طفلي يغار
عبد المطلب السح


لأنه بشر فهو يغار، ولأنه طفل فغيرته بريئة، ولأنها بريئة فهي محببة قريبة من القلب، فسبحان الذي أودع عند فلذات أكبادنا تلك المشاعر الرائعة والتي منها الغيرة لتكون امتحاناً لنا ولحكمتنا من جهة وسعادة ونعمة من جهة أخرى.
روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان رجلٌ جالسٌ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فجاء ابنٌ لهُ فَقَبَّلَهُ، ثم أجلسَهُ في حِجْرِهِ، وجاءتْ ابنةٌ لهُ فأخذها إلى جَنْبِهِ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( ألا عَدَلْتَ بينَهما)) صححه الألباني، ذلك هو العنوان العريض ومنه نبدأ:
يسعى الإنسان نحو الأفضل والأكمل والأحسن وفي سعيه هذا هناك شعور بحب تملك الأشياء سواء المادية أو المعنوية، والغيرة هي تعبير عن ذلك تدفع الإنسان لأن يكون الأفضل ولديه الأحسن وكأنها حافز للإنسان، والطفل يحب أن يكون ما حوله له، فأمه له، وإن رآها تحمل طفلاً آخر فسيبكي ويضطرب ويقاوم كي يبقى حضنها له وحده، وخصوصاً إن كان الطفل من نفس عمره، والألعاب له وليست لسواه، والدلال يطلبه لنفسه، والأطعمة اللذيذة في منظروه له، وإن أعطي أخ له أكثر منه فالأمر جلل، وإن تم تفضيل أحدهم عليه فالطامة أكبر ولو من وجهة نظره فقط. إن شعور الغيرة من الفطرة التي جبلنا الله - تعالى -عليها، إن وجود درجات معتدلة من الغيرة أمر طبيعي ومحبب، كونها تبرز شخصية الطفل وتساعد على التنافس وتمنح الطفل طموحاً وحيوية مطلوبين، فمثلاً غيرة الطفل في المدرسة تدعوه لأن يكون من المتفوقين بإذن الله.
إن حب التملك قد يزداد عند الطفل لدرجة غير مرغوبة بسبب الدلال الزائد، وبالتالي يتحول إلى رغبة بتملك حاجات الغير، وهنا يصبح طمعاً، وإن زاد أكثر –لا سمح الله- فقد يتحول إلى سرقة ومن أسبابها الشائعة الحرمان، وكذلك قد تصبح الغيرة غير سوية بحيث يتصور الطفل أشياء لا حقيقة لها كأن يفكر بأن أهله لا يحبونه، أو يتصور خطأ أن أخاه قد نال أكثر منه، وقد يحاول الأهل إرضاءه على حساب أخيه، وهذا ليس بالصواب، أما إن قلّت الغيرة فقد يدل ذلك على لامبالاة الطفل أو على اضطراب في مزاجه ونفسيته أو على شعور بالإحباط واليأس لديه. مولد طفل جديد: قد يتحول هذا الأمر لمشكلة، فالذي تربى على أن والديه له دون سواه، والذي عرف كيف يأخذ كل وقت ذويه، عليه الآن أن يتخلى عن الكثير من ذلك للقادم الجديد الذي يحتاج للعناية والرعاية، ولذلك تطرأ ارتكاسات تراجعية على الطفل كأن يعود للتبول على نفسه أو نراه يتصرف تصرفات أصغر من سنه محاولاً تقليد أخيه الصغير، وكذلك يصبح عصبي المزاج، وقد يقوم بأعمال تؤذي أخاه حقاً وقد يحاول منع أخيه من البقاء في حضن والدته، كما أنه قد يحاول أخذ حاجياته وألعابه وأغذيته وحتى قد يرضع بدلأ عنه، وقد يوجد بعض الشعور العدائي لدى الطفل ويتعزز بمرور الأعوام، لاسيما إذا لم يحسن الأهل التدبير. إن تفهم الأهل ووعيهم كفيل بحل القضية، فعلى الأبوين شرح التبدلات التي ستطرأ على العائلة مستقبلاً، ويجب إخبار الطفل أثناء الحمل أن هناك مولوداً قادماً ومن الممكن إحضار بعض الدمى حتى يراها الطفل بحضن أمه ليتأقلم على التنازل بالتدريج عن بعض مما يشعر أنه له ويتعود على الظرف الجديد الذي سيحصل في البيت.
إن عدل الأبوين بين الأبناء ضرورة وإلا انفجرت مشاعر الغيرة، إن الغيرة حقيقة، والمطلوب هو الحفاظ على غيرة سوية عند أطفالنا، إن من الأمور التي يجب عدم إغفالها رحابة صدر الأهل وحسن تدبيرهم والتفكير من وجهة نظر الابن وليس من وجهة نظرنا، دعونا ولو للحظات نفكر كيف سيشعر طفلنا لو جلبنا لأخيه لعبة ولم نجلب له مثلها، أو حصل أحدهم على هدية دون الآخر، شعور صعب وبالنسبة للطفل هذه القضية كبيرة جداً، وتعني له الكثير وذاكرته تسجلها، علينا ألا ندع ذاكرة هذا الطفل البيضاء البريئة تكدس أمثال هذه القضايا، بل علينا أن نجعلها ذاكرة مليئة بكل ما هو نافع وجميل، إن اتباع أسلوب المكافأة والتقدير يعتبر رائعاً عند الأطفال، حيث يجب تقديم الجائزة من وقت لآخر لمن يستحقها لقيامه بعمل ما أو نجاحه باختبار ما أو إن حصل على علامات جيدة في المدرسة، وهنا نخلق جواً من الفرح والتنافس البريء بين الأخوة ونجعلهم يتجنبون الأمور التي قد تحرمهم الهدية، وفي حال حاجة أحد الأبناء لرعاية أكثر من غيره بسبب المرض مثلاً فمن الواجب توضيح ذلك. إن الوازع الديني الذي يجب أن يتربى عليه أبناؤنا صغاراً وكباراً فيه الضمان للحفاظ على الغيرة بمجالها السوي دون أن تتعداه، فديننا الحنيف دين الرحمة والمودة والعدل وبنفس الوقت دين الواقع في تعاليمه السمحة ما يكفي لأن نجعل الغيرة عند أطفالنا تعبر عن نفسها بأحلى أسلوب وتعطي النتائج الإيجابية بإذن الله - تعالى-.