لماذا نتكلم عن أخلاق العرب قبل الإسلام؟
ولماذا لا نتكلم عن أخلاق العرب في الإسلام؟
أقول: إنني أتكلم عن أخلاق العرب قبل الإسلام ليرى كل مسلم حكمة الله عز وجل في اختيار هذه البقعة من الأرض لتكون محلًا للرسالة الخاتمة ومهدًا لميلاد النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يتعالى فعله عن أن يكون لغير حِكمة، فهو سبحانه لا يفعل شيئًا إلا لحِكمة، وهو العزيز الحكيم، فاختيار الله عز وجل لنبيِّه صلى الله عليه وسلم من هؤلاء القوم، ومن هذه الديار خاصة يدل على أنَّ للعرب مزيَّةً ليست لغيرهم من الأمم، فاختار الله عز وجل نبيَّه منهم ليقول للعالم إنَّ هؤلاء القوم ليسوا هملا، ولا رعاعًا، وإنما هم خير أمة لو وجدوا من يكشف معدنهم الطيب، ويجلوا عن قلوبهم ما علق بها من أدران الشرك، وأيضًا أتكلم عن أخلاق العرب قبل الإسلام لأبيِّن للناس أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان دقيقًا تمام الدِّقةِ في اختيار ألفاظه في أقواله كلها عامَّة، وفى قوله: " إنَّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " خاصَّة، لقد كان رسول الله واضحًا تمام الوضوح، مبيِّنا تمام التبيين في قوله، فهو صلى الله عليه وسلم لم يقُل إنَّما بُعثت لأقيم صرح الأخلاق أو لأُقيم بناء الأخلاق، وإنما قال لأُتمم، والذى يتمم إنما يأتي إلى بُنيان قائم لكنَّه غير تامٍّ، فيأتي هذا المتمم ليكمل ما بدأه من كان قبله، وليتمم النَّقص الذى لم يُكمِله من سبقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يبين لنا أنَّ القوم كانوا ذوى أخلاق قاربت الكمال لكنَّها لم تصل إليه، إذن هم كانوا على خلقٍ كريم، ويتحلَّون بأخلاقٍ حسنة لكنها لم تصل إلى حدِّ الكمال إلا بعد أن نفخ فيها رسول الله من روحه، وصبغها بصبغة الله التي لا صبغة أحسن منها.
فهو صلى الله عليه وسلم لم يأت إلى قومٍ قد فنيت أخلاقهم فلم يعد لها وجود، أو انعدمت أخلاقهم، أو قد فسدت أخلاقهم فلم يبق أمل في إقامتها، إنما أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم فيهم من الأخلاق الحسنة الشيء الكثير، قد قاربوا حدَّ الكمال الأخلاقي لكنهم لم يصلوا إليه بعد، وسترى في هذه المقالات من روعة أخلاقهم، وجمال شيمهم ما يجعلك تقرُّ وتشهد بعظمة أخلاقهم.
وقصدت من وراء هذه المقالات أيضا أن أقول للجيل الحالي: إن لم تستطيعوا أن تقتدوا بالنبي، وشقَّ عليكم أن تقتدوا بأصحاب النبي، فلا أقلَّ من تقتدوا بالقوم الذين بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الذين لم يعرفوا الله عز وجل، فما عرف الله منهم إلا الحنفاء، أمَّا أكثرهم فكانوا عبَدةَ أوثان، لكن على عبادتهم للأوثان كان فيهم من الأخلاق مالم نصل نحن إليه إلى الآن، فإنَّ أخلاقنا الآن أصبحت متدنِّية، أخلاقنا الآن لا تُشبه أخلاق الرجال، سترى من أخلاق القوم ما يجعلك تنكِّس الرأس حياءً أمام هذا الجيل الذى لم ينقصه إلا أن يعرف الله عز وجل، ولو عرف ربَّه لكان له شأن آخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن بعضهم: (إنَّه لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدِّين)؛ والمعنى أنَّه لو قال ذلك لكان أرجى أن يصل إلى أعلى المقامات، سترى في أخلاق القوم ما يجعلك تقول كيف وصلنا إلى هذا التدنِّي الأخلاقي؟ كيف عجزنا عن أن نتشبَّه بمن يُقال عنهم إنهم أهل الجاهلية؟ هؤلاء الذين لم يروا نبي الإسلام، ولم تتشنَّف آذانهم بسماع كلام الملك العلاَّم، فكيف لو رأوا النبي، وسمعوا كلام الربِّ العلىِّ، إذن والله لكانوا سادة العالم، ولكانوا قادة الأمم.
أيضا كتبت هذه المقالات لأربط الجيل الحالي بالأدب العربي، فإن أكثر شبابنا وفتياتنا الآن قد انصرفوا إلى الأدب الغربي يلتمسون الجمال الفني في القصص والروايات، وعندهم في الأدب العربي ما يُغنيهم، فلماذا نلهث وراء الغرب؟ ولماذا نبحث عن الجمال عندهم وهو من بيوتنا قد خرج وفى أحضاننا قد درج؟ أهو تقليد المغلوب للغالب؟ أهو الإحساس بالانهزامية أمام سطوة الغرب؟ أليس عندنا في أدبنا العربي ما يفوق روايات الغرب جمالًا وحسنًا؟ أليس عندنا رسالة الغفران للمعرى التي حاكاها وقلَّدها دانتي في (الكوميديا الإلٰهية)؟ أليس عندنا في سائر مجالات الأدب ما يجعل الغرب يحني رأسه إجلالا وتعظيما لأدبنا العربي؟ لهذا شرعت في هذه المقالات لأقول لشبابنا وفتياتنا: الطريق من ههنا، ولألفت أنظارهم إلى الكنوز المدفونة في أدبنا العربي، فيرجعوا إلى موسوعات الأدب العربي كـ "الأغاني"، و"العقد الفريد"، و"الأمالي"، و"الكامل"، وغيرها من الأعمدة الرئيسة في أدبنا العربي، وأنا على يقين أنهم إن رجعوا إليها فلن يرجعوا عنها، وإن قرأوا فيها فلن يملُّوا القراءة فيها.
أيضا كتبت هذه المقالات لأقول إنَّ القراءة في الأدب تُرقق الطبع، ونحن نعانى في أيَّامنا من قسوة في الطِّباع، فاقت هذه القسوة قسوة الوحوش الضارية في الغابات النَّائية.
وليس الذئبُ يأكل لحم ذئبٍ *** ويأكلُ بعضنا بعضًا عيانا
لهذا أردت بهذه المقالات ترقيق الطباع وتحسين أسلوب الخطاب، لأننا نعاني في زماننا من أساليب في الخطاب قد أصبحت متدنِّية حتى عند بعض طلبة العلم الشرعي، وما أُتوا إلاَّ من قبل غفلتهم عن الأدب العربي شعرا ونثرا، فلو قرأوا في الأدب العربي لرقَّت طباعهم، كما قال الإمام الشَّافعي - رحمه الله -: من قرأ في الشعر رق طبعه.
أيضا أردت بهذه المقالات أن ألفت أنظار الناشئة من شبابنا وفتياتنا إلى أهمية اللغة العربية، وأنها ليست من نافلة القول، وأن من لم يُتقن العربية أولا فلن يكون منه خير، ولن ينتظر منه فلاحٌ.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/143599/#ixzz6gClfGRku