد يوم، وتتساءلين بينك وبين نفسك لقد تزوجوا عن حب فلماذا إذاً الخلافات؟ أعلمي أن أكثر من يقيم علاقات من حب أو نحوه قبل الشروع في الزواج إذا ظفر بمحبوبه وتزوجه يصيبه الفتور وتحدث نفرة في العلاقة بينهما، لأن كلا منهما يطلع على عيوب من صاحبه لم يكن يعلمها من قبل.
أختي الحبيبة... العشق والهوى مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء علاجه وأعيى العليل دواؤه، والعشق إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله - تعالى - المعرضة عنه، فإذا كنت ممن ابتلين بهذا المرض، فتعالي معي نتلمس معا طريق الشفاء من هذا المرض العضال، ولتتبعي معي تلك الخطوات علها تكون عونا لك:




1 - التوبة إلى الله.. أختي الحبيبة، بعد أن علمتِ الآن أن العشق حرام، فلتسارعي بالتوجه إلى الله، فها هي أبواب التوبة على مصراعيها أمامك، ولا تحزني فلقد قال - تعالى -: (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فانه غفور رحيم).
2 - إخراج القلب من فراغه بكثرة الاستغفار؛ لأن الله جعل الاستغفار فرجًا ومخرجًا من كثير من الأزمات، والصلاة على النبي المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله جعلها سببًا لتفريج الهموم، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، والالتحاق بمعاهد خاصة لتحفيظ القرآن، أو العمل التطوعي بجمعية خيرية بهدف العلم وخدمة الآخرين، وإشغال الوقت بالنافع، فستجدين في قلبك حلاوة ما بعدها حلاوة وسعادة ما بعدها سعادة.




3 - غض البصر، فإنه سبب لسد باب الفتنة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله، أثابه الله - عز وجل - إيمانًا يجد حلاوته في قلبه))[أخرجه الحاكم والطبراني].
والبعد عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات وسماع الأغاني، التي تروج لأفكار غربية بعيدة كل البعد عن قواعد الدين الإسلامي.
4 - احذري حبيبتي من الأمور التي تمس سمعتك، مثل الأمور التي تخدش الحياء والعفة والتبرج والمبالغة في الزينة، والتحدث مع غير المحارم، والمراسلة بين الجنسين عبر النت (الشات)، فهي من الوسائل الخاطئة، والتي تلجأ إليها الفتاة أحيانا للتعرف على الجنس الآخر بهدف الحصول على زوج، وكم جرَّت هذه الوسيلة من ويلات ذاقت الفتاة وأسرتها مرارتها. ومن الوسائل الخاطئة أيضا إهداء الصور للصديقات، أو وضعها في المجلات أو على المواقع الإلكترونية، ليطلع عليها الشباب، مع العلم أن الشباب حتى غير المتمسك بأحكام الدين لا يرغبون في الزواج إلا من صاحبة الحياء والستر والعفاف.




5 - الإخلاص في مقاومة النفس من الوقوع في داء الحب العاطفي... وذلك لان الإخلاص سبب في التخلص من الفواحش عموما فقد قال - تعالى -: (كذلك لنصرف عنك السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين)[يوسف].
6 - عدم التفكير في المعشوق ومحاسنه، بل إن شئتِ فتذكري عيوبه حتى يبتعد عن فكرك، فإنه من دواعي الاندهاش والعجب أن بعض الفتيات تعلم إن عشيقها يكذب عليها، وهى رغم هذا تواصل العبث بالنار.
7 الصحبة الصالحة، فالرفيقة الصالحة لها أثر كبير في استقامة أمر الفتاة المسلمة وتحليها بالعادات الحسنة، وتكون الرفيقة في الغالب صورة مماثلة لها في أخلاقها وسجاياها،
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الرجل على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل))[رواه أبو داود]، وقال الله - تعالى - في شأن الصحبة الصالحة: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28].
وأخيرا: حبيبتي أعلمي أن الله خلق الإنسان وقد رُكبت فيه نية ودوافع الخير والشر، وجعل أمامه طريقين: طريق عبادة الرحمن، وطريق إتباع الشيطان، طريق مستقيم يؤدي إلى الخير، وطريق شائك يؤدي بأصحابه إلى الهلاك، وتذكري أن طاعة الله تحتاج إلى مجاهدة النفس وإلزامها وإكراهها على فعل الخيرات، فأجر مجاهدة النفس هو الهداية إلى طريق الخير كما قال تعالي: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].